بروفايل (9 ) من ساحات لا تحتمل أقلام كهنة شعراء العالمين
نضع عين القلم على الشاعر الفلسطيني منير مزيد، لندفئ ما يمنحنا معرفة كينونته، التي فضحت حقيقة مشاعره نحوى العالم، حيث سلالة الإنسانية ودلالات الذات التي يتم بنـاؤها من مادة صورة، وما تتضمن تجربته ومفاهيمه للمدركات، في طابعه المنسجم مع الأفراد والجماعات..، في أعماله البلاغية المرتعشة في تجربته الأدبية المتأثرة بثقافة العالمين، هذه الثقافة التي قد لا نجدها في واقع عربي محكوم بموجات معاكسة لطبيعة الشعر المنشغل بصناعة الشعر، من اجل الشهرة ، أو الرغبة في الظهور والوصول عبر اللغة المفبركة... تجاه المواقف العامة .
لنقف الآن أمام جوهرة تجربة الاديب والشاعر منير مزيد، الذي لم يضطر إلى تزييف ذاته لإرضاء الآخرين، لا بل تعامل مع الشعر المتوافق مع مشاعره المحتفظ بنقاء جوهره الذي يفوق تصور المتلقي، الباحث في عين الذات الإنسانية، بأساليبه الأدبية الخالصة، من اجل الوصول إلى مرحلة متقدمة من الإبداع العالمي، لمنهجه المصبوغ بصدقه وأفكاره التي تمثل الروح المتوهجة بالبساطة والمعرفة في طابعه الشمولي، ليحقق توازنه النفسي .
انه كالعالم المرتبط باهتمام البشرية الذي يحمل ضوء الغد، وعمق الحاضر في إيقاعه المتناغم مع الشكل والمعنى، في طرح السؤال عن الوجود المنهجي...، ووضع العالم بين قوسين للوصول إلى اليقين، بصياغات ترسم لغة الزمن الذي يقوم على حركة مخيلته، ورؤاه المعبرة عن إيمانه بالواقعية المنطوية ، في طرح أفكار جديدة تبحث عن الروابط المفقودة من الحياة الحديثة .
إذا نحن الآن أمام موضوعات وصور الشاعر الفوتوغرافية المحافظة على توازنه الانطولوجيا، في الذات الإبداعية التي ملكته ثقافة عالية في عيون العالمين، الذي اظهر قيمته المكانية، وما ينجم من أفق مخيلته، وألوان كلمه الموسيقي، لنتلمس من أعماله الإنسانية والاجتماعية والرومانسية والفلسفية الرؤيوية، مفهوم الهوية الإنسانية عند الشعوب كما يجب، ولنقيم قريحة موضوعاته، وروعة أسلوبه الأدبي، وكل ما هو وراء نطاق البصر، الذي أعاده الشاعر إلى حضور العلاقات القائمة على الإنسان من الداخل في رسائل تجربته المتميزة بقدراته القادرة على اختراق المظاهر السطحية، لاستخلاص حقيقة ما وراء البشر من الجانب الاجتماعي، والفكري، والوجداني والإنساني ..، جراء انخراطه بسلك المثقفين من مكانه الروماني، لتطوير وتشكيل أناه الرامية والتعريف بالبيئة الاجتماعية، والطبيعية، والسياسية، والثقافية الحديثة، التي أوصلت الشاعر الفلسطيني منير مزيد، إلى ابعد من فلسفة الجموع، بروحه المتطوعة للوطن والإنسان ... من تلقائية تواصله الثقافي والحضاري مع عالم الغرب، وما حققه في الشتات الأدبي، لزيادة تفعيل قواسم الالتقاء الفكر المنفتح على ادب العالمين ، ليمتمتع بوجدانية مصدرها الحوافز الحياتية، مما قلم منهجه ووسائل أساليبه، واحتمالاته، وتجليات فكره، وتهجين لغته، التي صاغت صدقه ...
ولنتعرف أكثر على ثقافات البنية التعبيرية لدي الاديب والشاعر الفلسطيني منير مزيد، وما يترتب عليه برؤية شاعرنا الذي أوصلنا لمعنى فلسفته ودلالاته الادبية واطروحاته، ورموزه، وإشاراته، ومنظوماته السيميولوجية، في تجربته القائمة على السلام مع النفس، والوطن، والعالم، وما يميز تصوره للإنسان على الأرض في خطاباته، على غرار الشاعر الروماني فرجيل الهادف إلى إحلال السلام، وتأثر الأديب والشاعر منير بفلسفة الشاعر هيومروس، وأرسطو، المتواجدين في أدبه، الساعي لاستحدث كتاباته، وتطوير إبداعات موضوعاته الكتابية والشعرية المنصهرة سيمائيا . مما أضاف للشاعر التواصل البرغماتي ، في معطياته اللسانية البلاغية، بمعنى كل ما هو لفظي ولغوي في غربته القائمة على تحديد ارتباطه بالتيارات الفكرية الواسعة، ومساره الأدبي، ذات الطابع الإنساني في نثره، وسرده، وقصص موضوعاته، الجامعة جينات الشعر العربي بالعالم المحيط به، ليستحق الوقوف والتأمل في كتاباته التكاثرية، ولتذوق القارئ معرفة اللغة المتألقة في سطور الشاغر الفلسطيني منير مزيد، المنخرط بمناهج تجمع بين الإسلام والمسيحية/ وبين الله والإله/ والسماء والوطن/ والأرض والمهجر/ وجمال الشرق والغرب واللجوء... ، وما يترتب عليه من خسارات..، وكل ما هو سلمي وبصري وروحي في نصوصه التي تصك العبور إلى المستقبل المتوازن مع تجربته القائمة على التفاعل الجدلي في صيحاته التي تنشد الروح المضطربة في تجربته ....
نبحث من جديد عن أجناس أدب إبداعات تجربته الملقحة من عدت ثقافات تعكس العالمين بأكمله في تجربة الشاعر القائمة على الكلمة الحرة، في مرايا الذات، المحلقة في أجواء الشاعر الذي تعاطي مع لجوء البراءة الإنسانية بكامل جاذبيته، وما يدخل في أسئلته .... الممتلئة بالرؤى المتوازنة، والمستنهضة ثقافات تحمل في جعبتها آفاق فلسفية موغلة بالتناقضات والخير والشر، والحب والتضحية، العقل والإنسان، في موضوعاته التي لا تخرج من معجمه المعالج جذوره، ومفاهيمه، واستعمالاته اللغوية الشاهدة على العصر، والملتحم بهموم نبضه، وقضايا وطنه في مسيرته الأدبية والفكرية ما يحلو له من دلائل تشعل طاقته وأصالته العربية العالمية، التي شكلت رؤاه الفكرية تجاه الوجود والكائنات والأشياء المسربة من الذات التي تقودنا إلى مناطق شعوره المنفرد فيما يراه في كتاباته المخترقة البنية الأدبية والثقافية والاجتماعية، في رؤاه المستقبلية الأكثر حضورا في كلماته المترجلة من قلمه بأدق تفاصيل الحياة، الظاهرة في تجربته المعتمدة على الطبعة، والإلهام، والموهبة، والأصالة الشرقية، ومن ثم الصنعة الأدبية المتميزة بخامة أسلوبه دون تكلف أو زخرفة لغوية في أعماله التي جعلته يقف جنبا إلى جنب مع كبار شعراء العالم..
لذا يحق للشاعر الذي ترك وطنه "فلسطين" أن يفتخر به، ويجعله من بين أهم شعرائها المهاجرين المتميزين بإيقاع التعامل مع الحياة والغموض والتفاؤل في كتاباته المفتوحة على درب ما لا نهاية .
وما زلنا نحمل ما لا تتسع أوراقنا أعمال الشاعر الأدبية التي سبق واختزلنا تصنيفها فيما مضى بعنوان " ( شاعر لم تقولبه القصيدة ولم تصنعه الكلمات ) ما يعني انه خارج التغطية النقدية والإعلامية، لتجربته التي حملت الكثير من الإلهام، والاستفهام، والصور، والشكل ،والخيال الموحي بأحلام يحملها الشعر في غربة الشاعر الخالصة ومن احدي حكايات غربة الروح :
"حكايةٌ فلسطينية"
لا أدري مَنْ أنا غيرَ أنَّني دوماً
أَنسلُّ بعيداً
حائراً
عائداً إلى مُروجِ الذكرياتِ
حاملاً روائحَ و ذكرى الأنبياءِ..
أُحدِّقُ في صميمِ الصمتِ
أرى أرواحاً صافيةً
أسراباً من ظِلٍّ و نورٍ
تئِنُّ حولَ نافورةِ الأحزانِ
تَلمَعُ في سكونِ الليلِ الباكيْ
تشتهي جسد َ حُلمٍ
يُفلِتُ من بينِ عِناقِ الموتِ و الحياةِ
اللامتناهِ
يسرَحُ في الأبديَّةِ....
تصعدُ الروحُ سلالم َ السماءِ
مكلَّلةً بشهوةِ الانعتاقِ
تُشرقُ حقيقةُ الحياةِ
بيضاءَ
من قلبيْ ....
غيرَ آبهةٍ بالزمنِ المُتَخَثّرِ
تتعرَّى المعجزةُ في وَهَج ِقصيدةٍ
تُذوّبُ أحزاني في نورِ اللهْ....
آهٍ أيَّتها الأحلامُ
مَنْ وشَمَ حياتي بالتشرُّدِ
سيمضي وقتٌ طويلٌ
قبلَ أنْ تبتلِعَ القصائدُ
هذا الحزنَ الهائلَ
تفتَحَ طريقاً لفجرٍ جديدٍ
غنيٍّ بالمغامرةِ
يـأبى إلاَّ أنْ يُتِمَّ تشكيلَ معجزةٍ
تأخُذُنا
لنستريحَ على صدرِ حوريَّةٍ
تنتظر عودتَنا....
آهٍ أيُّها الحزنُ الصاعدُ إلى السماءِ
هَلْ تَتذكّرُ طوفانَ الحبِّ الشهيِّ
جنيناً في بِذرةِ الألَقِ الصافيْ
تختزِنُ في أعماقِها كلَّ الأحلامِ الساحرةِ
و مِنْ ثَديِها رضَعَ حليبَ الحكايا..
وأنتِ أيَّتها الأسرارُ
يا من تُخفِينَ في أعماقِكِ بذُورَ حياتيْ
و تُلقِينَها في التِيه
تتساقَطُ عليها دموعُ أضويةٍ مهاجرةٍ
تنمو سنابلَ و قمحاً للهذيانْ
لم أكنْ أريدُ أكثرَ مِنْ وضْعِ الغَيمِ في سلَّتِي
أو لمسِ ريحٍ تتسرَّبُ من شقُوقِ الماءِ....
يا مَعبَدَ الزمنِ
يا من يحتوي قرابينَ أحزانيْ
كانتْ البلابلُ تشدو على نافذةِ قلبِي
و السماءُ تُدردِشُ مع حقولِ الزيتونِ
تهمِسُ في روحيَ عطرَها
قبل أن تتكاثَرَ الأفاعيْ في أحشاءِ الزنابِقِ
في عُروقِ الياسمينِ و الجُلَّنار
و يفترِسُ قطيعُ الذئابِ حُملانيَ البيضاءَ
الخضراءَ .. الصفراءَ .. الزرقاءَ.... ..
و يسطُو القراصِنةُ على قارَبي
على كُتبي و قصائِديْ..
على فساتِينيْ المطرَّزةِ بالذهبِ
و شراشِفي الحريريَِّةِ .. ..
و الآنَ يا أيُّها الزمنُ المتورِّمُ بالظُلم
اِنطفأَتْ أحاديثُ الجَدَّةِ
و حديثُ الحصى المُحترقِ في الطوابِينِ ....
وأنتَ أيُّها الهاربُ مِن نفسيْ
مِن زوايا الخرابِ لملكوتِ الحُلمِ
ماذا تبقَّى لنا غيرُ عالَمٍ
يتحوَّلُ بأكمَلِه إلى كُتَلٍ مِن رمادٍ
يدَّثَرُ سنواتِ انتظارٍ تَنْمو فينا ..
انتظِرْني لكي أموتَ معكْ.. ..
كِلانا لا يملِكُ مأوى غيرَ تلكَ المأساةِ
حياتُنا مخمورةٌ بالقهرِ
أدمَنْتُ أفيونَ الضياعِ.. ..
أبي لا يزالُ منفيَّاً
في قبرِهِ الغريبِ
ينتظِرُ نُموَّ زيتونةٍ
تأبى النمُوَّ في المنافيْ
و أمِّي تنظُرُ صباحَ مساءَ
إلى مرايا احتراقيْ
تحتسيْ جمرَ الغيابْ..
لا أدري مَنْ أنا غيرَ أنَّني دوماً
أَنسلُّ بعيداً
حائراً
عائداً إلى مُروجِ الذكرياتِ
حاملاً روائحَ و ذكرى الأنبياءِ..
أُحدِّقُ في صميمِ الصمتِ
أرى أرواحاً صافيةً
أسراباً من ظِلٍّ و نورٍ
تئِنُّ حولَ نافورةِ الأحزانِ
تَلمَعُ في سكونِ الليلِ الباكيْ
تشتهي جسد َ حُلمٍ
يُفلِتُ من بينِ عِناقِ الموتِ و الحياةِ
اللامتناهِ
يسرَحُ في الأبديَّةِ....
تصعدُ الروحُ سلالم َ السماءِ
مكلَّلةً بشهوةِ الانعتاقِ
تُشرقُ حقيقةُ الحياةِ
بيضاءَ
من قلبيْ ....
غيرَ آبهةٍ بالزمنِ المُتَخَثّرِ
تتعرَّى المعجزةُ في وَهَج ِقصيدةٍ
تُذوّبُ أحزاني في نورِ اللهْ....
آهٍ أيَّتها الأحلامُ
مَنْ وشَمَ حياتي بالتشرُّدِ
سيمضي وقتٌ طويلٌ
قبلَ أنْ تبتلِعَ القصائدُ
هذا الحزنَ الهائلَ
تفتَحَ طريقاً لفجرٍ جديدٍ
غنيٍّ بالمغامرةِ
يـأبى إلاَّ أنْ يُتِمَّ تشكيلَ معجزةٍ
تأخُذُنا
لنستريحَ على صدرِ حوريَّةٍ
تنتظر عودتَنا....
آهٍ أيُّها الحزنُ الصاعدُ إلى السماءِ
هَلْ تَتذكّرُ طوفانَ الحبِّ الشهيِّ
جنيناً في بِذرةِ الألَقِ الصافيْ
تختزِنُ في أعماقِها كلَّ الأحلامِ الساحرةِ
و مِنْ ثَديِها رضَعَ حليبَ الحكايا..
وأنتِ أيَّتها الأسرارُ
يا من تُخفِينَ في أعماقِكِ بذُورَ حياتيْ
و تُلقِينَها في التِيه
تتساقَطُ عليها دموعُ أضويةٍ مهاجرةٍ
تنمو سنابلَ و قمحاً للهذيانْ
لم أكنْ أريدُ أكثرَ مِنْ وضْعِ الغَيمِ في سلَّتِي
أو لمسِ ريحٍ تتسرَّبُ من شقُوقِ الماءِ....
يا مَعبَدَ الزمنِ
يا من يحتوي قرابينَ أحزانيْ
كانتْ البلابلُ تشدو على نافذةِ قلبِي
و السماءُ تُدردِشُ مع حقولِ الزيتونِ
تهمِسُ في روحيَ عطرَها
قبل أن تتكاثَرَ الأفاعيْ في أحشاءِ الزنابِقِ
في عُروقِ الياسمينِ و الجُلَّنار
و يفترِسُ قطيعُ الذئابِ حُملانيَ البيضاءَ
الخضراءَ .. الصفراءَ .. الزرقاءَ.... ..
و يسطُو القراصِنةُ على قارَبي
على كُتبي و قصائِديْ..
على فساتِينيْ المطرَّزةِ بالذهبِ
و شراشِفي الحريريَِّةِ .. ..
و الآنَ يا أيُّها الزمنُ المتورِّمُ بالظُلم
اِنطفأَتْ أحاديثُ الجَدَّةِ
و حديثُ الحصى المُحترقِ في الطوابِينِ ....
وأنتَ أيُّها الهاربُ مِن نفسيْ
مِن زوايا الخرابِ لملكوتِ الحُلمِ
ماذا تبقَّى لنا غيرُ عالَمٍ
يتحوَّلُ بأكمَلِه إلى كُتَلٍ مِن رمادٍ
يدَّثَرُ سنواتِ انتظارٍ تَنْمو فينا ..
انتظِرْني لكي أموتَ معكْ.. ..
كِلانا لا يملِكُ مأوى غيرَ تلكَ المأساةِ
حياتُنا مخمورةٌ بالقهرِ
أدمَنْتُ أفيونَ الضياعِ.. ..
أبي لا يزالُ منفيَّاً
في قبرِهِ الغريبِ
ينتظِرُ نُموَّ زيتونةٍ
تأبى النمُوَّ في المنافيْ
و أمِّي تنظُرُ صباحَ مساءَ
إلى مرايا احتراقيْ
تحتسيْ جمرَ الغيابْ..
يتبع
مع "فينو مينولوجيا" الشاعر الجزائري ميلود حميدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق