الحياة لا تلتفت في دورانها فدروب الحرية طويلة وعسيرة، والصعب أن نفسر أو نشرح ، إن ما يحدث في فلسطين هي وشوشة في غرف مغلقة لا يسمعها إلا من يدّعون أنهم دعاة سلام ، سلام صنعته حكومات تخدم مصالح دول طاغية ، ظالمة، فهمت كتائب القسّام في المقاومة الفلسطينية الدرس التاريخي جيدا، إن ما اخذ بالقوة يسترجع بالقوة ، وإما الحرية أو الشهادة ،وفي كلتا الحالتين هو النصر الأكبر ، إنه السيرعلى خطوط جمر الحياة ، أما الصهاينة فقد عهدنا كفرهم بكل الخطوط المستقيمة، يعشقون الطرق الملتوية، 70 سنة ولم تنته حكايات شهر زاد، وقد ملت وجه شهريار الذي يطالبها كل مرة برسم النهاية التي تسعده رغم تعاسة الأحداث المروية ، لكن شهرزاد أرادت أن تضع نهاية حكاية الملاك والجلاد، جلاد سرق سوطا من أسواط جهنم وبسطه على أجساد فتيان وفتيات في عمر الزهور، إنهم لا يكبرون حتى يحققوا أحلامهم فقد تحددت مسبقا وجهتهم، إما السجون أو القبور، لكن المقاومة قررت أن لن تبق قضيتها مشتتة مع من رحلوا ولم يحققوا الحلم طوال حياتهم، كاد الواقع الظالم أن يفترس حريتهم التي أوشكت أن يدركها السبات وأن تصبح قضية منسية ، فكم هم من ظلت جروحهم تنزف وأدركهم الممات ولما تدركهم الحياة بعد ، وتناسى العالم أن قضية فلسطين هي أم قضايا الكون، سؤال تطرحه الفتيات ، الأطفال ، النساء والشيوخ بسجون الصهاينة ، إلى متى ؟؟
للتضحية أكثر من اسم وأكبر من معنى فهي الكرامة والضرورة والحرية والتحرر من قيد المغتصبين، 7أكتوبر بداية القصة ، انتفاضة مقاومة تكسر القيود ، خطابا ألفته كل حناجر الفلسطينيين وحتى من هم في الأرحام ، كلهم بصوت عال ، الأرض أرضنا والسماء سماؤنا ، إنها تربة فلسطين المعبقة برائحة الليمون والزعتر ودم الشهيد المزكاةبالمسك والعنبر ، إنها الزيتونة التي تكبر مع مساجد الأقصى واجراس الكنائس، إنها غزة والخليل والضفة ، قررت القسّام وضع حد للجلاد، إنه كابوس العرب المزعج الذي أينما حل وقع الخراب فقد أفسد اليهود كل شيء جميل أوجده العرب والمسلمون على أرض فلسطين، لقد قرر الفرسان إنقاذ الفاتنة، خططوا ، دبروا لاسترداد حقهم المسلوب وأرضهم المغتصبة عنوة بكل الطرق، إنها الحقيقة التي رفضها الغرب ، كان هجوما لفئران في جحورها صنع منهم الغرب خيال المآتة لتعكير صفو العرب ، صمم البطل وثار، وكان ظن العدو الصهيوني أنه قد استحكمت قوته وهو يرى في ضحاياه مجرد حيوانات بشرية ، لكن يشاء الله أن يهب الأبطال القوة والإرادة والشجاعة فقاتلوا بشراسة واحترموا ما أمر به دينهم الحنيف ، أشفقوا على كبار السن ، وحافظوا على شرف الفتيات الأسيرات لديهم ، وأبقوا على حياة الأطفال ، ولكنهم كانوا أشداء على أعدائهم عساكرالطغاة ، إنهم الأصل والحقيقة والصهاينة مجرد سراب ولأن لأصحاب القضية كل شيء مباح اقتادت كتائب القسّام أسراهم إلى مكان ما بغزة وليس خارجها لأنه المكان الوحيد الحر الذي تجد فيه العزة والكرامة والإنسانية ، لا حاكم ولا محكوم، عاملوا أسراهم بما أمر به ديننا الحنيف واحترموا حقوق الإنسان ،فلم يكن أسرا بالنسبة للمخطوفين الذين اكتشفوا الحقيقة وتبين لهم حجم أكاذيب الطغاة عليهم التي غرسها الصهاينة في عقولهم ونفوسهم منذ أن تفتحت أعينهم على الحياة ، إنهم يعلمون جيدا تفاصيل ظروف الأسير عندهم في سجون المغتصب، يعذب ويضرب وتهان كرامته، ثم يموت،لقد تأكدوا أنهاحرب شرسة شنها اليهود على المواطنين الأبرياء لقد شاهدوا الآلاف من أجساد الضحايا الممزقة بعفل الحجم الكبير من القنابل التي ألقيت بدون تمييز على الأسر الأمنة في منازلهم حتى سقط قيد عائلات بأكملها من السجلات المدنية، لقد دمر الصهاينة كل ما وقعت عليه عيونهم ، وقتلوا كل كائن لمحوه يتحرك ، فالعدو من طبعه عندما ينهزم في الميدان أمام الأبطال يلجأ للتعبير عن كبريائه وتأكيد قوته بقهر النساء واعتقال الأطفال وقتل كبار السن ، كان دوي القنابل والانفجارات وصراخ المصابين يبلغ مسامع الأسرى الإسرائيليين ، نال الخوف من إحدى المسنّات منهم وعبرت عن فزعها الشديد ، وأشفقت في الوقت نفسه على من تسقط هذه القنابل على رؤوسهم ، لقد تملكها الخزي والعار، هزت إحدى المقاومات رأسها مؤكدة لها إنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، لأنهم شهداء.
تمر الأيام ويزيد اهتمام المقاومة بالأسرى للحفاظ على حياتهم وقد زاد عددهم أكثر، لا إهانة ولا مذلة ، لقد شكلوا عائلة مؤلفة من السجين والسجّان، لم يشهدها التاريخ الإنساني من قبل إلا التاريخ الإسلامي.
المقاومة تدمر آليات الجيش الصهيوني ومدرعاته وخسائره البشرية تتعاظم والأخبار تحمل البشرى لكل الحاضرين ، لقد ثبت جبن العدو عندما أمطر المدنيين بمدينة غزة بالقنابل ، وعلى الأرض حصحص الحق .
داخل أسر المقاومة كان هناك عالم آخر تعود عليه أطفال العدو وألفوا سماع القصص وذكريات المقاومة كل ليلة ، ونعموا برعاية صحية مسؤولة وبمراقبة طبية منتظمة ، ومنهم كانت الفتاة الحسناء التي أصيبت في ساقها بجروح بليغة وأحاطها المقا ومون بالرعاية وأجريت لها عملية جراحية دقيقة ، وسهر على تضميد جرحها باستمرار أحد المقاومين يتمتع بخبرة طبية موثوقة ، حرص وهي في شدة مرضها وإعيائها على إعطائها الدواء بانتظام وعلى إطعامها ، لقد انتبهت الفتاة إلى طبيعة حياتهم ودماثة أخلاقهم وطيب تصرفاتهم وراقبت نظامهم الجيد المحكم ، وأدركت أن من نشأت فيهم وكبرت بينهم قد سرقوا منها المشاعر الطيبة ، وضيعوها وسط أكاذيبهم ،ظلت الفتاة غارقة في تأمل ما حولها عن بعد ، وتحاول تفسير الأمور من منظورها، أنستها الأجواء الأمن والاستقرار لماذا هي في الأسر!!غمرتها لأول مرة مشاعر لم تألفها من قبل ودفعتها للتوجه بالسؤال إلى سيدة معها في الأسر عن سر سعادة ابنتها وهي تستمع كل ليلة إلى قصة من احدي فتيات المقاومة ، جاء رد السيدة هادئا يعكس مقدار الاتزان والثقة بالنفس أن السر يكمن في حالة الاطمئنان التي تسود العلاقات الإنسانية التي يعاملون بها ، عادت الفتاة إلى عالم تأملاتها التي أوصلتها إلى الحقيقة المؤكدة أنها وسط قوم يتميزون عنهم بالنبل والصدق الذي حرموا منه وسط بني جلدتها، إنها قيم يجب أن يعيش تفاصيلها اليهودي والمسيحي والمسلم ، لا يفرق بينهم قضبان ولا تقيدهم أصفاد ولا تجرحهم انتهاكات للحرمات المعنوية والجسدية ، أخبرت احدى السيدات الأسيرات الفتاة الحسناء أن ابنتها صارت امرأة حيث بلغت في الأسر ولم تجد حرجا أن تطلب فوطا صحية من احدى المقاومات التي أمّنت لها الحصول على ما تريد في سرية حتى لا تحرج أحدا ولم تعلم الأم بأمر ابنتها إلا من هذه المقاومة، لقد اعتبرت ما حدث نموذجا في النبل ، صمتت الفتاة الحسناء و كانت قد لاحظت هذا النبل في تصرفات أفراد المقاومة وكانت تريد في نفسها تصديق ما تراه وتسمعه من آخرين ، وكأنها لا تصدق نفسها ، لقد اكتشفت أكاذيب ما تعلموه في المدارس، وخجلت من كونها صهيونية ومن بشاعة قومها وما يفعلون بأصحاب الأرض والحق ، الآن بدأت تستوعب الأحداث المحيطة بها ،وعبرت سرا عن إحباطها لفتاة أخرى معها ، وصارحتها بأنها تحاول التحرر من الافتراءات والتخلص من الأكاذيب التي رسخت في ذهانها سنين بطول عمرها ، تأكدت أنها الآن تعيش الحقيقة لأول مرة منذ ولادتها ، وتقطع حزما أن هناك أشياء تستحق الانتباه ، لقد اعتادت المكان وصارت تعشقه ، مكان أسرها، وتغيرت ملامح وجهها وانبسطت تقاسيمه واختلف ضوء عينيها ، أخبرتها أخريات أن أطفالهم سعداء وغير مستعجلين للعودة ، وأنهم سيشتاقون لمثل هذه اللحظات الدافئة التي لم يشعروا بها كلهم من قبل ، إنه سلام نفسي لطالما بحثوا عنه وسط قوم جروهم إلى مستنقع التحايل والافتراءات التي لا تنتهي ويبدو أنها لن تنتهي ، سيبقى المكان أجمل صورة ستعلق في أذهانهم وأذهان أطفالهم ، انزوت الفتاة الحسناء تهمس من أعماق نفسها أنها ستبقى أسيرة نظرات شخص أحبته وعشقته ، تمنت لو أنه خبأها بين مقلتيه وهي تعده بأن لن تغادرهما أبدا ، كم كانت شطآن قلبها باردة قبله ، ولكن يبدو أن وجع عشقها لن ينتهي ، فهو لم يعد تحت سيطرتها ، إنه المشهد السحري الجميل الذي تريد أن تغمض عينيها عليه لكي لا ترى غيره، من بعده ، تنهدت تنهيدة عميقة ، أثارت انتباه سيدة بجانبها سألتها عن ما يدور بخلدها ويستحق كل هذه التنهيدة ، كان رد الفتاة غير متوقعا للسيدة حين سمعتها تدعو أن يكون هذا المشهد الجميل في حياتها هو الأخير، لقد كانت تتمنى أن لا تكون هناك هدنة بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة " حماس" ، فلقد عشقت أسرها ، وتلك اللقيمات اللذيذة التي يتناولها السجين مع سجانه وطيبة رشفة الشاي التي حملت معها عشرات الحكايات صحّحت مفاهيم مضللة ومعلومات مغلوطة ، لقد أحست الفتاة أنها إنسان بقلب أبيض طاهر نظيف وأنها في مكان لا يسكنه إلا الشرفاء والأنقياء ، لقد تأكد لدى بعض من معها أنهم كانوا يعيشون وسط قوم يضرون أصحاب قضية لإرضاء مقاصد وطمع نفوسهم المريضة ، في الأثناء حضر عنصر المقاومة المكلف برعاية الفتاة الجريحة ليغير ضمادتها ، اسـتأذنها بأدب جم ، وأقبل نحوها فبادرته بأن التاريخ سيوثق هذه اللحظة الجميلة التي تعيشها وتمر بها ، صارحته أنهم فرضوا شجاعتهم ووجودهم بكل احترام وإنسانية ، أكد لها أنه يبقى الإنسان إنسانا مهما كان دون تمييز والألم هو الألم عند أي إنسان والفرحة هي الفرحة عند كل البشر ، المهم أن نشعر بآلام الغير وهمومهم ونراعي ضعفهم ، وأن يدرك الناس أن الحق أحق أن يتبع والباطل باطل ، والظلم ظلمات في الآخرة، لقد لمست الفتاة في الشاب المقاوم صدقا في قوله وهو يحدثها أن المقاومة لا تؤذي الأسرى وأن كل ما يريدونه هو استرجاع أرضهم ، إنهم متصالحون مع أنفسهم وواثقون بعدالة قضيتهم مكملا نحن نقدّر أوطاننا بتقدير ذاتنا التي هي تركيبة من تراب وهواء وماء فلسطين، أخبرها بدون تمهيد أن هناك مفاوضات على الهدنة وعلى تبادل تسليم الأسرى ، وبشرها بأنها ستعود إلى أهلها قريبا ، حينها علت وجهها مسحة حزن لم تخفيها ، إن ما قاله يعني أنها ستفارق هذه العيون الملائكية التي ظلت نظراتها تلاحقه، ولم تكن هذه النظرات تخفى عليه وعلم أنها تتواصل معه بصمت وبلا لغة، ، لقد فضحتها عيونها وامتد جسر الحب من قلبها إلى أبعد من بيوت القدس العتيقة إلى دفء حضنه هاربة من ذكريات مزيفة ، وناس بلا لون، لقد أجزمت أن الحياة مستحيلة بعيد عن هذا السلام ، أعادت النظر إليه متأنية فيه ، تأملت توازنه المنفرد وفريقه الذي لا يتقنه إلا النبلاء ، فهي ومن معها تعلموا أشياء كثيرة ومفيدة لهم ، تعلم أطفالهم آداب الإسلام في التعامل وأصول النظافة وتجنب الكلام البذيء، وكان شغف الأطفال الأكبر هو السماع في كل وقت للقصص ومعانيها التي يرويها المقاومين كحفظ الأمانة والإيثار والفرق بين الحق والباطل ، وبين العزة والمذلة ، والشرف والوفاء ، تعلق الأطفال بالقصص بلغ حد عدم النوم إلا بعد سماعها أملا أن يأتي يوم يحكمون فيه بعيدا عن الغل والحقد وكذب آباؤهم وأجدادهم ، وذات ليلة بدرت احدى السيدات عنصر المقاومة قبل أن يسرد قصته التي تنشر السلام النفسي بداخلهم أن أجدادهم يقولون أن اليهود هم شعب الله المختار ، فرد عليها أن الدين الإسلامي يقول أنهم خير أمة أخرجت للناس ، والفرق أن المسلمين يحمدون الله في كل الأوقات ويشكرونه في الخطوب والملمات، لقد انتشرت كلمة " الحمد لله" في كل شعوب العالم لأنها رسالة الإيمان والتوحيد ،أما اليهود فمهما رزقهم الله من فضله كانوا ينقمون ويفترون على الله بالكذب ، إن الإنسان يبقى أخ للإنسان مهما كان دينه وعرقه ووطنه ، أما القوة والعظمة فهي لله رب الكون الذي لا إله إلا هو. إن المرونة في الحياة ليست ضعفا ولا تنازلا في موقف يتطلب المواجهة أو تخاذلا في موقف يحتاج القوة أو نفاقا للوصول إلى غاية، المرونة هي السبب الحقيقي الكامن وراء ذكاء وتفوق وتميز أشخاص يؤمنون بأن لا تعلو على كلمة الحق كلمة أخرى، واصل المقاوم حديثه بعدما لاحظ شدة انتباه الحاضرين له فأكد على أن الوجود في الحياة يتطلب التمييز ولو بالفطرة بين ما هو الشيء الذي يرضي الله وتعيش به ضمائرنا بسلام ، إن الامتنان والشكر هي من صفات المسلم ، والمقاومة تحمد الله على الظروف التي أحيت القضية من جديد ، فبحجم الأذى والضرر الكبيرين الذي أوجدته إسرائيل لكنه كان اعلاء الشعب لكلمة الحمد والشكر لله. لم تفوت الفتاة الحسناء عينيها عن الشاب المقاوم ، ولم تغب نظراتها عن من ألفته إلى جانبها حتى أصبح جزء من كيانها، تنام على صورته ، وتستفيق على صوته الطيف وتستقبل نهارها على حسن رعايته الطبية لها ، لم يصدر عنه أي تصرف أخلاقي يمكن أن يثير حفيظة النساء الأسيرات، برغم اعترافهم بأن مجتمعهم تحكمه الغرائز والكذب والترهيب والاغتصاب، وفي زحمة الأفكار علا صوت الفتاة فجأة وأخبرتهن بشجاعة أنها الآن علمت أن المجتمع اليهودي إرهابي ، يسرق الأراضي ويغتصب البنات الأسيرات في السجون الإسرائيلية ويعذب الفتيان في عمر الزهور ويهدم المنازل والبيوت فوق رؤوس أصحابها ، أصحاب الحق فيها ، وعاهدت نفسها لو كان لها عمر ستناصر قضية فلسطين ، وسيكون عليها فضح أكاذيبهم ، لقد آن الأوان أن تتوقف هذه المهزلة ، تتوقف سرقة أراضي العرب ، وسرقة ثقافتهم وهويتهم ، وتحريف دينهم ، أن تتوقف عمليات سلخ جلود الشهداء واستئصال أعضاء قتلى المسلمين في السجون الإسرائيلية التي تبيحها السامية ، حذرتها أحدى رفيقاتها في الأسر من صعوبة تفسير أو شرح ما يحدث حولهم ، فسلطة الاحتلال لن تتيح لهم هذه الفرصة ولن يصدقهم أحد، وهي إن أرادت التغيير فعليها أن تغير بصمت وإلا سوف يلقون بشرهم عليها، فليس لهم صديق ولا حبيب ، أما هي وأطفالها فسوف يسيرون على النمط الذي ألفوه في الأسر ، في هذه الجنة ، الرحمة ، و يالها من رحمة غمرت قلوب الأمهات والأطفال رغم اختلاف الدين واللغة ، الأسيرات اعترفن بالفضل وبأنهن سيكملون طريقهن في الحياة بهذا النهج الإنساني الرائع ، لقد تعلموا أن يومهم كان أفضل من أمسهم ،. حضر العشاء واجتمع الرهائن مع أفراد المقاومة حوله وهم يتبادلون الأحاديث الودية في ظل احترام متبادل بينهم . لاحظ بعض عناصر المقاومة حزنا كبيرا في عيون الأسيرات فأرادوا التخفيف عنهم وصارحوهم أن موعدهم غدا ، سيطلق سراحهم وسيعودون إلى ذويهم ، لم تتمالك الفتاة الحسناء نفسها فأوضحت أن حزنهم بسبب فراقهم ، لقد ألفوا المكان والأحاديث الشيقة التي يريدون سماعها منهم مرارا وتكرارا ،وبعد انقضاء ليلة طويلة قضوها في السمر ، طلبت الفتاة الحسناء قلما وورقة وكذلك فعلت الأسيرات الأخريات، كتبت كل واحدة منهن مشاعرها بكل صراحة المطهرة بعيدا عن شوائب الحقد الماضية المسمومة ، كانت مشاعر عفوية صادقة ، ، أما الفتاة الحسناء فكانت مهمومة ،تفكر كيف سيكون حالها بعيد عن تلك الراحة النفسية التي تعودت عليها، لم تنزعج لرؤية شباب يحملون السلاح ولا يغفلون عن صلاتهم وعن تحضير أدق لوازم الأسيرات وأشدها حساسية و إحراجا ، كانوا يأكلون من نفس الطعام ، لا يهم أصناف المأكولات بقد ما كان يهم السلام بينهم ، إنه شعور الاختلاف العميق الذي يفتقده المجتمع الإسرائيلي، كتبت الفتاة رسالة مطولة وهي في غمرة سعادتها.
صباح اليوم الذي سيفرج فيه عن بعض الأسيرات سلمت كل واحدة رسالتها لمن أحسن معاملتها وترك أثرا طيبا في نفسها، فلم يسبب لها أي صدمة أو جرح نفسي، إنه بالعكس لقد كانوا عائلة واحدة لا تشوبها شائبة من عقدة نقص أو سوء فهم ، اقترب الشاب المقاوم مجددا من الفتاة لتغيير الضمادة على الجرح فسلمته الرسالة على استحياء، كانت عيونه تؤكد له أنه قد طرق بقوة أبواب قلبها، ، لقد أرهقها العشق على مدى 50 يوما بذكريات مخبأة في زوايا قلبها ، إنه لحن المحبين يصر على البقاء ، تسلم الرسالة وخبأها شاكرا لها تأدبها معه ومشاعرها الطيبة نحوه .
خرجت الأسيرات في كامل أناقتهن وزينتهن مع أطفالهن وسط حراسة مشددة لتسليمهن إلى الصليب الأحمر الدولي وكانت الفتاة الحسناء بينهم تسير متكئة على عكازين وسط عنصري المقاومة وكان الشاب المقاوم أحدهما ، حملت كل خطوة تخطوها نحو سيارة الصليب الأحمر حزنا عميقا ترجم ألم الفراق، كان ودها أن ترجع للخلف خطوات لتطيل المسافة فتبقى إلى جوار الشاب المقاوم وقتا أطول ، لكن هذه هي الحرب ، وهذا هو الاتفاق ، اقترب منها بعدما ركبت السيارة ، لمحته وقد غمرها الحب واختلط بالأسف على الفراق، فضحتها نظراتها ، لقد فهمت من عيونه برغم الوشاح حول رأسه أن القلوب تتواعد على لقاء مع الحرب أو بعد الحرب بين أحياء او أموات بين المعجزات والكرامات ، أخبرته عيونها الناعسة واستسلامها لمشاعر الحب تسري في كامل جسدها بالكثير من الكلام الذي لا يفهمه سواهما ، تمددت في السيارة وابتعد هو قليلا للخلف ملوحا بيده قائلا :باي مايا ، فردت بكل الحب :باي وشكرا .
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق