اللغة التعبيريّة/ كريم عبدالله



أنّ اللغة التعبيريةّ هي اللغة التي تتحدث عن المشاعر والعواطف والحالات الذهنية عن طريق تكثيف اللغة وانزياحاتها العظيمة والدهشة المبهرة , أنّها التعبير عن مشاعر الذات الإنسانية وعمّا يدور في داخلها وأعماقها , وما يستغور في عوالم الذات الإبداعية الخلاّبة والغامضة , وعن طريقها يمكننا أن نتلمّس ونشاهد العوالم الداخلية للشاعر , أنّها التجربة الداخليّة للذات الشاعرة والتي لابدّ لها من أن تظهر على السطح وتستفزّ المتلقي , ويخطئ مَنْ يظنّ ويعتقد بأنّ التعبيريّة هي الكلام المعبّر عنه بالحكي والقصة والأنشاء العادي والسطحي , لهذا فأنّ الكتابة المباشرة والسطحية تجعل العقل تابعا لما يقرأ , وحينها يكون العقل اعمى وبليدا يعيش في رتابة وخمول , عكس الكتابة باللغة التعبيريّة التي تحتاج الى قارئ يمتلك حدسا يقظا نشيطا مبدعا , حدس قويّ يمكّنه من اكتشاف العوالم الداخلية البعيدة عند الشاعر , أنّ اللغة التعبيريّة هي التعبير عن القيم المعنوية لدى الشاعر بدلا عن محاكاة الواقع , أنّها التعبير عن مشاعر الذات , أنّها الذاتية الإبداعية التي تغور في العوالم الدفينة والغامضة لهذه الذات , أنّها التعبير عمّا يدور ويتجلّى في داخل الأنسان , أنّها الإشراقات عن الحالات الذهنية والنفسية دون اللجوء الى الخيال والرومانسية , هي انعكاس لما يحدث في هذا العالم من الخراب ومدى تأثيره في نفس الشاعر , أنّها الرؤية العميقة والتأمل في أعماق الذات , أنّها تبتعد عن محاكاة ما يحدث على أرض الواقع ؛ حيث يقوم الشاعر بالسعي الى وقعنة الخيال . تحتاج اللغة التعبيريّة الى لغة مغايرة مستفزّة تشوّه الواقع واعادة صياغته ورسمه من جديد , فتكون المقاطع النصّية في القصيدة التعبيرية عبارة عن كتل من المشاعر الدفينة المتأججة والباحثة عن الانطلاق من داخل الذات الى الواقع الحقيقي , وفيها نجد كمّ هائل من هذه المشاعر والأحاسيس المرهفة والعميقة , أّنّ اللغة التعبيريّة دائما تسعى الى خلق فضاءات واسعة عن طريق تسخير الخيال الخصب ورسم هذه المشاعر والأحاسيس بطرقة ابداعية خلاّقة . أنّ اللغة التعبيريّة تحاول ان تبثّ النشاط والحيوية في عقل الأنسان , فهي لا تنقل صور الواقع كما هو , هي تبتعد كثيرا عن هذا الواقع , أّنّها غرابة اللغة وانزياحاتها العظيمة بطريقة ابداعية محببة تجعل الألفة ما بين المتلقي والذات الشاعرة المأزومة نفسيا وعاطفيا , الذات المملوءة بالقلق واليأس والغربة , الذات التي ترى القادم مجهولا مظلما يعجّ بالضياع والغربة والتشاؤم . كلّما تزداد الأزمات تظهر القصيدة التعبيريّة عند شاعرها بعدما ينصهر الوجود في خياله وأعماقه , فمن خلال قصيدته ( التعبيريّة ) يحاول الشاعر أن يفرغ الشحنات العاطفية الهائلة في أعماقه , فنراه كأنّه يقدّم جزء من ذاته , أو يقتطع أجزاء من قلبه الرهيف المفعم بصدق المشاعر وكتلة من الأحاسيس والعواطف العاصفة , فمن خلال كتابات الشاعر يمكننا ان نرى بوضوح عوالمه الدفينة ومشاعره الرقيقة .


أنّ اللغة التعبيريّة هي اللغة البلّوريّة التي نكتشف من خلالها العوالم الداخلية والدفينة لروح الذات الشاعرة , فهي بمقدورها أن تقدّم لنا قدراً كبيراً من العالم الباطني مقابل قدراً قليلاً من العالم الخارجي , أنّها تمنح الشاعر الحرّية في ان يعبّر عن أعماقه البعيدة , أنّها لغة الأعماق التي تجعل روح الذات الشاعرة برّاقة ومن خلالها نتمكن من رؤية تلك الأعماق كيف تتجلّى اشراقاتها بوضوح , تلك الروح التي تكون كالبلّور شفّافة رقيقة ناعمة الملمس من خلالها تنفذ اشعة الشمس .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق