زمن المطولات والعنتريات انتهى/ فؤاد الحاج

 


انتهى زمن النقش والكتابة الإنشائية على جدار الزمن.. انتهى عصر الأحلام والمثالية.. لم يعد هناك مجال للعبارات المطولة والشعارات الرنانة والكلمات المفخمة. 

العالم بات في عصر سرعة الصوت والضوء واختزال المسافات.. انتهى عصر البلاغة" و"البيان" و"الاستعارة" و"التشبيه" و"المجاز"! 

الشعب الذي كان يؤمن بالتحرير وبالاشتراكية.. بات اليوم مع الأسف يبحث لقمة يسد بها رمقه ورمق عياله وعن حبة دواء توقف الصداع، وفي المقابل نرى أنه مازال هناك من يعيش أسير "حروف الجر" و"النصب" ويبحث في الجملة عن دور "واو العطف"، بعد أن تخلى عن دور "الفاعل" و"المفعول به"! 

تعلمنا من كتب التاريخ أن شمس العرب سطعت على الغرب وأضاءت للعالم علماً ونوراً ومعرفة لا حدود لها، بينما واقع العرب الراهن يسأل أين أصبح العرب؟ 

تغير العالم وبقي العرب متقوقعين يتحسرون على الماضي ويتباكون على الأطلال، ويتشاجرون فيما بينهم على منصات فضائيات وصفحات التواصل الاجتماعي عن جنس الملائكة! 

عمرنا ذهب سدى أدراج الرياح، حتى بتنا "ظاهرة صوتية" على الرغم من قساوة العبارة التي أطلقها الراحل الأديب عبد الله القصيمي في كتابه (العرب ظاهرة صوتية) حيث يقول: "إن العرب ليظلون يتحدثون بضجيج وادعاء عن أمجادهم وانتصاراتهم الخطابية حتى ليذهبون يحسبون أن ما قالوه قد فعلوه، وأنه لم يبق شيء عظيم أو جيد لم يفعلوه لكي يفعلوه."! 

توقف تاريخ العرب سنة 1973 بعد حرب تشرين أو حرب أكتوبر التي تخيلوا أنهم انتصروا بها، وبعدها تدحرجوا مستسلمين إلى أحضان الكيان الذي اعتقدوا أنهم حاربوه! وقبل ذلك سلموه مرتفعات الجولان دون حرب أو قتال! 

إننا بحاجة إلى قادة يتحدثون إلى الآذان والعقول بأخلاق وأصالة عربية بغير صهيل وضجيج وبيانات إدانة واستنكار ومطالبة ما يسمى "جامعة الدول العربية" و"هيئة الأمم المتحدة" بالتدخل لوقف ما يسمونه "القتال" في غزة وتقديم المساعدات، وتمديد عمل منظمة (الأونروا) "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى" التي تم تشكيلها بقرار من "الجمعية العامة للأمم المتحدة" عام 1949. 

إن الأمة تعاني من الضياع والاغتراب في آن معاً، فهي تائهة في شوارع الوطن لا تعرف إلى أين تذهب وما هو مصيرها، وتعاني من الاغترب الذاتي بسبب زعامات باعت الوطن للغرباء وباعت الشعب كلام لا يغني ولا يسمن من جوع. 

فهل يستفيق العرب على وقع إعلان اعتراف بدولة وهمية يسمونها "دولة فلسطينية" منزوعة السلاح، على غرار "سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني" مقابل استئناف تطبيع ما تبقى من أنظمة ناطقة بالعربية من المحيط إلى الخليج مع ذلك الكيان الغاصب لفلسطين بقوة محافل الشر الدولية بقيادة أميركية؟ واقتطاع أجزاء من أراضي غزة لإقامة مستوطنات تحت مسمى مناطق عازلة! 

إذا أردت عزيزي القارىء أن تعرف حقيقة الأوضاع في المنطقة العربية، عليك أن تبحث في كل الاتجاهات الإعلامية حيث ستجد مليون ناقد، ومليون محلل سياسي وخبير عسكري على فضائيات ممولة من أنظمة التطبيع، وضمنها ستجد مليون رأي، ومليون وجهة نظر، عندها ستعرف أنه لا معنى ومغزى لأي تحليل لأنهم يخلطون الحابل بالنابل، كما صارت الكتابة في عصر التفاهة حرفة من لا حرفة له. 

أخيرا أستذكر قولاً لمؤسس جريدة "نيويورك تايمز" (آرثر سالزبيرغر) (Arthur Hays Sulzberger) (1891 – 1968)، أصبح قاعدة هامة من قواعد الإعلام في دول الغرب بشكل عام يقول: "احجب المعلومات الصحيحة عن أي إنسان، أو قدمها إليه مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعاية والزيف، تدمر كل جهاز تفكيره، وتنزل به إلى ما دون مستوى الإنسان". وهو النهج الذي تتبعه اليوم الصحف ووسائل الإعلام الغربية والعربية على حد سواء، بحجة "الديمقراطية"، و"حرية التعبير عن الرأي"، و"الرأي والرأي الآخر"!. 

6/2/2024 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق