"ثٌور ...
ثُور ...
شُو ناطِرْ يا شَعبي .. ثُور
فَبْرِكْ مِنْ ضَافيرَكْ سَيفْ
ومِن آهاتْ وْلادَكْ ثَوبْ
ما بتِحرُق خِيطانو النَّارْ.."
على أجنحة هذا الهتاف التغييري الذي نظمه َشربل بعيني عام 2010 في ديوان "عالم أعمى"، نخال شاعرنا وقد سبق "التغييريون" في انتفاضتهم، يتقدّم رَهطاً من شباب وشابات ثورة تشرين، أو ما تبقى من أوفياء منهم لما نذروا أنفسهم من أجله، ولما لم يُـبَـع بعدُ في سوق المصالح المتبادلة.
أبيات شعر شربل تضعه في موقع من سبق عصره "Ahead of his time" مُستشرفاً خراب بيروت هذه المرَّة ، لا خراب البصرة، عَـبْر ما حلَّ بلبنان وشعبه لاحقا ، بما في ذلك الأزمة الإقتصادية الطاحنة وتفجير 4 آب:
"عَلِّي .. عَلِّي... عَلِّي صَوتَكْ..
بَركي بْيجْرُف سّدّ الذُّلْ
الْـ بَعْدُو بِيجَمِّع أوساخْ
مْنِ السّرقاتْ اللِّي سَرقُوها
مْنِ الكِذبات اللِّي كِذبوها".
لا ريب في أن أصدق الكلام الوصفيّ هو ما يُعَـبِّرعن أوجاع الناس، لا ذلك الذي يتسلل أفعوانيا لدغدغة وتخدير مشاعرهم. أغدقت الطبقة الحاكمة اللبنانية الكثير من الوعود، ولكن ذلك لم يردّ قرشاً واحداً من ودائع ذابت ولا زالت تذوب كحال مريض مصاب بداء مزمن. حيث ينطبق هذا البيت من الشعر على ذاك الوضع المزري جداً والبائس بامتياز:
كلّ ما الأرض من فلسفةٍ / لا يُعَـزِّي فاقداً عَمَّن فقد
بات من المعلوم والثابت بأنّ طبقتنا الحاكمة البائسة اقترفت أحقر وأقذر وأوسخ وألأمَ وأخبث أنواع السَّرقات في التاريخ. يبدو بأن أيّا مِمَّن يُـفترض بهم أن يكونوا مسؤولينا في مقاعد الحكم لم يسمع بهذا المثل العامّي : " لا تْخُونْ مِينْ أمَّنَـكْ وْلَـو كُنْتْ خَوَّان".
يبدو للمتابع بأن تلك الطغمة المافياوية تعتبر "الحَـيرَمَه" شطارة، وعلى لسان آدم سميث القرن الواحد والعشرين، فبركت تسمياتٍ مبتكرة لموجات الحرائق المالية التي رَمّدت جنى العمر الذي أتُمِن عليه "تجار الهيكل" ، كما سمّاهم شربل بعيني، حيث ابتدعوا تعابير تقنية هجينة كحقنات مورفينية مهدئة مثل "الدولار الجمركي" و"دولار الصيرفة" و "دولار المنصة" و "الـ لولار" ، وقد يكون الآتي أنْـحَـس. كل ذلك بينما ليرة الطبقة المتوسطة والفقيرة تتأرجح بعنف كورقة في مهبِّ الرّيح في سقوطٍ حرّ مخيف.
في نفس الديوان، ينتقل بنا شربل بعيني من مآسي الإقتصاد إلى مروج الغزل في قصيدة "نحنا ملوك الحب" :
"النَّجمات ما بِتْنام ..
وشُو هَمّني؟!
بِقشُر جِلدْ جِسمي
وْبِغزلو شَرْشَف عَ لون العَتمْ
وبِشلحُو عْلَيكي ..
النَّجمات ما بِتشوف بِالعَتْمِه".
في ما يشبه هذه الحروف الفضائية الجميلة غزل لشاعر آخر، ولكن عن القمر هذه المرّة :
قالِت شُو صابَكْ ما بْتحكي من أمْـس؟
مَشْغُول بَالِي ..
قُولْ .. شُو أصْل الخَـبَرْ ؟!
مَا تْكُون ضَربِة شَـمـس؟
قلتلها لأ يا قَمَرْ
أصلْ الخَبَرْ
ضَرْبِةْ قَمَرْ !!!.
وإلى اللقاء في قراءة أخرى في نفس الديوان عن قصيدة "ردُّولي إبني من الموت" و "إنتي الدني".
عيحا في 11/05/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق