أصحاب.. ولا أعزّ/ أسامة البياتي

 


شهدت السينما العالمية في تأريخها أفلام أثارت الجدل ولعل تلك الأفلام التي جسدت شخصيات سياسية ودينية (خاصة الأنبياء) أخذت نصيب الأسد منها كذلك الأفلام التي تناولت سير الرؤساء والمشاهير بالإضافة إلى الأفلام التي تضمنت إشارات أو إيحاءات جنسية وتحدثت عن سلوكيات المغازلة دون وعي , وربما الجدل هنا لا يرتبط بحب أو انتقاد بعض الجمهور للأفلام لكن الصدمة قد تكون مما شاهدوه من محتوى جريء في الطرح ولعل الفيلم العربي الأول الذي أنتجته شركة نتفليكس الأمريكية والموجه للجمهور العربي أثار حفيظة الكثيرين في العالم العربي خاصة في مصر حيث اتهمه أحد السياسيين بالتحريض على الشذوذ الجنسي والخيانة الزوجية ووصفه الكثير بأنه خادش للحياء والذوق العالم. 

الفيلم مأخوذ من الفيلم الإيطالي (الغرباء المثاليون) Perfect Strangers   لكن أداء الممثلين مختلف عن النسخة الأصلية فقد بدى بارداً ثقيلاً في بعض المشاهد باستثناء النجمة المصرية منى زكي التي لعبت دوراً خفيفاً بطابع كوميدي قدمته باحترافية خاصة كذلك الجانب التراجيدي الذي تتقنه وتجيده دائماً أحداث الفيلم تدور في لبنان حول مجموعة من الأصدقاء اللبنانيين يشاركهم أصدقاء مصريين (الزوج والزوجة) يجتمع الجميع على العشاء وتقرر إحدى الزوجات التي أدت دورها

 (نادين لبكي) أن يلعبوا لعبة ترك الهواتف المحمولة على الطاولة ويقرأون جميع الرسائل الواردة ويستمعون إلى جميع المكالمات التي تصلهم في محاولة لاقتحام الخصوصية.

الحبكة والحوار كان عادياً وثرثرة غير مدروسة وحشو كلام و (تملق) وأساليب التعبير كانت ضعيفة لا سيما في المجالات الاجتماعية والعاطفية التي تطرق لها الفيلم ناهيك عن القبلات والأحضان المتبادلة بين الأزواج وزوجات أصدقائهم ووضع اليد على كتف زوجة صديقه ( كأن الموضوع عادي في مجتمعنا ) والألفاظ الخادشة التي لم تضف أي قيمة للفيلم بل جعلتنا مذهولين أمام ما نشاهده.

قد يرى البعض أن الواقعية التي اتسم بها فيلم أصحاب ولا أعزّ هي من جعلته ناجحاً بل مميزاً لكن هذا التعالي والانتفاخ من بعض المبهورين بالعمل وممن يدافعون عليه بشراسة لن يدركوا حجم وخطورة ذلك إلا إذا طارد أبنائهم شبح التفكير بالمثلية أو التفكير بالأمور الجنسية خارج الإطار المعروف فالمشاهد العربي لم يعتاد على سماع تفاصيل صريحة لتلك العلاقات الشاذة حتى وإن وجدت في المجتمع أو الاستماع لحديث الأب ( اللبناني صاحب العزومة) الذي سمح لأبنته بممارسة الجنس مع صديقها والآخر سمح لزوجته بالكلام عن أمور جنسية مع عشيقها السابق والزوجة التي تتكلم عن ملابسها الداخلية مع 

شخص عبر تطبيق ميتا (فيسبوك سابقاً) والآخر تصله صورة عارية لفتاة ويصفه صديقه مشجعاً (بالضبع) والكل تقبل الموضوع بروح رياضية ناهيك عن فكرة علاقة جنسية شاذة بين رجلين وكأن الأمر طبيعي بل جعل المشاهد يتعاطف مع الفكرة عبر الموسيقى والقطعات الفنية ومع تلك العلاقة الحميمية واختيار ممثل بشوش الوجه طيب القلب , محب ومحبوب للآخرين ولا يخون مثل النساء , تلك المشاهد والإسقاطات دائماً ما تنطبع في ذهن المتلقي وهذا من شأنه التأثير على سلوكيات المجتمع وهنا يتضح الدور الكبير الذي تلعبه السينما في تشكيل الوعي.

إن تلك الظاهرة كانت محل جدل في التعامل مع الدراما والأفلام ومع المجتمع بصورة خاصة فنحن مجتمع شرقي إنساني محافظ له عاداته وتقاليده ولسنا بحاجة إلى غزو ثقافي وتبعية فنية بغض النظر عن السلبيات والمساوئ الموجودة في المجتمع وربما تفوق ما طرحه الفيلم , لكن كنا نتمنى عملاً فنياً يعالج تلك السلبيات والأزمات المجتمعية عن طريق نشر ثقافة التسامح بطريقة فنية صحيحة تعالج الهموم الكبيرة والكثيرة التي تواجهنا فهي أهم من إضاعة ملايين من الدولارات على فيلم مقلد وأحاديث فارغة , تلك الجهود لصناع الفيلم خسارة للزمن وإضاعة لوقت نحن بأمس الحاجة إليه في بناء جيل واعي قادر على مواجهة التحديات, فهو لم يقدم إضافة أو تميز فثقافة التكرار تبقينا في حالة من الجمود والتخلف ومن لا يأتي بجديد في المضمون والشكل والقيمة فليس بجديد على الحياة وعلينا أن نكتسب من الآخر ما يتلاءم معنا ومع ثقافتنا ومحيطنا وتنوعنا الديني والطائفي والثقافي لا أن نتبنى أفكاراً مستنسخة لا تواءم عالمنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق