تجّار السّماء وقصص أخرى قصيرة جدّا / حسن سالمي



في العمر بقيّة

    أجدني أقف على شاطئ لا بداية له ولا نهاية. ثمّ أجدني على سلّم سفينة كبيرة يحيط بها غيم كثيف شفيف، لا تفتأ تقطّع السّكون بصفيرها المتواصل، فكأنّها تحثّني على الرّكوب... انتبهت فعرفت بعض ركّابها ولم أعرف أكثرهم... عرفت الثّعالبي وابن عاشور والدّوعاجي والشّابي والعقّاد ومحفوظ ومنيف وشكسبير وكافكا وثلّة أخرى من الكتّاب والأدباء...

    فجأة أجدني مقذوفا بعيدا عن السّفينة وهاتف يلحقني: 

"ليس الآن!"  


الدُّرُّ والدّجاج

    في حديقة بيتي الجديد قنٌّ فيه دجاج... وكم مرّة رأيت إحداها تحاول التمرّد على السّياج فيعلق عنقها حينا وتعلق ساقها حينا آخر لتظلّ أسيرة لسجنها المقيم...

وكان لا بدّ أن أطلق سراحها جميعا وأتركها تنعم بالشّمس والهواء وخيرات الحديقة... بيد أنّ الحلّة القشيبة بدأت تكلح مع الأيّام وصارت أرض الجنّة بورا بعد عطاء... 

    وهكذا أفقت من أحلامي وعرفت أنّ الدّرَّ ليس للدّجاج...


تجّار السّماء

    اصطففت وراءه مع آلاف من المسلمين وغبت معه في ملكوت بعيد يحدوني إليه مزمار داوود الذي أوتيه... وكم كان يهزّني من الأعماق بكاؤه الخاشع عندما يتلو: "وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ. "

    ويُرفع عنّي الحجاب فأرى خيطا رفيعا أوّله عند البلطجيّ الأكبر وآخره عنده، مرورا بسموِّ الأمير... ثمّ أراه يرقص بعمامته ويفتي ببيع عروس العرب والمسلمين...


الخُشبان

    جلست وراء الجمهور ورحت أتأمّل منصّةً طالما حلمت باعتلائها وأنا حيّ، قارئا اسمي مكتوبا بالخطّ العريض... وتكلّم المتدخّلون فأثنوا على كتبي ثناءً حسنا، خالعين عليّ ألقابا عظيمة لم أحلم بها وأنا بين ظُهرانيهم...

    أطلقت قهقهة ساخرة، ثمّ سبحت إلى المنصّة حيث يجلس سدنتها... تَفِلتُ عليهم واحدًا واحدًا فلم يسمعوا لي ركِزا... قلت: "عَاشْ يِتْمَنَّى فِي عِنبَة. مَاتْ جَابُولُو عَنْقُودْ!"   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق