فَـور انطلاق الرصاصة الأولى في الحروب، تصبح كل أم مشروع خنساء تندب صخرها، أو أبا عتاهية يندب عليَّه.
بعد أن مررتُ بعشرات وربما المئات من قصائدِ شربل بعيني، وأنا الذي أقرأه منذ ما يزيد على عقد من الزمن، يلوح لي في كل مقال أو خاطرة أو قصيدة فكرة خبيئة من أفكاره بالألق الذي تلوح به أطلال خولة ببرقة ثهمد لطرفة بن العبد.
إلى ديوانه السابق "الغربة الطويلة" الذي قاربته في أكثر من مقال، أستأنفُ التنقيبَ في منجم "عالم أعمى" متناولاً قَصيدَتَـيـه : "ردُّولي إبني من المَوت" و " إنتي الدّني".
في قصيدة "ردُّولي ابني من الموت" يُطلُّ علينا، ولكن دون أن يُفاجئنا، تساؤلٌ قديمٌ قِـدم البشرية وحروبها :" لماذا ينقص عدد الفقراء كي تزداد ثروات الأغنياء". على هذا الاستفسار يجيب شربل بعيني بأسلوبه:
"إنـتُـو يَـللِّي غْـدَرتُـو بْإبـني
إنـتُـو يَـللِّي سْرقْـتـو إبـنـي
إنـتـو يَـللِّي قْـتَلـتـو إبـنـــي
ردُّو لي إبْـني من الموت"
لا يقول لنا شاعرنا من هم الـ "إنتو" ، كونه يعلم بأنّ في أسلوبه السردي السهل الممتنع ما يتيح للقارىء العادي أن يخمِّن من هم.
خلتُ بأن حال من غدروا بابن تلك الأم وسرقوه وقتلوه قريبة من حال مختار ضيعة أوعز عمداً لرعاة ماشيته بالتوغل في خراج القرية المجاورة ، فرد المعتدى عليهم بضرب الرعاة واحتجاز جزء من القطيع، وبدورهم دخلوا خراج قرية المختار.
بذريعة الحفاظ على الكرامة والدفاع عن الأرض، جَـيَّـشَ المختار كالعادة شباب القرية للدفاع عن أراضيها ، ولكن ، وكالعادة أيضاً، لم يكن أي من أبنائه الثلاثة بين المقاتلين، بل عمد إلى اصطحابهم معه لزيارة مسؤول كبير كي يشكوا له "فداحة مصابهم" . حيث حقق المختار مراده بنيل تعويضٍ "محرز" أودعه في حسابه المصرفي بانتظار تدبيره لمعركة أخرى بين القريتين.، وذلك قبل أن تجفَّ دماء الشباب الذين تسبب في مقتلهم، وشفاء جراح من تسبب في جراحهم.
**
في قصيدة بنت بلادي يقول :
زِعلِت مِنِّي طيُور الغَابـِه /
وَقت الـْ سِمعتـني عَـم غَـنِّي/
لإسمك غِـنِّـيِّـة شَـعْـبِـيِّـه /
ومَا قِـدْرِتْ تِحـفَـظ كِـلْـمَاتَـا/
وْتِـسْكِـبها كِـلّا بْـدِيـنَـيـكي /
في دواوين شربل بعيني أغانٍ شجية جميلة كهذه تسبر غور دخيلة المنشد والمستمع كل حسب وضعه. تحاكي تشخيص هنري وادزوورث لونغفيلو بقوله "لكل منا حزنه السري الخبيء، يبدو فيه أحدنا باردا بينما هو يغلي من الداخل". كما تجد في شعره ما يذكرك بثقة الشاعر المتمكن من جودة بيوته، ومن ثبات أعمدتها ومصاريعها كبيارق سميح القاسم على سبيل المثال لا الحصر :" في أكثر من دربٍ وعرٍ تمضي شامخة أشعاري".
وإلى اللقاء في مقال قادم عن قصائد من ديوان "الله ونقطة زيت". حيث يقول ناظمها العزيز شربل في إهدائه لي بتاريخ 13/03/2011 ما يلي:
ألله ونقطة زَيت ... كـلُّـو فَـلـسَفِـه
بْدنيي تـعِـيسِـه مْشَرشْـحَـه ومْـقَـفـقْـفِـه
مْـنـقْـتًـل ... تَـا حَتَّى نْدخُـل الـجـنّـِه سَـوا
وْجَـنّـة الـفردَوس منّا خـايـفِـه
وشَـربِـل ومَـحمود طاروا بْـهَـالْـهَـوا
شِـعَّــار ... أكْـبَـر من جْـنون العاصفِه.
عيحا في 09/06/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق