واقع الاعلام الرقمي العربي يدفعنا الي ضرورة اتخاذ القرار من قبل جامعة الدول العربية نحو التوجه من اجل خلق البدائل العربية في حدود التطور الهائل لثورة التكنولوجيا الرقمية في ظل التحديات الاعلامية الراهنة كون ان وسائل الإعلام التقليدية العربية وأبرزها الصحافة الورقية ما زالت تعيش أزمة وجود غير مسبوقة فبعدما صمدت لعقود عدة أمام مزاحمة وسائل الاعلام المرئية والمسموعة جاء التحدي الاكبر والاهم وهو تعاملها مع العهد الجديد للصحافة الرقمية وهذا التطور المذهل لشبكات التواصل الاجتماعي ليشكل تحديا حقيقيا لها ويزاحمها بما يوفره من أدوات بسيطة وفورية وقليلة التكلفة في نقل المعلومة والاستحواذ على اهتمام الجمهور .
وفي حقيقة الامر أن الامكانيات العربية محدودة مقارنة بنظيراتها الغربية ولا يوجد امكانيات تقنية تحمي البنية الاساسية للإعلام الرقمي في فضاء وسحابات الانترنت بشكل مستقل وما زال يتراوح مكانه ويعتمد على التقنيات الاجنبية لذلك مهما تطورت الامكانيات العربية في مجال الاعلام الرقمي تبقي خياراتها محدودة ويقع تحت ما يمكن تسميته شرطة الاعلام الجديد كون ان جميع عمليات الادخال للمعلومات يتحكم فيها شركات استثمارية اجنبية وبالتالي فأنها تسيطر وبشكل كلي على المضمون والمحتوي لتلك الرسائل الاعلامية وتخضع لراقبتها ومدى قوتها التقنية فهذه التحديات تستمر في ظل الاقبال العربي لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي والتي وجدت قبولا وتجاوبا طبيعيا لدى هذه المجتمعات في ظل الانفتاح الثقافي والإعلامي بين الشعوب وهذا الامر يضيف تحديا جديدا لوسائل الاعلام العربية ومدى صمودها امام التقنيات الاعلامية الدولية .
خيار التجديد يفرض نفسه على قطاع الإعلام العربي حتى تضمن المؤسسات الإعلامية استمراريتها وسط هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي ومما لا شك فيه بان بعض وسائل الاعلام العربية قد نجحت بشكل كبير لخلق فرص المنافسة عبر منصاتها الاعلامية وتقدمت امام الثورة الاعلامية الرقمية على المستوي الدولي ولكن يبقي هذا التقدم ناقصا وعاجزا امام امتلاك الامكانيات التشغيلية الرقمية عبر الفضاء الالكتروني كون ان ذلك يحتاج الي امكانيات مالية واستثمارية ضخمة وبرامج استراتيجية نوعية للاستثمار في مجال الربط الالكتروني العربي والتعامل العربي في مجال الفضاء ليكون للعرب وسائلهم الخاصة والتي لا ترتبط مع تلك المنظومة الدولية والتي هي بمثابة الشرطة الجديدة .
نجحت مبدئيا تجارب دول عربية في التأقلم مع الرقمنة وتحديدا في تطويع التكنولوجيا لتعزيز دور مختلف الوسائل الإعلامية مع اغتنام إمكانيات الابتكار والدمج التي يوفّرها التطور في المجال الرقمي لبناء المضامين الصحافية إلا أن اغلب الدول العربية ذات الإمكانيات المالية المحدودة تشهد صعوبات حقيقية في إنقاذ إعلامها التقليدي الذي بدا جمهوره ينفر منه ويهجره إلى مواقع التواصل بسبب تردي المحتوى من ناحية ووقوعه في نمط الصحافة التقليدية والتي باتت عمل دعائي استهلاكي لا يلبي حاجة المتلقي الذي يبحث عن مساحات كبيرة لتعبير عن رغباته في مجال شبكات التوصل الاجتماعي والتي باتت تتربع على عرش الصحافة الدولية محققة ارقام وإرباح خيالية وتعيش في ذروتها التكنولوجية وخاصة بعد تبنيها الاعلام الذكي .
حقيقة الامر ان التحديات الرقمية تفترض التفكير بشكل جماعي للحفاظ على دور ومكانة الإعلام العربي وهذا الدور الابرز والمهم لجامعة الدول العربية وتبنيها لمخطط تطوير الامكانيات وتعاملها مع التحدي القائم للنهوض بواقع الاعلام العربي نحو الافضل وبإمكانيات عربية تشمل التواجد في الفضاء والتواصل التكنولوجي والتطور الرقمي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق