سيناء ، أرض الفيروز والفضاء المقدس ، ومعبر الأنبياء الآمن إلى القلب المصري ، هي جزء لا يتجزأ من كل أرض الكنانة، وطأها الإنسان المصري الفرعوني منذ آلاف السنين، وعلى أرضها دافع المصريون عنها بشراسة ضد هجمات الهكسوس وغزاة التتار والمغول واعتداءات الصهاينة وإجرام الإرهابيين، دماء المصريين الزكية المسكوبة فداء لها على رمالها أكسبتها سر الهوى الآسر الكامن في الوجدان المصري فشكّلت هذه الدماء من تاريخه على أرضها حضارته.
لم يرق الوجود الأجنبي قديما في مصر كالروماني والإغريقي إلى معنى أو مفهوم الحضارة، فما يدل عليه لا يتعدى أن يكون مجرد آثار حجرية صماء لا تترك أثرا في النفس لأنها لا تؤكد علما ولا تسجل ظاهرة ولا تثبت حقيقة ، وذلك على خلاف الحضارات الفرعونية والقبطية والإسلامية التي بالرغم أنها شيدت على أساس ديني وكانت ذات أبعاد عقائدية إلا أنها خلفت مئات المعجزات العلمية والإنجازات الملموسة بقيت مجسدة في أرض الواقع تشهد على عبقرية فذة هي الآن مبعث فخر واعتزاز كل المصريين وسبب عشق المصريين لبلدهم وسر تأهبهم الدائم للحفاظ عليها والدفاع عنها .
لم ينعم المصريون بفترة رخاء من بعد سيدنا يوسف عليه السلام، تعاقبت عليها المحن و الأزمات، وواجهوا بصبر الدسائس والفتن والمؤامرات، بل كانوا دائما في رباط وعلى أهبة الاستعداد للحفاظ على مقومات شخصيتهم المتميزة وعلى كيانهم وحياتهم.
تظل سيناء الأرض التي باركها الله سبحانه وتعالى وذكرها في كتبه السماوية ،وهي الأرض التي مر بها ولجأ إليها أنبياء الله، كما تبقى هذه الأرض مسرحا لجميع الحضارات وملتقى لكل الشعوب حتى وإن كان الثمن باهظًا أحيانًا، وتتضمَّن سيناء الكثير من المعالم الدينية والأثرية التي لها تاريخها وذكرها القرآن، فيها كلّم الله موسى وشفى سيدنا أيوب ، لقد شهدت حوار الخالق جلّ جلاله مع النبي موسى عليه السلام وأوحى له بالوصايا العشرة، واهتز أكبر جبالها عندما تجلى الخالق سبحانه وتعالى لسيدنا موسى عليه السلام .
ارتحل المصريون عبر صحراء سيناء حتى صارت دروبها ومسالكها تحفظ وجوههم ، ومقدساتها تعرفهم ، عيون موسى لا تتوارى عنهم في غز الجفاف ، وكنيسة سانت كاترين تعبق الأجواء بالنسمات الإيمانية الدائمة ، ومسار العائلة المقدسة عبرها إلى مصر لا يزال شاهدا على خطوات السيدة مريم البتول والمسيح عيسى ابن مريم ويمجده المصريون ، ومازال الجبل الذي تصدع من خشية الله عز وجل قائما يشهد انهياره واحتراقه على عظمة الخالق ويكسب قلوب المصريين جرعة إيمانية كبيرة ومزيدا من الخشوع والتقوي ، أما قدسية المكان فتتجلي في " طوى " على جانب الوادي المقدس بأمر الله تعالى. وفي نص الحديث النبوي الشريف الذي أورده البخاري ومسلم يؤكد أن الرسول صلي الله عليه وسلم زار مصر وصلّي فوق جبل طور سيناء في رحلة الإسراء والمعراج؛ وفي هذه البقعة الطاهرة توقف " البراق " عن طيرانه حيث نزل الرسول وبصحبته جبريل عليه السلام؛ وصلّي بهذه الأرض الطيبة ركعتين لله ، وأكد الدكتور على جمعة، مفتي الديار المصرية السابق وعضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم زار جبل الطور وهو الجبل الذي تجلى عليه الله عز وجل لموسى عليه السلام وصلى به ركعتين ليلة الإسراء والمعراج ، هذا شرف عظيم مستحيل أن تتمكن أي قوة في العالم من انتزاع هوى سيناء من أيدي وقلوب المصريين، وأول من يعلم هذه الحقيقة هم الإسرائيليون أنفسهم وقد تأكدوا بعد هزيمتهم في حرب 6 أكتوبر 1973 ثقل الحمولة العاطفية عند المصريين تجاه بلدهم سيناء، فهم لا ولن يقبلوا التنازل عن متر مربع واحد منها .
الشخصيات العظيمة تصنع الأحداث الكبيرة، ومنها يتشكل التاريخ بمحطاته المجيدة والمضيئة على الدوام، وتشهد أرض سيناء ملحمة بناء وتشييد تجسيدا لعقيدة أنه لا أمن بدون تنمية، الحضارة المصرية الحديثة تصنع على أرض سيناء بأيادي أهلها الذين ضحوا بالأمس إلى جانب الجيش لتحريرها عام 1973 ثم وقفوا في الصفوف الأولى خلال عمليات تطهيرها من الإرهاب والذين يقدمون اليوم العرق والجهد لبنائها ويشاركون في عمليات تنميتها ليكتب التاريخ أن أرض سيناء مهما تكون طبيعة الظروف التي تمر بها سيبقى هوى حضارتها مصري .
جاء في الحديث النبوي أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: " مصر كنانة الله في الأرض، من أرادها بسوء قسمه الله " صدق رسول الله. وكما أن الحضارة لا تكتبها أيادي أجنبية ، والتاريخ لا يسجله الغرباء ، فإن المصير لا يحدده الأعداء ، والذين ينكرون الحقائق ويخالفون المنطق من الحديث يخسرون في النهاية بالتأكيد، الجميع يعلم نوايا الصهاينة وطبيعة المخطط الإسرائيلي الجاري المراد تطبيقه في الوقت الراهن بسيناء المصرية ، ويتلخص في أمرين: التهجير ثم الاحتلال، بمعنى إبعاد الفلسطينيين بالقوة من أراضيهم في غزة ثم إزاحتهم والمصريين من أراضي سيناء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق