لا أقول جديداً ولكن للتذكير أورد ما يلي لمن غفل عن تاريخ المنطقة إن المتحكم بالمفاتيح السياسية التي تقرر مجريات الأوضاع حا1ضرها ومستقبلها في المنطقة العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي منذ الحرب العالمية الثانية 1945، دائماً هو القرار الدولي الذي يتغلب على القرار الإقليمي (إيران وتركيا) بنسب محددة لكل منهما خاصة في موضوع الفيدرالية والتقسيم، مهما قامت ائتلافات وتحالفات بين قوى معارضة ورافضة لأي مشروع أمريكي وصهيوني ولنا في قضية فلسطين أمثلة على ذلك منذ قرار التقسيم رقم 181 سنة 1948، دون أن ننسى أن الذين قرروا تقسيم الوطن العربي سنة 1916 كانوا بريطانيا وفرنسا وروسيا الذين عينوا دمى تنوب عنهم في كل قطر عربي (ثم انسحبت روسيا سنة 1917 بسبب الثورة البلشفية آنذاك ولكنها لم تسحب موافقتها على ذلك القرار الذي عُرف لاحقاً بما يسمى اتفاقية "سايكس بيكو").
وكانت دائماً القاعدة المعروفة "لا غالب ولا مغلوب" تسود الأقطار العربية بعد الصراعات المحلية المسلحة التي يسقط فيها مئات القتلى وآلاف الجرحى والمعوقين والمشردين والمهجرين، ولنا مثالاً في لبنان منذ سنة 1958 من خلال الثورة ضد نظام حكم الرئيس كميل شمعون، ثم حرب 1975 التي أطلقوا عليها "الحرب الأهلية" التي انتهت بـ"اتفاق الطائف" سنة 1989 الذي وضع حداً لتلك الحرب بموافقة أميركية ودعم أوروبي باسم "التعايش المشترك" بين الطوائف اللبنانية المختلفة، الذي من خلاله تم تقسيم السلطات الدستورية والمناصب الإدارية على ما بات يعرف بـ"المحاصصة" بين الذين كانوا قادة تلك الحرب التي استمرت أكثر من خمسة عشر عاماً. من ثم أنهى ذلك الاتفاق وصول ميشال عون لرئاسة الجمهورية، الذي تم في عهده هدر أموال الدولة ونهب أموال الشعب اللبناني وتسليم لبنان لقمة سائغة لإيران الملالي ضمن تسوية جانبية على قاعدة التوازنات الطائفية والمحاصصة بين الطوائف والمذاهب، على الرغم من أن التوازنات المحلية في أي قطر عربي ليست هي التي تقرر تسوية الأوضاع فيه، كما أنه لا محل من الإعراب لتلك التسويات في التوازنات الإقليمية، إنما المقرر الحقيقي لها هي التوازنات الدولية. ومن يطالع كافة قرارات ما يسمى "هيئة الأمم المتحدة" وما أكثرها بخصوص فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن والسودان، يجد أنها ليست سوى قرارات حبر على ورق، وأن المقرر الحقيقي هو إدارة الشر الأمريكية ومصالح الصهيونية العالمية التي تفرض قراراتها إن مباشرة أو من خلال ما يسمى "مجلس الأمن الدولي"، وهذا ما سينسحب على مجريات الأوضاع في فلسطين المحتلة إن في غزة أو في الضفة الغربية لنهر الأردن.
أخيراً يمكنني التأكيد بأن الأوضاع المتقلبة في المنطقة العربية هي حالة فريدة ربما في العالم كله التي لا يمكن لأي مراكز بحوث ودراسات أن تنجح في تقييمها لأنها تعتمد على أعراف وتقاليد تجمع ما بين العشائري والقبلي والعائلي، ولا اعتبار فيها لتطبيق القوانين إلا على عامة الشعب، حيث أنها وضعت ما يمكن اعتباره معادلة سياسية جديدة فرضت وجودها على قاموس السياسة العربية والإقليمية والدولية في تلك المنطقة، وهي أنه "لا شيء يتحقق إلا بالتراضي" في صراع أزلي بين مشاريع متعددة كلها خارجية تنسحب على داخل الأقطار العربية بأياد محسوبة على الداخل بدعم من محافل الشر الدولية والإقليمية وأنظمة عربية بينما الذين يدفعون الثمن هم أبناء الفقراء في تلك المنطقة التي تغلي بحراكات يومية لا يدري أحد متى تبدأ ومتى تنتهي، في الوقت الذي تتفكك فيه الدولة وتتآكل وتستيقظ مشاريع التفتيت كما في العراق واليمن ويحدث في سوريا وفي السودان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق