ولادة الحكومة الإسرائيلية الجديدة إن تمت،بعد إعلان لبيد رئيس حزب " يش عتيد" عن نجاحه في تشكيلها،والعمل على تقديمها الى رئيس الكنيست الصهيوني ريفلين للمصادقة عليها،بعد اسبوع ونصف من الان، تلك الحكومة المقترحة التي جمعت كل المتناقضات والخلافات،والتي لا يوجد فيها اتفاق على أي قضية مركزية واحدة،بل لها هدف واحد هو إزاحة نتنياهو عن رئاسة الحكومة الإسرائيلية،أي انها لها مسار امني،ولا يوجد لها رؤيا وبرامج سياسية واقتصادية،فهي غير قادرة على اتخاذ قرارات ذات بعد استراتيجي في القضايا السياسية والاقتصادية والمدنية،ولا تستطيع التقدم في المسار السياسي،بالعودة للمفاوضات مع السلطة الفلسطينية،وهذه الحكومة لأول مرة في تاريخ دولة الإحتلال لنيل الثقة فيها تتكىء على قائمة عربية في تشكيلها،حيث وافقت القائمة الموحدة العربية برئاسة منصور عباس، حركة اسلامية- شق جنوبي-،على تقديم الدعم لتشكيل هذه الحكومة المنوي المصادقة عليها،مبررة ذلك بحصولها على منافع وامتيازات مالية ضخمة تصل الى 53 مليار شيكل خلال عشر سنوات،الهدف منها مكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي،وكذلك تطوير البنى التحتية في القرى البلدات العربية،ورصد مليارات الشواقل عبر خطة اقتصادية طويلة للنهوض وتطوير الإقتصاد العربي ..في حين تنازلت تلك القائمة عن مطلبها بإلغاء او تجميد العمل بقانون " كامينتس" الذي يسرع هدم البناء في المجتمع العربي،ويبدو بأن دعم تلك القائمة لحكومة لبيد التي ستتقدم لرئيس " الكنيست الصهيوني" ريفلين لنيل الثقة والمصادقة عليها،جاءت من المنطلقات التي يؤمن بها رئيس تلك القائمة منصور عباس بالإندماج في المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي،وتعريف نفسه على أنه اسرائيلي،ومبرراً خطوته على طريقة " الغاية تبرر الوسيلة" والإعتراف بالواقع،وهو يدرك بان موافقة أحزاب اليمين الصهيوني بشقيه الديني والعلماني على دعم قائمته لهذه الحكومة،كانت اضطرارية،وربما تكون المرة الوحيدة،واملتها الضرورة بالتخلص من نتنياهو " ملك اسرائيل" كرئيس للوزراء،وهي مضطرة لإستخدام منصور عباس في هذه المرحلة،لأنه اذا لم يقدم على دعمها،فإن دولة الإحتلال ذاهبة نحو انتخابات تبكيرية خامسة،حيث أزمتها السياسية ستتعمق،ودولة الإحتلال تشهد المزيد من التفسخ والإنقسامات الأيدولوجية والسياسية،وكذلك مناعة المجتمع الداخلية،أخذة بالتصدع والتهتك.ولذلك لا مناص من استخدام منصور عباس الآن، على ان يجري التخلص منه في المرحلة القادمة،اذا ما استقر وضع تشكيل الحكومة،والذي قد يمهد لإزاحة نتنياهو عن رئاسة حزب الليكود،والذي قد يتعرض للتفكيك والإنقسام،وبالتالي يسمح الوضع بتشكيل حكومة يمين موسعة من قوى اليمين الديني والعلماني والتخلص من منصور عباس،فدولة الإحتلال لا ترهن مصيرها ولا تضع حكومتها تحت رحمة ابتزاز من أي قائمة عربية،ويكفي أن نذكر بأن معظم المكونات الحزبية للتشكيلة المقترحة لهذه الحكومة،تعتبر العرب مواطنين من الدرجة الثانية،وهم بمثابة قنبلة ديمغرافية يجب التخلص منها،وعدم الإعتراف بهم كأقلية قومية لهم حقوق وطنية سياسية وخصائص ثقافية مستقلة،فعلى سبيل المثال رفض كل من غانتس زعيم " كاحول لافان" وافيغدور ليبرمان زعيم" يسرائيل بيتنا" و جدعون ساعر زعيم " هتكفاه حدشاه" وبينت زعيم حزب يمينا" ونتنياهو نفسه زعيم " الليكود، الإستعانة بالقوائم العربية في تشكيل أي حكومة اسرائيلية بطريقة مباشرة او غير مباشرة،واعتبروا ذلك عار على دولة " اسرائيل"،وخيانة لمبادىء الصهيونية،كيف لا واستراتيجاتهم ومشاريعهم قائمة على التخلص من العرب والعمل على طردهم وتهجيرهم،فقانون ما يسمى بأساس القومية الصهيونية العنصري،يؤكد بشكل واضح على تلك الحقيقة.
الأزمة التي تعيشها دولة الإحتلال ،هي أزمة نظام وليست ازمة فرد،ونحن ندرك بأن معركة " سيف القدس" والتي كان من نتائجها " تهشيم" دولة الإحتلال عسكرياً وسياسياً،هي التي سرعت في ولادة حكومة المتناقضات المنتظرة،وهي التي قربت من دخول نتنياهو السجن،الذي قاد مغامرة عسكرية على قطاع غزة،هدف منها الخروج كقائد منتصر يجلب الأمن والإستقرار لدولة الإحتلال والرفاه والإقتصاد القوي لمواطنيها،والعلاج والتعافي من فيروس جائحة " كورونا"،ولكن تلك المغامرة أتت بنتائج عكسية،ووجهت الإتهامات لنتنياهو بأنه قادة هذه المعركة خدمة لإعتباراته واهدافه السياسية،لكي يمنع محاكمته بالتهم المنظورة ضده امام قضاء دولته بالرشوة وسوء الإئتمان وخيانة الأمانة ومن ثم الإدانة ودخول السجن لسنوات،وبما يعني "إنتحاره" سياسيا وشخصياً.
نتنياهو المعروف بخبثه ودهائه وكذبه وخداعه وتضليله،والذي تعرفه كل الأحزاب الإسرائيلية،واكتوت بنار مؤامراته،من حيث عدم الإلتزام بالإتفاقيات معها،او عد الوفاء بالوعود،والعمل على شق صفوفها وتفسيخها وإستقطاب اعضائها،ليس بالرجل السهل والذي يمكن ان يسلم بسهولة،فهو منذ الان وحتى قبل أن تنجح مكونات هذه الحكومة التي ستتقدم لنيل الثقة بها،كان يعمل على إحباطها،عبر سلسلة من المسارات والأنشطة والفعاليات،المسار الإعلامي بتخوين قادة الأحزاب اليمينية بينت وشاكيد وشران هسكل وساغر وليبرمان وغيرهم لمبادىء اليمين واتهامهم بتشكيل حكومة مع من يسميهم بقوى اليسار الصهيوني وبيع النقب للعرب،وتجنيد الحاخامات والمؤسسة الدينية في هذه الحملة،وتنفيذ أنشطة وفعاليات شعبية وجماهيرية،عبر سلسلة من المظاهرات والمسيرات ضد قادة اليمين الصهيوني المشاركة في تشكيلة تلك الحكومة، وبما يشمل ذلك الإعتصامات المستمرة أمام بيوت قادة اليمين امثال بينت وشاكيد ودعوتهم للعودة الى بيتهم،أي بيت اليمين الصهيوني .
ونتنياهو لم يكتف بذلك،بل هو يمارس ضفوط ضخمة على اعضاء الأحزاب اليمنية من اجل تفكيكها واختراقها وإنقسامها، وخاصة حزبي " يمينا" و " هتكفاه حدشاه"،وله تجارب ناجحة سابقة ، إختراق وتفكيك حزبي " كاحول لافان" بقيادة الجنرال غانيتس" وحزب تيلم بقيادة الجنرال موشيه يعلون وغيرهم،وهو حتى اللحظة استطاع ان يستقطب عضو من حزب " يمينا" نير اورباخ،والذي اعلن انه لن يصوت الى جانب حكومة (ليبد – بينت)،ونجاحه في إستقطاب عضو او اثنين،يعني منع المصادقة على الحكومة والذهاب الى إنتخابات تبكيرية خامسة،وهذا يمنح نتنياهو فرصة اطول للبقاء في رئاسة حكومة تصريف أعمال.
صحيح ان نتنياهو بعد الإتفاق أصبح أقل قوة وقدرة على المناورة،وبأن هذه التشكيلة ،ما كان لها ان تتم بدون ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية التي تريد التخلص من نتنياهو،والتي باتت رغم التحالف الإستراتيجي مع دولة الإحتلال، تدرك بأن نتنياهو قد يشكل خطر على مصالحها واهدافها،وقد يجرها الى ان تكون جزء من حرب إقليمية لا تريدها،حيث قال نتنياهو بأنه اذا خير ما بين العلاقة مع الصديقة الكبرى والمقصود هنا امريكا،وما بين ازالة الخطر النووي الإيراني الذي يتهدد دولته،فإنه سيختار ازالة الخطر النووي الإيراني، الأمر الذي دفع بالرئيس الأمريكي لإستدعاء وزير جيش الإحتلال غانيتس الى أمريكا،من اجل لجم إنفلات نتنياهو ومنعه من الإقدام على مثل هذه المغامرة،وفشل نتنياهو في مساراته السابقة،قد يدفعه جموحه وعدم "الإنتحار" سياسياً وشخصياً ودخول السجن،الى مغامرة مع صديقه ووزير أمنه الداخلي أمير أوحانا الى إحضار مستوطنين مسلحين الى القدس،كما فعل في مدينة اللد،وإرتكابهم لجريمة او مجزرة،قد تفجر الأوضاع على نحو واسع،وتخلط الأوراق،وتمكنه من تشكيل حكومة طوارىء تبقيه في الحكم.
هي نتائج معركة" سيف القدس، التي "هشمت دولة الإحتلال سياسياً وعسكرياً ،وقربت من دخول نتنياهو للسجن،ولكن تبقى كل السيناريوهات قائمة،بما في ذلك نجاح نتنياهو في إحباط مسار ولادة تلك الحكومة الجديدة المستهدفة رأسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق