تنسابُ القصيدةُ عبر خيالِ الشّاعرةِ حياة قالوش، كما تنسابُ زخَّاتُ المطرِ فوقَ مرافئِ الحنينِ، الشِّعرُ شهيقُ الشُّعراءِ الأنقى في الحياةِ، تتوغَّلُ قالوش عميقاً فيما يتراءى لها وفيما يموجُ في مخيالِها، تُمسكُ خيوطَ القصيدةِ برهافةٍ طافحةٍ بالتَّجلِّي، تصوغُ حرفَها وكأنّها في حالةِ انصهارٍ وابتهالٍ مع إشراقةِ الحرفِ، ترفرفُ بجناحيها عالياً، بحثاً عن صورٍ عذبةٍ من نكهةِ تغاريدِ البلابلِ، فينبعثُ حبورُ القصيدةِ صافياً على مدى مرامي البوحِ؛ ويتراقصُ حرفُها مزهوَّاً فوقَ اخضرارِ الأزاهيرِ، ويهفو حرفُها بكلِّ جموحِهِ إلى مراتعِ الأحلامِ النَّديّة. تتأمَّلُ مرتفعاتِ الجبالِ المعشوشِبةِ بألقِ الشُّموخِ، تشهقُ فرحاً وانتعاشاً لروعةِ الشُّموخِ، وينتابُها رغم حالةِ الفرحِ المرافقة لها، غصّةٌ حارقةٌ لكلِّ ما تراهُ من انكساراتٍ، ويجرُفُها الخيالُ إلى ما وراءَ البحارِ، لا ترى ما يشفي غليلها من أوجاعِ الانكسارِ، إلَّا ابتهالاتِ الحرفِ على أنغامِ هدهداتِ الطَّبيعةِ وبسماتِ الأطفالِ المرتسمةِ فوقَ موجاتِ البحرِ، كأنّها على اتّصالٍ حميمي معَ مُهجةِ الحرفِ وهو في أصفى إشراقاتِهِ، يعيدُ إليها توازناتِ الرُّوحِ رغمَ تتالي الاشتعالاتِ المتفاقمة فوقَ أرخبيلاتِ العمرِ.
تُجسِّدُ الشَّاعرةُ عبرَ خيالِها السيّالِ، القصيدةَ على منعطفاتِ هضابِ العمرِ، مخفِّفةً من أنينِ الجراحِ النّازفةِ، ومن حالةِ الانشراخِ العاتيةِ فوقَ لياليها الحالكةِ، ولا تتوانى أن تنثرَ رحابةَ حرفِها فوقَ سفوحِ القلبِ، كلّما يهبُّ عليها نسيمُ الصَّباحِ، فيغمرُ قلبَها وقلوبَ قرّائِها فرحاً مسربلاً بحفاوةِ صباحِ العيدِ، وتزدادُ شغفاً لما تحملُ معانيها من ترميزاتٍ ومدلولاتٍ جديدةٍ في بنائِها الفنّيِّ الشَّفيفِ، مثلما تتدلّى أغصانُ الدّالياتِ فوقَ أسوارِ البيوتِ العتيقةِ، الّتي ظلّتْ مرسَّخةً في الذّاكرةِ طويلاً، وتموجُ ألقاً مثلَ مرحِ الأطفالِ وهم يلعبونَ فوقَ مروجِ الحياةِ، ومثلَ عصافيرِ الدُّوريِّ وهي تلتقطُ حبّاتِ الحنطةِ بمناقيرِها الغضَّةِ في صباحٍ ربيعيٍّ مشبَّعٍ بالخيراتِ، هكذا تترجمُ قالوشُ شغفَها فوقَ بيادرِ العبورِ إلى واحاتِ القصائدِ، فينسابُ حرفُها مثلَ بلسمٍ شافٍ فوقَ جراحِ السِّنينَ، وتتربَّعُ فوقَ صواري السُّفنِ، طموحاتها الّتي تهوى أن تتحقَّقَ فوقَ مروجِ الغدِ الآتي. تنجذبُ الشَّاعرةُ بكلِّ رهافتِها إلى ما يضمرُهُ الحرفُ من جموحٍ، منتعشةً ممَّا ينبلجُ من ثغورِ القصيدةِ المنبعثةِ من توهُّجاتِ الخيالِ فوقَ أزهى مرامي الحياةِ.
حياة قالوش حرفٌ متدفِّقٌ من حبورِ الحنطةِ في أوجِ اخضرارِها، غمرتْها القصيدةُ بمصداقيَّةِ الحبِّ في قمّةِ صفائِهِ، إلى أن غدَتِ القصيدةُ صديقتَها الودودةَ وديدنَها الأرحب في معارجِ الحياةِ. صادقَتْ جمالياتِ الطَّبيعةِ بكلِّ رهافتِها، وقطفتْ من خصوبةِ العمرِ أجملَ ما يبوحُ بهِ الحرفُ من شهقاتِ الانبهارِ، تُزهرُ دندناتُ حروفِها على إيقاعِ أزهى الأماني، وتسطعُ شموعُ القصيدةِ كما تسطعُ تلألؤاتُ الخيالِ في أرقى جموحِها. تُشبهُ رحيقَ الزّهورِ في قمَّةِ انبعاثِ بهائِها، ولا ترى حرجاً عندما تباغتُها قصيدةٌ مرصَّعةٌ بالأحزانِ أن تفرشَ حبرَها فوقَ أوجاعِ غربةِ الحياةِ، فهي ترى في منائرِ البوحِ، بلسماً يطهِّرُها من آهاتِ ما يعتريها من وخْزِ الأحزانِ، تغوصُ عميقًا في رحابِ انبعاثِ الحلمِ على إشراقةِ شهقاتِ الفجرِ الوليدِ، وتناجي بإيقاعٍ رهيفٍ هديرَ البحارِ؛ لعلَّ حرفها يمتزجُ معَ خشخشاتِ الهديرِ، مواجِهاً بكلِّ بسالةٍ أوجاعَ الانكسارِ!
تكتبُ الشَّاعرةُ قصيدتَها كلّما تهبُّ نسائمُ الصَّباحِ، كي تأتيَ ولادةُ الحرفِ نديَّةً كأعشابِ المحبّةِ المتناميةِ حولَ أشجارٍ محمّلةٍ بثمارِ الخيرِ والبركاتِ. فترفرفُ أجنحتُها شوقًا إلى انبعاثِ الفرحِ، وتحلِّقُ فوقَ رهافةِ الغمامِ كلّما يرنِّمُ مرنِّمٌ تراتيلَ المحبَّةِ على إيقاعِ رنينِ أجراسِ الأديرةِ القديمةِ. فقد وُلدَتْ الشَّاعرة في كنفِ المزاميرِ المرصّعةِ بقداسةِ الحرفِ منذُ البدءِ. الكتابةُ هاجسُها الأبهى في الحياةِ، صديقةُ ليلِها وصباحِها، هي والكتابةُ صِنوانِ توأمانِ متماهيانِ معَ شهوةِ الشِّعرِ، لا ترتوي من مناغاةِ عذوبةِ الحرفِ، ولا من متعةِ تدفُّقاتِ الابتهالِ، تتعانقُ بكلِّ جموحاتِها معَ انبعاثاتِ القصيدةِ، كأنّها غيمةٌ مجنّحةٌ من أنغامِ مزاميرِ حلمٍ، توارى بعيداً من ضجرِ هذا الزّمان.
أينما تكُنْ، وكيفما حطَّ بها الرّحالُ، نرَها تجمحُ نحوَ غاباتِ القصائدِ البكر، تناغي مَجسّاتِ الجمالِ المستنبتةَ فوقَ جبينِ لبنانَ وجبالِ لبنانَ وآمالِ لبنانَ، يتراقصُ لبنان على مساحاتِ خيالِها المندّى بخصوبةِ الحياةِ، فتولدُ القصيدةُ من حبقِ الجمالِ، تهوى الشَّاعرةُ لغةَ التَّجديدِ ولغةَ الأحلامِ المندلقةِ من لجينِ الأعالي. تسطعُ في قلبِها رفرفاتُ أجنحةِ الطُّيورِ، تحلِّقُ عالياً نحوَ مسارِ رفرفاتِها على إيقاعِ سموِّ السَّماءِ، تقطفُ من ثمارِ الغاباتِ أشهى هلالاتِ بوحِ الكلامِ، مركّزةً على ضياءِ نجمةِ الصّباحِ وسطوعِ البدرِ في اللَّيالي القمراءِ، مجسِّدةً عبرَ تجلّياتِ حرفِها تجربتَها وخبراتِها المتنوّعةَ الّتي تعكسُ رؤاها المورقةَ بأغصانِ المحبّةِ المتعانقةِ مع تفتُّحاتِ اخضرارِ الزّيتونِ، والمترعرعةِ في أرضٍ خصبةٍ ودافئةٍ دِفءَ الحياةِ، ومزروعةٍ بأزاهيرِ الفرحِ، ومستلهمةٍ بوحَها من أصفى جموحاتِ يراعِ الرُّوحِ!
حياة قالوش شمعةُ فرحٍ ساطعةٌ في دنيا المحبّةِ، بسمةٌ وارفةٌ فوقَ أرخبيلاتِ اللّيلِ الحنونِ، في حالةِ وئامٍ معَ شموخِ القصيدةِ إلى أنْ غدَتِ القصيدةُ صديقةَ عمرِها، وشهيقَها المزنَّرَ بمذاقِ ثمارِ الجنّةِ، وكأنَّ القصيدةَ ابنتُها الحاضرةُ فوقَ أغصانِ الحياةِ. يتناغمُ حرفُها معَ بسمةِ الشَّمسِ وهي ترنو إلى عذوبةِ البحارِ. كيفَ ترسمُ قالوش حرفَها وهي في دنيا محفوفةٍ بأسئلةٍ طافحةٍ بالأوجاعِ؟! هل القصيدةُ قادرةٌ على تسمو إلى وميضِ نُجيماتِ الصَّباحِ، رغمَ تفاقمِ الجراحِ هناك من كلِّ الجهاتِ؟! تبدو قصيدتُها وكأنّها منبلجةٌ من وجنةِ غيمةٍ شاهقةٍ في رحابِ السّماءِ، حرفٌ متناثرٌ من مآقي نجمةٍ ساطعةٍ في أهازيجِ السّماءِ، سرٌّ غائرٌ في جوفِ البحارِ الهائجة، شوقًا إلى مناغاةِ أزاهيرِ الرّبيع.
حياة قالوش شاعرة متوهِّجة بألقِ الزَّنبقِ الغافي بين اخضرارِ النَّفلِ والنّعناعِ البرّي، تكتبُ قصيدتَها من نسغِ الدّالياتِ المتراقصةِ في منعرجاتِ الذَّاكرةِ، مستوحيةً آفاقَ حرفِها من أشهى انبعاثاتِ جموحِ الخيالِ! .. صالحتها الكتابةُ معَ أوجاعِ الحياةِ وبلسمَتْ جراحَها الغائرةَ، وعمّدتها بحبرِ القصيدةِ، وغدَتْ صديقةَ حرفٍ مسربلٍ بوهجِ الحداثةِ عبر رؤيةٍ ناصعةٍ برحيقِ الجمالِ والآمالِ المستنيرةِ.
***
تحلِّقُ الشَّاعرة حياة قالوش فوقَ بياضِ الغيومِ على أنغامِ هديلِ الرُّوحِ وهي تعانقُ زرقةَ السّماءِ، يغمرُها فرحٌ متعانقٌ معَ صفاءِ القصيدةِ وهي تنسابُ بوحاً رهيفاً في حنايا الأعالي، يموجُ بها الخيالُ إلى آفاقٍ مزدانةٍ بجموحِ الحرفِ تحتَ ظلالِ أغصانِ التّينِ، يمتزجُ مذاقُ التِّينِ معَ شهوةِ الحرفِ في أوجِ انبلاجِهِ، فينسابُ حرفها ساطعاً فوقَ هلالاتِ الغمامِ، تمسحُ الكلمةُ الشّامخةُ أحزانَ الفصولِ وتزرعُ في هضابِ الرّوحِ أزاهيرَ معبّقةً بمهجةِ الانتعاشِ، تنظرُ من قبَّةِ السّماءِ إلى رحابةِ السّماءِ، جمالُ السَّماءِ يغدقُ عليها حرفاً مبلَّلاً بالسُّموِّ، الكلمةُ الممراحةُ جناحُ الشِّعرِ المجنَّحِ نحوَ أهزوجةِ الحياةِ، تُبدِّدُ ضجراً متراكماً فوقَ رحابِ الأحلامِ، لا يملكُ الشُّعراءُ إلَّا أجنحةَ الكلماتِ، ترفرفُ عالياً وتضيءُ غبشَ الظّلامِ المتناثرِ فوقَ منعرجاتِ العمرِ، وتمنحُ أجنحةُ الكلماتِ آفاقَ الشّاعرةِ ألقاً وابتهالاً متناغماً معَ بهاءِ الأقاحي، كأنَّها في حالةِ رقصٍ بين جنانِ النّعيمِ، تنفضُ عنها تكلّساتِ الأزمنةِ الموحلةِ. بهجةٌ غامرةٌ تسطعُ في خيالها، فينسابُ حرفها فوقَ حبورِ العبورِ، فلا تجدُ أكثرَ من الشعرِ أنيساً لتجلّياتِ الانبعاثِ.
الشِّعرُ منبعُ انتعاشٍ طافحٍ بالأفراحِ يناغي قلوبَ الشُّعراءِ على أنغامِ الشَّوقِ. حلمٌ متطايرٌ من تراقصاتِ الغيومِ، من سطوعِ ضياءِ البدرِ، رؤيةٌ خلَّاقةٌ مغموسةٌ بإشراقةِ الحرفِ من رحابِ العشقِ، كلمةٌ مزنّرةٌ بأسرارِ اللّيلِ وحنينِ النّهارِ، حوارٌ مسربلٌ معَ نسيمِ الصّباحِ قبل أن تتفتّحَ براعمُ الوردِ، وبعدَ أن يفوحَ أريجُ النّعناعِ. الشِّعرُ صديقُ حياة قالوش منذُ أن سطعَتِ الشّموعُ حولها في حنايا المهدِ، منذُ أن ارتسمَتْ شهقةُ الحبِّ فوقَ محيّاها وهي مقمّطةٌ ببذورِ خيرٍ مشبّعةٍ من غديرِ الهيامِ، منذُ أن دغدغَ الحنينُ مرافئ الصّبا بكلِّ منعطفاتِهِ الجيّاشةِ، منذُ أن دندنَتْ معَ فيروزَ أجملَ الأغاني، إلى أن تلألأتِ البسمةُ فوقَ خدودِ الأطفالِ. الطُّفولةُ، كما تراها الشّاعرةُ، رحيقُ الشِّعرِ، جموحٌ في أنقى آفاقِ الخيالِ.
تكتبُ الشَّاعرة حياة قالوش حرفها من وحي بهاءِ الفراشاتِ، من روعةِ ما تنامى في جمالِ الكونِ، من هديرِ
الرِّيحِ، من خشخشاتِ زخّاتِ المطرِ، من روعةِ عبورِ السُّفنِ أعماقَ البحارِ. تكتبُ حرفَها من وحي نقاوةِ
الدَّمعِ، من رفرفاتِ أجنحةِ العصافيرِ، من تتالي آهاتِ الانكسارِ وشهقاتِ الانبهارِ.
وحدَها القصيدةُ تجابِهُ ضراوةَ الزَّمهريرِ، تخفِّفُ من تشظّياتِ شفيرِ الطُّوفانِ. تنظرُ إلى ضياءِ الشَّمسِ، فترى هلالاتِ القصيدةِ تنبعثُ من وهجِ النُّورِ المشعِّ فوقَ مرامي الكونِ، الشِّعرُ بسمةُ حبٍّ ترافقُ صباحاتِ قالوش، يبلسمُ كينونَتها بأريجِ الانتعاشِ على امتدادِ آفاقِ العبورِ.
تخبِّئُ الشّاعرة بيروتَ بينَ جوانِحها حتّى ولو عبرتِ البحارَ، تهدهدُها وتعانقُها وتمهِّدُ لها ظلالَ الرّوحِ كي تستفيءَ بينَ سهولِ القلبِ وظلالِ الرّوحِ، وتتلألأُ بيروت بين رحابِ القصائد كأنّها قلادةُ العشقِ، رغمَ الأشواكِ النّابتة فوقَ هامةِ البلادِ، تكحِّلُ الشّاعرة مآقي بيروتَ بالأملِ القادمِ، وتزرعُ فوقَ طينِ البلادِ بذورَ الفرحِ.
تهمسُ لحنينِ الذَّاتِ في صباحِ عيدِ الميلادِ، سأخبِّئكَ يا لبنانُ بين جموحِ الحرفِ وأحلامِ المساءِ، وأنتِ يا بيروتُ سألملمُكِ بين جفونِ الرّوحِ، وشرايين الفؤادِ، أنتِ كلمتي المبلَّلةُ برحيقِ الأقاحي، وأريجِ الأزاهيرِ الغافيةِ فوق شموخِ الجبالِ. ذاكرتي معجونةٌ بنسائمِ الشِّرقِ المنسابةِ فوقَ ملاعبِ الطُّفولةِ، وحبورِ الصّبا، ومدارجِ الشّبابِ، تنبعثُ القصيدةُ من ذاكرةِ العمرِ، من رحيقِ الأماني المندلقةِ من منعرجاتِ الحياةِ، الشَّعرُ طريقنا الأشهى لعناقِ الأرضِ وزرقةِ السَّماءِ، الكلمةُ روحُ القصيدةِ، هي الأبقى سطوعاً فوقَ طينِ الحياةِ!
ستوكهولم: 3. 7. 2019 صياغة أولى
16. 1. 2022 صياغة نهائيّة
صبري يوسف
أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق