يخوض لبنان معركة التغيير والتجدد في الحياة السياسية من خلال الانتخابات النيابية التي أُنجزت في بلدان الانتشار اللبناني، وتجري على كافة الأراضي اللبنانية (15 دائرة انتخابية) يوم الأحد في 15 أيار (مايو) الجاري.
بعد الأزمات الحادّة التي يواجهها لبنان ماليًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وبعد انهيار العملة اللبنانية يجد اللبنانيون "مخرجًا" للتغيير والانتقام لأنفسهم من أداء الطبقة السياسية الحالية التي تتحكم بالبلاد والعباد منذ أكثر من ثلاثين عامًا، ومن إداء "حزب الله" الذي يُعتبر ليس فقط فاسدًا، بل أيضًا حاميًا للفاسدين والمهرّبين وسارقي أموال الناس في المصارف اللبنانية.
يأمل اللبنانيون أن تتوّج الانتخابات النيابية بتغيير حقيقي، وليس بإعادة إحياء الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد الى ما يشبه "جهنّم". أما إذا جدّد اللبنانيون للطغمة الحاكمة، فذلك يعني أن أحدًا من هؤلاء لم يتعلّم شيئًا، وان ممارسات السياسيين من "البلطجيّة" ستستمر. عندها يكون الناخبون اللبنانيون مسؤولون عما اقترفت أياديهم من آثام بتجديد دعمهم لسياسيين أوصلوا البلاد الى هذا الانهيار الكبير!
"معركة التغيير" في لبنان ليست مجرد كلمة. هي ممارسة في اختيار مرشحين جدّيين ملتزمين بقضايا الناس والوطن، يعملون على انتشال لبنان من براثن الإفلاس والانهيار، وانتشال اللبنانيين من القعر الذي وصلوا اليه على كل صعيد.
وقد انعقد الأسبوع الماضي في العاصمة الأميركية واشنطن "مؤتمر لجنة التنسيق اللبنانية – الأميركية" للعمل على إنقاذ لبنان واجتراح السبل الآيلة لتحقيق ذلك. وقد أعرب الدكتور فيليب سالم، أحد المشاركين الأساسيين في المؤتمر، في حديث لـ"العرب" بأن ما "نشهده" من تجاوزات عشيّة الانتخابات النيابية في لبنان غير مُستغرب بل هو أحد مظاهر انهيار الدولة اللبنانية. ووجّه سالم عبر "العرب" نداءً الى الناخبين في لبنان والانتشار قائلاً: "لا تصوّتوا ولا تختاروا أيًّا من الذين أذلّوا لبنان وأوصلوه عبر سياساتهم الفاسدة الى الحضيض". وأكد سالم أن "الأمل موجود ولن ندع أحدًا يوصل اللبنانيين الى الإحباط"...
وتوجّه سالم الى "الثوار الحقيقيين" برسالة تقول: أياكم والإحباط! فبالإدارة والمثابرة والتصميم سنصل". ان الثورة التي أؤمن بها ليست فقط قضية الانتخابات. الانتخابات هي خطوة أولى ولكن الثورة هي مسار وحالة نفسية موجودة في عقل وقلب كل لبناني يؤمن بحرية واستقلال بلده، وهي ربما تحتاج الى سنوات لتقطف ثمارها.
ووصف الدكتور سالم عهد رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون بأنه "عهد حزب الله". وعما ينتظر لبنان بعد انتهاء العهد الحالي في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل (بعد أشهر قليلة)، قال: "إذا كان سيأتي رئيس مثل الرئيس عون ويعطي صلاحية ضخمة لحزب الله، فيعني أن لبنان سيبقى في جهنّم. ولذلك نحن نعمل لنغيّر هذا المسار".
ويرى سالم أن مأساة لبنان هي في جغرافيته، فهو مصلوب في الشرق بين سوريا وإسرائيل والبحر الأبيض المتوسط، ووحده البحر يعانقه بمحبة. وقد اقترح على الإدارة الأميركية في مفاوضاتها مع ايران في العاصمة النمساوية (فيينا) أن تعمل لتوقف التمدّد الإيراني في الشرق العربي وفي لبنان واليمن والعراق وسوريا خاصة. ويشدّد سالم على أن "الحياد الفاعل" هو المدخل الأساسي لقيامة لبنان. ويستحضر زيارة البابا يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار (مايو) 1997 حين أعلن أن "لبنان أكثر من وطن، إنه رسالة الى العالم".
لكن ما هي هذه الرسالة وما مغزاها؟ هنا يجيب سالم بالقول "إنها رسالة التعايش بين الأديان والثقافات المتعدّدة... إن لبنان في الشرق العربي هو نموذج للتعددية الحضارية ونموذج لقيم الغرب". وهنا يدعو سالم الولايات المتحدة ودول الغرب ودول الخليج العربي ان تساند لبنان لإنتشاله من محنته الراهنة وان لا يتركوا لبنان يذبل وينهار ويموت، لأن من مصلحة هذه الدول إعادة لبنان الى الحياة ليبقى موئلاً للحرية والديموقراطية بعدما فَقَدَ اليوم كل مقومات التقدم، على كل الصعد خاصة الاقتصادية والتربوية والاستشفائية...
في محاضرة الدكتور سالم خلال مؤتمر لجنة التنسيق اللبنانية الأميركية في واشنطن، دعوة لأخراج لبنان من الهاوية، وإعادة لبنان الى الحياة، وذلك عبر تحقيق هدفين أساسيين:
الأول: إحياء الثورة ودعمها بقوة في لبنان. هي عملية طويلة قد تستغرق سنوات لتحقيق أهدافها، وبالتالي يجب أن تكون لدينا استراتيجية طويلة المدى. كما يجب التوضيح بأن الثورة ليست الضوضاء التي تُحدِثُها في الشوارع. إنها الغضب والالتزام بالتغيير في قلوب وعقول اللبنانيين. يجب علينا تطوير فلسفة سياسية جديدة. على الثورة أن تهدم الحدود بين الأديان، وان تسحق دور الزعيم. الولاء للمذهب الديني والزعيم أفسد هذا البلد الجميل. يجب أن نوقف هذه المذبحة.
الثاني: الثورة وحدها ضرورة لكنها لا تكفي. نحن بحاجة الى مساعدة دولية. يجب أن نعرض قضية لبنان على الأمم المتحدة ونطلب عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان لتحقيق ضمان سيادته وترسيخ حياده، إضافة الى خطّة للأنقاذ الاقتصادي في لبنان.
هذا بعض ما طرحه البروفسور سالم في المؤتمر، ولاقاه في طرحه عدد آخر من المشاركين في هذا المؤتمر الدولي الذي ناقش معظم الظروف التي مرّ بها لبنان والحلول السياسية والاقتصادية المطروحة لمعالجة أزمته الكبيرة والخطيرة.
"التغيير" في لبنان هي الكلمة السحرية التي يدعو اللبنانيون الى الوصول اليها... التغيير الحقيقي في الانتخابات النيابية المقبلة خلال أيام، هو الخطوة الأساسية الأولى لقيام وطنٍ جديد يحترم مواطنيه الذين يتدفقون على أبواب السفارات الأجنبية يستجدون "فيزا" للخروج من جهنم الحياة اللبنانية التي كانت، فيما مضى، نموذجًا للعيش الرغيد الهانئ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق