هل يعود جيش دولة الكيان الى ما قبل النكبة؟/ راسم عبيدات



تكثر التخوفات والقلق والأحاديث  الصادرة عن قادة وسياسيين  من دولة الكيان، ان الحكومة قيد التشكل لدولة الكيان،طبيعة سلوكها وتصرفاتها قد تؤدي الى حدوث تفكك في جيش دولة الكيان وتشققات وتصدعات فيه ،وقد عبر عن ذلك رئيس اركان جيش الكيان السابق وعضو الكنيست غادي ايزنكوت...حيث ظهرت حالات من التمرد ورفض الأوامر،من قبل الجنود وقالوا بان بن غفير قادم وهو سيكون صاحب اعطاء الأوامر،دلالة على سطوة الجيش وتدخله في القرار السياسي،وقبل الغوص في التحليل، لا بد من التاكيد على معطيات هامة ،ومفيدة في عملية التحليل،من طراز ان 30% من جيش دولة الكيان صوتوا لصالح القوة اليهودية،أي لبن غفير وزعرانه وأنصاره،دلالة كبرى على التحول في دولة الكيان من دولة يهودية الى دولة شريعة،وعلى انتقال الصهيونية الدينية من اطراف المشروع الصهيوني الى قلبه،وهذا يعني بان جماعة الكهانية اليهودية والجماعات التلمودية والتوراتية بأتت تتحكم في مفاصل القرار السياسي لدولة الكيان،بعد تفكك وتفتت الأحزاب الكبرى،حيث حزب العمل المؤسس لدولة الكيان ومشروعها الصهيوني،بالكاد تجاوز نسبة الحسم،في حين حزب ميرتس وقوى وسط اليسار، اضحت احزاب هامشية،خارج إطار الصراع على السلطة ،وكذلك هذه الأحزاب والجماعات الكاهانية باتت تتحكم في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بقاء وسقوطاً.

ويبدو واضحاً بأن الإئتلاف الحكومي قيد التشكل سيؤثر على الجيش ولا سيما مع  اعطاء صلاحيات امنية واسعة لبن غفير وسموتريتش،فالأول سيصبح مسؤولاً عن قوات حرس الحدود المكونة من 12 سرية في الضفة الغربية،ونزع المسؤولية عنها من الجيش،وكذلك تشكيل جيش خاص لبن غفير من المتقاعدين وزعران المستوطنين ما يعرف بالحرس الوطني،في حين سموترتيش سيتولى المسؤولية عن الإستيطان في الضفة الغربية،ومصادرة صلاحيات الإدارة المدنية عن كل ما يتعلق بالبناء والتخطيط في الضفة الغربية ومراقبة الأبنية،وتحديداً في مناطق "سي".

إعطاء صلاحيات حرس الحدود بالضفة لـ "بن غفير" يعتبر أول تأثير على وزارة الجيش. فهذا الأمر سيُحدث تداخل في الصلاحيات وتضارب في نشاطات جيش الاحتلال وحرس الحدود لأن كل مؤسسة لها مرجعية مختلفة. فالجيش سيزداد حقداً وتطرفاً تجاه الفلسطينيين أكثر من السابق لأنه بات يركن أنه له ظهر يحميه من الصهيونية اليهودية.. وكذلك الجمعات الاستيطانية والمتطرفة ستزيد من وتيرة اعتداءاتها ضد الفلسطينيين لأنها تعلم أن لديها وزراء في الكنيست يقفون خلفهم..   لا شك بأن شكل الحكومة الإسرائيلية القادمة سيترك تأثيراته  السلبية العميقة على وحدة المجتمع الصهيوني ، وكذلك على "هوية دولة الكيان" واعادة تعريف اليهودي ،ناهيك عن العديد من القضايا  الأمنية الإستراتيجية،التي اجل عمداً الأباء والمؤسسين للحركة الصهيونية حسمها،حتى لا تحدث تصدعات وتشققات  تلقي بظلالها على وحدة الكيان الصهيوني المتبلور.

أن بوتقة الصهر لكل المجتمع الإسرائيلي هو الجيش ويوجد بداخله كافة الطوائف، أن كل من يدخل الجيش ينتمي له بالكامل. والجيش الإسرائيلي مرفع عن المشاكل الحزبية ومن يحكم بداخله المهنية فقط، الكثير من المنتمين لليمين الصهيوني المتطرف وصلوا لأماكن قيادية في الجيش وهذا الأمر قد يؤدي لانقسام مستقبلي بداخله.

بن غوريون المؤسس الفعلي للكيان،واول رئيس وزراء له،رأى ان الهوية الجامعة والموحدة لكل سكان دولة الكيان تقوم على نظرية "بوتقة الصهر"،وهذه البوتقة يشترط تحقيقها مجموعة من الأدوات،يقف في مقدمتها الجيش،مدركاً اهمية اقامة جيش عسكري واحد موحد يمثل  دولة الكيان،بديل للجيش العصابات الصهيونية الذي ساد قبل نكبة شعبنا الفلسطيني عام 1948،عصابات الهاغانا والأرجون وشتيرن والايتسل والبلماخ ذراع النخبة للهاجانا.

وبن غوريون أطلق على هذا الجيش اسم "جيش الشعب"  لأهمية دوره في تشكيل الهوية الجديدة من خلال تحويله الى نقطة التقاء الكل اليهودي الصهيوني  خلال الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش.وضمن هذه الرؤيا والقناعة لم يتردد بن غوريون بعد مضي وقت قصير على إقامة دولة الكيان  على اتخاذ قرار بحل كل التشكيلات والعصابات الصهيونية ودمجها في الجيش الناشيء،وفي سبيل تكريس احتكار السلاح والعسكرة في يد الجيش لم يتورع عن اغراق السفينة "التلينا" التي كانت تهرب السلاح لعصابات ايتسل في 23/6/ 1948،وعندما رفض القائمين عليها تسليم السلاح للجيش،أمر بقصفها،حيث قتل 16 عنصر من طاقمها و3 من جنود الكيان.

الأداة الثانية التي اعتمد عليها بن غوريون ضمن ما يعرف بنظريته "بوتقة الصهر" النظام التعليمي،لما له من دور مهم في صنع الهوية الإسرائيلية،والأهم تعزيز الرواية الصهيونية التاريخية التلمودية الكاذبة،ولذلك نشهد في مدينة القدس،هجمة على المنهاج الفلسطيني،بغرض إزاحته وإستبداله بالمنهاج الإسرائيلي،لتكريس الرواية الصهيونية المزيفة،والسعي ل"كي" وعي شعبنا وطلابنا،والسيطرة على ذاكرتهم الجمعية،لتحقيق مقولة بن غوريون "كبارنا يموتون وصغارنا ينسون".

ولذلك أقرت الكنيست عام 1953،قانون أساس التعليم الإسرائيلي،لإنهاء حالة الشرذمة في المناهج التعليمية الرسمية في دولة الإحتلال.

الأباء المؤسسون للكيان من علمانيون عماليون الى علمانيون يمينيين،عملوا من أجل خلق قاسم مشترك من الكراهية تجاه شعبنا الفلسطيني خاصة وأمتنا العربية عامة،وبما يوحد الفسيفساء الإسرائيلية داخلياً من خلال صنع التهديد المشرك.

بوتقة الصهر" نتيجة جملة التطورات والتغيرات السياسية والإجتماعية والإقتصادية،والإنزياحات التي تشهدنا دولة الكيان منذ عام 1996 نحو اليمين والتطرف،وما نشهده حالياً من تحول الكيان من دولة يهودية الى دولة شريعة  باتت استراتيجية "بوتقة الصهر" أمام تحديات جدية وجذرية،ولعل شكل الحكومة القادمة للكيان قيد التشكل من اليمين المتطرف والكهانية اليهودية،تأثيراته السلبية الكبرى لن تمس فقط بمنظومة التعليم والنسيج الإجتماعي،تأثيراتها الكبرى ستتركز على مؤسسات الحكم وكيانيتها في دولة الكيان،وفي المقدمة منها المؤسسة العسكرية والجيش.فنحن على ثقة بأن مفهوم احتكارها للقوة العسكرية في " اسرائيل بات يتراجع،وبما يجعل الطريق معبدة نحو العودة بتلك المؤسسة وذلك الجيش الى ما قبل نكبة شعبنا وقيام دولة الإحتلال،فبن غفير سيشكل له عصابات خاصة ومليشيات في الضفة الغربية،بمسؤوليته عن حرس الحدود،وضمن القانون وليس بالخروج عليه،كما حال عصابات الإرهابي مائير كهانا ،او مجموعات "تدفيع الثمن " و"شبيبة التلال"،وسموتريتش ستنقل له صلاحيات الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية من "الجيش" إلى وزارة المالية التي يطالب بتوليها، ليكسر احتكار سيادة "الجيش" الإسرائيلي على ملف الاستيطان والتعامل مع الجبهة الفلسطينية الأهم في الصراع.

هذه المخاطر الحقيقة على الجيش والمؤسسة العسكرية ومنظومة التعليم والنسيج الإجتماعي دفعت برئيس أركان جيش الكيان السابق وعضو الكنيست غادي ايزنكوت للقول بمقابلة مع موقع "واي نت" الإخباري العبري "إذا أضر نتنياهو بالمصالح الوطنية لدولة إسرائيل، وإذا أضر بالديمقراطية الإسرائيلية، وتعليم الدولة، والجيش الإسرائيلي باعتباره جيش الشعب، فإن طريقة التعامل معه هي إخراج مليون شخص إلى الشوارع، وسأكون من بينهم".

أما رئيس وزراء الحكومة المنتهية ولايته لبيد، فقد وجه رسالة لرؤساء السلطات المحلية - دعاهم فيها إلى عدم التعاون مع عضو الكنيست آفي ماعوز في مجالات التعليم - والحادث في الخليل،وماعوز قال بأنه سيعمل على إلغاء موكب فخر المثليين في القدس، والذي وصفه بأنه "موكب فاحش".

كل هذه التطورات والمتغيرات تجعلنا نقول ،بأن "بوتقة الصهر" في دولة الكيان وخاصة ما يتعلق بالمؤسسة العسكرية وجيش الكيان،تنبىء ،بعودة هذا الجيش الى ما قبل نكبة شعبنا،  عصابات ومليشيات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق