فتحت حكومة سكوت موريسن البازار الإنتخابي بعد أن قدمت ميزانيتها السنوية الشهر الماضي والتي لاقت إستحسان قطاعات واسعة من المواطنين.
لكن رياح حملة تلقيح المواطنين الأستراليين لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة بعد ان تبخرت وعود موريسن بتلقيح جميع الأستراليين مع نهاية تشرين الأول القادم، هذا الفشل الذي استطاعت المعارضة البناء عليه وتحقيق مكاسب سياسية بالإضاءة على فشل الحكومة التي هرب رئيسها إلى الأمام محاولاً تحميل الولايات المسؤولية، وظهر ذلك جلياً بعد الموجة الرابعة من جائحة كورونا التي تفشت في ولاية فكتوريا.
يواجه موريسن مشكلة أخرى في مقاربة مسألة التغييرات المناخية والتي لها بعدين الأول داخلي حزبي والآخر خارجي.
داخلياً، يدرك موريسن أن التخلي عن إنتاج الفحم الحجري سوف يشكل كارثة سياسية له قد تأتي على زعامته لأن صقور اليمين داخل حزب الأحرار لم يتزحزحوا قيد أنملة عن موقفهم من إنتاج الفحم، ولم يتوانوا عن الانقلاب الذي شارك فيه موريسن للإطاحة بمالكوم تيرنبول من رئاسة الوزراء عام 2018 لأنه كان ينوي التخلي عن إنتاج الفحم مستقبلاً. وقبل ذلك كانت هزيمة حزب العمال الذي فرض ضريبة على الكربون التي ألغاها طوني أبوت بعد فوزه بإنتخابات عام 2013.
خارجياً، موريسن الذي شارك في إجتماعات مجموعة الدول السبعة ما زال يغرد خارج السرب ولم يحدد موعداً زمنياً للوصول إلى نسبة صفر لإنبعاث الكربون علماً ان الحكومة البريطانية حددت عام 2050 موعداً للوصول الى هذه النسبة وهذا ما تصبوا إليه الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن. هكذا موقف قد يعرض الإقتصاد الأسترالي لعقوبات وصعوبة المنافسة في حال قررت الدول الأخرى فرض ضرائب عالية على الدول التي لا تلتزم بتخفيض نسبة إنبعاث الكربون.
العلاقات الصينية الأسترالية لم تغب عن الحسابات الإنتخابية لموريسن ووزرائه الذين يقرعون طبول الحرب مع الصين التي فرضت عقوبات إقتصادية قيمتها ما يقارب 20 مليار دولار على عدة منتجات أسترالية، بينما تدعو المعارضة إلى مقاربة مختلفة للعلاقات مع الصين من ضمن الثوابت الوطنية.
حكومة الأحرار التي وصلت إلى السلطة عام 2013 ما زالت تنتهج سياسية متشددة ضد طالبي اللجوء خصوصاً القادمين عبر البحر، وأرسلت الذين نجحوا في الوصول إلى البر الأسترالي إلى جزر مانوس ونوروو وبابوانيو غينيا وعقدت اتفاقية مع الإدارة الأميركية لترحيلهم إلى الولايات المتحدة وكانت تهدف من وراء ذلك إيقاف عمليات تهريب البشر حيث نجحت هذه السياسة بشكل كبير.
الأسبوع الماضي عاد موضوع طالبي اللجوء إلى الواجهة بعد ان تحولت قضية العائلة السيرلانكية المعروفة بعائلة بيلوئيلا والتي تطالب باللجوء الى أستراليا إلى قضية سياسية وإنسانية.
القصة بدأت عام2012 بعد ان وصلت العائلة إلى أستراليا عبر البحر هرباً من الحرب الأهلية في سيرلانكا واستقرت في بلدة بيلوئيلا خلال النظر بوضعهم القانوني وقد انجبت العائلة طفلتين خلال وجودها في أستراليا.
في 5 أذار عام 2018 حوالي الساعة الخامسة صباحًا داهمت قوات من الشرطة وحرس الحدود منزل العائلة ونقلتهم إلى أحد مراكز إحتجاز طالبي اللجوء في ملبورن تمهيداً لترحيلهم خارج البلاد، ولكن بفضل جهود المدافعين عن طالبي اللجوء تأخر ترحيل العائلة بعد عرض قضيتهم على المحكمة العليا التي ثبتت قرار الترحيل.
في 19 آب 2019 تم ترحيل العائلة ولكن المدافعين عن قضايا اللاجئين نجحوا في إعادة الطائرة بعد تقديم إستئناف للمحكمة الفيدرالية، فاضطرت الحكومة التي لم تتراجع عن قرار الترحيل لنقل العائلة إلى مركز إحتجاز اللاجئين في جزيرة كريسمس بإنتظار الفصل في قضيتهم.
تعيش العائلة ظروفاً غير إنسانية وتُمنع من الإختلاط مع السكان وإذا سمح لهم بالخروج من المركز ترافقهم فرقة من الحراس، وقد أنفقت حكومة سكوت موريسن حتى الآن مبلغ 6.7 مليون دولار على إقامة العائلة في المركز، الاسبوع الماضي نقلت البنت الصغرى إلى مستشفى الأطفال في مدينة بيرث على عجل بسبب معاناتها من مرض التهاب رئوي شديد بعد معاناة لأكثر من اسبوع في الجزيرة.
بعد نقل الطفلة إلى البر الأسترالي لتلقي العلاج زادت الدعوات للحكومة لإعادة العائلة إلى بلدة بيلوئيلا ومنحهم حق اللجوء، لكن الحكومة اعتقدت انها وجدت ظالتها الإنتخابية فاتخذت موقفاً متشدداً ورفضت النظر بالقضية لاعتبارات سياسية خوفاً من عودة اللاجئين عبر البحر إلى أستراليا. اللازمة التي كانت ترددها الحكومة دائماً وما كررته وزيرة الشؤون الداخلية كارن أندروز قائلة انها لا تريد رؤية الناس يموتون وهم يحاولون القدوم إلى أستراليا عن طريق البحر، مضيفة انها لن تفتح الباب أمام مهربي البشر.
و كانت الوزيرة كارن آندروز تدرس إمكانية ترحيل العائلة إما إلى نيوزيلندا او إلى الولايات المتحدة لكنها عادت وتراجعت عن هذه الفكرة، رغم ان وزيرة الخارجية ماريس باين كانت قد قالت ان الحكومة تدرس هذا الخيار.
رئيس المحكمة العليا السابق السير جيرارد برينان انتقد "القسوة المتعمدة" وحذر الحكومة من معاقبة الأهل بتعريض الأطفال للأذى وأضاف انه يشعر بالخجل من معاملة الأسرة بعد إجلاء إحدى بناتها ، إلى بيرث لعلاج إلتهاب الدم المشتبه به.
وحذر رئيس وزراء ولاية غرب أستراليا مارك ماجوان الحكومة الفيدرالية من ارتكاب خطأ "محرج دوليًا" لأستراليا وقال يجب إصلاح الخطأ بالسماح للأسرة بالإستقرار بشكل دائم في أستراليا.
يقول إن النائب كين أودوويد عضو الحزب الليبرالي الوطني عن مقعد فلين حيث تقع قرية بيلوئيلا الأمر يعود إلى مجلس الحزب للنظر بالموضوع، وأضاف إن القضية أصبحت تشكل إحباطًا متزايدًا لزملائه في مجلس النواب الذين احتفظ معظمهم حتى الآن بآرائهم ولم يصرّحوا بها.
كان هذا قبل ان يخرج ثلاثة نواب من حزب الاحرار الحاكم عن صمتهم والدعوة الى الإفراج الفوري عن عائلة التاميل من الاحتجاز وإعادتهم الى أستراليا والنواب هم كاتي ألين وجيسون فالينسكي وترينت زيمرمان الذي قال :"لقد كانت حالة صعبة ويجب أن تنتهي". "لقد حان الوقت لإعادتهم الى البر الأسترالي والسماح لهم بالاستقرار في المجتمع الذي احتضنهم ".
نهار الجمعة وقعت تسع مجموعات طبية رسالة إلى وزيرة الشؤون الداخلية كارين أندروزقالوا فيها أنهم:"قلقون للغاية" بشأن استمرار إحتجاز الأسرة لان ذلك يمثل خطرًا شديدًا وغير مقبول على صحة الأطفال ونموهم وصحتهم العقلية وقد تكون العواقب طويلة الأمد أو دائمة.
وغرد زعيم حزب الأحرار الأسبق الدكتور جان هيوسن داعياً الى إعادة نظر شاملة بسياسة الهجرة ليس فقط النظر بقضية العائلة السيرلانكية، ويعتقد هيوسن ان هذه السياسية أستغلت انتخابياً لوقت طويل ولأول مرة تصبح مضرة انتخابياً للحكومة.
زعيم المعارضة الفيدرالية انطوني البانيزي اعتبر أن القضية تسيئ لصورة أستراليا ودعى الحكومة السماح للعائلة بالعودة إلى أستراليا.
إذن 6.7 مليون دولار كلفة إحتجاز عائلة من 4 أشخاص حتى الان، هذا من الناحية المادية، أما من الناحية الإنسانية، فأين إنسانية حكومة سكوت موريسن ومتى سيكف رئيس الوزراء عن مناوراته الانتخابية ويقدم الاعتبارات الإنسانية على الإعتبارات السياسية والإنتخابية؟!
Email:abasmorad@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق