الدعوة المصرية للحوار الوطني الفلسطيني- الفلسطيني الشامل والتي استبقتها بلقاءات ثنائية مع وفود من حركتي فتح و ح م ا س والجهاد الإسلامي ،جرى تأجيلها الى أجل غير مسمى،وواضح بان عملية التاجيل التي ستطول ترتبط بخلافات بين حركتي فتح و ح م ا س، تلك الخلافات التي ظهرت قبل معركة " سيف القدس" حيث أقدمت السلطة الفلسطينية على تأجيل الإنتخابات التشريعية التي كان مقرراً اجرائها في 22/5/2021،مبررة خطوتها تلك بأنه لا تريد اجراء انتخابات بدون القدس،وهي التي يومياً تصرخ وتقول بأنها ستكون مستعدة لإجراء تلك الإنتخابات حال موافقة الإسرائيليين عليها،أي هي في سقفها الأعلى تطمح لإجراء الإنتخابات وفق ما جرت عليه في الإنتخابات التشريعية في عامي 1995 و2006،عدد محدود من المقدسيين من حملة الهوية الإسرائيلية الزرقاء ينتخبون في خمس او ست مراكز بريد اسرائيلية،وبمغلفات لا تحمل لا شعار السلطة الفلسطينية ولا شعار لجنة الإنتخابات المركزية،والبقية ينتخبون في مراكز انتخابية في ضواحي مدينة القدس، خارج سيطرة بلدية الإحتلال ،ولذلك لم يشارك المقدسيون من حملة الهوية الزرقاء في هذه الإنتخابات لا انتخاباً ولا ترشيحاً عبر صناديق انتخابية في أماكن سكناهم ولم يسمح لهم بممارسة الدعاية والتجمعات الإنتخابية،ولم يسمح كذلك لا للمرشحين ولا للجنة الإنتخابات المركزية بالوصول الى المراكز الإنتخابية،في حين مطلب الكل المقدسي كان، المشاركة في تلك الإنتخابات عبر صناديق انتخابية،انتخاباً وترشيحاً في أماكن سكناهم،مع حقهم في ممارسة الدعاية الإنتخابية وبإشراف لجنة الإنتخابات المركزية،وفي حال منع الإحتلال لها يصار الى اشتباك سياسي مع المحتل،تفرض عليه هذه الإنتخابات.
والسلطة والتنظيم السياسي المسيطر عليها قالوا بأنهم من اشتبكوا سياسياً ولم يشتبك دعاة الإشتباك السياسي،والجميع يدرك بان هذه الجلبة و" الببروغندا"،هدفت الى تأجيل الإنتخابات او الغائها،لأسباب منها داخلية،تتعلق بوضع فتح الداخلي، التشظي والإنقسامات وترشح ثلاث قوائم محسوبة على فتح ،وعدد ليس بالبسيط من القوائم العشائرية والمستقلة "تغرف" من رصيد فتح الإنتخابي،وكذلك مرد رفض بعض القوى السياسية الصغيرة،نابع من عدم قدرتها على تشكيل قوائم انتخابية،والخوف من عدم تجاوز نسبة الحسم،وبالتالي خسارتها لإمتيازاتها ومواقعها القيادية التي تغتصب وجودها فيها سواء في المنظمة او غير المنظمة،ويضاف الى ذلك الرفض الإسرائيلي والأمريكي لهذه الإنتخابات وبعض دول الجوار العربي مصر والأردن في المقدمة.
ما بعد معركة " سيف القدس" ،ورغم كل التطورات والمتغيرات التي حصلت وواكبت الهبات الشعبية في مدينة القدس،وحالة التوحد الفلسطيني على طول وعرض جغرافيا الوطن، ونجاح معركة " سيف القدس" في وصل ما قطعه إتفاق أوسلو المذل من تقسيمات جغرافية للوطن،غزة،ضفة،قدس و 48 ،ونجاحها في "تهشيم" دولة الإحتلال عسكرياً وسياسياً،واعادة قضيتنا الفلسطينية الى مركز الصدارة عربياً إسلامياً ودولياً ،لكن البعض استمرفي التعامل على أساس ان الخيار السياسي لشعبنا هو اوسلو ولا شيء غير أوسلو،وان التفاوض نهج وعقيدة ،وبأنه غير مستعد للحديث عن أي خيار سياسي آخر،وأن أقصى متغير يقبل به، من اجل ترتيب البيت الفلسطيني،هو العمل على تشكيل حكومة وفاق وطني، يتم من خلالها الإشراف على عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة،وأن سلطة الرئيس عباس مطلقة ولا ينازعه فيها أحد.
المهم من بعد قرار الرئيس بإلغاء الإنتخابات التشريعية من بوابة القدس ككلمة حق يراد بها باطل،والنتائج والتداعيات التي أفرزتها معركة " سيف القدس"، كان واضحاً بأن القوى الفلسطينية التي توحدت في ميدان المعركة في قطاع غزة، لن تقبل بالعودة الى السابق،وترك الأمور للرئيس لكي يقرر بها ،وبأن ترتيب البيت الفلسطيني أبعد عن قضايا من طراز تشكيل حكومة وفاق وطني،وإنتظار مجيء "غودو" من أجل إجراء انتخابات تشريعية توافق عليها اسرائيل،في الوقت الذي انتخب فيه المقدسيون على طريقتهم الخاصة في هباتهم الشعبية الأخيرة،والتي أثبتت بأن هؤلاء المقدسيون قادرون على فرض هذه الإنتخابات على دولة الإحتلال،وقادرين على حماية صناديق اقتراعهم. وكان تصويتهم واضحاً وخيارهم الإنتخابي والسياسي واضح لا لبس فيه.
يبدو في حوارات القاهرة،التي جمعت وفدي حركتي ح م ا س وفتح بشكل منفرد، ان هناك تباين كبير في وجهات نظر الطرفين،حيث ترى ح م ا س بأن البدء في ترتيب البيت الفلسطيني يبدأ بإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، قبل أي حديث عن حكومة للوحدة الوطنية، أو دور للسلطة في ملف إعادة الإعمار بغزة، وهو الأمر الذي ترفضه حركة فتح، التي تتزعم منظمة التحرير الفلسطينية منذ إنشائها عام 1964 وحتى اليوم.
وكذلك يبدو بأن القيادة المصرية وجهت الدعوة للحوار لفصائل من خارج إطار منظمة التحرير وحركتي ح م ا س و ا ل ج اد الإ س لامي والمبادرة الوطنية،والحديث هنا يدور عن ألوية الناصر صلاح الدين وكتائب ا ل م ج ا هد ي ن، وكذلك فإن حركة ح م اس في الرؤيا التي قدمتها للجانب المصري بالنسبة للحوار الوطني الشامل، تشتمل على عدة مطالب أبرزها مشاركة الرئيس الفلسطيني شخصيًا في حوارات القاهرة، وتشكيل مجلس وطني جديد خلال ثلاثة أشهر يكون من صلاحياته التوافق على برنامج سياسي، وتشكيل قيادة وطنية مؤقتة تدير الشأن الفلسطيني كله.وكذلك تضمنت الرؤيا الحمساوية السرعة في عقد الحوار الوطني الشامل في القاهرة، "بحيث يشارك فيه الرئيس عباس، والأمناء العامون لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وحركتا حماس والجهاد الإسلامي، وفصائل المقاومة الفلسطينية".
من الواضح بأن تاجيل الحوار الوطني هذه المرة سيطول ويطول،وان الانقسام بين الفصائل الفلسطينية "شاسع وغير مؤقت"، إذ تريد السلطة الفلسطينية حكومة وحدة وطنية، ولكن وفق بنود اتفاق أوسلو نفسه، وهي لا تريد أن يتحوّل فشل العدوان على غزة إلى ورقة ضغط توظّفها حركة ح م ا س في تحسين موقعها التفاوضي ضمن جلسات الحوار الفلسطيني.
أما بالنسبة لـ"ح م ا س"، فالأولويات مختلفة. حيث ترى الحركة أن الأوان قد آن لإعادة بناء "منظمة التحرير الفلسطينية"، هي تريد أن تحجز موقعًا لها فيها".
القاهرة لم تنجح في جسر الهوة بين الطرفين،فكلاهما يرفضان تقديم تنازلات،ويبدو بان شهر العسل الذي ساد في فترة ما قبل التوافق على اجراء الإنتخابات بمراحلها الثلاث التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، والحديث عن خوض الطرفين للإنتخابات التشريعية في قائمة انتخابية واحدة، قد تبدد بشكل كلي،فعملية التأجيل للإنتخابات التشريعية من قبل الرئيس ،أحدثت شرخاً بين الطرفين،ولكن يبدو بان ما نتج عن معركة " سيف القدس"،سيباعد بين الطرفين ويعمق من الشرخ والخلاف بينهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق