وَلِأَنَّنَا تَعَوَّدنَا/ الأب يوسف جزراوي



وَلِأَنَّنَا تَعَوَّدنَا كبشرٍ

 أن نَبْنِيَ

الكثيرَ مِنَ الْجُدْرَانِ

وَقَلِيلاً مِنَ الجسورِ...

أسْوَقُ لَكُمْ هَذهِ القَناعةَ :

كَمْ نحنُ اليومَ

بِحَاجَةٍ ماسَّةٍ وَمُلِحَّةٍ

إِلَى وَقْفَةِ تَأْمُلٍ

عَمِيقَةٍ وَطَوِيلَةٍ...

فِي زمنِ الْوَبَاءِ

الَّذي يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ بِالْبِشْرِيَّةِ!

وَقْفَةٍ تتيحُ لَنَا 

رؤيةَ فَظَاعَةِ مَا حدثَ مِنْ شَنَاعَةٍ

( الحروب، الكوارث الطَّبيعيَّة، الْجَائِحَة...)

فِي عالمِنا اللا إِنْسَانِيّ!!.

فَنكفُّ عَنْ رجمِ أحدِنَا الْآخِرِ

بِحجارةِ الْاِنْتِمَاءَاتِ وَالْوَلَاَءَاتِ

وَسِيَاطِ الْاِخْتِلَاَفَاتِ...

والعَزُوفِ عَنْ تَصْنِيفِ الْآخِرَيْنَ

وَفِقَ ذَهَنِيَّةِ تَعَصَّبٍ

مَحْدُودةِ الأفقِ وَأحَادِيَّةِ التَّفْكِيرِ...

آملاً أن يكونَ فِي الحُبِّ الدَّوَاءُ..

لَكِيلَا نُنَاصِبَ الْخِصَامَ وَالنُّزَّاعَ لِغيرِنَا

وَنُقيمَ  مَقَاصِلَ الْاِجْتِثَاثِ لِبعضِنَا الْبَعْض

فالحُبُّ لَا يَعْرِفُ إِلَّا الحُبّ 

وفي الحُبِّ يَتَسَاوَى الْجَمِيعُ: 

 الْقَبِيحُ والجميلُ

الصغيرُ والكبيرُ... 

ويغدُو الْأَنَامُ الْمُتَنَوِّعِون واحدًا

فِي أُلْفةٍ وَاِنْسِجَامِ وأخوَّةٍ إِنْسَانِيَّةٍ..

فَالتَّنَوُّعُ وَالتَّعَدُّدُ 

بَيْنَ البَشَر وَالْمَخْلُوقَاتِ الْأُخْرَى

غنًى وَإِثْرَاءٌ للتَّكَامُلِ وَالتَّعَايُشِ...

وَالْاِخْتِلَاَفِ 

لَا يُرِيدُ بِهِ الْخَالِقُ

خِلَاَفًا بَيْنَ خَلِيقَتِهِ

أوْ حافِزًا لِلْإلْغَاء وللْإقْصَاءِ 

أوْ الْاِنْتِقَاصِ وَالتَّنَابُذِ..

بَلْ رحمةٌ للوِئامِ وَالمواءَمِةِ...

أوَليسَ الحَديقَةُ 

تبدُو أكثرَ جَمالاً

فِي تَنَوَّعِ ورُودِها وتُعَدِّدِ مَحَاصِيلِها؟!.

إنّهُ الحُبُّ...

الَّذي يَتَقَبَّلُ النّاسَ بِأَجْمَعِهِم 

وَيُقَرِّبُ بَيْنَهُمْ  الْمَسَافَاتِ

وَيُوَحِّدُهُم تحتَ مِظَلَّتِه ...

مَهْمَا تَعَدَّدْتِ التَّنَوُّعَاتُ وَتَعَمَّقْتِ الْاِخْتِلَاَفَاتُ

وَاِتَّسَعْتِ الْفَوَارِقُ وَاِرْتَفَعْتِ الْحَوَاجِزُ

وَتَرَسَّخَ الْبنْيَانُ وَتُجَذِّرتِ الْاِنْتِمَاءَاتُ

فَمَنْ يُحُبّ لَا يُسِيء

مَهْمَا تَفَاقَمْتِ الْأَزْمَاتُ وَاِسْتَفْحَلَتِ الْمَصَائِبُ

وإنّما يَحْرُثُ الأرْضَ سلامًا

ويَغرِسُ  بِذورَ  الطِّيبِ

لأنَّ اللهَ محبّةٌ...

لِذَا آملُ أن يُوَاظِبَ واحدُنَا

لِيكونَ فلّاحًا 

فِي بُسْتانِ الْمحِبَّةِ الإنْسَانِيَّةِ..

فَتَزْدَهِرُ الأرضُ بِالْخَيْرِ الرَّغيدِ

وتتنعَّمُ الْخَلِيقَةُ بِالسّلامِ والرَّجَاءِ الصَّالِحِ.

رسالة إلى الأديب سعيد نفّاع: قوانين الكتابة أحياناً عصيّة على التفسير/ فراس حج محمد



أستاذنا الفاضل سعيد نفاع المحترم، رئيس الاتحاد العام للأدباء الفلسطينيين- الكرمل 48، أسعدت أوقاتاً، ومتّعك الله بالصحة والعافية، أمّا بعدُ:

فاسمح لي أولا أن أعبر عن سعادتي برسالتك المقتضبة هذا النهار، وبلقائك يوم السبت الفائت في نابلس (28/8/2021)، وإن لم تتح لي الفرصة للحديث المشترك سوى المصافحة، لكنني حظيت بسماع كلمتك التي كانت وحدوية طازجة عميقة، ولاقت استحسان الجميع الذين أصغوا إليها باهتمام كبير. لقد شكلت تلك الكلمة- كما قال لي أحد الكتّاب- بيانا تأسيسيا لما هو قادم. متمنيا أن نستمر في هذه الجهود؛ لعلنا نرتفع عن وحول الواقع، تلك الأوحال والأحوال التي أشرت إليها في تلك الكلمة المهمّة التي تحدّثت عن أمراض الحالة الثقافية في فلسطين. شاكرا شكرا بلا حدّ صديقنا المحامي الحيفاوي حسن عبّادي مهندس هذا اللقاء، فقد كان على الدوام ذا نفَس وطني وحدويّ، تشرفت بالعمل معه ومرافقته في نشاطات كثيرة، وخاصة أنشطة ثقافية تخص الأسرى في المعتقلات الصهيونية.

ودعني أعبّر لك عن سعادتي مرة أخرى، إذ أفسحتم لي المجال بالنشر في موقعكم الإلكتروني (الكرمل 48)، وفي مجلة "شذى الكرمل" الورقيّة مرات متعددة، وأظن أنه ما زال بالإمكان الاستمرار في هذا الفعل الثقافي الذي يكرّس الوحدة ويمتّن العلاقات، ويجعلها أكثر ديمومة. سواء في ذلك النشر لي أو لغيري من كتاب فلسطين غير الأعضاء في اتحادكم الموقر.

ربّما معك حقّ؛ إذ أشرت إلى أنّ الضيوف في الموقع ليس كما جاء في ملاحظتي خلال مداخلتي يوم السبت المنصرم. فــ"الضيوف على الاتّحاد من هم ليسوا أعضاء اتحاد". لعلني تعجّلت الفهم، أو ربّما كان فهمي قاصراً، إذ لم أدرك تماماً المعنى المقصود، أو لعلني كنت أكثر طمعا في أن نكون جسما واحدا، دون الحاجة إلى أن نوصف بالضيوف. ألا ترى معي أن الأمر ملتبس إلى حدّ ما؟

أتمنى أن نستطيع تكوين اتحاد يجمعنا جميعا "الكل الفلسطيني" بصرف النظر عن أماكن عيش الأديب الفلسطيني داخل "فلسطين التاريخية" أو خارجها، وبصرف النظر أيضا عن اللغة التي يكتب فيها هذا الأديب أو ذاك (أدباء وأديبات). كم أتوق إلى ذلك الجسم الثقافي النقابي الذي يجمعنا ويوحدنا لنتخلص من نار الفصائلية القاتل الذي خرّب الثقافة ومنابرها ومؤسساتها في مناطق "السلطة الفلسطينية"، ويكون لنا كلّنا مرجعية نقابية واحدة، دون العودة إلى خطاب الـ "نحن وأنتم"، ودون تحكّم المؤسسة الأمنية بالمثقفين والجسم النقابي؛ كما هو حاصل في اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينين، هذا الاتحاد المسروق لصالح حزب السلطة المسيطر على كل أنحاء الحياة المؤسسية الحكومية وغير الحكومية. ماذا علينا لو فكّرنا بالأمر سوياً؟ ما زالت الفكرة تلحّ علي منذ سنوات، ولن يهدأ لي بال حتى تتحقق بنا جميعا، لعلنا نخرج من تلك المآزق التي وضعنا فيها "سدنة الثقافة" المسيسون لغير صالح الثقافة والسياسة معاً. فأضاعوا الثقافة كما ضيّع السياسيون السياسة، ولم نظفر بشيء سوى الجهود الفردية المخلصة التي تصر على العمل.

أما بخصوص قولك: "أتمنى عليك أن تكتب عن كتّابنا"، فأشكر لك هذه الدعوة وممتن ثانيا لإشارتك إليّ خلال إلقائك كلمتك وامتداحك نشاطي في الكتابة، والبحث عني بين الحضور، لأعرب لك عن وجودي، كم كنت مسرورا وأنا أحظى بهذا الالتفات، وبهذا الاهتمام الذي أشعرني بأهمية ما أقوم به من فعل الكتابة، ويحفزني لأعمال بهمة أكبر ونشاط أشدّ.

الأستاذ سعيد نفّاع المحترم،

في الحقيقة لم أكن غائبا عن تناول أدبائنا في فلسطين المحتلة، في الناصرة، وحيفا، وعكا، وغيرها من المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948، كما تناولت أدباء من نابلس ورام الله والخليل وطولكرم، أو في الشتات، فقد كتبت عن الكتاب الفلسطينيين دون أن أقول: "كتابنا أو كتابكم"، كتبت عن توفيق فياض، وعن نمر سعدي، وعن آمال عواد رضوان، وعن مصطفى عبد الفتاح، وعن مرزوق الحلبي، وعن المسرحي إبراهيم خلايلة، وعن صالح أحمد، وعن راشد حسين، وعن سامي مهنّا، وعن إيمان مصاروة، وعن لينة صفدي، وربما كتبت عن آخرين نسيت أسماءهم، عدا كتابتي عن الشاعر الكبير حنا أبو حنا دراسة ضافية ونشرت في مجلة أفكار الأردنية، وعن توفيق زيّاد وسميح القاسم ومحمود درويش وغسان كنفاني. 

كما كتبت عن فوزي البكري ومحمود شقير وجميل السلحوت وإبراهيم جوهر، وغيرهم من أدباء القدس. وكما كتبت كذلك عن الأخوين طوقان؛ إبراهيم وفدوى، وعن هارون هاشم رشيد وإبراهيم نصر الله، وغيرهم من الشعراء والشاعرات، والكتاب والكاتبات، لقد كتبت عن هؤلاء جميعا وضمنتُ ما كتبته من أبحاث ومقالات كتبي المطبوعة، أو في الكتب التي ما زالت مخطوطة. أو تلك المقالات التي ما زلت أكتبها وأبثها لتستقر في مواقع إلكترونية وصحف ومجلات متعددة عبر العالم.

أستاذنا، وحبيبنا،

لم تكن الكتابة عندي لتخضع لأي تقسيم جغرافي سياسي هزائمي؛ على أساس هزائمنا (48، 67) أو (الداخل والخارج والشتات)، أو لتهتمّ بجنس أدبيّ دون آخر، فقط أتناول النص الذي يستفزني لأكتب فيه، قد لا يحالفني الحظ وأكتب عن أسماء مشهورة، لكن لا يعني أنني أتجاهلها ولا أقرأها أو لا أتابعها، ربما هي الكتابة كالزواج قسمة ونصيب! -لعلك ستضحك مني الآن- فأنا لم أكتب مثلا في إميل حبيبي أو محمد نفاع أو غيرهما؛ ليس لأنهما غير مهمين، بل بالعكس، ومعهما غيرهما كتّاب مهمون جدا في حركة الثقافة الفلسطينية، ولكن لا أستطيع تفسير كيف توجّه الكتابة قواربها. الأمر أشد غموضا مما أستطيع أن أفهمه لأشرحه. 

أخي الأديب الأريب سعيد نفّاع،

إنه لمن الجميل ألا يشعر الكاتب الناقد أنه "موظف" عند الكتّاب الإبداعيين، شعراء وساردين، يستخدمونه وقت الطلب، أو كلما صدر كتاب، أو بزغ في سماء الإبداع نجم جديد. لا بد من أن يفعل ذلك ناقد ما مع حالة ما، لكنّ المسألة لا تتعلق بالاستجابة المباشرة حسبما أعتقد من الجميع للكتابة في هذا الجمع الغفير من الكتاب، ثمة انتخاب "شبه طبيعي" يشبه قانون الطبيعة في الانتخاب إلى حدّ بعيد.

أما على صعيد شخصي، فربما أصابتني نفرة من الكاتب الذي يطالبني بالكتابة عن كتابه، أو أنه يهديني كتبه، لا للصحبة والمودة، وإنما من أجل الكتابة عنه، يجتاحني شعور بالكسل والمماطلة لا يوصف. أعرف أن ذلك ليس صحيا، ولكن هذا ما يحدث معي دائما، لقد تراكم بفعل هذا الشعور كتب كثيرة عليها إهداءات بتلميحات الكتابة عنها ونقدها، لم أقرأ  تلك الكتب إلا على مضض، ولم أكتب فيها كلها، ولا أخفيك أنني كتبت عن بعضها كتابة مزعجة؛ واقعا تحت تأثير الإصرار والإلحاح، فجاءت كتابة ناقمة وشرسة وجلبت لي العداء. أما من لم أكتب عن كتابه فقد دفعه ذلك إلى أن يتخذ مني موقفا، يتهمي فيه بالغرور، أو التكبر أو "شوفة الحال"، لكنهم لم يقدروا أنه ليس باستطاعتي أن أتحول إلى كاتبٍ تحت الطلب، أعمل بكبسة زر.

لا أدري لماذا وصلت معك إلى هذه المنطقة المحرجة. لكن أرجو أن تعذرني، وقد عرفتَ مني ومن أمري ما عرفت، وليسامحني أحدهم إن تجاوزت عنه وعن كتبه دون أن يكون القصد هو التهميش أو التجاهل أو تهوين القدر والقيمة، إنما هي هكذا الكتابة باختصار.

دمت بخير، ولعلنا نلتقي ثانية وثالثة وأكثر!

مع الاحترام

فراس حج محمد

نابلس 31/8/2021


المواطنة والتنوع الثقافي والديمقراطية/ حسن العاصي

 


ما هي المواطنة؟

تعني المواطنة معاملة جميع الأفراد كأعضاء متساوين في المجتمع. بعبارة أخرى، يمكنك كمواطن التمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الآخرون، على سبيل المثال، من خلال المساواة في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية، أو فرصة التصويت والترشح في الانتخابات السياسية.

يُستخدم مصطلح "مواطن" أيضًا للتعبير عن واجبات المواطنين ومشاركتهم الفعالة في الحياة السياسية والمدنية في المجتمع. تتطلب الديمقراطية النابضة بالحياة والقابلة للحياة حقوقاً متساوية - أي إمكانية المواطنة النشطة - وأن يستفيد المواطنون بالفعل من هذه الإمكانية في أن يكونوا مواطنين فاعلين.

يمكن تسمية أي شخص بالمواطن العالمي إذا كان يشعر بالمسؤولية تجاه المجتمع العالمي، ويدرك أن أفعالنا المحلية تؤثر على العالم ككل.

للمواطنة بعدين، أولاً: التكامل والمساواة في الحقوق لجميع المواطنين. ثانياً: المشاركة الفعالة للمواطنين في المجتمع.

إذاً، كيف نخلق مواطنين من الوافدين الجدد سواء كانوا مهاجرين أم لاجئين؟ ومن هم المواطنون في أوروبا؟

 في الواقع، يجب أن يكون الفرد مقيماً داخل الحدود الأوروبية بصورة شرعية، بغض النظر عن مدة الإقامة ونوعها، أو حصوله على الجنسية من عدمها. وهي قضايا قانونية تختلف معاييرها ومتطلباتها من دولة لأخرى.

بشكل عام، المقيمين الشرعيين لهم جميعا الحق في المساهمة في النقاش العام حول المجتمع، في الدول التي يعيشون فيها، بغض النظر عن الفروقات في اللغة، والدين، والجنس، ومستوى التعليم، والدخل، وما إلى ذلك.

تختلف الأحزاب الأوروبية فيما إن كانت المواطنة شيئاً يمكن اكتسابه أم لا، ولكنهم يتفقون على أنها شرطاً أساسياً للديمقراطية.

إن كانت المواطنة تبدو أنها قضية بسيط للغاية، فلماذا لا تزال موضوعاً حيوياً مطروحاً للنقاش بصفة دائمة؟

الإجابة هي أن النقاش الجاري منذ سنوات في المجتمعات الأوروبية حول المواطنة ـ لا علاقة له ـ ولا ينبغي أن يكون معيارياً وأخلاقياً في محتواه، لكنه أمراً سياسياً بامتياز.

المواطنة هي أولاً وقبل كل شيء حول تصورات المجتمع. ضمنياً في فهمنا للمواطن، هناك فهم للمجتمع الذي يكون المواطن جزءًا منه. الشيء الحاسم هنا هي الأيديولوجية الكامنة وراء تصورنا لهوية المجتمع الوطني.

 تضع الدولة القومية الـ )نحن( التي غالباً ما تحددها المنظمة السياسية المهيمنة، على أنها تحمل من الولاء المرتبط حصرياً بالأمة.

على الرغم من أن جميع الدول في أوروبا منظمة تتوافق على هذا البلد المبدأ، ومع ذلك، تختلف اختلافاً كبيراً في كيفية تعريف "نحن" و "هم" وتأهيلهم.


نماذج الجنسية الأوروبية

عند مقارنة سياسات الدول الأوروبية المختلفة فيما يتعلق بتعاملها مع الأقليات العرقية، يرى المرء أن سياسات الدول لا يمكن فصلها عن نماذج مواطني البلدان الفردية، وبالتالي الثقافات السياسية. حيث تتغلغل الثقافة السياسية الوطنية بطريقتين. حيث تعكس التشريعات فهم الدولة للمواطنة وسياستها في التأسيس.

ويظهر ذلك في تشريعات المواطنة وإجراءات التجنس والتشريعات الاجتماعية والحقوق السياسية، مثل الحق في التصويت في الانتخابات المحلية. ومن ناحية أخرى، طريقة تفكير الدول في إضفاء إشكالية على الاندماج في ثقافة سياسية وتصور معين لما هو المواطن الآخر.

 عندما تحدد الدولة نفسها، فإنها تحدد في الوقت نفسه الأدوات الممكنة للإدماج الخاص بالمهاجرين واللاجئين الى حد كبير.

بشكل عام، يمكن التمييز بين أداتين لتخصيص الحقوق. يمكنك استخدام أداة واحدة استدعاء نموذج الحكم الذاتي الجزئي للمجموعات العرقية مع الحق في التمثيل في السياقات المؤسسية والسياسية. بحيث يُنظر إلى المشاركة في هذا الفهم أولاً وقبل كل شيء كحق جماعي.

أداة أخرى هي التكامل، حيث يتم التمييز بشكل أكبر بين الحقوق في المجالين الخاص والعام، بحيث تأتي الحقوق السياسية أولاً مضمونة من خلال وصول الأفراد إلى المشاركة والمواطنة.

كلتا الأداتين تفترضان رغبة في التغلب على العوائق المباشرة وغير المباشرة أمام المشاركة.

بالنظر إلى الدول الأوروبية المختلفة، فإن النماذج هي المواطنة والتأسيس والفهم والتشريع والأدوات متنوعة.

هناك فرقاً بين تنظيم التأسيس مركزياً أو لا مركزياً، وسواء التركيز على الاندماج في المجتمع أو الاندماج في الدولة. بمعنى آخر، هناك فرقاً فيما إذا كان المرء يركز على التكامل كعلاقة بين المواطن والمواطن أو كعلاقة بين الدولة والمواطن.

في أوروبا، يمكن للمرء أن ينشئ ما لا يقل عن ثلاثة أنواع مثالية على أساس التحليلات الملموسة المختلفة بممارسات التكامل في البلدان المختلفة. يتم تنظيم التأسيس أو الاندماج في السويد وهولندا حول مجموعات الشركات ووظائفها سواء كانت تجارية أو عرقية أو دينية


أو مجموعات الجنس.

تتحقق شرعية المواطنين وحقوقهم من خلال الانتماء للجماعة. ويتم دمج المهاجرين كمواطنين بشكل جماعي من خلال المشاركة في الهياكل التي ترعاها الدولة. تركز الدولة هنا على الحقوق الاجتماعية وحقوق الرفاه المنظمة مركزيا وموجهة بشكل جماعي، حيث يتحقق التكامل في الداخل.

هذا النموذج يعتمد على دمج المجموعات في المجتمع من خلال تعريف مركزي عبر الهياكل الرسمية.

 في سويسرا وإنجلترا يجد المرء النموذج الليبرالي الذي يتم خلاله تنظيم المواطنة حوله الفرد. لا توجد هياكل أساسية رسمية تدعم أو ترعى المنظمة. في المقابل، يرتكز العمل السياسي والتنظيم على الأفراد والمنظمات ذات الصلة.

هذا يرجع إلى حقيقة أن عملية صنع القرار لا مركزية. فالسلطات المحلية تلعب دوراً فاعلاً في إعداد وتنفيذ الرعاية الاجتماعية للمواطنين. عندما لا يوجد هيئات إدارية للعمل نيابة عن المصالح الجماعية، تصبح سوق العمل الأداة الأكثر مركزية لإدماج المواطنين "الجدد" من المهاجرين، لذلك يتم دمجهم كأفراد في المجتمع دون تدخل كبير من الدولة.

يوجد نموذج ثالث في فرنسا ويعكس حالة إدارية بيروقراطية الوحدة هي السيادة وتنظم السياسة. الأفراد وأنشطتهم في هذا النموذج يخضعون ـ أو تابعون ـ للدولة كنوع من الإضافات في سياسة الدولة. بنفس الطريقة كما هو الحال في النموذج الليبرالي، هناك نقص في هياكل الأدوات التي يمكن أن تربط مجموعات المهاجرين ومصالحهم الجماعية للدولة والإدارة. هذا يعني أن المهاجرين يتم دمجهم على أنهم الأفراد في الدولة من خلال حكم دولة قوي.


سياسة التكامل المركزية الدنماركية

يجب أن يُقال أولاً وقبل كل شيء أن الدنمارك تخضع لسيطرة شديدة المركزية، حيث تقوم سياسة الاندماج والتركيز القوي على إشراك مجموعات المهاجرين في المجتمع بدلاً من الدولة.

على الرغم من وعد الحكومة الليبرالية الحالية بأن تأسيس المواطنة يمر عبر سوق العمل، بعيداً عن النموذج الليبرالي كما في إنجلترا. هذا يرجع إلى المركزية القوية في الدنمارك، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بدولة الرفاهية.

السؤال المركزي هنا، هو فيما إذا كان الحديث الكثير والنقاش الحاد بين القوى السياسية عن الحقوق والواجبات في سياسة الاندماج، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بسياسة الرفاهية الدنماركية؟

لذلك نحن في الدنمارك أولاً وقبل كل شيء ما نسعى إليه هو الاندماج في دولة الرفاهية.


المجتمع العرقي

للوهلة الأولى، لا يمكن القول إن أياً من هذه النماذج يحل مشكلة المواطنة. الكل يستثني المجموعات أو الأفراد بطريقتهم الخاصة. في الدنمارك يقوم مفهوم المجتمع القومي وفقاً إلى التجانس العرقي والثقافي، حيث يكون ولاء الأفراد ـ المواطنين ـ قائماً على "الجذور العميقة" التي تستبعد الدنماركيين غير العرقيين من مواطنيهم. يمكن للمرء أن يتحدث عن أننا في الدنمارك نعرّف المجتمع بأنه عرقي بطريقة تذكرنا بمفاهيم القومية الألمانية.

يُعرَّف المجتمع في فرنسا وهولندا وإنجلترا بأنه مجتمع سياسي، وإن كان لهذا التعريف عواقب إلى حد كبير ومختلفة على الأقليات لأنها تنظم الاندماج في السياسة المجتمعية بشكل مختلف.

في فرنسا، يتم الإدماج في شكل استيعاب، حيث على سبيل المثال، لا يوجد مكان لطالبات في المدارس يرتدين الحجاب الإسلامي.

في هولندا، هناك فهم تعددي للمجتمع يمكن انتقاده للحفاظ علي المهاجرين من هوية عرقية أصلية، في حين يمكن تعريف التأسيس باللغة الإنجليزية على أنه براغماتية، لكنها أقل جودة في دمج فقراء الموارد.


الأمر يتعلق بالسياسة

ليست الغاية هنا هي التحدث عن نموذج أو آخر، ولكن للإشارة إلى أي مستوى يمكن أن تصل المناقشة في قضية أي نوع من المواطنة نريد؟ ما هو المجتمع الواحد الذي نريده؟

 لا يتعلق الأمر هنا بالأخلاق، بل بالسياسة. جميع المناقشات السياسية في هذا السياق مهمة. المناقشات التي تمكّن جميع مواطني الدنمارك من المشاركة فيها على قدم المساواة.

وإذا حافظت القوى السياسية الدنماركية على فكرة المجتمع المتجانس عرقياً وثقافياً، ستكون لهذا الجدال نتيجتان مؤسفتان على الأقل.

أولاً: تصبح مناقشة المواطنة نقاشاً حول الأخلاق، يرتبط فقط بالمستوى الذي سيظهر فيه المواطن الصالح كونياً وأبدياً ومنفصلاً عن المجتمع. نموذج نكتشفه عندما يتعين علينا تقييم المواطنين من أصل عرقي غير دنماركي، من أجل الدنماركيون العرقيون الذين لديهم الجنسية الدنماركية تلقائيا بحكم انتمائهم العرقي وموروثهم الحضاري.

هذه الإشكالية قائمة حتى في الثقافة الدنماركية، مما يجعل من الصعوبة بمكان وضع مبادئ توجيهية مفيدة للمواطنة.

هل المواطن هو شخص لديه وظيفة؟ ماذا عن المهاجر الذي يعمل بجد منذ ثلاثون عاماً، عملاً بدنياً شاقاً في مصنع، لكنه لم يتعلم اللغة الدنماركية، وهو الآن عاطل عن العمل. هل يصبح هو فجأة غير مواطن؟

في الحقيقة لا ينبغي أن تكون المواطنة مرتبطة بالعرق أو المهارات، بل بالأسس الجمعية المشتركة.

ثانياً: من خلال عدم رغبة القوى السياسية في مناقشة الثقافة السياسية للمجتمع، فإننا نجازف بانهيار قاعدة الإجماع في المجتمع. يمكننا في الواقع أن نلاحظ أن الدنمارك لم تنجح في أن يكون جميع المواطنين في المجتمع على قدم المساواة.

يمكننا ملاحظة أن التشريعات تتضمن تميزاً ـ سواء بصورة مباشرة أو بشكل غير مباشر ـ ضد مجموعات الأقليات العرقية. على سبيل المثال القوانين التي تتعلق بلم شمل الأسرة.

كثيرة هي الأمثلة التي تجعل تصورنا المشترك للمجتمع الدنماركي القائم على أساس مبادئ الديمقراطية والمساواة أمام القانون، ينهار ويتداعى.

إذا تلاشت الثقة في هذه الأسس الجوهرية للإجماع المجتمعي، فإن بذرة الصراعات المجتمعية موجودة بصورة حقيقية وفعلية. لذلك من الضروري إجراء مناقشات سياسية واسعة حول تصميم شكل المجتمع الدنماركي، حتى نتمكن من إعادة تأسيس قاعدة إجماع مشتركة، وهي القاعدة الذي فقد الكثيرون الثقة في كونها تشكل أرضية مشتركة للبناء المجتمعي فوقها.


الديمقراطية والمواطنة

هناك تعريفات وتصورات مختلفة لماهية الديمقراطية. دار الكثير من النقاش تاريخياً، حول أي مجموعات في المجتمع يجب أن تشارك في اتخاذ القرار - على سبيل المثال، من يجب أن يكون له الحق في التصويت.

هل الديمقراطية هي إمكانية منح الأغلبية فقط حق اتخاذ القرارات؟ وما علاقة المواطنة بالديمقراطية؟ وما هو الدور الذي تلعبه قضية حقوق الناس في قدرتها التأثير على السلطة، وكيف ينعكس ذلك على الديمقراطية؟

للديمقراطية بظني أربعة أبعاد. أولاً: في كونها شكل من أشكال الحكم الديمقراطي. ثانياً: حقوق الانسان والمحاكم المستقلة. ثالثاً: المشاركة الفعالة للمواطنين في إدارة الحكم. رابعاً: الديمقراطية كقاعدة قيمية مشتركة لجميع السكان.

كلما تقاطعت واجتمعت الأبعاد الأربعة في بلد ما، كلما كان من الممكن القول بأن الدولة أكثر ديمقراطية. فالديمقراطية عملية مركبة، بقدر ما هي هدف. لذلك فهي ليست شيئاً يمكن للدولة أن تفعله بالكامل، ولكنها عملية تفاعلية متواصلة ومستمرة.


1ـ الديمقراطية كشكل من أشكال الحكم

تتعلق الديمقراطية بسكان بلد ما، بما لهم من تأثير كبير على حكم البلاد. تختلف الديمقراطية عن أشكال الحكم الأخرى، حيث لا يوجد سوى شخص واحد أو مجموعة صغيرة من الناس الذين يحكمون، دون أن تتاح للناس الفرصة للتأثير على من هم هؤلاء الناس، أو على ما يتعين عليهم أن يقرروه.

هناك طرق مختلفة يمكن أن يحكم بها السكان بلداً ما. عادة، يشمل ذلك الأشخاص الذين ينتخبون الممثلين الذين يحكمون نيابة عنهم. وهذا ما يسمى الديمقراطية غير المباشرة أو الديمقراطية التمثيلية. جزء مهم من الديمقراطية هو أن الناس يمكنهم التصويت واستبدال قادتهم من خلال انتخابات حرة ونزيهة. يُطلق على الأشخاص المنتخبين اسم القادة السياسيين. عادة ما يمثل هؤلاء السياسيون حزباً سياسياً.

يمكن البت في بعض القضايا السياسية مباشرة من خلال الاستفتاء. يسمى هذا بالديمقراطية المباشرة، ويستخدم بشكل أساسي في الحالات التي يمكن فيها الإجابة بنعم أو لا على سؤال معين، مثل نعم أم لا لعضوية الاتحاد الأوروبي. في الاستفتاء المباشر يتم منح الشعب الفرصة للتصويت على موضوع معين دون التصويت لممثلين منتخبين أو أحزاب سياسية.


2ـ حقوق الانسان والمحاكم المستقلة

تتعلق الديمقراطية بتأثير الناس في بلد ما بشكل كبير على إدارة سياسة البلاد. تعني الديمقراطية أيضاً أن الدولة تضمن في نفس الوقت حماية حقوق الإنسان الأساسية. يتم ذلك ـ من بين أمور أخرى ـ من خلال ما يسمى بسيادة القانون في البلاد مع وجود المحاكم المستقلة التي تضمن أن الحكومة لا تنتهك حقوق الشعب.

يتميز الحكم الديمقراطي بتقسيم سلطة الدولة بين هيئة تشريعية، وتنفيذية، وقضائية، أي برلمان، وحكومة، ومحاكم.

يتصف أحد المفاهيم المعيبة لتعريف الديمقراطية، على أنها حكم الأغلبية. أي أن الدولة ديمقراطية طالما أن غالبية السكان هم من يقررون السياسات العامة، مهما كانت القواعد. المشكلة في مثل هذا التعريف على سبيل المثال، إذا قررت غالبية المجتمع أن باقي السكان يجب أن يفقدوا حقوقهم الديمقراطية، مثل الحق في التصويت. على الرغم من أن هذه هي إرادة الأغلبية، لا ينبغي أن يُطلق على البلاد أنها ديمقراطية، إذا لم يعد لدى قطاعات من الناس نفس الفرص للمشاركة في الحكومة الوطنية.

في الديمقراطية التي تعمل بشكل جيد، يتم وضع السياسات واعتمادها على أساس النقاش العام. النقاش الذي يجب أن يتم في مجتمع يتمتع بصحافة حرة ومحاكم مستقلة ومجتمع مدني نشط. غالباً ما يُطلق على تعريف الديمقراطية التي تتضمن احترام حقوق الإنسان اسم الديمقراطية الليبرالية.


3ـ المشاركة الفعالة للمواطنين

تصبح الدولة أكثر ديمقراطية إذا كان الناس فيها مشاركين نشطين في الحكم السياسي للبلد. هناك العديد من الطرق لهذه المشاركة النشطةً. يمكن أن يتعلق الأمر بمتابعة المناقشات السياسية والمشاركة فيها، أو التصويت في الانتخابات، أو العضوية في المنظمات والأحزاب السياسية. يمكن للمواطنين الناشطين سياسياً أيضاً المشاركة في المناقشات والاحتفالات المجتمعية أو المشاركة في تنظيمها.

من أجل أن يكون للديمقراطية ممثلين منتخبين ديمقراطياً، يشترط أن يكون هناك مواطنون على استعداد للترشح للانتخابات وتولي مسؤولية المنصب السياسية، سواء في المنظمات أو في الأحزاب.

ترتبط المشاركة السياسية بما يسمى بالمواطنة، والتي تتعلق بإمكانيات المشاركة في الممارسة الديمقراطية، ومسؤولية المواطنين بالمشاركة الفعلية في الديمقراطية، أي أن يكون للمجتمع مواطنين فاعلين.

الحرية التنظيمية حق إنساني يمكّن من المشاركة السياسية من خلال منح المواطنين فرصة الالتحاق والانتساب للأحزاب والمنظمات السياسية. كما تمنح الحرية النقابية العمال الحق في تنظيم أنفسهم في نقابات عمالية، مما يساعد على جعل الحياة العملية أكثر ديمقراطية، فالنقابات تعتمد على عضوية الموظف والعامل، والمشاركة النشطة.

عندما تتحدث النقابات مع كل من السلطات ومنظمات أصحاب العمل حول القواعد التي يجب أن تنطبق على الحياة العملية، فإن هذا يسمى اتفاقية ثلاثية.

تشتهر الدنمارك على سبيل الذكر، بحياة ديمقراطية جيدة التنظيم - التعاون الثلاثي هو جزء من مجموعة مشتركة من القيم في الديمقراطية الدنماركية.


4ـ الديمقراطية كأساس مشترك للقيم

لكي تعمل الديمقراطية بشكل جيد، يجب أن يدعمها الشعب، ويجب اتباع واحترام المبادئ الديمقراطية. يعتمد هذا الدعم على حقيقة أن السكان المواطنين لديهم إيمان كبير، أن الديمقراطية هي أحد أهم القيم المشتركة للمجتمع.

وللتدليل على أهمية قاعدة القيم الديمقراطية في المجتمع، هو الرأي القائل بأن القادة المنتخبين ديمقراطياً هم في الأساس قادة شرعيون، على الرغم من أنهم قد يأتون من أحزاب سياسية لا يتفق المرء مع أفكارها.

المجلة الإنجليزية The Economist لديها دراسة استقصائية تسمى مؤشر الديمقراطية، والتي تقيس درجة الديمقراطية في مختلف البلدان. تقيّم الدراسة كلاً من العمليات الانتخابية، ووظائف الحكومة، وحقوق السكان، والمشاركة السياسية، والثقافة السياسية. تتعلق الثقافة السياسية في الديمقراطية ـ من بين أمور أخرى ـ بالديمقراطية كأساس مشترك للقيم المجتمعية.

إن ضمان التمثيل السياسي لمجموعات مختلفة في المجتمع هو أيضاً قيمة ديمقراطية مهمة. والفكرة هنا هي أن المسؤولين المنتخبين يجب أن يعكسوا آراء الناس بطريقة فعلية.


تمثيل المجموعات المختلفة في الديمقراطية

لا يتألف المجتمع من الأفراد فحسب، بل يتكون أيضاً من أنواع مختلفة من المجموعات والأعراق والأجناس والأديان والثقافات ذات الاهتمامات المتنوعة، والإمكانيات المختلفة في الوصول إلى السلطة والتأثير في المجتمع.

ما هي المجموعات التي يجب أن يكون لها حقوق خاصة، وما هي الحقوق التي يجب أن تكون قضايا سياسية.

في الدنمارك، قبل عام 1915، كان حق الشخص في التصويت يعني أن يكون رجلاً، يزيد عمره عن ثلاثون عاماً، وله دخل وممتلكات معينة. وهذا يعني أن غالبية السكان - 85٪ - لا يحق لهم التصويت.

كان يتم حجب حق التصويت والترشح عن العديد من فئات المجتمع، وبالتالي منعهم من حق اكتساب المواطنة السياسية، مثل: البغايا، الفقراء، المجانين، المجرمون، مدمني الكحول والمخدرات. المعاقين. وهو ما يعتبر اليوم فعلاً غير ديمقراطي وانتهاك لحقوق الإنسان.


تمثيل المرأة في البرلمانات المنتخبة

المساواة بين الجنسين مهمة لكل من المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان. حتى عام 1915 كانت النساء في الدنمارك مستبعدات من البرلمانات المنتخبة، والتي تعتبر اليوم تمييزية وغير ديمقراطية.

كان الحق في التصويت في دستور عام 1915 بمثابة مواجهة التمييز في التصويت - وانفراجاً في حق التصويت المتساوي والعادل للجميع. للحصول على حق التصويت اليوم، يجب أن يكون عمر الشخص خمس وعشرون عاماً، ولديه الجنسية والإقامة الدائمة في الدولة.

بالإضافة إلى حقيقة أن النساء يُعتبرن الآن مواطنات متساويات مع الرجال في الحقوق والواجبات. كان من الجديد أيضاً أن الأفراد الذين ليس لديهم منزل خاص بهم لم يعودوا يعتبرون قاصرين. وبعبارة أخرى، لم يعد رب الأسرة يمثل الأسرة بأكملها، وبالتالي فإن الحق في التصويت أصبح حقاً فردياً.

تعد الدنمارك اليوم من بين دول العالم التي تتمتع بأكبر قدر من المساواة. ومع ذلك، لا يزال معظم أعضاء البرلمان من الرجال، وبشكل عام، فإن أجور النساء في سوق العمل أقل من أجور الرجال.

أيضاً، تعتبر الديمقراطية لبنة أساسية في بناء السلام والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان في العالم.

فمنذ إنشاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عام 2006 تبنى عدداً من القرارات التي تؤكد على علاقة التعزيز المتبادل بين الديمقراطية وحقوق الإنسان. يعد الافتقار إلى الديمقراطية وضعف المؤسسات وسوء الإدارة السياسية من بين الأسباب الرئيسية لانتهاكات حقوق الإنسان في الكثير من الدول.

في عام 2002 أعلنت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (التي سبقت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة) النقاط التالية كعناصر أساسية للديمقراطية وتأثيرها على المواطنة:

ـ احترام حقوق الإنسان وخاصة حرية تكوين الجمعيات والتعبير.

ـ وممارسة السلطة تتم وفقاً لقوانين البلاد

ـ إجراء انتخابات حرة ونزيهة بشكل منتظم.

ـ نظام متعدد الأحزاب مع مجتمع مدني متنوع.

ـ توزيع السلطة - والفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية.

ـ قضاء مستقل.

ـ جهاز دولة غير مغلق وشفاف، وخاضع للمساءلة.

ـ وسائل إعلام متنوعة وحرة ومستقلة.


مصادر

Lise Paulsen Galal, Etniske minoriteter og demokratisk deltagelse i EU-landene. Mellemfolkelidt Samvirke, 2001.

Kjersti Maria Rongen Breivega og Toril Eskeland Rangnes (red.) Demokratisk danning i skolen: Tverrfaglige empiriske studier (2019)

Janicke Heldal Stray, Demokrati på timeplanen (2011)

هل خدم المال السياسي أي مشروع وطني للجماهير العربية؟/ نبيل عودة



* -نحن امام ظاهرة هامة جدا: شخصا فردا، أصبح قادرا ان يهزم انتخابيا حزبا سياسيا تاريخيا بتنظيمه وإعلامه ورجالاته، وعلي سلام نموذجا!!*

*-القول الكريم "يد الله مع الجماعة" جرى اسقاطه من الذين يتوقع ان يتمسكوا به أكثر من الآخرين*

******

يمكن القول بلا تردد ان المال السياسي هدم الحياة الحزبية وأنهى دور الأحزاب التقليدي. والسؤال المشروع هنا: ما هو الدور السلبي اذن الذي لعبه المال السياسي (او الفئوي الانتهازي) في التأثير على نهج الأحزاب العربية في اسرائيل، على تحالفاتها، من العداء الى الوحدة، من اقصى اليسار الى اقصى اليمين ومن النهج العلماني الى الاندماج مع النهج الديني الاصولي.

 من اليوم الأول رأيت انها حالة سياسية عبثية ضررها سيكون أخطر من فائدتها المؤقتة، وهذا ما ثبتت صحته بشكل مطلق، لدرجة ان القائمة الموحدة بعد انشقاقها اصبحت ضمن حكومة، الأولى من نوعها التي يرفض رئيسها حل المشكلة الفلسطينية على أساس دولتان لشعبين. هذا برأيي اهم من أي مكسب تدعي المشتركة انها أنجزته للجماهير الفلسطينية في إسرائيل!!

النتائج السلبية لضم الموحدة للقائمة المشتركة، تبدو اليوم أكثر وضوحا من أي تحليل او مقال يحاول ان يفلسف الواقع العربي في اسرائيل، وصولا الى الانشقاق الذي هدم مبنى تحالف المشتركة المريض بتركيبته أصلا، وأفقده ثلث اعضاء الكنيست، طبعا لا ابرر الانشقاق لأنه نفذ على صعيد انتهازي لا يمت بصلة لأي حس وطني او اجتماعي يؤخذ بالحسبان كحاجز ممنوع تجاوزه، في الواقع الاجتماعي والسياسي الذي تعاني منه الجماهير العربية. لكنه اثبات آخر ان الحركات القائمة على مشروع ديني، لا تخدم أي قضية اجتماعية او سياسية للجماهير العربية، لأن ما يقرر نهجها ليس قضايا مجتمعها، بل ذاتيتها الانتهازية.

إن نسف المكانة القوية برلمانيا للجماهير العربية في اسرائيل، لحساب انتهازية شخصانية اصولية في تفكيرها السياسي والاجتماعي، هي خطوة انا شخصا توقعتها، بل وتوقعت ان تحدث بعد الجولة الانتخابية الأولى، لكنها تأخرت حتى أصبح الانشقاق ملائما لبرامج المنشقين.

الموضوع ليس اضعاف جسم سياسي لا اقبل عقيدته العلمانية، لأن الوحدة نشأت على اساس شمولي لكل القوى الناشطة في الساحة المحلية العربية، وتغليب الذاتية الانتهازية هنا هو قرار لم يأخذ بعين الاعتبار ان القوة العربية الناشطة برلمانيا كقوة موحدة، سيكون لها قوة الحسم السياسي برلمانيا او وقف مهزلة تشكيل حكومات على صعيد عنصري، يتنكر لمبدأ دولتان لشعبين، وتسهيل فضح هذا النهج السياسي دوليا، وربما شل الحياة السياسية حتى تقر مطالب سياسية، وطنية وتطويرية هامة للمجتمع العربي في اسرائيل. للأسف ما جرى كان خيارا تجاريا اعتمد سياسية انتهازية لا تقدم الا الفتات للجماهير العربية. وحتى الفتات لم يظهر بعد!!

قصدا لا اريد ان اقول التيار الديني، لأن الدين ليس احتكارا لسياسات انتهازية، بل يبقى القول الكريم "يد الله مع الجماعة" قولا جرى اسقاطه من الذين يتوقع ان يتمسكوا به أكثر من الآخرين.

لم يعد سرا الكشف الذي اعرفه من الاتفاق الأول لتشكيل قائمة برلمانية مشتركة، ان المال السياسي لعب دورا في تشكيل المشتركة وأثر على نهج الأحزاب العربية في إسرائيل، بالتنازل عن ايديولوجياتها الماركسية والقومية والدينية، والتحالف الذي أحدث قفزة بقوة وتأثير المجتمع العربي على الواقع السياسي في اسرائيل، حمل املا لتطوير المشروع الوطني، اجتماعي، ثقافي، تعليمي وصحي. لكن الواقع ان المال السياسي لم يخدم في النهاية الا مصالح ضيقة جدا.

هل باستطاعة أي مواطن عربي ان يشير إلى مضمون ايجابي واحد أنجزه المال السياسي للمجتمع العربي، تجاوز تشكيل قائمة مشتركة؟

ماذا تبقى اليوم من فكرة المشتركة؟ سوى عدد من الأعضاء هامشيين سياسيا بتأثيرهم على أي حدث سياسي او غير سياسي يخص المجتمع العربي. حتى من تشاطر ودخل الائتلاف بوهم ان يقرر سياسة مختلفة، لم نر الا زرعا بلا ثمار. ومن الواضح ان المكانة الشخصية الاعلامية هي ما أطربت السيد منصور عباس.

الماركسية ايضا التي كانت وما تزال محور فكري للجبهة، لم يعد لها علاقة بالواقع. كانت ماركسية الجيل القديم ماركسية إنسانية تمد التنظيم بروح رفاقية من التعاضد والتعاون والتكافل. ذلك النهج تلاشى منذ وقت طويل ويمكن القول مع انتهاء الدور التاريخي الذي لعبته الطليعة السياسية ومع بدء الوضوح ان الماركسية التقليدية لم تعد تستجيب كأداة فكرية لفهم الواقع الذي يتطور ويتجاوز كل طروحات الماركسية التقليدية القديمة.

الأمر الأكثر اهمية هو اننا اليوم أمام ظاهرة شاملة لنهاية حقبة الأحزاب السياسية، هذه الظاهرة أكثر بروزا في الدول الأوروبية، خاصة بما يتعلق بأحزاب الحركة الشيوعية، حيث نجد أنها تحولت إلى مجرد مكاتب وبعض الممثلين البرلمانيين. هل سمعتم مثلا خبرا عن حزب شيوعي فرنسي؟ أو ايطالي؟ او بريطاني له موقف من أحداث عالمنا؟

طبعا هذا جانب واحد من الأزمة، الجانب الذي أود ان اطرحه هو تدفق المال السياسي على الأحزاب بأساليب وكميات غير مسبوقة، لم يخدم أي هدف سياسي الا إذا اعتبرنا اقامة وحدة من اقصى اليمين الى اقصى اليسار هو المكسب العظيم، لكنه مكسب لم يصمد نتيجة تفكير انتهازي شخصاني وليس تفكير سياسي حول واقع عربي يحتاج الى تضافر كل الجهود للتأثير السياسي على قرارات السلطة، وليس للظهور التلفزيوني والاعلامي وكأنه المكسب العظيم للجماهير العربية.

لم تعد الصيغة الطبقية صالحة لتعريف الأحزاب. لا تحدثوني عن حزب طبقة عاملة مثلا، لا أجدها في قيادة الحزب ولا في علاقاته الداخلية بين قادته وكوادره. لا تحدثوني عن يسار سياسي أو وطني كل مشاغله إقامة صناديق لتجنيد الأموال.

أقام قبل سنوات أحد الأحزاب الوطنية حسب تعريف نفسه، مؤسسة للثقافة. تلقت ملايين كثيرة من مصادر عديدة، بما فيها مصادر فلسطينية، بهدف تنشيط الحياة الثقافية للوسط العربي. ماذا أنجزت المؤسسة الثقافية؟ أي مشروع ثقافي تركته في مجتمعنا بحيث يمكن ان نتذكرها به؟ دارا لنشر الإبداعات المحلية مثلا؟ دعم للمسرح الذي بتنا نفتقده؟ دعم لفرق الفنون الموسيقية والراقصة؟ دعم لفن الرسم والنحت؟

هل استخدمت بعض هذه الأموال مثلا لدعم مشروع تنويري في المدارس العربية؟ هل استخدمت مثلا لتطوير مكتبات عامة أو مدرسية؟ هل قامت بتزويد طلاب فقراء بحواسيب يفتقدونها في بيوتهم؟ هل كرست بعض هذه الأموال في دعم دراسات طلابنا في الجامعات، وكلنا نعرف ما يعانيه الشاب العربي من مشاكل مادية ولوجوستية معقدة؟

للأسف لم يتحقق أي شيء له علاقة بالثقافة، بل مكاسب شخصية وحزبية وإعلامية!!


ظاهرة اسمها "علي سلام"

الصورة التي بدأت تتشكل، بان شخصا فردا، لا يملك حزبا ولا أموالا سياسية ولا تنظيما حزبيا ولا كوادر معبئة فكريا وتنظيميا، أصبح قادرا ان يهزم حزبا سياسيا تاريخيا بتنظيمه وإعلامه ورجالاته، واشرت سابقا لهذه الظاهرة وهي ظاهرة علي سلام رئيس بلدية الناصرة. المدينة الحمراء كما كانت تسمى، هو تحول سياسي ستكون له أهميته على ساحة المجتمع العربي في إسرائيل قاطبة!!

اهمية هذه الظاهرة انها فتحت الساحة اما مئات الشخصيات التي لا تنتمي لتنظيمات سياسية، ان تقتحم ساحة النشاط الاجتماعي والبلدي بإحداث انقلاب في العلاقات مع الجمهور بعيدا عن القيود الحزبية الضيقة.

أرى ان الحياة الحزبية باتت تفتقد لشخصيات مستقلة بتفكيرها عن أوامر تنظيماتها في نشاطها بإطار وادارة السلطات المحلية، وبات من الملح والضروري ان تتقدم القوى ذات القدرات الادارية والتطويرية لاحتلال المقدمة في سلطاتنا المحلية!!

من بين كهناء الشعر نتوقف أمام تجربة الشاعر "دانتي" اللبناني وارتباطه الميتافيزيقي بالفكر والواقع/ د. هدلا القصار

 


بروفايل الحلقة  (الخامسة )

 


نستلف عقل الشاعر والأديب دانتي اللبناني روبير غانم، لنقف وقفة تأمل أمام فلسفته المقارنة بعائلة فلاسفة العصر،

 ولنصل إلى ما وصلت إليه ثقافته اللاهوتية، التي تحمل دعوته المفتوحة على العالم وجميع الأديان وتجديد طقوسها لبناء شرق اوسط جديد من خلال  تجربته ، وتلاشيه بين المسافة والفكرة، وتحويل الأدب العالمي إلى منهجه الشعري،

 ومستوى أرائه الفيزيائية، ومحاولته تغيير نظام العالم الى  نظام لاهوتي أسطوري، حيث  أدخلتنا الأديب الشاعر والفيلسوف اللاهوتي الذي شاغل العالم بفكر وثقافته وفلسفته الشعرية والاجتماعية... باجتهاده الفكري العميق بين الزمن والمعرفة .

واستحضار ثقافة العالمين في  أعالمه التواصلية واختراقاته ثقافات الغرب من خلال مخزونه الفكري، وطاقته الرؤيوية الموجه لصالح البشرية، محولا أعماله الفكرية، والمجتمعية، والثقافات التاريخية المتنوعة، إلى غايات تفعيليه، لإصلاح مستندات عالمنا المعاصر، المتداخل في تشكيل العقل الحديث، بكل أطيافه الطائفية والاجتماعية والسياسية والمذهبية... 

انه الشاعر الجلي الفيلسوف والشاعر والصحافي اللبناني،  الذي حمل عالمه الخاص  أوراق وأطروحاته وإبداعات كتاباته  التي تشير إلى بحثه عن اكتشاف الحقيقة والذات في عالمه الخاص .

 ما يعني أن كل شاعر يستطيع أن يحدد علاقته بالعالم المحيط به، وأن يبدع في ثقافته الشرقية خارج الوطن أو داخله، بالبديهة، والخيال، والإلهام.... بالإضافة إلى أساليب نزعته الذاتية في تصويره للعالمين كوسيلة للمعرفة،و لنرى فيه  (دانتي الذي يتحدث عن الشكل الخالص للنور الإلهي الذي يحمل الطاعة المطلقة في إفراز نبوءات الأديان، في رؤاه  وتجاربه المتجلية في قصائده الشرقية السميولوجيا،  ذات  الوجه السيميائي الذي يربط بين التصور البصري والصورة السمعية، و الدال والمدلول وما بينهما،) لنلملم شظايا الشاعر المتصوف، و دوره الاستراتيجي،  وسر قدستيه الساعية للاعتناق ومعانقة المطلق، وما ورد من تطلعات الشاعر الذي يبحث عن الخلود عن طريق الفلسفة الروحانية المعمدة بالبساطة، والعيش مع طبيعة الإنسان، بالاتحاد مع نغمات الكون الأزلي.. ..

هذا هو الفيلسوف والشاعر اللبناني روبير غانم، المغاير في تطلعات توغله .... مستلهما شتى أنواع الاستطرادات الفلسفية،  واكتشافات المعرفة، في مجهودات أعماله الإبداعية الوجدانية الموجهة لمخاطبة شعـوب العالم من فوق أرضه،  بمذاقات شعرية عربية مختلفة، حيث يؤمن الأديب روبير غانم بمقولة  هيغل :

( ان في نهاية الازمنة قد ينتهي كل شيء، ويبقى وحده الشعر، وهو يقصد الابداع المطلق )

كما يسعى الشاعر اللاهوتي روبير غانم،  لتنوير المجتمعات بأفكاره النقدية وأطروحاته اللاهوتية الكامنة في ثراء تجربته الخصبة، التي تعكس أشكال حياة الفرد الغالب على الأماكن والثقافات المسافرة عبر المكان والزمان، بمواد وهويات متنوعة... ما يدل على علوم ومعرفة الشاعر بفلسفة وثقافات العالمين الواسعة،  ومضمونهم الروحي، والحرفي في أدوات العقل والحواس، كما جاء في اقترح الفيلسوف المحب للحكمة الروحية "هنريك سكوليموفسكي"في رؤيته الإيكولوجية، التي قد يكون من شأنها أن تقدم رداً إيجابياً على متطلبات وقتنا عبر المفهوم الشرعي العلماني، لتقترب الإنسانية من الإنسان، من خلال رؤية روبير غانم،  وأفكاره المرتبطة بمبدأ تأمل  ولادة جديدة للإنسان، الذي يحمل تطوير المفهوم  الإنساني المليء بالمفردات المعلنة عن حرية الإنسان أينما وجد في بقاع الأرض  . 

علما أن مثل هذا العلم وهذه الثقافة، سبق وهزت عرش آدم، وأنزلته من السماء، كما تسببت في طرده من الجنة، لاختراقه "معرفة معنى الحياة والعلم" هذا العلم الذي حمل الشاعر والفيلسوف روبير غانم، عبق المرحلة المليئة بمضامين الإنسان، ومعانقة روح الفرد، بأجناس إبداعه الأدبي  المعاصر، الذي  اخترق الحجب، وتجاوز المألوف, ليخطف عقل القارئ إلى ما وراء رؤاه في صيغ بياناته التي سبق ومستها فلاسفة الحداثة فيما مضى منهم: 

  نيتشه/ رينيه ديكارت/ ومارتن هيدغر/ وهيجل/ وهاملتون، وتأثيرهم على الشاعر روبير، الذي يفيض  استشراقاً  وإلهاماً، حيث اضاف الى  فلسفة سرديات معلوماته، المنتمية إلى شعراء وفلاسفة العالم، من خلال تأمله، وتطلعات تعمقه المرتبط بفلسفته الإنسانية اللاهوتية، والاجتماعية  في كينونته الفكرية، التي جعلتنا نكتشف القواعد الكونية الثابتة لدي الشاعر، ونزعته الإنسانية "الهيمونية"  في عيون الأديب الفيلسوف، والشاعر روبير غانم، وتمازجه بين الروح والعقل الذي لا يعترف بحدود الإبداع  في  أعماله الأدبية " الشعرية الدينية " الحداثية، ومضامين فلسفته الجميلة التي تنم عن معنى دفين يعلن عن أشياء عظيمة  في قوانينه ومجاميعه الفلسفية،:التي تنادي أصحاب هذا الاتجاه للتأكيد على الدلالات الدينية، والأخلاقية ... الكامنة وراء القوى الميتافيزيقية، عن طريق الشعر وأطروحاته وفلسفته العقلانية  ... 

بما انه  خير أداة للتعبير عن هذه الدلالات، خاصة إذا كانت بأسلوب الشاعر  وتعبيره الجميل، وإن أدى أحيانا إلى المبالغة في شاعريته الصوفية التي تدعونا  إلى وحدة الوجود و الحب الإلهي الذي يسمو على الحب المادي الذي ينتهي بحدود الزمان والمكان، حيث منبع القيم الإنسانية ومفاهيم العالم في فلسفة الأديب والشاعر روبير،  الساعي لارتقاء مصير الفرد في قدره، كما في " تراجيديا "سوفوكليس"، الذي سعى لتسوية الإنسانية والحرية والعدالة في  صرخة الإنسان الغامضة، إلى أن يخلق تجانس بين الأناء والأخر في مشروعه الكاشف عن الذات المنفردة في رؤيته للعالم المتعدد المناهل والتجارب... في  بحثه عن الإله في الذات الإنسانية ... ما جعلنا نستحضر عبارة   الشاعر  والفيلسوف ألماني قديم

 (أنجلوس زيلسيوس"بقوله "  إذا أردت أن أجد بدايتي ونهايتي فلا بد من أن أبحث عن الإله داخلي/  وأكون مثله / أكون ضوءً في الضوء/ أكون كلمة في الكلمة / إلها في الإله )

حيث  قدرته الإبداعية، الباحثة عن الأحداث المرتبطة بمكونات الفرد داخل صوره الدينامكية، ومميزاته "السيميولوجية الدلالية" وفق إنشاء حداثي يحقق المزيد من اكتشافات عصر البشرية في منهجه الإيديولوجي المثالية التي استهدفت أمنيات الشاعر الكوني، كما لو انه  (في حضرة " ليلة الغطاس" المعروفة  يخصبها القائم في ليلة من كل عام، وهي ذكرى حلول الروح المقدسة  التي تلد فيها الطموحات، الفكر، وتلقيح العقول، والإلهام، والوحي، وتحقيق الأمنيات، والرغبات، والمعجزات على اختلافها)  .

كما في استعراضات الأديب روبير، الملح على إصلاح العقول وما  تستدعيه الرغبة الكامنة بمكتسبات منظوره الديني، واللاهوتي، والأخلاقي، والاجتماعي نحو الإنسانية وما يخص الإنسان وتميزه الذي يمثل الخير للمجتمع وما يلاءم  وصوله إلى المتلقي في ابتكاراته الحرة، فكما في "رسائل الغفران" لفلسفته المغايرة لواقع الحياة والمعرفة،  في خصوصية لغوية لا نعرفها عند الكثير من الشعراء... الذين يمثلون توجهات الشاعر روبير غانم ، وأفكاره التي تشبه أفكار الفيلسوف الفرنسي ألبير كآمي، الذي تمرد على جميع أشكال العبودية، في سبيل الحياة، التي هي أفضل ما وهب الله للإنسان على وجه الأرض، حتى نليق بالحياة ونمشي على درب التكافؤ والتكاتف الإنساني من مكانه الذي لم يهجره بعيداً سوى بتطلعاته على كتابات ونظريات عباقرة وفلاسفة  الغرب،  وبحث في إستراتيجيهم التواصلية، وآفاقهم المتعلق بأفعال كينونة الحداثة، التي تمثل مجد الإنسان المشبع بالروحانية، في لغة الشاعر ومنهجه الموثق بمركبات التفاعل والتلاحم، لينتج جيلاً مستحدثاً متميزاً عن أجيال العصور السابقة .

 بالإضافة إلى أطروحاته التي لم تهدأ في قلب الشاعر والأديب فكرة، مما فتح شهيتنا إلى التعمق أكثر في تجربته التي تحتاج وقتاً بعيداً للدفاع عن قيمة الإنسان وحريته، وتنوع حضارته الجامعة جميع الكتب الإلهية والكونية والإنسانية والحياتية كما قال في  كتب هذه العناوين  .

" السكون "

إنّي أرى ما لا ترونْ / وأسمعُ ما لا تسمعونْ/ وأتراءى ما لا تترأَوْنْ/ وأعرفُ ما لا تعرفونْ/ وأسكنُ بعيداً عنِ الأمداء التي تسكنونْ.../: إنّي أرى/الحُتُوف والجنونْ/وسائرٌ أنا/-وثائرٌ-/يلفّني السْكونْ.

تعالوا نتشبّثْ../ تعالوا نكتبْ قصائد الصّمتْ/ ألصمتُ.. الصمتُ.../ قصيدةُ قصائد النبيّينْ/ تتوهّج داخل فضاءات التصوّرات المتموّجة.. الصامتة/ وتخضّنا حروفها/ عندنا يتحوّل البيلسان الى شجرات من الخيال الهاذي/ وعندها.. وعندها.../ أتحوّلْ../ تتحوّلونَ الى عوالم من السّراب المضلِّل.. العارفْ/: لأنّكم../ لأننا البُهُوتْ/دخلتُ في السكوتْ.

عائدٌ أنا من اللاّعودةْ/ لا بداية لرحلتي.. ولا نهاية

لضفاف الوقت الذي يعيدني اليكمْ/ فاستريحوا في فراغات الوميضْ/ وأسكِتُوا.. أطفِئوا شهواتكم داخل التأمّلات الكاشفة/ لأنّني../ لأنّكمْ.../: هنا.. هنا/- باقونْ-/هناك.../ قد/ نكونْ....

تراءيتُ انّ عماليق الفضاء.. قد أضاؤوا مصابيحَ الرّغبةْ/ لكنّهم.. لم يتكوّنوا إلاّ في ظنون حدائق العبورْ/ فاتبعوني.. إتبعوني.../ فلعلّني أرشدكم الى إضاءات الطريقْ/: لأنني../ لأنكم.../ نأينا عن بريقْ.

البَيَادِق

عندما أبصروا أفراس الدّهشةْ../ فرسانَ الصهيلِ.../ تأتي من وراء عوالم البيادقْ/ تحوّلوا الى مسافات من امتشاق السّيوف والآهاتْ/ ليمخروا عُباب التعاويذ التي لا يطالها نسيان النّدى للورودْ/: لأنّ همّهم معرفةُ/- الأوتارْ-/تحوّلوا: أحجارْ..

لن أجعل نزوح المعرفات.. يرحل الى ما هو طنين الآماد

وربى التخيّلاتْ/ إنّما.. إنّما.../-ولأن زادي جَهَنّماتٌ.. وسماوات رياحْ/ قرّرتُ اقتحام.. بل تفجير اللغاتْ/ لأنّ لغتي.. لغاتنا.. حروفنا.. تعابيرنا.../ لم تعد تكفي لتجاوز شطآن الجهالة.. الى مسافات العبور والمعرفات/: غدونا في السّمَرْ/غذاؤنا الضّجَرْ.

ما جئت لأكون شاهد زورٍ على الجهلِ/ مرتعباً من بيادق اللهفات.. ورموز الانكباب على التجهيلْ/ بل.. بل أتيتُ لأتحوّل حارساً على ملكوت الاشراقات التي تنقلنا الى نورانيات الأسى وتحوّلات الرّيحْ/ وعندها.. عندها.../ أتحوّل.. نتحوّل الى بيادق.. جوارح.. كواسر... تقتحمْ المجاهلَ../ حتى ولو كانت

آساً وأقحوانْ/: لأننا../ لأنني.../ عبرتُهُ المكانْ/غدوتُ في الزمانْ..

لا تسألوا أين سأزرع بذاري/ ففي كلّ خطوة فكرٍ هُوَ أنا/ هُوَ.. هُوَ... / الذي يجتاز وهاد الاغماءات طمّاحاً الى أن يصير في عوالم غبار التوهّمات التي من سرمدٍ.. أزلٍ وأبديّاتْ/:

فلا.. فلا/تحاولوا الإبهارْ/لأنَ .. لا نهارْ/لأنَ كلّ ما يلفّنا.../ يصفعنا: إعصارْ/ولن نصيرَ../لا نصيرُ../ عالمَ الأزهارْ/إلا إذا/تبخّرَ الغبارْ..

البيادق.. طائر من الجوارح في حجم الباشق.

الحصائل

لم أكن أدري أنّ حصائل التوهّجات.. سيجتاحُها يباسً الأعاصيرْ/ ولم.. لم... أكن عالماً بأن فُيُوءَ الدّياجير.. ستتناثر فوق رذاذ تخيّلاتي/ وعندما../ عندما أدركتُ بعضاً من رموز الخمائل والتيهْ/ بدأتُ أكتب أشعار التفرّدات التي من وَثَن أبيض.. يتماوج في القفار والأماسي/: وتهتُ في الآبادْ/ولفّني السّهادْ/وغبتُ../غبتُ في البريقْ/ضللتها الطّريقْ/لكنّني../عبرتُه المضيقْ..

يا سكّان التعاويذ.. والبركاتْ/: هللّوا للذي سيأتيكم بالحصائل المعتّقة كخمور الأزمنة السحيقةْ/ فهاءنذا أعيدكم الى مواضي التوهّمات البهيّةْ/ لأنني أدركتُ بعض اسرار الاعجاز المتمادي في الإغلاق/ وهذه هي حصيلتي.. حصائلي... / اشتُلُها في أحواضكم التي يتناثر فوقها شَغَف الوصول إلى ثقوب المطلقْ/ وحصائلي../ أيها الغادون الى صباحات الذّبول والفجائعْ/ تتنزّه بين الآه.. والآخ... وآلام الحروف المتناثرة فوق بيادر الهشيمْ/ ويا.. ويا... كلّكم../ أيّها المتوهّمون أن الأشواك ستتحوّل الى أزاهير من نُسُوغ الأبدْ/ تحوّلوا معي الى ازهرارٍ.. أسودْ/:

لأنكمْ../ لأنني اليَنبوعْ/تجمّعتْ حصائلي../ وأزهرتْ في البالِ/- والخشوعْ -/وصرنا../ صرتُ في الهجوعْ..

حدّثتكم بما عندي من ترائياتْ/ فتحاوروا مع ذواتكمْ..: وادخلوا مدارات الشموس.. المطفأةْ/: فتسكنونَ../ أسكنُ الضّجَرْ/لأنّني عبرتُهُ النَّهَرْ. 

بقلم الشاعر والفيلسوف اللبناني روبير غام 

Robert Ghanem

 يتبع

مع النجم البريري  الشاعر العماني سيف الرحبي


محورية الملف الإيراني في لقاء بينت- بايدن/ راسم عبيدات

 


بينت سيطلب من بايدن في لقائه معه اليوم الجمعة عدم سحب قواته من العراق وسوريا، لكي لا تملأ ايران الفراغ،كما سيدعو واشنطن الى اقامة حلف اقليمي من أجل منع  وصد التمدد والتوسع الإيراني في المنقطة،وخاصة على ضوء التطورات الحاصلة في افغانستان،والإنسحاب المذل للقوات الأمريكية من هناك،وفشل المشروع الأمريكي باهدافه المعلنة غير الحقيقية بالقضاء على الإرهاب وبناء دولة أفغانية قوية،حلف تشترك فيه الى جانب دولة الإحتلال وأمريكا،مصر والأردن والسلطة الفلسطينية،يضاف لهم حلف "ابراهام" التطبيعي،وبينت سيدعو كذلك الى شراكة استراتيجية بين دولته وأمريكا،والى توسيع دائرة حلف التطبيع العربي، في مواجهة المد لمحور ا ل م ق ا و م ة ...بينت يعرف حدود قدراته في التأثير على بايدن في قضية الملف النووي الإيراني، فأمريكا ليس بواردها خيار المواجهة العسكرية،بل هي ترغب في العودة لإحياء الإتفاق النووي مع طهران،ولا تريد مناكفات في هذا الجانب،فهذه الحكومة الإسرائيلية جاءت بضوء اخضر منها،لكي لا تعود الى المناكفة مع نتنياهو..وما يجب ان نلحظه من انفجاري مطار كابول، أنهما قالا بشكل واضح ان المكانة لدولة الإحتلال في الإستراتيجية الأمريكية في تراجع مستمر،فلقاء بايدن- بينت تأجل من الخميس للجمعة،فأمريكا لها مصالح وأهداف على المستوى الكوني،تتعدى الأهداف والمصالح الإسرائيلية ...اسرائيل هاجسها الأول ايران ومحورها الممتد من طهران وحتى اليمن ..فالسيد من بعد جلب النفط الإيراني لكسر الحصار الإقتصادي على لبنان،وسع من معادلات الردع لكي تشمل البحر بعد البر والجو .. واسرائيل بين نارين،نار قصف ناقلات النفط الإيرانية،وما يستتبع ذلك من رد ل ح ز ب ا ل له، لا تحتمله جبهة الإحتلال الداخلية،وقد تتدحرج الأمور نحو حرب اقليمية، لا تريدها ولا تريدها واشنطن أيضاً،وبالمقابل السماح لناقلات النفط الإيرانية بالوصول وافراغ حمولتها في موانىء لبنان صيدا او بيروت،أو عبر ميناء بانياس السوري،ومن ثم نقل النفط براً،يعني كسر للحصار الإقتصادي على لبنان وسوريا،وسقوط مدوٍ لقانون"قيصر" ومشروع بومبيو لإسقاط لبنان في فلك الدول العربية المطبعة مع دولة الإحتلال،و العمل على اضعاف كبير ل ح ز ب ا ل له وقوى ا ل م ق ا و م ة،بعد كل حملات التحريض على الحزب وشيطنته وشيطنة قيادته،واعتبار كل ما حل ويحل بلبنان من مصائب من صنع ح ز ب ا ل ل ه وبسببه.


صحيح بان بينت سيطلب مساعده خاصة بمليار دولار من اجل تعويض الخسائر في القبة الحديدية،وله خلافات في جوانب تفصيلية مع ادارة بايدن في الملف الفلسطيني،ولكن هناك اتفاق في الجوهر،بأنه في المدى المنظر لا أفق لحل سياسي،والمطلوب هو العمل على إدارة الصراع وليس حله،ومفاوضات من أجل المفاوضات،فبينت يدرك تماماً بأن أي موافقة على حل الدولتين،من شأنه أن يطيح بحكومته الأيله للسقوط ،ولذلك قال بشكل واضح أنه لا دولة فلسطينية في عهد حكومته ولا مفاوضات سياسية ولا ضم ولكن مواصلة الإستيطان من اجل تحقيق الضم بشكل فعلي،وهناك مقترح بديل،من أجل منع تصاعد وإنفجار الأوضاع، ما اصطلح على تسميته ب" تقليص الصراع"،عبر تقليل الإحتكاك مع الفلسطينيين وتسهيل التنقل والحركة وحركة البضائع والأفراد،وزيادة تصاريح العمل للعمال والتجار،وتحسين شروط وظروف حياة المقدسيين تحت الإحتلال،مشروع ما يسمى بالسلام الإقتصادي،يرافقه بعض الرشى السياسية للسلطة من أجل منع انهيارها  واعادة جزء من الثقة بها،فهي باتت مأزومة وعاجزة وأقرب الى الإنهيار،ولذلك لا بد من تقويتها كما قال غانتس،ولا بد من دعمها كما قال وزير خارجية أمريكا بلينكن،فإنهيار السلطة،يعني وجود قوة أكثر راديكالية  تحل محلها،وهذا من شأنه خلق متاعب لدولة الإحتلال ومحور التطبيع والإعتدال العربي الرسمي.


رشى من طراز العمل على إعادة افتتاح القنصلية الأمريكية في القسم الشرقي من المدينة،واعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن،والسماح بالبناء بشكل محدود جداً في المنطقة (جيم)،وفي مناطق معزولة، لا تؤثر على التمدد والتوسع والتواصل الإستيطاني،والعمل كذلك على تقوية أجهزة الأمن الفلسطينية ودعمها مالياً،وتوثيق علاقاتها وتنسيقها وتعاونها مع اجهزة الأمن الإسرائيلية والأمريكية،وعودة وكالة التنمية الأمريكية للعمل في الضفة الغربية،والمساهمة في العديد من المشاريع الإقتصادية ومشاريع البنى التحتية.


بينت يدرك تماماً بأن ايران و ح زب ا ل ل ه أطراف أساسية في جبهة قطاع غزة،ولذلك هو في القريب العاجل اذا لم يلمس سكان قطاع غزة،بأن هناك تغير جذري في الأوضاع لجهة رفع الحصار واعادة الإعمار وتوسيع مساحة الصيد وادخال البضائع وفتح المعابر،فإن الأمور ذاهبة نحو جولة جديدة من التصعيد،جولة قد تكون أكثر مدى وأشد خسائر لدولة الإحتلال،من معركة" سيف القدس" التي هشمت دولة الإحتلال عسكرياً وسياسيا،والمعركة قد تخرج تداعياتها عن السيطرة لتشمل أوسع جغرافيا اقليمية،ناهيك عن خطر تصاعد حالة الإشتباك الشعبي على طول وعرض جغرافيا فلسطين التاريخية،وبما يربك الجبهة الداخلية لدولة الإحتلال،وبينت رغم كل التهديدات والعنتريات الفارغة والفاضية،كما ادرك سلفه نتنياهو،بأنه لا حل عسكري لقطاع غزة،والحل فقط يكمن عبر التوصل الى هدنة طويلة الآجل،لن توافق فصائل ا ل م ق ا  و م ة عليها بشروط بينت،عودة جنوده ومواطنيه المأسورين عند ح م ا س بشروط ابتزازية،ربط القضايا الإنسانية والحياتية والإقتصادية والحصار بقضية الجنود.


بينت يدرك بأن الملف النووي الإيراني وصواريخ ايران الباليستية بعيدة المدى  ودورها الإقليمي وتموضعها في سوريا ولبنان والعراق  ودمها العسكري  والمادي لجماعة انصار الله " الحوثيين" في اليمن وقوى وفصائل ا ل م ق ا وم ة في قطاع غزة،سيبقى هاجسه المستمر،وسيواصل العمل بالتحريض على ايران،عبر  لمنعها من إمتلاك القنبلة النووية،او الوقوف على أبواب إمتلاكها،رغم قناعتي بان الحرب الإعلامية  والسياسية التي تشنها اسرائيل وأمريكا  وتوابعهما من قوى غربية اوروبية ومشيخات خليجية، تستهدف عدم السماح لطهران بالقيام بعمليات التطور العلمي والبحثي والتكنولوجي والصناعي، الذي من شأنه ان يشكل منافس قوي لدولة الإحتلال على صعيد المنطقة،وبما يمنع من تفوقها وتفردها في المنطقة.

من هزم من في أفغانستان؟/ جواد بولس

 


تصدرت أخبار انهيار الحكومة في افغانستان، وسيطرة حركة "طالبان" على العاصمة كابول، معظم نشرات الاخبار العالمية؛ وأدت مشاهد انسحاب بقايا القوات الامريكية العسكرية ودخول قادة طالبانيين الى قصر الرئاسة، وما رافقها من صور للفوضى التي عمّت مطار العاصمة وبعض شوارعها، الى حدوث انقسامات عميقة في أراء المدوّنين العرب ومعظم المعلقين والمحللين السياسيين، والى تضارب في تقييم حقيقة ما حدث؛ فبعضهم استحضر نظرية المؤامرة وأكد وجود عملية تنسيق مسبق بين النظام الأمريكي وبين قادة حركة الطالبان، في حين أكد غيرهم على أنه انتصار اسلامي خالص على قوات الغزو الامريكية وعملائها في افغانستان.    

من السابق لأوانه أن يحكم مراقب بعيد مثلي على ما جرى في دهاليز المفاوضات التي دارت خلال السنوات الاخيرة بين قادة في حركة "طالبان" ومسؤولين في النظام الامريكي؛ ومن العسير أن نتنبأ حول ما ستفضي اليه الأحداث المتفاعلة على الساحة الافغانية الداخلية؛ ومن المستحيل أن يُراهن اليوم على خيارات النظام المتشكّل ومكانه في التموقع النهائي على الخارطة الاقليمية المجاورة لحدود البلاد الكبيرة، وداخل النظام العالمي المتغيّر.

علينا أن ننتظر قبل اصدار الحكم، وأن نتذكّر  أشكال اشتباك مصالح هذا النظام مع مصالح دول ساهمت في دعم حركة الطالبان كباكستان؛ أو مصالح دول كايران والصين وروسيا، تطمع أن تتبوأ مكانة متقدمة في صنع أحداث المستقبل. كل ذلك، طبعًا، من دون أن ننسى ما صرّح به العديدون من ساسة الدول الكبيرة، الذين لم يخفوا قلق بلادهم مما يجري، وفي طليعتهم تقف أمريكا المهزومة التي اعلن قادتها انها ستحتفظ بوحدة عسكرية خاصة دائمة مرابطة في احدى قواعدها في الكويت، قوامها  ٢٥٠٠ جندي، ستكون جاهزة للطيران الى افغانستان من أجل الدفاع عن مصالح امريكا اذا لزم الأمر.

لم تغب احداث الساحة الافغانية في العقدين الاخيرين عن حوارات المثقفين العرب وبقايا نخبهم اليسارية؛ فالصراع الذي تقوده في افغانستان حركة اسلامية اصولية ضد جيوش الولايات المتحدة، سيدة العالم الرأسمالي، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانفراط عقد المنظومة الاشتراكية، أحرج لغة هؤلاء القادة الحزبيين والمثقفين، وكشف عن عجز مساطرهم السياسية والفكرية، التي عمدت بعميائية دوغماتية أن تخُط حدود مواقفها ضد أمريكا، حتى اذا كان غريم أمريكا في أي صراع، مثلما هو الحال في المشهدية الافغانية، حركة اصولية دينية اثبتت ممارساتها بشاعة ما ستقترفه بحق ابناء شعبها وبحق جميع القيم الانسانية التقدمية التي يؤمن بها هؤلاء المثقفون.          

ومن الصعب ومن الخطأ أن ننسى كيف تمنى، قبل عشرة أعوام، أكثر من مثقف عربي وقائد حزبي يساري، ان ينتصر الطالبان على امريكا؛ وقد كان صوت الكاتب الفلسطيني التقدمي المعروف، رشاد أبو شاور ، من أشهر وأوضح من كتبوا في هذا الاتجاه، علمًا بأنه أكّد، مثل غيره، على أنه لا يدعم حركة الطالبان، لكنه ينتظر ذلك النصر من باب تأييده لحق كل شعب في الحرية والاستقلال والسيادة والمقاومة.

لقد تحققت امنيتهم، كما رأينا في الاسبوع الفائت؛ وها هي حركة طالبان قد بسطت سيطرتها على معظم أراضي الدولة الشاسعة، وسوف تتحكم، فيما يبدو، بمقاليد الامارة الاسلامية الجديدة وبرقاب شعبها الفقير.

هنالك فارق كبير بين تمني المثقف الثائر ضد عربدة امريكا عندما تكون "يداه في الماء"، وبين صباح الافغانيين المعمّد بنار فتاوى حركة أصولية كالطالبان التي سيمعن قادتها بتطويع جميع معارضيهم ومن سيعتبرونهم زناديق وكفرة؛ فالأمانة كانت تقتضي أن يضع كل سياسي أو مثقف تمنى انتصار الطالبان على امريكا، نفسه مكان رفيقه الافغاني ليتحقق من صحة موقفه السياسي والاخلاقي على حد سواء.

 لقد أحسست وغيري بعدم صحة موقف من استقدم نصر الطالبان على امريكا؛  وسأذكّر بما قلته في حينه وذلك للفائدة وللمناقشة، فعندما "يتمنى مثقف ليبرالي تقدمي علماني أن ينتصر الطالبان في أفغانستان على أمريكا الشر والطغيان، أقول هي أمنية العاجز الضعيف؛ وعندما يدعونا هذا المثقف لنصطف وراءه، ونزف أمنية على أمنية كي يحقق جيش الطالبان نصره على قوات الغرب الغازية، أقول أنها دعوة لنختار بين ظلم ذلك الغازي، وظلمة حركة لا يجمعنا معها أي سلوك أو أي موقف، ولأنها لن تُبقي لأمثالنا أي هامش لنحيا بهدي عقولنا وبحريتنا ووفق قيمنا وأخلاقنا. فكل من ضدّهم، ونحن معهم، سيمسي حطبًا لنار جهلهم، ولا جدال في ذلك.

أقول ما أقول وأعي أن شعباً يرزح تحت الاحتلال، أو يواجه غزواً، من حقه ومن واجبه أن يقاوم من يحتله؛ لكنني أكتب  عن ذلك العجز الذي أدى بالعديد من مثقفي العرب وطلائع شعبنا أن يرفعوا الراية البيضاء ويستسلموا لواقع يخيِّرهم بين ظلم أمريكا القبيحة وضرورة هزيمتها، وبين حركة رجعية ظلامية، كحركة طالبان، والدعاء لنصرتها؛ وكأننا نواجه قدرنا المحتوم، وكأنّ دور المثقفين، في عصر القحط الذي نعيشه، يقتصر على الاختيار بين ذينك الشرّين، ويعفيهم من واجب المبادرة والعمل من أجل تحقيق رسالتهم الإنسانية وبناء مجتمعات ديمقراطية وحرة.

دعوني، كي لا يساء فهمي، أن  أؤكد على موقفي السياسي الواضح والرافض لغزو أمريكا لأفغانستان أو للعراق أو لغيرها من دول العالم، فهذا يجب أن يبقى الموقف السياسي الواضح والصريح وغير القابل للمقايضة وللتبديل عند كل انسان حر وعاقل؛  ولكن.. نحن لسنا بحاجة لبراهين لما ستؤدي إليه سيطرة حركة الطالبان على أفغانستان ولا الى كيف سيعيش الافغانيون تحت حكمها؛ ولسنا بحاجة لاثباتات لما كانت ستفعله هذه الحركة حتى بحق من كتب في صالحها ودعمها، لكنه لا يؤيد عقيدتها ومذهبها. ولسنا بحاجة لقرائن لما سوف تفعله هذه الحركة مع كل "آخر غريب" أو فنان ومبدع؛ ويكفي أن نتذكر كيف حكموا وكيف دكت مدافعهم تلك التماثيل الأثرية التي خلّفها شعب أفغانستان كشواهد على عراقة التاريخ وثقافاته الغابرة. 

ولنتذكر ايضًا كيف ستعيش النساء في ظل عصيّهم وفرق مطوّعيهم ؛ ولنتصور أي نظام قضائي سيسود ومن سيحمي حرية الصحافة والنشر وحرية الناس والمثقفين في ابداء الرأي والكتابة والتظاهر، وكيف ومن سيحاكم العاصين في ساحات البلاد ليكونوا عبرة لمن لم يعتبر".

ألا يحق لنا اليوم أن نسأل بعد انتصار الطالبان، ان كنا فعلا بحاجة لنتساءل قبل عشر سنوات: هل انتصار افغانستان، بقيادة حركة الطالبان، هو خدمة للانسانية ؟ أو أن نتساءل بشكل آخر : هل هزيمة أمريكا، على يدي حركة الطالبان تعتبر خدمة للانسانية وانتصارًا لها ؟    

ألم يكن هذان التساؤلان، كما طرحهما بعض مثقفي العرب، أقرارًا بحالة عجز قاتلة، ومؤشرًا على افلاس فكري خطير كانت قد سبقته ظواهر التصحر الحزبي والنأي الشعبي عن طروحات اليساريين التقليدية التي فشلت في استهواء قلوب شعوب بقيت متخلفة ومنهكة من استبداد دولة الخلافة العثمانية وما تلاها ؟ 

ما حصل في افغانستان له علاقة بفلسطين وبمستقبلها، ويوثر، بطبيعة الحال، على كل واحد منا، ويجب أن يؤرق كل مثقف يساري علماني تقدمي؛ فبين أن نقف ضد غزو أمريكا لأفغانستان ولأي بلد آخر، ونقف أيضًا ضد حكام الدول المستبدين بشعوبهم، وبين أن نصلّي لنصر حركة الطالبان ولاعتلائها سدة الحكم، فرق كبير،  ولنا في التاريخ عبرة ودروس.

لقد كان خياري مع من كان ثائرًا على تحرير الأفغانيين من سطوة الغزو الأجنبي وبنفس الوقت مع من يحررهم من الظلمة التي ستخيم عليهم، ولن تترك لهم فسحة لأمل ولا لبقعة ضوء، به وبها، أريد، لمن يؤمن مثلي، أن يعيش حياته بعقله حرًّا كريمًا.

فنعم : لا لاحتلال أمريكا لأفغانستان ولا لأي "ستان"  ولا لهيمنة وحكم حركة متخلفة ظلامية، كحركة طالبان. ولكن كيف سيتحقق ذلك، وعندنا، في الشرق، في كل جامعة "رفيق" يؤمن أن طالبان خيمتنا ويدعو لها بالنصر ، حتى لو دمّرت البلد. 

قالوا : لقد تحررت افغانستان؛ فهل حقًا هزمنا فيها أمريكا ؟         

إنتظار الأمنيات على عتبات الوجدان/ يونس عاشور

 


" إلى هؤلاء الذين يتطلعون إلى الأمنيات والمعطيات الغائبة"


اختلفنا

وافترقنا

لم نكن نبغِي الخِلاف..

لم نكن نبغِي الفِراق..

كنّا نرجو الائتلاف..

كنّا ننأى الاختلاف..

كنّا نرجو الاقتراب..

لم نكن نرجو البدايات الأليمة..

والنّهايات السّقيمة..

والمسَافات الطويلة..

من خطوبٍ كلّها كانت جسيِمة..

وثقوبٍ وخروم تأتي من كلّ مكانٍ في مشاهدٍ عقيمة..

ونفوسٍ كيف لي أن أعطيها وصفاً..

إنها أنفس لئيمة..

لست أدري..

ليتني كنتُ قريباً ..

إنّني اليومَ بعيداً..

أحتسب كل احتمالات الحياة..

ومآلات الأباة..

ونهايات النجاة..

حيث زادني البُعد اشتياقاً كلّما مرّ الزمن..

وبقيتُ أتوارى عن أناسٍ خشيةً من كلّ الفتن..

ما أصاب قومٍ مشكلاتٍ أجلبت لهم كلّ الإحن..

هكذا الدهرُ تراه تعتريهِ كلّ أصنافَ المِحن..

من مآس تتجلّى في حياة الضّعفاء..

هم أناسٍ لهم الحقُّ علينا في الوطن..

***

ثمّةَ شيءُ في فؤادي يحترق..

من جراحٍ يستمِر ..

 ودماءٍ تندلق من سهامٍ تتشعّب في النفوس الأبية..

بالتماسٍ نبتهل لهم حياةً رغدية..

لا تقل لي إنّك اليوم مُسافر..

ومهاجر نحو غايات الزمن..

إنّني اليومَ كئيباً أبكي دموعاً من حزن..

أرتجي مجداً قريباً للمدن..

المدائن .. المنسيّات أهلها الواقفون..

على عتبات الوجدان والميولات التائقة..

لرغيدٍ لم يكن يتجلّى في نفوس المتطعلّين..


نداء الى المفكرين والمثقفين/ د زهير الخويلدي



مقدمة


"إن هؤلاء "المثقفين" لا يبنون سلطتهم على قوة المجموعة فقط. على العكس من ذلك، فهم يستمدون قوتهم الرمزية من موقع اجتماعي يتمتع بمكانة معينة أو حتى من تراكم الألقاب".


بمعنى واسع، يشير المفكرون إلى كل من ينتمي إلى المهن الفكرية (الفنانين، الكتاب، العلماء، إلخ). ثم يشكلون مجموعة اجتماعية (يتم الاستهزاء بها أحيانًا باسم "المثقفين") والتي تمثل جمهورًا محددًا، هو جمهور النخب الثقافية. في تعريف أكثر تقييدًا (وأقدم قليلاً)، يشير المصطلح إلى التدخل في النقاش المدني أو السياسي لشخصيات العالم الفكري باسم الشرعية أو الكفاءة أو الشهرة المكتسبة في مجالهم. وبهذه الطريقة، يظهر المثقفون كمجموعة لها جمهور وبالتالي يمكن التشكيك في جمهورها أو تأثيرها. بهذا المعنى، ساد مصطلح المثقف، الذي استخدم كمصطلح موضوعي، في فرنسا في وقت قضية دريفوس. بعد مائة وعشرين عامًا من هذا العمل التأسيسي، أصبحت نهاية شخصية المثقف هذه أمرًا مألوفًا تلتقطه وسائل الإعلام بانتظام. يبدو أن الترويج للمواطن "العادي" وظهور "الديمقراطية العامة" يؤثر في الواقع على العلاقات بين العالم والفنان والكاتب والسياسي ويثير تساؤلات حول الموقف المتدهور للجمهور. 'مفكر. لذلك من المستحسن التشكيك في التغييرات المعاصرة في المشاركة الفكرية، والتي تفترض أولاً العودة إلى نشأة هذا النمط من التدخل العام والأشكال التي اتخذها.


 اختراع المثقفين


لم ينتظر التدخل في مدينة العلماء والفنانين والعلماء قضية دريفوس ويمكننا العودة بعيدًا، من وجهة النظر هذه، إلى "معرض الأجداد" للمثقفين. في هذا الصدد، يبرز القرن السابع عشر باعتباره لحظة رئيسية، بمعنى أنه في هذا الوقت تضع السلطة السياسية أسس الاستقلال الذاتي في المجال الأدبي: إنشاء الأكاديميات، رعاية الدولة، التنمية من حقوق المؤلفين ... تثير "ولادة الكاتب" على الفور مسألة شروط وطرائق خطاب الأخير. في الواقع، يشكل الأدب تدريجياً ملاذاً نقدياً، ويولد النزاعات والتوترات مع السلطات. هكذا يصور الموقف النقدي للمفكر درايفوس. ساعد فلاسفة عصر التنوير، وكذلك مؤلفو القذف والكتيبات، هؤلاء "روسو"، كما يسميهم بشكل جيد روبرت دارنتون ، على تحقيق الفصل بين "عهد النقد" و سيادة الدولة. لقد رأينا في كثير من الأحيان الأصول الفكرية للثورة الفرنسية. ومع ذلك، يمكن عكس التفسير: إذا كان انتقاد هؤلاء الكتاب ممكنًا ويمكن سماعه، فذلك أيضًا لأن السلطة الرمزية للملكية قد تم تقويضها بالفعل: "بعيدًا عن كونهم منتجين لمثل هذا التمزق، فهم بالتالي كن منتجاتها '. إذا كان القرن الثامن عشر، مع مفكري عصر التنوير، قد أسس "كهنوتًا علمانيًا"، فإن القرن التاسع عشر نقل هذه المهمة المقدسة إلى الشاعر الرومانسي. وهكذا، يحل محل الفيلسوف الذي يتولى هذه السلطة التعليمية، الشاعر يعمل ككشاف، صاحب رؤية يرى ما وراء المظاهر. على الرغم من أن "المجوس الرومانسيين"، مثل ألفونس دي لامارتين وألفريد دي فيني وفيكتور هوغو، كانوا الأوائل لهذا الكهنوت، يكشف بول بينيشو عن نشر هذه "القوة الروحية العلمانية" في الأدب كله، وهو ما يكتشف لتوجيه وإثارة إيمان جديد. يلعب الشعراء والفنانون والكتاب دورًا مهمًا في تصنيع الهويات القومية، ثم في ثورات 1848. ولادة "المثقفين"، بمعنى قضية دريفوس، جزء من هذه العملية. التاريخ الذي يعكس عملية انتقال السلطة الروحية من العالم الديني إلى عالم الفنون والآداب. المثقف الذي يجسده إميل زولا بقوله "أنا أتهم ...! ، يشكل شكلاً من أشكال تسييس هذه النبوية الأدبية: إنه باسم قيم الاستقلالية والاستقلال ، المستمدة إلى حد كبير من المجال الأدبي ، يشعر الكاتب بأنه شرعي للتدخل في النقاش . الجمهور ضد السلطات القائمة: "كقطع نبوي عن النظام القائم، فإنه يؤكد مجددًا، ضد جميع أسباب الدولة، عدم قابلية اختزال قيم الحقيقة والعدالة، وفي نفس الوقت، استقلال أوصياء هذه القيم فيما يتعلق بمعايير السياسة (تلك الخاصة بالوطنية، على سبيل المثال) ". ولكن مع قضية دريفوس، جاءت نقطة تحول حاسمة. إذا بدا أن شخصية إميل زولا هي مثال للمثقف، فإن أصالة هذه اللحظة تكمن في العمل الجماعي للكتاب والصحفيين والفنانين والأكاديميين. يحتشد آل دريفوسارد خلف النظرية الجديدة (التحقيرية) لـ "المثقفين" لتشكيل مجموعة ضغط. من خلال نشر "بيان" في اليوم التالي لمقال إميل زولا - في الواقع احتجاج على الحق الدستوري في تقديم الالتماس - يؤكدون على الحق في توحيد الجهود لتعزيز الاحتجاج. نتيجة لذلك، تضاعفت الأعمال الجماعية: المنتديات، الالتماسات الجديدة، المواقف الجماعية في المجلات، إنشاء مجموعات مثل رابطة حقوق الإنسان. في حين أن تحالف المثقفين (بالمعنى العام) له سوابق بالتأكيد[H1]  ، إلا أنه كان نادرًا ومقتصرًا على عدد قليل أو يقتصر على مجموعة مهنية. وبالتالي، فإن قضية دريفوس تشير إلى تغيير في ذخيرة العمل الرمزي لصالح صيغ أقل ارتباطًا بنماذج التفرد والدعوة، من المراجع القائمة على التعبئة الجماعية: "إنهم ليسوا أفرادًا متفردين، فالسمعة السيئة المنعزلة تُمحى وراء التأكيد" لمجتمع سياسي واجتماعي عالمي، بغض النظر عن رأس المال الرمزي لكل واحد ". ومع ذلك، فإن هؤلاء "المثقفين" لا يبنون سلطتهم على قوة المجموعة فقط. على العكس من ذلك، فهم يستمدون قوتهم الرمزية من موقع اجتماعي يتمتع بمكانة معينة أو حتى من تراكم الألقاب. إذا رفض مناهضو دريفوس، الذين يدافعون عن مبرر الوجود والقومية وحتى معاداة السامية، مصطلح "المثقفين"، فإنهم ينظمون أنفسهم بشكل جماعي.


طرق أن تكون مفكرًا


من قضية دريفوس، يمكننا بالتالي التمييز بين نموذجين رئيسيين لتدخل المثقفين. من ناحية أخرى، أولئك الذين ينقلون إلى المجال السياسي قيم الاستقلال عن مجالهم؛ بالاعتماد على سلطتهم الخاصة المكتسبة في المجال الفكري، يتدخلون بالتالي في المجال السياسي "بأسلحة ليست من أسلحة السياسة". من ناحية أخرى، فإن أولئك الذين يضعون عملهم و / أو شخصهم مباشرة في خدمة مجموعة اجتماعية أو قضية أو منظمة حزبية، وبالتالي فإن منطق المجال السياسي مهم في مجالهم. إن هذا التسييس للمثقفين هو ما ندد به جوليان بيندا بشكل خاص في خيانة رجال الدين في عام 1927. في الواقع، خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، ظهرت شخصية مفكر "الحزب" ، بما في ذلك الحزب الشيوعي على وجه الخصوص ، قدمت العديد من الأمثلة: هكذا ، في كلاب الحراسة (1932) ، ينتقد بول نيزان المثقفين ، مثل هنري برجسون ، الذين يتهمهم بأنهم محبوسون في برجهم العاجي وبإدامة البرجوازية ويدعو الأجيال الجديدة من يلتزم الفلاسفة بالبروليتاريا. هذا التسييس للمجال الفكري قوي جدًا أيضًا بعد الحرب العالمية الثانية مع مخاطر الحرب الباردة التي دفعت كل معسكر إلى محاولة تجنيد أو حتى استغلال المزيد والمزيد من المثقفين من أجل كسب معركة الرأي العام. كان "جان بول سارتر" "رائدًا" من الحزب الشيوعي الفرنسي لكنه حافظ على استقلال معين عنه، ثم اخترع نموذجًا جديدًا للمثقف المنخرط على جميع الجبهات، "مثقفًا كليًا، في الوقت نفسه، مفكر وروائي وكاتب مسرحي ومحرر مجلة الأزمنة الحديثة يتولى وظيفة سياسية في جميع كتاباته ويتدخل في جميع قضايا اللحظة (التحرير، الحرب الباردة، إنهاء الاستعمار، أحداث مايو 68 ...). إنه يعارض بشكل ملحوظ ريموند آرون الذي، في كتابه أفيون المثقفين (1955)، يدين تمسك الماركسية بالمفكرين الفرنسيين وعميهم في مواجهة الشمولية السوفيتية. اقترح جيزيل سابيرو (2009) تقديم تقرير عن هذه الأشكال والأساليب المختلفة للتدخل السياسي من قبل المثقفين وتطوراتها في القرن العشرين. يظهر أن هذه تعتمد على ثلاثة عوامل. أولاً، إن منح "رأس المال الرمزي" (الذي يرجع إلى الألقاب المؤسسية و / أو الشهرة) يؤدي إلى التفرقة بين المثقفين المهيمنين - الذين تسمح سمعتهم بالانخراط الفردي في شكل أخلاقي أكثر من السياسة المباشرة - من المثقفين المهيمنين. مدفوعين للعمل بشكل جماعي (من خلال البيانات أو المظاهرات أو اللجان أو العمل النقابي) ولتسييس احتجاجهم. ثانيًا، التبعية أو الاستقلالية فيما يتعلق بالطلب السياسي (طلب المنظمات والأحزاب السياسية ولكن أيضًا المؤسسات الدينية أو السلطات أو الشركات العامة) يتعارض مع الخبراء والمثقفين "العضويين" (وفقًا لصيغة أنطونيو غرامشي)، الخاضعين لمنظمة أو مؤسسة، مثل مفكري الحزب أو المثقفين الكاثوليك، للمثقفين "الناقدين".  ثالثًا، تقودنا درجة التخصص في النشاط الفكري إلى التمييز بين أولئك الذين يعملون فيما يسمى بالمهنة "المفيدة"، والقادرة على التحدث باسم مهارة معينة (قانونية، واقتصادية، وطبية) من أولئك الذين، تندرج في نطاق مهنة إبداعية (فنانين، كتاب، صانعي أفلام...)، تفتقر إلى هذه الخبرة ولكن يمكنها التحدث كمثقفين. يتيح الجمع بين هذه المعايير الثلاثة لإنشاء ثمانية أنواع مثالية من التدخل من قبل المثقفين والتي تم تحديدها تاريخيًا فيما يتعلق ببعضها البعض والتي لا تزال في تنافس مستمر. لقد تعايشت هذه الأنواع المختلفة من المثقفين خلال القرن العشرين لكنها كانت أكثر أو أقل بروزًا اعتمادًا على الفترة. لم تساعد اللحظات الحاسمة، مثل الاحتلال، والحرب الجزائرية أو مايو 68 على إعادة تعريف تحديات التعبئة فحسب، بل أيضًا التسلسل الهرمي في المجال الفكري وأنماط انخراط المنتمين إليه. وهكذا، فإن مفهوم "المثقف المحدد"، الذي نظّره ميشيل فوكو (1976)، يأخذ معنى في السياق الذي انفتح بحلول 68 مايو: النضال لصالح السجناء والأقليات الجنسية والمهاجرين ... قطيعة مع شخصية المثقف "الكوني"، مثل إميل زولا أو جان بول سارتر، يتدخل المفكر "المحدد" فقط على أساس مهاراته في مجال معين (علم الاجتماع، الاقتصاد، القانون والطب ...) لإعطاء حركة اجتماعية أو الفئات المهمشة الأسلحة الفكرية للنقد الاجتماعي، ولكن دون ادعاء التحدث باسمهم مباشرة على أنهم "سيد الحقيقة والعدالة".


نهاية المثقفين؟


وصول اليسار إلى السلطة عام 1981، واختفاء بعض المفكرين البارزين (جان بول سارتر عام 1980، وميشيل فوكو عام 1984)، وإضعاف الروايات الكبرى والصراعات الأيديولوجية، وخاصة الاستقطاب المرتبط بالحرب الباردة. بدا أنه أدى، في الثمانينيات، إلى نوع من عدم تسييس المثقفين وغذى رثاء "موت المثقفين". إن ثقافة "ما بعد الحداثة" وظهور "دوكوقراطية" مرتبطة بصعود وسائل الإعلام من شأنها أن تجعل موقف المثقف الذي يوجه المواطن قد عفا عليه الزمن. وهكذا يبدو أن شخصية الخبير تحل أكثر فأكثر محل تلك الخاصة بالفكر الكوني أو العضوي أو المحدد؛ بالنسبة للوظيفة الحاسمة لهذا الأخير، يعارض الخبير، المعين من قبل دوائر صنع القرار، ادعاء "الحياد" التقني أو العلمي لإضفاء الشرعية على خطابه العام. إذا لم يكن هذا الرقم من الخبير جديدًا بالتأكيد، فقد تطور مع صعود تكنوقراطية الدولة في ظل الجمهورية الخامسة (إنتاج دراسات فنية مخصصة للسلطات العامة)، ولكن قبل كل شيء منذ الثمانينيات، ازدادت الأحزاب والنقابات نفسها. لجأوا إلى منطق الخبرة هذا سواء من خلال النوادي أو اللجان داخلها أو بالاعتماد على المعامل البحثية والأفكار الخارجية التي تم إنشاؤها على نموذج مراكز الفكر الأمريكية. ومع ذلك، في سياق تطور أعمال الاحتجاج الجديدة (تغيير العولمة، حركة "من الخارج"، إضرابات دفاعًا عن الخدمة العامة ...)، يبدو أن التسعينيات تمثل إحياءًا معينًا للالتزام الفكري المرتبط بالمسائل الاجتماعية. نقد. اتخاذ موقف نشط لصالح المضربين ضد خطة إصلاح الضمان الاجتماعي والمعاشات (1995)، ثم لصالح "غير الموثقين" (1996) والعاطلين عن العمل (1998)، بيير بورديو مع الرقم للمفكرين النقديين، الذين يرون في هذه الصراعات الاجتماعية بدايات حركة اجتماعية ضد النيوليبرالية. متهمًا بخلط دور العالم ودور السياسة والاستسلام للنبوءة الفكرية التي انتقدها هو نفسه كثيرًا، دافع بيير بورديو (2001)، في كتاباته، عن مفهوم قريب من ميشيل فوكو، يتمثل في الانخراط فيه. وهي "تخضع لقواعد المجتمع المتعلم" في خدمة التعبئة الاجتماعية. لقد صاغ فكرة "المثقف الجماعي" الذي يتمثل دوره، حسب رأيه، في العمل كقوة موازنة للخبراء الذين تعبئهم السلطات العامة أو الشركات الكبرى: المعينين من قبل الأقوياء، يجب أن نعارض إنتاجات الشبكات النقدية، التي تجمع "مثقفين محددين" (بمعنى ميشيل فوكو) في فكري جماعي حقيقي قادر على تحديد أهداف ومقاصد تفكيره وعمله، في قصيرة مستقلة ". إنها أيضًا مسألة تعزيز تكوين الشبكات الدولية التي تسمح بتداول الأفكار. 'لذلك لم تختف بل تم تصديرها على نطاق واسع خارج الإطار الفرنسي. ومع ذلك، يتم الآن إعادة تشكيلها بشكل ملحوظ من خلال أشكال تدخل جماعية أو حتى مجهولة المصدر والتي، دون أن تكون جديدة تمامًا، تميل إلى طمس الخط الفاصل بين النشطاء الذين ينتجون المعرفة والباحثين الملتزمين. كما يتم أحيانًا طرده، على الساحة العامة، من خلال الظهور الأكبر لـ "المثقفين الإعلاميين"، الذين نشهد ظهورهم في منتصف السبعينيات، مع "الفلاسفة الجدد". بعد ذلك، رسخ التلفزيون، على وجه الخصوص، نفسه كهيئة جديدة لتكريس الفاعلين المتعددين عند تقاطع مجالات مختلفة (فكرية، سياسية، اقتصادية، إعلامية). كما أنها غالبًا ما تكون مغرمة بالمواقف الجدلية أو حتى الاستفزازية التي تؤدي أحيانًا إلى خطاب "المحافظين الجدد" أو حتى "الرجعية الجديدة" ولكنها تجعل ذلك ممكنًا. الحقيقة، لضمان مشهد المواجهة اللفظية. إذا كانت أشكال وأساليب التدخل العام من قبل المثقفين، تمامًا مثل مواقفهم السياسية، تظهر تنوعًا كبيرًا وتشهد على التغييرات التي حدثت، فإنها في النهاية تبطل المألوف المتمثلة في "نهاية للمثقفين". لا يزال الانخراط الفكري في قلب الخلافات الحيوية، لا سيما في العلاقة بين الفكر والفعل وفي التفسيرات التي يجب أن تُعطى لضرورة "الحياد الأكسيولوجي" التي صاغها ماكس فيبر. فمتى يشهد المثقف عندنا استفاقة حاسمة في عالم متغير وبشرية تشهد عدة أزمات ويشرع في استعادة زمام المبادرة من السلطة؟

ذاكرة الشّعور: خاطرة من وحي علم النفس/ الدكتورة بهية أحمد الطّشم

 



تحفر أثلام الشّعور عميقاً في جدران القلب ,

لا ينتابها نسيان طارىء أو قصديّ, 

ولا تخون البتّة....

ترحل ذكريات الشّعور أحياناً الى (ما قبل الوعي) pre’conscient) )

 وتتوارى  طوراً في( تحت الوعي) subconscient)),

ولكنّ نارها لا تخبو في حنايا الدماغ,

فنبضات أحاسيسها تتواتر  على ايقاع الوعي واللاوعي في آن.

.......................................


تحكم ثنائية (القَبل والبَعد) ماهيّة الذكريات ابّان رحلة كائن الأبعاد ( الماضي ,الحاضر والمستقبل) 

في سيرورة الحياة ,

وتتماهى المَلَكة الروحية بلُحمة الحياة الصّميمية

لتنطبع الانطباعات ,وتستدعي الأحاسيس في ذاكرة العواطف ....


ما أجمل أن يكون الوجدان هو قطب الرّحى في تحريك فنّ التذكّر لكلّ حدث جميل جديرٍ بالتذكّر

لكي يفرض الجمال نفسه على أديم شؤوننا ويجعل الألم في عِداد النسيان!


عُرسُ النّهْرِ/ الأب يوسف جزراوي



(١)

الْمَرْءُ مِنَّا كَالمُنْطَادِ

لَا يَرْتَفِعُ 

وَلَا يُحَلِّقُ فِي العُلاَ

وَلَا يصبحُ فِي سُمُوٍّ

دُونَ التّخْفِيفِِ مِنْ أحْمَالِهِ...

فَالإِنسانُ لَا يَنْمُو

إِلَّا بِتجاوزِ  نَفْسِهِ

فِي رِحْلَةِ حُبٍّ إِلَى الآخرِ!.

(٢)

لَا تمنح حقَ الكلام للحَمْقَى

لاَ سيّما أصحاب الكراسي

فَقَطْ تَفَرَّسَ فِي وجوهِهم 

ستعرفُ بِمَا يُفَكَّرُون 

وَعمّا سيتحدّثونَ

فلواحدهم أفكارٌ بَلْهَاءٌ

وأحاديثٌ نَزِقَةٌ

 كَمِنْ يحمل جائزة فِي الْغَبَاءِ!

فَكَمْ مِنْ نفسٍ زهقت

دفاعًا عَنْ عروشِ الحَمَقى

لِذَا لا تَكُنْ وَقُودًا

لِمحرقةِ الْأَغْبِيَاءِ!.

(٣)

فِي طريقِ الْعَوْدَةِ  مِنْ برشلونة

كَانَتِ الطُّرقاتُ فِي صمتٍ

ربُّمَا لأنَّ لحظةَ الرَّحِيل

 لَا تسمع خُطاها...

إذْ لَمْ أعد أذكرُ 

فِي أيّ مطارٍ ختمتُ جوازي.

(٤)

أنَا لَا أُقِيمُ وزنًا  لِآرَاء النّاس 

لأنها مُتَشَابِهَة!

ولأنَّ الجميعَ 

يَتَّخِذونَ مِنَ الطّريقِ نَفْسِهَ مسارًا 

تجدني لَا أُقَامَر

عَلَى الطَّرْقَاتِ الْمَأْلُوفةِ.

(٥)

لَسْتُ مَعَ سارتر 

يَوْمَ كَتبَ " الآخرون هم الجحيم"

لأنّنا نَلْتَقِي اللهُ فِي الآخرين. 

(٦)

لَنْ تكونَ شاعِرًا

إِلَّا إِذَا عشتَ الْاِرْتِحَال

ولَكِنْ لَا تَكُنْ شاعِرًا

 بِلَا وَطَنٍ!!


(٧)

حطَّتِ الطَّائِرَةُ

فِي المطارِ الخطإِ

بسببِ هبوطٍ إضطراريٍّ

فسألتني الفتاةُ الغربيةُ الجالسةُ بقربي

فِي أيّ مطارٍ نحنُ الآن؟

أجبتُها:

 لَا أعلمُ!

فوجدتني أزيدُ الأمرَ غموضًا عليها!

ابتسمت لتقول:

أبصرُكَ كَمِنْ ضاقت بِهِ الأرضُ؟!

حينها تَمَطّقَ لِسانُي بِالصّمتِ..

فَهِيَ لَا تَعرِفُ

 أنَ الطَّائِرَةَ حطّت فِي بَلدٍ

جارَ عَلَى بَلدي!!.

(٨)

الآخرُ هُوَ مرآةٌ لَنَا 

ولَكِنْ لَيْسَت كُلّ المرآيا صالحةً

لنرى أنفسِنا فِيهَا!!.

(٩)

عقدٌ مَضَى عَلَى هجرتي

مِنْ تِلكَ المدينةِ

الَّتي مكثتُ بِهَا بضعة سنواتٍ

لكنّها إِلَى الآن

لَا تُرِدْ أَنْ تُقِرَّ

 بِأنِّي أَلْقَيتُ بِها بَعِيدًا عَنّي 

وخَارِجًا عَنْ ذاكرتي!

(١٠)

يبكي النّهْرُ مجراهُ

كُلّمَا اقتربَ مِنَ المصّبِ

بَينَمَا البَحْرُ يبتسمُ

كُلّمَا يقذفُ  مدَّهُ

فِي رحمِ الشّاطئِ

لِتولدَ البحيراتُ.....

فالبحارُ وحدها

تَعرِفُ كَيفَ تستمرُ بالوجودِ!

(١١)

وَطَني

كُلّمَا فَتَحَ ذِرَاعَيهِ

وَرَفَعَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ

 اِنْعَقَدَ لِسَانُهُ عَنِ الصَّلَاةِ...

ليُكمِّلُ الدَّمْعُ الاِبْتَهَالَ!

وَمَا الدّمعُ

سِوَى صلاةٍ صامتةٍ

لَا يَفهَمُها إِلَّا اللهُ!

(١٢)

عُرسُ النّهْرِ 

تًَحَضَّرَتِ الصَّحْرَاءُ وحَضَرَتْ

لِعُرُسِ النّهْرِ 

فَزفَّتهُ بِعَجاجِ رِمالِها العَطْشى!!

(١٣)

أنَا مُهتَمّ بِرائحةِ الزُّهُورِ بِشَتَّى أَلْوَانِهَا

رغمَ أنَّ الورودَالجميلة

لَا عطر لَهَا!!.

(١٤)

لَيْسَ بوسع الحياة

أن تجيبَكَ عَنْ كُلِّ شيءٍ

لِذَا سأظلُّ سؤالاً

لَا أجابة عليهِ!

(١٥)

حَتَّى خُطواتنا فِي الغُربةِ 

 غَرِيبَةٌ عنّا

فهي لَيستْ كالَّتي كُنّا

 نخطوها فِي الوَطَنِ.

(١٦)

لَا تذبلُ وردة

بَيْنَ الحَدائِقِ الخَضْراءِ

قَدْ كساها النَّدَى....

فَإِذَا نَدِيَتِ الوردةُ

تَوَرَّدَ خَدُّ الحديقة

وأتاها مِنْ الحَيَاةِ صدى!.

******