السلحوت يحاور أرواحنا في رواية "اليتيمة"/ إسراء عبوشي

 


 

يستمر الأديب جميل السلحوت في سلسلة محاربة الجهل والتخلف، وبعض العادات والتقاليد التي كانت سببا في ترسيخ مفاهيم سلبية أثرت على استقرار الأسر الفلسطينية وسعادتها، هذا التأثير من شأنه أن ينشئ أجيالا مهتزة الشخصية توثر في خلخلة بناء المجتمع، ومن هنا أتت أهمية روايات السلحوت التي منها: الخاصرة الرخوة، والمطلقة والآن اليتيمة.

 أتت رواية اليتيمة لتكمل السلسلة واللافت في رواية اليتيمة أن الأديب تناول الرواية من ناحية عاطفية، حيث أن أحداث الرواية تدور حول عبير اليتيمة التي توفي والدها وأخواها في حادث سير، وتعيش برعاية جدها أبو نعمان ووالدتها لبنى وأخاها عزيز، هذه اليتيمة المتفوقة في المدرسة، آثرت زواج آخاها عزيز على دراستها وقدمت له المنحة التي حظيت بها من معلماتها.

 ضحّت عبير لأجل عزيز بالمقابل قصّر عزيز، ولم يكن أخاً يعتمد عليه، لم يقف معها يسندها إلى أن وقعت ضحية زوج مريض، يعاني من اضطرابات نفسية، عانت معه الأمرين.

تتحدث شخصيات الرواية بتلقائية روحية تجعل القارئ يألف تلك الشخصيات، ويجسدها في فكره، شخصيات بسيطة تتناول الأحداث بسلاسة، تلك الشخصيات التي يقبلها القارئ، تتطور في فكرة فيرفض كل ظلم وتخلف تقود إليه.

 في بداية الرواية عبير صبية فائقة الجمال متفوقة في دراستها تنتظر فرحة النجاح، وفي نهاية الرواية عبير زوجة مسلوبة الإرادة تقف تنتظر الطلاق وعلى يدها طفلها، الذي ستربيه بلا أب ولم تبلغ العشرين بعد، وبين البداية والنهاية حاور الكاتب نفوسنا وأتى على عيوب عاداتنا وتقاليدنا، وبيّن كم يسهم المجتمع في ظلم الأنثى، ويفرق بينها وبين الذكر، همس الكاتب بعتاب مبطن يقول: كفى تخلفا.

شخصية عبير ليست ضعيفة أو مهزوزة أو منكسرة لِتُلقى بين ليلة وضحاها في حضن زوج لا تعرف عنه شيئا، لقد قبلت عبير أن تعيش دور الزوجة المقهورة، لا يَظهر أنها حاولت تغيير ساكن لأجل أن تنجح حياتها الزوجية، فقط عاشت حسب المطلوب منها، زوجة تقليدية مخلصة، صحيح أن تلك الصورة جميلة في حفظ البيوت، لكنها صورة مشوهة، عبير أوصدت باب بيتها على قهرها، ورضيت به إلى آخر رمق، وكل ذلك لم يجدِ، ففي النهاية تركها مهيب يتركها وذهب، هي شخصية رغم جمالها وتفوقها في دراستها، لا تستغل ذكاءها لتغير واقعها، استسلمت ولم تكمل تعليمها الجامعي، واستسلمت لزوج مريض، هي ضحية نفسها أولا، وضحية أخيها الذي لم يكن له دور إلى جانبها في الرواية، وضحية جدها الذي رأى الظلم يقع عليها مرة إثر مرة ولم يحرك ساكنا، وضحية والدتها كذلك التي تعتبر المشاكل العائلية أسرار بيت  يجب ألّا تخرج، وعلى الزوجة القبول والتسليم لكل أمر يواجهها في بيتها، ويعترض سكينتها وسعادتها.

جميعهم أنكروا الشكوك، غرهم وسامة مهيب وتعليمه، ودفعوا ابنتهم لقبول الحياة القاسية ولم يعلموها ما هي حقوقها كزوجة.

وكم من بناتنا يشبهن عبير! لبؤة في حجر فأر.

تضيق عليها الدنيا، وتنقطع أنفاسها ولا أحد يسمعها، باسم القدر والنصيب والعادات والتقاليد تُقتل بناتنا بصمت، ويُرغمن على إكمال حياتهن بلا حياة، يصبحن ضحية وينجبن ضحايا، وإن تكلمن وقعن في المحظور.

قتل بطيء لا يُسمعه المارة، بكاتم صوت، رصاصة تُدّك باسم الحب والزواج وتمضي، فعليا تتوقف الحياة تماما.

ابن عبير شاهد على الجريمة، ضحية الضحية.

حاور الأديب جميل السلحوت أرواحنا بقلمة الجريء، ونظرته العميقة، مستخدما أدلة من القرآن الكريم، ومجموعة من الأمثال الشعبية منتقاة لتناسب الأحداث، معرجا على الأقصى بجماله ورونقه، ذاكرا بعض الأماكن التي يحن القارئ لزيارتها مثل: جبل المشارف عين سلوان التحتا والفوقا وبئر أيّوب.

يذكر أن الرواية صدرت عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع في 260 صفحة، من تصميم شربل الياس، أمّا لوحة الغلاف فهي للفنّان محمد نصرالله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق