أن تختارَ وردةً مِن مسكبةٍ مُعينةٍ من شعر شربل بعيني، و/أو باقات أخرى من قصائده المنثورة في دواوينه الوافرة، لايعني بأن ما قطفته هو الأكثر جمالاً. إذ سرعان ما تكتشف بأن السبب هو أن سلالك المحدودة لا تتسع كل البهاء اللامحدود الذي تشتهي قطفه.
في قصيدة "دنيي غريبه" ،
بِطيبِ وعذوبةِ وعفوية رسائل غرام المراهقين يقطرك جندول شربل برفقٍ من الحلو إلى الأحلى:
"وإذا حِمْلَـكْ عَ هـَ الدِّنيِي شي زَورَقْ
بِــ دون شْـراعْ
وْشفت الأرض فِستانا مْخَزَّقْ
عَ شَكلْ ضْياع"
(....)
في كنف ذات القصيدة تنداح حروف شربل المُذهَّبة كذؤابة فتاةٍ صغيرة شقراء، وتتناهى أهازيجه كترنيمها بُعَيدَ مُعاناتها في الغربة للمرة الأولى:
"دِنيي .. شَـمْسها انطَفْيِتْ بإيدي
وْقَمَرها غابْ
حصَدْت الضَّيمْ كِرمالا حَصِيدِه
وْغَـزَلْتو تْـياب" .
تتنوع المقاربات التي يتناولها شربل بعيني على شاكلة امرىء القيس: "مُـكِرٍّ مُـفرٍّ مُقبلٍ مُدبرٍ معاً" ، ثم يعرج على مرابع البُعد الإنساني والثقة بضوء آخر النفق كثقة سميح القاسم بعدالة وإنسانية قضيته:
"رغمَ الشكِّ ورغمَ الأحزانِ
لَـن أعدمَ إيماني
في أنَّ الشَّمسَ ستشرقُ
شمسُ الإنسان."
في قصيدة "رجال القوافل" يسترجعُ شاعرنا توقَ اللبناني للسفر:
"رجالْ القَوافِـل عَجَّلوا بالسَّير
وتَرْكوا رْبوعْ الأرز زِعلانِه
زَرْعوا المَواسِم ... والمواسم خَـيـر
ونَصْبوا خْـيامُن بــِ وَطَـنْ ثَانِي
زْعْل الـنِّدي وانْـبَـحّْ صَوتْ الطَّـيْر
وتِكْـيِـتْ غْصُون الحَور دبلانِه".
ما أشبه اليوم بالبارحة حين توجَّعت ريشةُ شربل عند طباعة ديوانه في العام 1985 من هجير الغربة، كما لو كان يستشرف ما آلت إليه حال مراكب الموت في أيامنا هذه :
"واللي هَجَرْ بَـكِّـير
صَعْبْ تَا يْـرجَعْ
هربَان مِن تَهجير
بِقُـوّة المَدفَع
مْن سْياسة حْـزازيـر
مْن ظْلمْ أوسَعْ
مْن تـمّْ بَـحر كـبـيرْ
أطفالْ عَـمْ يـبلَع".
وإلى اللقاء في مقالي القادم عن قصيدة "صوتي مبحوح" وقصيدة "كمشتين فلوس".
عيحا في 15/03/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق