أشار إلي راجياً أن أنتظر ، كُنتُ قد هممتُ بالانصراف بعد انتهاء المحاضرة ، وكان هو يناقش أحد الأساتذة ،فلما أكمل الحديث أقبل علي وهو يقول :
ـــ أستاذ... ما رأيك في المحاضرة ؟
قلت ُ وأنا أبتسم : ــ محاضرة ... جيدّة ..
ــ رائع ... تبدو متحرراً ..
ــ لم أفهم ... لم أفهم ماذا تعني بقولك متحرراً ؟..
ــ أنا أٌقرأ .. أعني أقرأ مقالاتك ، وأعتقد أنك خير من يفهم ويكتبُ في التاريخ !
ــ لا أعتقد ... طيب جدّأ ... والحقُ يُقال هناك من هو أقدر مني في كتابة التاريخ ... لكن ... لم تخبرني ماذا قصدت َ بالمتحرر ؟
ــ لقد بدأت الأوضاع تتغير ... عرفناك تكتبُ وتتعصب للتاريخ الإسلامي ... غير أني تفاجأت لما حضرتَ محاضرتي حول الفلسفة ، والفلسفة الغربية الحديثة ، أمر عجيب!
ــ هذا رأيك ... وتظن أني لا أفهم إلا التاريخ ، ولا أكتب إلا حول الحضارة العربية الإسلامية ... وأنا سمعتُ من بعض زملائي أساتذة التاريخ يتحدثون عنك ، ويقولون بأنك لا تفهم الا الفلسفة الغربية ، ولا تحسن إلا الكتابة حولها وتستمتع بالكتابة والكلام عن نيتشه وهيغل وغادمر وكانتْ..
ـــ وماذا تعرف عن الخلاف بيني وبينك ؟
ـــ خلاف ..لا يوجد خلاف ، بل هو الفضول وما سمعته من زملائي عنك حفزني لكي أحضر محاضرتك .. أما الخلاف فلا يُوجد وإنما هي طبيعة العصر ، وهو التخصص فأنا متخصص في تاريخ تلمسان في العهد الزياني ، وأحاول أن أحيط بكل الجوانب الاجتماعية ، السياسية ، الأدبية وحتى النفسية ... وكذلك أنت أو غيرك ، فربما أنت تكرس كل وقتك لفردريك نيتشه !
وقد مضى وقت طويل جدا عن العصر الموسوعي وأجزم أننا لن نعيشه مرة أخرى ، إذ كان العالم ، الأديب وحتى الفقيه يحيط بعلوم شتى ومعارف متفرقة ...
ابتسم وقال : ــ يبقى الهدف ...
ــ نعم ... يبقى الهدف واحدا وعظيماً ... المعرفة والحقيقة ..
صافحني وقال وهو يبتسم : ــــ نعم ... يجب أن نلتقي ونثرثر حول المعرفة والحقيقة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق