نقّل بصره بين نتائج الكشوفات الطبيّة ومريضه المنهك الواهن، متذكّرا فلتات لسانه القديمة:
"كلُّ شيء عنده بغير حساب... دجاج يبيض... شياه لا تجفّ ضروعها... حتّى نساء أولاده يلدن كالأرانب ولا يجهضن... في سنِّ السّبعين يصعد النّخل كقرد فتّي. أمّا أنا فلا أستطيع حتّى المشي على الأرض..."
ابتسم الطّبيب في إشفاق…
"قلبك في صِحّة جيّدة، ولكنّه يحتاج إلى الحبّ!"
**
صفحة من حياتي
... ولذّ لي أن أمدّ رجلي إلى ذاك الذي يجلس أسفل منّي... ورأيته يلمّع الحذاء الموحل بحركة سريعة تهزّ كلّ شيء في بدنه. وبدا لي كأنّه يزيل أوحال الدّنيا عن حذائي. نظرت إلى يديه الملطّختين ببقع ملوّنة وإلى ثيابه التي تشبه الخرقة التي يعمل بها، فطافت بي مرارات قديمة... سحبت رِجلي قبل أن ينهي عمله، ونقدته حقّه، وغادرته وأنا أتأمّل يديّ فكانتا ما تزالان تحملان آثار البقع إيّاها...
**
عزيـــــــــــز قوم
وراء البحر...
جلس على الرّصيف بأسماله البالية وشعره المنفوش... كان يحملق في اللّاشيء وكأنّه ينظر في فراغ مظلم بلا نهاية. ربّما مازال عقله مشغولا بمخابره القديمة فلا تنفكّ عنه معادلاته العلميّة المعقّدة... لم يصدّق بعد أنّ بلاده ذات الشّوكة سقطت في يد المغول، وأنّه أخفى صفته خِشيةً على نفسه... شعر بجسم يقترب منه ويلقى في يده قطعة نقديّة زهيدة فدمعت عيناه...
**
قلبه الآخر
لا أصدّق أنّ هذا الذي أراه مغمورا في سائل طبّي بلا خفقات، هو الذي كان يتحّكم في كلّ شيء. وكنت أنا التي تعبث به وتجعله يركض لمرآي... وأتأمّل جفون حبيبي المنسدلة وأتساءل: هل مازلتُ سلطانة أحلامه؟
ودخل الطّبيب...
- كان يلهج باسمك.
- قبل العمليّة؟
- نعم.
- المهمّ ما بعدها؟
- ثقي بأنّكِ ساكنة قلبه الجديد، فالإنسان أكثر امتدادًا من أعضائه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق