الهند تبحث عن دور في أفغانستان لتفادي الأسوأ/ د. عبدالله المدني


بعد أن خسرت الهند موطيء قدم استراتيجي، ومعها استثماراتها البليونية، في أفغانستان بعودة طالبان إلى السلطة في كابول في أعقاب الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية والغربية في أغسطس الماضي، بدأ واضعو الاستراتيجيات الهندية في البحث عن مشروع يتفادون من خلاله الأسوأ. والأسوأ هنا هو دخول أفغانستان في فوضى وحروب أهلية تتيح للقوى الارهابية المتطرفة، كتنظيمي القاعدة وداعش، استعادة قواعدهما فيها وبالتالي تشكيل تهديد للأمن القومي الهندي.

ومن هنا دعت الهند مؤخرا لتنظيم مؤتمر تنسيقي في نيودلهي على مستوى مستشاري الأمن القومي في الدول ذات المصلحة في استقرار أفغانستان والحيلولة دون تحولها إلى ملاذ آمن للإرهاب العالمي، وقام مستشار الأمن القومي الهندي "أجيت دوفال" بتوجيه الدعوة للمشاركة إلى باكستان والصين وايران وروسيا وأوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان وقرقيزستان. ما حدث لاحقا هو رفض اسلام آباد للدعوة بطريقة متعسفة وغير دبلوماسية تجلت في قول مستشارها للأمن القومي "مؤيد يوسف": "لن أذهب (إلى نيودلهي). لا يمكن للمفسد (في إشارة إلى الهند) أن يلعب دور صانع السلام ". وقد حذت بكين حذو اسلام آباد في رفض الدعوة الهندية، الأمر الذي عكس مدى تأزم علاقات كل من باكستان والصين مع الهند وفقدانهما الثقة في سياسات الهند من جهة، وعكس من جهة أخرى عزم باكستان أن تكون لها الكلمة الأولى في الشان الأفغاني، خصوصا وأنها أطلقت في وقت سابق آليتها الخاصة لمعالجة أوضاع أفغانستان من خلال اجتماع وزاري للبلدان المجاورة للأخيرة أستثنيت منه الهند (عقد الاجتماع الأول في اسلام آباد في سبتمبر الماضي، بينما عقد الاجتماع الثاني في طهران). أما طهران وموسكو ودول آسيا الوسطى الدائرة في فلكها والتي تتمتع بعلاقات جيدة مع الهند فقد ردت بالموافقة، وشاركت بالفعل في المؤتمر الذي عقد في 20 أكتوبر المنصرم، وصدر عنه بيان يدعو إلى التعاون والتنسيق لمكافحة الراديكالية والتطرف والنزعات الانفصالية وتهريب المخدرات في المنطقة، ويؤكد الحاجة لوجود حكومة أفغانية منفتحة وشاملة وممثلة لجميع الأفغان من أجل عملية مصالحة ناجحة في البلاد.

وهكذا بات مفهوما أن نيودلهي تعتمد كثيرا في مسألة تعويض خسائرها في أفغانستان على روسيا، بالرغم من علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة. ذلك أن روسيا تعمل على تعزيز قدرة الهند على مواجهة الصين من خلال مبيعات الأسلحة الروسية المتطورة بهدف ابعادها عن واشنطن، فيما تتحرك الأخيرة من خلال مشرعيها على استثناء الهنود من قانون العقوبات المعروف باسم (caatsa)  عند شرائهم معدات عسكرية روسية متطورة مثل نظام الدفاع الصاروخي (S-400)، والآخر المعروف باسم (S-500)، بهدف عدم إثارتهم وإبقائهم كحلفاء في مواجهة الصينيين. والمتوقع أن يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهند في ديسمبر المقبل لحضور القمة السنوية بين البلدين، وأن يتم خلال الزيارة توقيع صفقات سلاح ضخمة. 

والمعروف أن روسيا تتمتع بميزة استعدادها لنقل تكنولوجياتها العسكرية المتطورة إلى الهند، على عكس الولايات المتحدة، سواء تعلق الأمر بالصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت أو الغواصات النووية أو أنظمة الدفاع الصاروخي القادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. غير أن المثير هنا هو أن روسيا تلعب بعدة وجوه في آن واحد، فهي لئن زودت الهند بهذه الأسلحة من باب تقويتها في مواجهة الصين، فأنها في الوقت نفسه تزود الصين بها من باب تقوية الصين في مواجهة الولايات المتحدة. ويمكن تلخيص هذا المشهد الغريب بأنه صراع محتدم بين القوى الثلاث الكبرى الأمريكية والصينية والروسية على النفوذ والتفوق الاستراتيجي، تـُستغل فيه الحاجات الدفاعية وغير الدفاعية لبعض القوى الأقليمية المتنافسة.

وبالعودة إلى المأزق الأفغاني يمكن القول أن التعاون الهندي الروسي، ودعم الروس للمبادرةة الأمنية الهندية الأخيرة وعدم وجود تضارب في المصالح بين البلدين في أفغانستان، هو خير تعويض لنيودلهي عن استبعادها من قبل اسلام آباد في المنتدى الوزراي لدول الجوار الأفغاني. إذ أن روسيا تمثلت في اجتماع المبادرة الهندية بسكرتير مجلس أمنها "نيقولاي باتروشيف" الذي صرح قائلا: "إن كل الآليات بشأن أفغانستان مفيدة ويجب أن تكمل بعضها البعض، لا أن تتنافس وتـُقصي وتستثني". والمعروف أن موسكو انفتحت مؤخرا على نظام طالبان الذي يبدو أنه بات أكثر ثقة في الروس بعد دعمهم لمبدأ إجلاء كافة القوات الأجنبية من أفغانستان، وضغطهم على جمهوريات آسيا الوسطى كي ترفض منح قواعد أو تسهيلات على أراضيها للأمريكان للتدخل في أفغانستان إذا ما لزم الأمر. وبطبيعة الحال فإنه، والحالة هذه، ستكون موسكو في وضع أفضل من أي دولة أخرى لتأسيس نفوذ لها في أفغانستان أو للتدخل إذا ما سقط نظام طالبان لأي سبب، وبالتالي ستستفيد الهند من ذلك بحكم تعاون وشراكة البلدين وعدم وجود تضارب أو تباين في مصالحهما.

د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

تاريخ المادة: نوفمبر 2021م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق