د."بهيّة"أبو حمد وصالونها الأدبي "البهيّ"من منظور العلاقة الجدلية بين الأمكنة وشاغليها!/ د. مصطفى الحلوة



كتب كبير شعراء المُغترَب الأسترالي الصديق شربل بعيني، على صفحته(الفايسبوك 30/12/2022)، موصّفًا، بإعجاب إلى حدّ الدهشة والذهول، صالون صديقتنا الأدبي العزيزة الكاتبة بالعدل والأديبة الشاعرة بهيّة أبو حمد، الذي أُقيم فيه حفلٌ تأبيني لروح نقيب شعراء الزجل اللبناني المرحوم جورج أبو أنطون. وممّا جاء في توصيفه:"عام 2016 إفتتح نقيب شعراء الزجل اللبناني الراحل صالون د.بهية أبو حمد، بحلّته القديمة. وفي آخر يومين من عام 2022، أي بعد وفاته بأربعة أيام، أُفتُتِح، بحلّته الجديدة، بحفل رثاء، أُقيم لتخليده والتعبير عن امتنان جمعية إنماء الشعر والتراث لرحلته الزجليةالعامرة". وفي توصيف ذلك الصالون "البهيّ"، يُتابع الشاعر بعيني:"حِلّةُ الصالون أدهشتنا جميعًا(..) والحقّ أقول، هو تحفة فنّية رائعة، جمعت بين فنون العصور كافة: العربي، البيزنطي، الأندلسي، الايطالي، والفينيقي وغيرها، لدرجة تحتار معها أين تنظر! وبعد انتهاء حفل التأبين، الذي شارك فيه كبار الشعراء، المغتربين والمقيمين، ورعته وزارة الثقافة اللبنانية، بالاشتراك مع نقابة الزجل، أعلنت د.أبو حمد أنّ الصالون سيكون جاهزًا تمامًا، بعد أسبوعين، لاستخدامه مجّانًا من قِبل الشعراء والأدباء والفنانين وسواهم"

...إذْ نترحّم على النقيب أبو أنطون، لما له من أيادٍ بِيْض في تعزيز دور الزجل اللبناني، في لبنان المُقيم ولبنان المغترِب، فإنّ ما يعنينا تعليل تلك الدهشة، التي استبدّت بالصديق شربل بعيني بإزاء ذلك الصالون، الذي سيُمثّلُ مَعْلمًا لحراك نوعي، على الصعيد الأدبي والفكري والفنّي والاجتماعي".

في هذا المجال، فإنّ ما ينبغي التوقّف عنده تلك العلاقة الجدلية بين البشر والأمكنة المختلفة التي تضمّهم، إذْ هي علاقةٌ تفاعلية ، وبالاتجاهين المتعاكسين. فبقدر ما يحمل شاغلو الأمكنة سِمات هذه الأخيرة، فهم يخلعون على الأمكنة ما يختزنون من قِيم وسِمات فكرية وثقافية وحضارية. هكذا فإنّ سكّان الصحارى، في العصور القديمة، دأبوا على الارتحال، من مكان إلى آخر، سعيًا وراء الماء والكلأ. كانت الخيام سكناهم، يحزمونها على ظهور الإبل، ويعيدون نصبها، في مسيرهم، الذي لا أُفق له،  نُشدانًا للأمان، بمختلف أشكاله. كانت الخيمة، لدى البدوى، ذات وظيفة محدّدة، لا تتعدّى الإقامة والمبيت. ولم يكن ثمة عناية بالمقتنيات و"الأثاث". وبكلمة، كان كلّ مكان لديه يُشكّل محطّة للإنتقال إلى مكان آخر، وهكذا دواليك! 

في المقلب الآخر من المسألة، نرى أنّ من سلكوا سبيل المدنيّة من البشر، كانوا إلى جانب اهتمامهم بالفن المعماري، بما يخصّ أماكن سكنهم ومعابدهم ومنشآتهم العمرانية  الأخرى، يُعيرون اهتمامًا أيضًا لتزيين بيوتهم لتغدو في أجمل حِلّة. وكانوا يستدخلون إليها فنونًا شتّى، من النحت، والرسم، إلى الحفر على الخشب وسوى ذلك من عناصر تجميلية. وبذا ينمّون عن مستوى من الذوق رفيع.

إسقاطًا لمعادلتنا المركزية، أي خطاب البشر/الأمكنة، على د."بهية"، وعلى صالونها الأدبي"البهيّ"، فهي، عبر هذا الصالون، استحضرت مختلف الحضارات، من عربية، وبيزنطية، وأندلسية، وإيطالية، وفينيقية وسواها، بحيث جسّدتها في مشهديات، بل آيات رائعات، احتلّت جدرانه وسقفه وأروقته وأرضه. وقد نمّت "البهيّة"عن ذوق راقٍ، لم يأتِ من فراغ. ويكفي أن نستعرض لمامًا ما تتمتّع به من كفاءات متعدّدة، فهي مجامية حائزة دكتوراه في القانون، وتمارس مهنة الكتابة بالعدل، وهي تتقن العربية والإنكليزية والفرنسية بطلاقة، وتكتب بها ثلاثتها بأسلوب رفيع. وقد وفّرت لها اللغتان الأخيرتان الاطلاع على نتاج حضارتيهما من قرب. علمًا أنّ إتقان كل لغة تمنح الإنسان شخصية أُخرى مُضافة! وإلى ذلك، فهي حائزة جائزة الملكة اليزابيث الثانية. وقد تمَّ تكريمها في العام 2022 من قِبل "مجلس السفراء العرب في كانبيرا"، لدورها في تعزيز التراث الثقافي العربي في استراليا.كما أنّ لها نتاجًا أدبيًّا، في عِداده كتابها النقدي، حول الأديب شربل بعيني، عنوانه:"شربل بعيني منارة الحرف"، وقّعته في لبنان ومصر، في العام 2019. كما أنّها بصدد توقيع كتاب في لبنان، بعد شهرين، ينتمي إلى الكتابة الابداعية، عنوانه "رحيق الورود"، وقد شرُفنا بوضع مقدّمة مُسهبة له. وهي رئيسة"جمعية إنماء الشعر والتراث" في سيدني. علمًا أنّ للدكتورة بهيّة كتابات قانونية، تسعى إلى إصدارها في آتٍ قريب!

بكل هذه الصفات، ذات المرتكز المديني الحضاري، والمستوى التعليمي والمخزون الفكري والثقافي، كيف لا يكون صالونها على درجة من الإبهار عظيمة؟

عزيزي شربل، إنّك على دراية بخطاب البشر/الأمكنة، فلا يأخذنّك العجب العُجاب، ولا يتملّككَ الاندهاش أمام ذلك المَعْلَم "البهيّ"، الذي يأتي على صورة صاحبته. فهو مرآة لها، وهي له مرآة! وإذْ يرمقان بعضهما بعضًا، فإنّ "البهاء"يتماهى في "البهيّة" ويتمرّاها، و"البهيّة"تتماهى فيه وتتمرّاه!

من بيوتهم تعرفونهم، وآثارهم تدلُّ عليهم!

(من بيادر الفسابكة/قراءة نقديّة في قضيّة)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق