زائرة الفجر
وحدي في الطّريق. لا أنيس لي إلّا رعبي... تعترضني كعادتها بعينين في لون الدّم وبأنياب تقطر موتا... يعصرني الرّعب وأنا أراها تنقضّ عليّ فأصرخ صرخة مريرة تمزّق سكون اللّيل...
تهرع إليّ أمّي أوّلا. ثمّ تتقاطر العائلة على فراشي.. العيون جميعها تمسح وجهي المخطوف وجسمي المرتجف... يفتح أبي النّافذة فيغمرنا هواء الفجر ويرسل نظرة إلى السّماء ويغمغم:
"هي... مرّة أخرى!"
فوق الحِسّ
- أنتَ صانعُ أوهام!
- حتّى وإن أتيتك بدليل؟
- أتحدّاك. هاته.
وأغمض عينيه وراح يهمهم بكلمات غامضة وحبّات السّبحة تتساقط بين أصابعه المختّمة بالذّهب...هممت بالكلام لكنّه أشار بالصّمت...
- سآتيك بشيء من بيتك. انوِهِ ولا تُخبرني!
وأمرني بإغماض عينيّ وصفّق تصفيقة واحدة...
- ما قولك؟
أخذني الذّهول...
- أليس هذا لك!؟
سلالة الأغبياء
أفرك عينيّ غير مصدّق ما أرى. إنّه جلّادي الذي كان يضرب وجهي بالسّوط ويسرق عرقي وخبزي. وها هو الآن يبدل جلده كالأفعى فيبدو غاية في النّعومة... وتهتزّ القاعة بالتّصفيق والهتاف كالأمس المنصرم وهو يخطب خطبة رنّانة...
أصرخ: "لا يغرنّكم قناعه. إنّه الذي ثُرتم عليه!
ويكثر اللّغط من حولي، وتنقلب القاعة عليّ، ولا أدري كيف امتدّت أيديهم إلى خِصيتيّ!
ماء وسُكّر
ترمي الشّمس بآخر قبضة من ذهبها على الواحة ويرتفع خرير السّاقية مختلطا بطقطقة الجمر وأزيز الشّواء...
- لولا القيشم* !!!
قال آخر بعد أن تجرّع طاسه دفعة واحدة وأعقبه بمضغة من لحم الكلب.
- اصدقني القول يا صاحبي.
- في صديقتك. لقد سألتني.
- سأتزوّجها.
- أجننت. تتزوّج عاهرة!
- هي والله أشرف منكم...
وقذفه بالطّاس على وجهه...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*القيشم: خمر يصنع من اللّاقمي وهو سائل يخرج من جمّار النخلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق