الشَّاعر البديع والقس الفاضل جوزيف إيليَّا شاعرُ الكلمة الخلَّاقة، ابن "كهني مطِرْبِه"، القرية الوديعة المتعانقة بربوع براري ديريك، شاعرٌ مشبَّعٌ بمشاهدةِ الطَّبيعة النَّقيّة والبراري الفسيحة، منحته هذه الآفاق الرِّيفيّة رحابة فسيحة لخياله الشِّعري، انتقلَ إلى مدينةِ ديريك المحبوكة بطابعٍ ريفي، ترعرعَ الشّاعر جوزيف إيليا المجنّح نحو بهاء السَّلام والوئام بين البشر في بيئة ريفيّة وعائلة أدبيّة فنّيّة روحيّة مجنّحة نحوَ أصفى ينابيعِ الأدبِ والفنونِ؛ ابتداءً بالشِّعرِ والقصّة، مرورًا بالفنونِ المسرحيّة والتَّشكيليّة وسائر الأجناس الإبداعيّة، فاستحوذَ على آفاقِهِ بريقُ الشِّعرِ، وأصبحَ هاجسه الأكبر منذُ باكورةِ عمرِهِ. بدأ كتابة الشِّعر منذ أن كان على المقاعد الدِّراسيّة في الحلقة الإعداديّة والثَّانويّة مرورًا بالمرحلة الجامعيّة. قرأ الشّعر الكلاسيكي بكافّة مراحله وعصوره، والشِّعر المعاصر، ونهل من أمّهات الكتب الشِّعريّة أشهى ما في خصوبة الشِّعر من تجلِّيات الإبداع، وتلّمس برهافة شفيفة مسارات استيلادِ الشِّعر، فتشرَّب مذاق حبور ولادة الشِّعر، إلى أن غدا الشّعر وهجًا روحيًّا وشغفًا عميقًا يناغي ليله ونهاره، متوقِّفًا عند بحورِ العروض بإيقاعاتها المتنوّعة، فكتبَ الشِّعر العمودي وشعر التَّفعيلة، كما لديه عبور شفيف في كتابة قصيدة النّثر بين الحين والآخر، وإنْ كان الشِّعر العمودي والموزون شعفه الأكبر، كما توغّل رويدًا رويدًا في قراءة الكتب المقدّسة، وتابع شغفه الرُّوحي في قراءة اللّاهوت في جامعات القاهرة إلى أن حصل على اللّيسانس في اللَّاهوت. وفي العام (1993) رُسِمَ قسيسًا وتزوَّج ورزق بولد وابنتين. اصطبغ شعره بالأوجاع والألم والشَّوق إلى الوطن ومسقط الرّأس، ولم ينقطع عن قراءة الشِّعر وهاجس كتابة الشِّعر منذ أن أصيب بعشق الشِّعر حتّى الآن. لُحِّنتْ بعض قصائده كترنيمات وأغاني، ونشرت عبر الشَّبكة وقُدِّمَ بعضُها على مسارح ديريك وغيرها من المسارح. تهيمن على أشعاره رؤية روحانيّة صوفيّة إنسانيّة فسيحة في آفاق تطلُّعاته الإيمانيّة والإبداعيّة والفكريّة الَّتي تصبُّ في جوهرها في الإيمان الصَّافي والتَّنوير والتَّطوير الإنساني الخلَّاق! يتميَّز الشّاعر القس جوزيف إيليا بفضاءاته الجَامحة نحو حبورِ المحبّة والوئام بين البشر، يرسم حبق الرُّوح على إيقاعِ هديل اليمام في مسارات بوحِ القصائد، أشبه ما يكون شمعة فرحٍ تضيءُ ألقًا وسلامًا في دنيا مفخّخة بالضَّجر، بسمة أملٍ مشرعة على حنين الينابيع إلى خدودِ السَّماءِ، يكتبُ القصيدة كأنّه يناجي فراشات بشائر السَّلام والحلم الآتي، جاهدًا أن يبلِّلَ جبين المتعبين راحةً وأملًا من تفاقمِ شفير الاشتعال، هذا الشَّاعر القسِّيس مسكون بهلالاتِ قمرٍ، ينقشُ روعة الفراشات وهدهدات هديل اليمام، يناجي ويعظ نفسه قبل أن يعظَ الآخرين، شاعرٌ مسربلٌ ببهجة الكلمة المنسابة نحو صفوةِ مرافئ الإبداع. تتقاطع رؤاه مع وهجِ الحداثةِ رغم أنّه يكتب الشِّعر العمودي، وهذا ما يميِّز شعره العمودي عن سواه.
يرى الشّاعر أنَّ الكلمة هي الأبقى والأكثر سطوعًا على جبين الحياة، لا يبالي بسواطير هذا الزّمان؛ لأنّها ستهرُّ عاجلًا أم آجلًا أمام هلالات الكلمة الحق، الكلمة العدالة، الكلمة الوجود، الكلمة الحياة، الكلمة المحبّة؛ لأنَّ الكلمة أقوى بكثير من سواطير الكون. الكلمة عناقٌ عميق مع شهقةِ الصَّباح، الكلمة هي أجنحة اليمام المرفرفة عاليًا، الكلمة مفتاح العبور إلى أحضانِ مهجةِ السّماء، هي أريجُ أرضٍ مبرعمة بالاخضرار، هي محبّة وارفة في وجه بُلَهَاءِ هذا الزّمان، الكلمة قبلة خيرٍ مبلَّلة بأزاهيرِ الوئامِ، الكلمة هي سموُّ الرّوح نحو فراديس نور الحياة، الكلمة أسبق من الحياة؛ لأنّها روح الحياة، وهي أبقى في الحياة من سلاطين الكون على مرِّ الأزمان، هي وهجُ الخير المستنير على وجه الدّنيا إلى أبدِ الدُّهور.
يستمدُّ الشَّاعر شعره من وحي مهجة الرّوح التَّوّاقة إلى بسمة الأطفال، من رؤاه الصُّوفيّة المتعانقة مع روعةِ الحياة، من ثقافة مستنبتة من أزاهير المحبّة ووئام الإنسان مع أخيه الإنسان، من خيالٍ مجنَّحٍ نحو رفرفاتِ طيورٍ تحلِّقُ في فضاءاتِ زرقة السّماء. ينسج قصيدته كأنّه في رحلة حلميّة نحو اخضرار الكروم، شوقًا إلى أشهى العناقيد، يشعلُ شموعه مبتهلًا للأعالي على إيقاع حنين الرّوح، مُسربَلًا ببهجةٍ عارمة. تغمرُهُ حالات فرحيّة باذخة عندما يغوصُ في بزوغِ وميضِ القصيدة، كأنّه يترجم لنا حبورَ الأطفالِ في صباحِ العيدِ، وهم في حالةِ لهفةٍ عميقةٍ لإشعال قناديل السَّلام وهم يرتِّلون مزامير تجلِّيات الرّوح لرسول السَّلام والمحبّة، رسول الطّفولة المتعانقة مع زخّاتِ المطر. ينظرُ الشّاعرُ إلى بهجةِ الأطفالِ المرتسمةِ فوقَ محيّاهم النّضير، فيستوحي نصّه بانسيابيّة شفيفة من هذه الأجواءِ السّامية، كأنّهُ يطيرُ ألقًا في مرامي حلمٍ مفتوحٍ على مروجِ الحياةِ، مركّزًا على أزليّةِ اللهِ وخلودِ المحبّةِ، وكلّ ما عداها زائل وباطل الأباطيل.
يتوقَّفُ الشّاعرُ عندَ أهميّة تواصل البشر مع بعضِهم، بعيدًا عن لغةِ البغضِ والكراهيةِ وتناحرِ الصّراعات المريرة التي لا طائل منها، بل تقودنا إلى الدّمار والهلاك، لهذا نراه يركّز في شعره وتطلُّعات رؤاه على ضرورة التَّآخي مع الإنسان ومناصرته بغضِّ النّظرِ عن دينه ومذهبه وطائفته؛ فهو شاعر وقسيس منفتح على إنسانيّة الإنسان في رؤاه الفسيحة، ويدعو إلى الحوار الدِّيني الإنساني الخلّاق، مادام أنَّ الإله واحد، وهو خالق الإنسان والأرض والسّماء والجماد والكائنات كلّ الكائنات.
للأمِّ مكانة مقدّسة لدى الشّاعر، يكتب نصوصًا بمناسبة عيد الأم ويهديها لأمّه، وإلى جميع الأمّهات؛ لأنّه يعتبر أمّهات العالم بمثابة أمّه؛ لأنَّه ينظرُ إلى الأم كينبوعِ الحياة، ومن رحمها تتبرعمُ أغصانُ الحياة.
الشّاعر جوزيف إيليا، قسيس متنوِّر ومنفتح على كلِّ الأديان والطَّوائفِ والمذاهب والأقوام الّتي تقودنا إلى واحات الخير والمحبّة والعطاء الإنساني القويم، وهو شاعر بحق، ورجل دين بحق وحقيقة، وكم من مساجلة شعريّة وحوار ووعظات سمعته يركّز على الحوار الإنساني الخلّاق بين البشر. كم نحتاج في الوقت الرّاهن وفي كلِّ الأوقات، إلى هكذا قساوسة وشعراء وإلى كل مبدع من مبدعي العالم يحمل هكذا رؤية انفتاحيّة وئاميّة؛ كي يُسهِمُوا في تقريب وجهات نظر البشر إلى فيما بينهم؛ لفتح باب الحوار على آفاق المحبّة والسَّلام والإخاء على رحابة الكون، كما منحنا إيّاه رسول السَّلام، عبر الكلمة الطّيّبة مركّزين على روح التَّسامح والتَّعاون والتَّضامن ورفع راية الإخوة الإنسانيّة؛ كي نرتقي إلى مصاف إنسانيّة الإنسان الَّتي تعتبر أسّ الأسس الَّتي يجب أن نركّز عليها في رسالتنا وتوجّهاتنا وأهدافنا الحاليّة والقادمة على مستوى المعمورة؛ لأنَّ الإنسان هو جوهر الوجود وهدف الوجود، وعليه يتوقّف الكثير من المهام الّتي تقودنا إلى مرافئ الأمان والخير الوفير، وعلى هذه المناحي الخلّاقة يتوجَّب أن يسير المجتمع البشري؛ كي يحقِّقَ الأهداف المنشودة الَّتي رسمت معالمها منذ قرون كافّة الأديان والفلسفات والرُّؤى الحكيمة الَّتي كتبها مفكري وفلاسفة وأنبياء على مرِّ العصور، حيث تبيَّنَ أنَّ بعضَ البشر في الوقت الرّاهن قد زاغَوا عن الطَّريق القويم، ابتعدوا كثيرًا عن إنسانيّتهم وجوهرهم كبشر، ويبدو لي في الكثير من جغرافيات العالم أنَّ بعضَ البشر ازدادوا غوصًا في عوالمِ الشّرورِ والحروبِ والصِّراعاتِ الَّتي تقضي على حضارةِ الإنسانِ وإنسانيّة الإنسان ووجودِ الإنسان، في الوقت الّذي نحتاجُ فيه إلى أن نغوصَ عميقًا في مؤازرةِ بعضنا، كبشر ونؤسِّسُ رؤية إنسانيّة عميقة تتآلفُ مع تطلُّعاتِ وآفاقِ الأديان والمـــــذاهب والطَّوائف ومع رؤيةِ الإنسان المفــــكِّر والمتنوِّر لبناءِ مجتمعٍ إنساني يليقُ بنا كبشر في سائرِ أنحاءِ العالم، وهذا ما يدعــــو إليه الشَّاعر جوزيف إيليا، وما أدعو إليه منذ سنين من خلالِ نصوصي وكتاباتي مع بقيّة مبدعي ومبدعات العـــالم.
الصَّديق الشَّاعر القس الفاضل جوزيف إيليا، شاعر مدهش في تجلِّياتِ بوحِ القصائد، يركِّزُ الشّاعر على نشر ثقافة السَّلام والحب والفرح في أرجاء العالم؛ لأنَّ عالمنا مخلخل الأجنحة، وعلى جميع شعراء ومبدعي العالم أن يبلسموا جراحات الإنسان ويخفِّفوا من عذاباته بأقصى ما لديهم من رؤى خلّاقة!
أيّها الشّاعر الحاضر مثلَ رفرفاتِ الحمائم في ابتهالاتِ بوحِ القصيدة. تُشبهُ مطرًا نقيًّا تتهاطلُ ألقًا من مآقي السَّماءِ. تستلهمُ نصوصَك الشِّعريّة من تدفُّقاتِ مخيَّلة رهيفة، شفيفة، معبّقة بأشهى رحيقِ الشِّعرِ. تكتبُ في كلِّ آنٍ وحينٍ، كأنَّكَ مسكونٌ بالشِّعرِ والإبداعِ والانسيابيّة الطّافحة بجموحِ التّجلِّي. حرفُكَ ينسابُ مثلَ نسيمِ الصَّباحِ المندَّى بأبهى خيوطِ الحنينِ. كم أشعرُ يا صديقي بطاقاتك في انبعاثِ بوحِ القصائد، كأنّكَ تحلِّقُ فوقَ مهجةِ اللَّيلِ الحنون، وتجلّيات أحلامكَ الوارفة تنسابُ على مساحاتِ غربةٍ مفتوحةٍ على مدى شهقاتٍ شوقيّةٍ معتّقةٍ بسنينِ الخيرِ والبركةِ والحصادِ الوفيرِ. أشعرُ بفرحٍ وغبطةٍ عارمة عندما أقرأ قصائدَكَ المخضوضرة كأهازيجِ الرّبيع. هل تخضّبتْ كينونَتُكَ ببهاءِ الرّبيعِ ونقاوةِ المطرِ، وأغصانِ الزّيتون، وعناقيد الدّاليات المتدلّية فوق مذاقِ الأحلامِ الفسيحة، الممتدّة على مساحات كروم ديريك وبراري قرية "كهني مطربه" مسقط الرّأس؛ كي تتلألأ بهذهِ الحفاوة السّامقة كأشجارِ المحبّة؟ أراكَ شاعرًا مجبولًا حرفه بحليبِ السَّنابل. تكتبُ قصائد موزونة بعيارِ الذّهبِ الصّافي، قصائدُك تحاكي الرُّوحَ والقلب والوئامَ والذَّاكرة المحبوكة بالطُّفولة والماضي البعيد والقريب والخيال المكتنز بأسئلة متهاطلة من حفاوةِ المطر.
ستوكهولم: (2017) صياغة أولى
(2019). صياغة نهائيّة
صبري يوسف
أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق