أحدث قانون القومية العنصري الذي اقرته الكنيست في إسرائيل،في فترة نتنياهو ردود فعل لم تتوقعها حكومة نتنياهو. اما حكومة بينيت مع حليقها العربي من القائمة الإسلامية (الموحدة) فيحافظ على صمت كامل.
كان يبدو ان التمسك بالقانون هو إصرار على عدم الاعتراف من حكومة بينيت ايضا انهم ارتكبوا حماقة قانونية وسياسية لن تخبو بسهولة، بل الأصح لن تخبوا ابدا، الا إذا نجحت هذه الحكومة بتسويق خطة خدمات، هي بالأصل حق مشروع وطبيعي للمواطنين العرب بتعدد طوائفهم، وآمل ان لا تنطلي هذه الخطة على أبناء الطائفة المعروفية، لأنهم الهدف المباشر لها، لحساسية مكانتهم كمجموعة سكانية فرض عليها التجنيد العسكري الاجباري. أما بالنسبة لبقية الجماهير العربية، فلن يقلق الحكومة القانون العنصري ان تبح أصوات الجماهير العربية احتجاجا، ومن اول اسقاطات هذا القانون البدء بتشريع قانون سجن كل من يرفع العلم الفلسطيني. وربما يتبعه قانون سجن كل من لا يرفع علم إسرائيل في كل مناسبة تخص المجتمع العربي، حتى بحفل زواج، او على باب غرفة النوم قبل الدخلة!!
قرأت مادة هامة أعدتها هيئة أمنية إسرائيلية، تثبت ان حكومة إسرائيل، ولا فرق بمن يرأسها، تلحق الضرر ليس فقط بالمواطنين العرب، انما أيضا بمستقبل إسرائيل إذا كان هذا الأمر يهمها، او تفهم المخاطر الكبيرة من إقرارها قوانين معادية لجمهور واسع (20%) من مواطني الدولة.
الوثيقة التي قرأتها تتحدث انه في عام 2013 قرر معهد ابحاث الأمن القومي ان يبادر لخطة أبحاث، تتناول الجوانب المختلفة للمجتمع العربي في إسرائيل، على أساس الاعتراف ان الأقلية العربية في إسرائيل، بكل الفرق المختلفة داخلها، تشكل مجموعة سكانية مميزة وهامة جدا في المجتمع الإسرائيلي، وان تطور هذه المجموعة ومفاهيمها، ومكانتها داخل دولة اسرائيل، له تأثير قوي على مستقبل الدولة عامة، وعلى تشكيل علاقاتها مع الشعب الفلسطيني خارج حدود الدولة، ومع العالم العربي خاصة.
الوثيقة اشارت بوضوح الى ان المشكلة الصعبة هي بواقع ان الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل، لم تنجح بتحقيق مواطنتها بشكل كامل وعلى أساس المساواة، كما هو مطلوب، في دولة تسمي نفسها كدولة للشعب اليهودي.
المواطنون العرب الذين أصبحوا اقلية بعد النكبة وقيام إسرائيل، ما زالوا يعيشون واقع النزاع التاريخي بين الشعب الفلسطيني، الذي ينتمي اليه ايضا المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل، وبين دولة إسرائيل، لذا يهدف البحث دراسة الاتجاهات في المجتمع العربي في إسرائيل، ومستقبل العلاقات بين مجموعات المواطنين في الدولة.
طبعا هذا البرنامج البحثي في المشهد الإسرائيلي حول المجتمع العربي والعلاقات بين العرب واليهود في دولة إسرائيل ليس جديدا، اثار الاهتمام خلال العقود الماضية وأجريت حوله أبحاث وتقييمات عديدة ومتواصلة، وهي تتكرر منذ إقامة الدولة، وكان آخرها توصيات “لجنة اور” التي حققت بأحداث انتفاضة العرب في إسرائيل (انتفاضة الأقصى) في أكتوبر 2000 وسقوط 13 مواطن عربي برصاص قوى الأمن الإسرائيلية، وأكدت لجنة اور في تقريرها ان دولة إسرائيل أقرت حقوق مواطنة كاملة لكل أبناء الأقليات، لكن الدولة لم تمنحهم ابدا حقوق جماعية، ولم تشرع أي حقوق باعتراف مبدأي بحق العرب لحقوق جماعية، وأشارت اللجنة الى واقع الشعور بالحرمان، أيضا بسبب عدم رضاهم عن مكانة ثقافتهم ولغتهم في الدولة، مكانتهم القانونية، مكانتهم بالجهاز السياسي ومكانتهم بالمجتمع الإسرائيلي عامة. الخطة الجديدة المعلن عنها لمركز أبحاث الأمن حول الجمهور الإسرائيلي، يؤكد التجاهل بشكل كبير لخطورة الوضع. وليس سرا أن أجهزة الأمن الإسرائيلية بكل أذرعها، أكثر فهما وانفتاحا لأهمية التعامل العقلاني مع المواطنين العرب.
من المهم الإشارة، كما جاء في النص، الى ان الفجوات بين فرق المواطنين لم يقد الى انفجار، يعتقد الباحثون، ان استمرار تجاهل هذه المشكلة الخطرة، قد تقود الى احداث توترات واسعة جدا وإلحاق الضرر في نسيج العلاقات الحساسة بين العرب واليهود في الدولة، لذا المطلوب حسب الباحثين، جهود أكبر وبتأثير أوسع، يخترق الجمهور غير المبال بأكثريته، من العرب واليهود، وليس أقل من ذلك تعميق الحوار مع متخذي القرارات.
كما شاهدنا، قانون القومية العنصري كان بالاتجاه المعاكس تماما لما طرحه مجلس الأمن القومي في أبحاثة العديدة والمتكررة. وكانت مجموعة أكاديميين يهودا وعربا قد أصدرت كراسا شاملا يتناول واقع التمييز وطرق اصلاح واقع الجماهير العربية في جميع المجالات أطلقت على الكراس اسم “ما بعد الأزمة-اتجاهات جديدة لسياسة الحكومة إزاء العرب في إسرائيل – تقرير طارئ، أعده طاقم باحثين من عدة جامعات مقدم لرئيس حكومة إسرائيل ايهود براك”. أُعد الكراس بعد انتفاضة أكتوبر 2000، لكن طبعا بقيت توصيات الكراس رغم أهميتها وعمقها، حبرا على ورق. تناول الكراس مواضيع شاملة تخص واقع العرب في إسرائيل، التمييز وطرق الإصلاح، وعالج المواضيع الهامة التالية: الأراضي والتخطيط، السلطة المحلية، الرفاه، الهوية والمشاركة المدنية والثقافية، التربية والتعليم العالي، التطوير وفرص العمل، القضاء والقانون، المجتمع والجماهير العربية في إسرائيل. حسب اعتقادي هي اهم دراسة وأشملها تعالج بشكل علمي موثق التمييز والتفرقة العنصرية وطريق اصلاح واقع الأقلية العربية ومساواتها المدنية والقانونية.
المعروف ان إسرائيل لا تعترف بالأقلية العربية كأقلية قومية، (انما أقليات دينية) لكن هذا الأمر لا ينفي القاعدة لمفهوم الأقليات القومية، وتفسير ذلك ان الأقلية القومية هي مجموعة سكانية تعرف نفسها كشعب، او قومية مختلفة، ضمت لدولة أخرى، بالاختيار او بالقوة، عبر احتلال او تبادل مناطق، لذا هي مجموعة غير متساوية، من ناحية العدد، وهي خاضعة، وذات مميزات مختلفة عن مميزات الأكثرية، على المستوى القومي، الديني، الثقافي واللغوي.
في الحوار الأكاديمي بين الباحثين لا يوجد اتفاق لتعريف اقلية قومية، باحثون إسرائيليون يعرفون ببساطة ان اقلية قومية هي فريق مواطنين لهويتهم تعريف مفصل ومقبول عليهم. اي غير مفروض من الأكثرية. في حالتنا الأكثرية، عبر السلطة الإسرائيلية، لا تعترف بالقومية العربية الفلسطينية كقومية، بل كطوائف، وهذا يولد شعورا بالمهانة والتمييز القومي، وعدم المساواة.
رغم ذلك حكومة إسرائيل تجاهلت الأبحاث الرسمية لمعهد الأمن القومي وغيره من معاهد الأبحاث العسكرية والأكاديمية، وخاصة كراس “ما بعد الأزمة” واندفعت لإقرار قانون القوميات العنصري الذي يسقط كل حقوق المواطنة والمساواة عن الأقلية العربية الفلسطينية.
أي بدل ان نتقدم، ارجعونا الى الخلف، حتى الى نسف وثيقة الاستقلال الإسرائيلية التي أعلنت في 14 أيار 1948، والتي تؤكد، وأسجل ذلك كرد على قانون القومية، ان نضال الاقلية العربية هو نضال قانوني بإطار اهم وثيقة إسرائيلية منذ إقامة الدولة.
تنص وثيقة الاستقلال على ان دولة إسرائيل “تحافظ على المساواة التامة في الحقوق اجتماعيًا وسياسيًا بين جميع رعاياها دون التمييز من ناحية الدين والعرق والجنس وتؤمن حرية العبادة والضمير واللغة والتربية والتعليم والثقافة، وتحافظ على الأماكن المقدسة لكل الديانات وتكون مخلصة لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة”.
طبعا لا انفي ان إسرائيل لم تنفذ اطلاقا بالسابق نص وثيقة الاستقلال، فرضت حكما عسكريا على الاقلية العربية ومورست سياسة تمييز واضطهاد قومي بشعة جدا ضد الأقلية العربية، وما زلنا نعاني حتى اليوم من التفرقة العنصرية وعدم المساواة.
وأخيرا بين يدي وثيقة عن استسلام الناصرة للجيش الإسرائيلي، تنص بوضح على الاعتراف بالمساواة للمواطنين في الناصرة. جاء فيها بالبند التاسع: “حكومة اسرائيل الممثلة على يد القائد العسكري، تعترف بذلك بمساواة بالحقوق المدنية لكل مواطني الناصرة سوية مع كل سكان اسرائيل دون تمييز بالدين، الجنس واللغة”.
هل قانون القومية يضمن هذه المساواة – حسب الوثيقة الموقعة باسم حكومة إسرائيل لمواطني مدينة الناصرة مثلا؟
********
وثيقة: النص الكامل لشروط استسلام مدينة الناصرة للجيش الاسرائيلي– مترجم للعربية:
1- مدينة الناصرة نستسلم بدون شروط للجيش الاسرائيلي.
2- القائد العسكري حاييم لاسكوف، ممثل جيش اسرائيل وحكومة اسرائيل المؤقتة، او كل من له صلاحية، يأخذ تحت قيادته مدينة الناصرة من الساعة 21.15 بتاريخ 16 تموز 1948.
3- كل الجنود وصف ضباط الجيوش العربية من كل الدول، يسلموا ليد القائد العسكري.
4- كل مخازن السلاح، والذخائر العسكرية وكل التجهيزات العسكرية الأخرى الموجودة بأيدي أي شخص او جهة أخرى يسلموا فورا للقائد العسكري.
5- بكل حالة من مخالفة البنود 3 و 4 من هذا الاتفاق، يكون للقائد العسكري الحق ان يفرض العقاب حسب قراره الشخصي.
6- يلتزم القائد العسكري بهذا ان يحمي كل الأماكن المقدسة، الكنائس، الاديرة وسائر الأماكن المقدسة التي لها علاقة بالدين المسيحي للمدينة ومحيطها.
7- يواصل رئيس البلدية الحالي للناصرة القيام بمهام وظيفته كرئيس مجلس البلدية الحالية.
8- يواصل رئيس البلدية ادارة الشؤون العادية لفائدة كل السكان مدينة الناصرة، ومن صلاحية القائد العسكري ان يقرر ما هي المسائل العسكرية والمدنية.
9- ان حكومة اسرائيل الممثلة على يد القائد العسكري، تعترف بذلك بمساواة بالحقوق المدنية لكل مواطني الناصرة سوية مع كل سكان اسرائيل دون تمييز بالدين، الجنس واللغة.
10- ممثلو مدينة الناصرة، الموقعين على هذه الوثيقة، يأخذون على عاتقهم، كل المسؤولية لتنفيذ شروط الاستسلام بروحه ونصه.
11- ممثلو جيش اسرائيل وحكومة اسرائيل الموقعين على هذه الوثيقة، يتحملوا مسؤولية تنفيذ كل بنودها.
الناصرة في 10-07-1948
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق