حُسْني ٱلحفيد وحُسْني ٱلجدّ/سيدو، والمغلّف البنّيّ/ ترجمة حسيب شحادة



Ḥusni the Grandson, Ḥusni the Grandfather/Sido

 and the Brown Envelope


جامعة هلسنكي


في ما يلي ترجمة عربيّة لما كتبه بالعبريّة الصديق السامريّ، حُسْني راضي الأمين صدقة، المولود في نابلس في العام 1946، والمقيم في مدينة حولون بالقرب من تل أبيب، في الدوريّة السامريّة أ. ب. - أخبار السامرة، في العددين 1369-1370، ص. 16–18، عمّا جرى له مع جدّه، أبي والدته، حُسْني (يِفِتْ) بن إبراهيم صدقة الصباحي المشهور بالكُنية سيدو، 1895–1982. سيدو خلّف ابنين وخمس بنات، وكان رئيس الطائفة السامريّة في إسرائيل، يافا فحولون، وربطته علاقة صداقة متينة بيتسحاك بن تسڤي (1884–1963, الرئيس  الثاني لدولة إسرائيل)، الذي سكن عنده في بيته في يافا إثر قدومه إلى فلسطين في العام 1907 وتعلّم العربيّة على يديه وبدأ اهتمامه بالسامريّن. 

”ذاتَ يوم صافٍ، قرّرتُ أن أُبدِّل سيّارتي NSU الصغيرة بسيّارة أكبرَ بقليل، لأنّ عائلتي أخذت بالنماء، والحمد لله. دأبتُ على زيارة سيدو في بيته كلّ يوم بعد العمل، والمكوث عنده نصف ساعة وأحيانًا ساعة وأكثر. هذا كان روتينيًّا بالنسبة لي. حييتُ دومًا بشعور أنّني مَدين لهذا الرجل طَوالَ عمري، لما كان يرمز لي أكثر بكثير من مجرّد جدّ آخر، لما كلّ ما عمِله من أجلي في الحياة. إنّه أنقذني من الموت، عندما كنت طفلًا، وبفضله لم أُصَب بعاهة مدى الحياة، وذلك لعناده وإيمانه العظيم بعظمة الله.

في اليوم الذي بعتُ فيه سيّارتي، وابتعتُ مركبةً أكبر، لم يتسنَّ لي بسبب ذلك زيارةُ سيدو كالعادة. في اليوم التالي، حينما زرته ٱستقبلني قائلًا ”مبروك“! سمعتُ أنّك اشتريتَ سيّارة، وكلّفتك كذا وكذا، ذاكرًا بالضبط ثمن السيّارة. ذُهلتُ من معرفته كلّ التفاصيل، فلا أحدَ على عِلم بها سوى زوجتي ليلي، ووالدتي باتيه. وأردف سيدو مستفسرًا: من أين جلبتَ الفرق في السعر؟ بعتَ سيّارتك بكذا وكذا ودفعت كذا وكذا ذاكرًا أرقامًا دقيقة“. لقد ذُهلتُ حقًّا ممّا قاله. ظننتُ بيني وبين نفسي أنّ إحدى الامرأتين قد أخبرته، إلّا أنّهما أقسمتا بأنّهما لم تُفصحا عن شيء. وبعد أن ٱستعدتُ قواي قلتُ له: أنا أعمل ووفّرت قليلًا، وأبي وأمّي ساعداني؛ الحقّ يقال إنّ ما قلته غير صحيح. أجابني للتوّ: لا تقل لي إنّ أباك ساعدك فأنا أعلم أنّه غير قادر على ذلك، وكذلك أمّك القائمة بأعمال البيت.

في الواقع، حينَها أخذتُ قِرضًا من البنك بمبلغ غير يسير، وهو الفرق بين الثمنين. وعندها فاجأني، فقال لي بوضوح وحزْم، مشيرًا بإصبعه نحو الخِزانة في الغرفة: هنالك مغلّفٌ بنّيٌّ خذه واذهب“. لم أقبل بالطبع ووليتُ هاربًا من بيته.  في اليوم التالي، ذهبت إلى العمل حزينًا مكتئبا، كأنّي أهنتُ سيدو وهو بالنسبة لي شخصٌ خاصّ وليس أحد الناس، لأنّي لم آخذِ المال الذي عرضه عليّ. ولكنّي كنت مرتاحَ الضمير لأنّي اتّخذت الخطوة الصحيحة. في المساء، عُدتُ من العمل إلى البيت وزوجتي كانت في إجازة ولادة (ولادة الابن البكر تَمير). وعندما هممتُ وضع مفاتيح سيّارتي في جارور طاولتي، وإذا بمغلّف سُرعان ما تبيّن لي، بأنّه نفس المغلّف الذي أراد سيدو البارحةَ إعطاءه لي وهربت. توجّهتُ نحوَ زوجتي وسألتها، في ما إذا جاء أحدٌ لزيارتها خلال اليوم. أجابتني: سيدو فقط كان هنا. أتى ليرى الولد. سألتها: هل كنتِ معه طولَ الوقت؟ قطعًا، ردّت عليّ مضيفةً ”فقط عند منتصف جلوسه طلب أن أعدّ له فنجان قهوة، وهو حتّى جلس في مدخل المطبخ“. حضّرتُ له وهو غادر وحتّى في النهاية لم يشربِ القهوة.

سألتها: أتعرفينَ ماذا فعل عندما حضّرتِ القهوة؟ قالت لي: لاحظتُ وانتبهت أنّه لم يتحرّك من محلّه. إذن، قلت لها، إنّك لم تتابعيه وأوضحتُ لها بأنّ سيدو لا يشرب القهوة البتّةَ، ولذلك قام وذهب بدون أن يشرب. ناولتُ ليلي المغلّفَ البنّيّ الذي بداخله مبلغ لا يُستهان به وعَدّتِ المبلغ. قلتُ لها، هذا هو المغلّف الذي حدّثتُكِ عنه البارحةَ وكان في منزل سيدو. 

ارتجفت زوجتي وقالت لي: لا يطيب لنا أن نأخذ منه، إذ ليس لديه، وها هو طاعن في السن ومن أين يجلب؟ خذِ المغلّف وأعده إلى نفس الجارور عنده في البيت، بدون أن يشعُر بذلك. وضعتُ المغلّف بجيبي، وصعدت كعادتي للزيارة اليوميّة. وحال دخولي من بوّابة الحديقة (كان ثمّة معبر ضيّق يؤدّي إلى فتحة الشرفة التي اعتاد الجلوس فيها). أوّل ما قال لي: لماذا جيبُك منتفخ؟ أجبتُ لا شيء! فقال لي فورًا، إذا أحضرتَ المغلّف الذي وضعته لك اليومَ في الجارور، فانصرف به من بيتي. تقدّم إليّ وصفعني صفعتين، وأنّبني بشدّة، وقد ذهب بعيدًا عندما قال: إن تُعِد لي المغلّفَ، فإنّي سأدع كلَّ أولادي وأحفادي يُقْسمون بألّا يسمحوا لك أن تراني يومَ موتي على وجه الأرض. هنا طفح الكيل بالنسبة لي، إذ كما أشرتُ سابقًا، كان سيدو بالنسبة لي الشخص والمثال الذي يُحتذى به في حياتي.

قلتُ له ولكن يا سيدو أنتَ …، لم يدعْنى أُكمل، بل أنزل عليّ صاعقة: لماذا أنتَ تساعدني دائمًا في كلّ شيء، في الحانوت، في البلديّة، بشركة الكهرباء وفي أُمور أُخرى؟ جاوبته: ولكن سيدو ما قيمة ما فعلته أنا من أجلك مقارنة بما فعلته أنت  وكرّستَ من أجلي؟ أنهى سيدو المحادثة قائلًا: اِمشِ في سبيلك قبل أن يحتدم غضبي! أطرقت رأسي وعدتُ إلى البيت لأحكي لزوجتي التي تابعت في الضغط عليّ، هذا لا يجوز، اِذهب وأعد المغلّف. قلت لها: إذا كنتِ بطلةً إلى هذا الحدّ، روحي أنت وأرجعيه، فلا مانع أو إشكال عندي. من المفروغ منه أنّها لم تذهب بعد أنِ ٱستمعت ما فعله فيّ، حينما أردت إعادة المغلّف. وعليه، في اليوم التالي، أخذتُ المبلغَ وسددت القَرْض البنكيّ الذي تسلّمته قبل يومين.

هذه القصّة برُمّتها أتت لتجسّد أكثر فأكثر، من كان حقًّا ذلك الرجل. كم كانت عظمتُه وفي الواقع أفضليّته على آخرين كثيرين. المالُ لم يلعبْ عنده أيَّ دور قطّ. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق