مع الوالدة في بيروت/ د. عدنان الظاهر



[ 1965 ــ 1966 ]


هل تأتي


لتزورَ مرابضَ قريةِ مِحرابي


فصّلتُ مُقامي فيها فصْلاً فصْلا


ونشرتُ ثيابي لصدى أهوائي حَبْلا


ضمّتني غُصُناً في قبرِ


وبكتني برّاً في بحرِ


ومطاراً لعهودٍ طالتْ ... أفنتني ... كادتْ


من ثُمَّ رأيناها رأيَّ التُفاحةِ في العينِ


شَبَحاً أسودَ في ظلِّ جِدارٍ مُنهارِ


صَرَختْ ثم انهارتْ


جمّعتُ الأنفاسَ ولمْ تنهضْ


مَنْ ينهضُ والصوتُ العالي مأزومُ


يترددُ في مركبِ نُوحٍ في عَرْضِ اليمِّ


أُمّي ! آهٍ أُمّي آهٍ أُوّاها


خَفتَ الصوتُ ومرَّ المركبُ مرَّ الوهنِ


هل بقيتْ بيروتُ كما كانتْ


وكما شاهدتُ خطوطَ النملِ على رملِ الأهلِ ؟


بيروتُ حنينُ الناقةِ للحِمْلِ


حَمَلتني من بهوِ الطبِّ لبارِالجنِّ


شقَّ البدرُ جناحاً


يحملُ أُمّي بَرْقاً من جُندِ


وحلولِ الجسدِ النازلِ في ليلةِ قَبْرِ


قَدَري هذا .. قالتْ نَزَلَتْ تسقيني ماءَ الحُمّى


وأُعاطيها أخبارَ الجنِّ الحُمْرِ


تُبعِدُني ... تخشى العدوى !


بيروتُ مناجلُ عيدِ الإعصارِ


وبنادقُ شقِّ الأنفاقِ


تركتني أُحصي أنفاسَ البحريّةِ والطوقً الأمني


أُخفي دَمْعاتِ الموجِ بحبّاتِ الرملِ


أسمعُ فيها دقَّ طبولِ حِدادِ الأهلِ


فأقولُ سلاماً


تركتني عَظْماً يقرأُ آياتِ الفجرِ..


أوقفتُ خسائرَ فادحةً


في قلبِ الإعصارِ الضاربِ في سوءِ الظَنِّ


طارَ صوابُ الجاني والسادرِ في أنصافِ الحَلِّ


والغافي تحتَ الظُلّةِ في قيلولةِ عِزِّ الصيفِ


ما يعني شأني للضاربِ طُنبورَ أخاديدِ النسيانِ ؟


هيّا .. نبدأُ عصرَ التجديفِ المُرِّ


لا بحرٌ يبدأُ فينا لا ريحٌ لا قوسٌ لا بحّارُ


مِجدافُ البحرِ يُعطِّلُ موجاتِ الريحِ


أشرعةُ المدِّ قِصارُ ...


قلّبتُ الدُنيا فانقلبتْ بي


وتقلّبَ جرّاها منظورُ التعبيرِ


ما كانَ الوزنُ الصافي معروفا


أو كانَ الدِرعُ الواقي مصفوفا


وجّهتُ التوقَ لوجهةِ فوجِ التدريبِ الإجباري


لأُراقبَ ما يجري خلفَ متاريسِ الأنصابِ


هذا توق الماشي عَكْسَ التيّارِ


كُفّوا يا ناسُ خذوا رأسي مقصوصا


الحربُ سِجالُ


قاصيها دجّالٌ أحمقُ معزولُ


والنارُ سعيرُ سُعارِ الأبراجِ ..


جاءتْ تتخطّى ماضي الأشواقِ


تمشي الدُنيا تتوكّأُ شِبْراً شِبْرا


تُحصي السيّارةُ أنفاسَ هدوءِ الصدرِ


تفتحُ أنوارَ الشرقِ مصابيحا


هل وجدتني أنزلُ مِعراجَ النورِ حثيثا


وأصفُّ الدمعَ شموعا


لطريقِ العُزلةِ في الدربِ النائي


صَرَختْ أُمّاهُ تعالوا


هَفَتتْ غابتْ


سَقطتْ من بُرْجِ النوءِ العالي


قَمَراً ينزفُ مخسوفا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق