الشاعر إبراهيم حجازي يرثي ابنته/ شاكر فريد حسن



الصديق الشاعر المبدع إبراهيم حجازي، المقيم في طمرة الجليلية، يمتلك أصدق المشاعر الإنسانية، ويسهم في حضور القصيدة العمودية المرهفة. تمتاز قصائده بحس مرهف ثاقب، وعاطفة متفجرة، ورؤيا معمقة، ولغة سليمة سهلة ممتنعة ومنسابة بحروفها وكلماتها وايقاعاتها. 

في الرابع والعشرين من نيسان الماضي، فقد إبراهيم ابنته الحبيبة الغالية، المعلمة والمربية الراقية المغفور لها سوسن، التي غابت عن الدنيا، ووريت الثرى، فكان لهذا الحدث أثاره، إذ شابت لموتها المفارق، وتاقت إلى غصنها الغض القلب والعين، ورثاها بقصيدة مؤثرة، من جميل ما قرأته من شعر رثاء، فهي في قمة الوجدان والإحساس الأبوي الصادق.. حيث يقول: 

ودعتكِ محزوناً وعدتُ بائساً 

                  وألم  الفِراقِ بخاطري  يتفاعلُ 

فراغ   ألّمَ  بي بعد  رحيلكِ 

            وهكذا الدهر لا يَعيهِ عالِمٌ أو جاهلُ 

وإني لا انام الليل بعد فراقكِ 

            وهجرني النوم وعنكِ دوما نتسائلُ 

فهل يا ترى تشعرين بحالنا 

                 وشوقنا لكِ يزداد  والدمع نازلُ 

وكم  مرة  أصحو  من  غفوةٍ 

                 لأرى مُحياك في خيالي يتماثلُ 

فأجلس  مهموماً  على أريكتي 

                ولا   يُزيل  الهموم   إلا  التفاؤلُ 

حبيبة ما سمعنا عنها بعد غيابها 

                  وهاجنا  الشوق  والبعد  حائلُ 

ما أصعب البعد حين يفصل بيننا 

       ولم  يبقَ سوى  الذكرى والشوق شاغلُ 

وإنا نناجيك ليلا ونهارا     

               فهل تسمعين همسنا وأنتِ راحلُ 

لقد  أحببناك  يا  غالية  ولنا  أملٌ 

                  ما  زال   ينتظرنا  لقاءٌ  عاجلُ 

لقد  سئمنا  العيش  بعد  فراقكِ 

          وزادت همومنا وأصبح الجسم ناحلُ 

وإذا الأحباءُ غابوا وطال غيابهم 

                 فما نفعُ الحياة وعُمرُ المرء زائلُ 

في هذه القصيدة وجع عميق، وألم شديد، ونبض صادق، وتصوير حقيقي لحالة البعد والفقدان والفجيعة والمصاب الجلل والأسى الكبير، وتعبير عن حزنه ووصف لمشاعرالشوق تجاه ابنته، أغلى ما يملك. 

ونلمس في قصيدة إبراهيم شاعرية خصبة، ومخيلة واسعة، ورهافة إلى أبعد حد في عالم الكلمات، يرتدي فيها وجدًا لابنة عزيزة وغالية أشعل موتها وغيابها الاستعارة في كلماته والحزن في قلبه. ويتكئ فيها على الصور الحسية وصور البديع والمحسنات البلاغية واللفظية، والتوصيف الدقيق لمشاعره وحالته النفسية. 

إنها قصيدة رقيقة وعذبة ومؤثرة بمنتهى الروعة والجمال، فيها أنفاس الشعر الصافي، جاءت من عمق الجرح، وشدة الصدمة، وتعكس حزنه وأساه، حيث فاضت عيناه دموعًا وأسفًا وحسرة ولوعة وشجن على غياب ابنته فلذة كبده، وكتبت بمداد أشجانه، وسطر حروفها بدموع أحزانه، ولم يملك ما يقوله سوى شعرًا حزينًا ورثاءً مؤثرًا يخفف عن الروح معاناتها، وهو واجم القلب المحسور، وصدره بالأسى مغمور. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق