الشاعرةُ والكاتبة "سامية شاهين ياسين " من سكان مدينة عرابة البطوف – الجليل – فلسطين ، حاصلة على اللقب الثاني (الماجستير) في موضوع الإستشارة التربوية من جامعة بار إيلان . وتعملُ الآن مستشارة تربوية ومعالجة عاطفية في أكثر من مدرسة ومؤسسة تربوية .
تكتبُ الشعر والخواطر والقصة والمقالات المتنوعة منذ أكثر من عقدين من الزمن وقد أبدعتْ وتألقت في جميع الألوان الادبية ، وخاصة في مجال الشعر وأدب الأطفال . صدر لها حوالي 15 قصة للأطفال وثلاثة دواوين شعرية . وهذا الديوان ااذي بين أيدينا الآن هو الديوان الرابع الذي تصدره ، وكان لي الشرف الكبير في كتابة مقدمته .
تتمحورُ قصائدُ هذا الديوان في عدة مواضيع :غزلية ووجدانية ووطنية وإنسانية ووصفيَّة وغيرها . ومن الناحية الشكلية والبناء الخارجي للقصائد الشعرية معظم قصائد الديوان كلاسيكية تقليدية ( موزونة ومقفاة)، وهنالك بعض القصائد على نمط الشعر الحديث وقريبة إلى شعر التفعيلة لأن هذه القصائد لا تلتزم دائما بتفعيلة واحدة وبوزن واحد فهي مزيج بين الشعر الحديث الحر وشعر التفعيلية المتقيد بالوزن وبتفعيلة معيَّنة .
وفي قصائدها الكلاسيكية الموزونة والمقفاة أيضا نجد هنالك قصيدتين تستعملُ فيهما أكثر من وزن...حيث تستعمل في القصيدة الأولى وزنين متشابهين وهما : الرجز والكامل .. وفي قصيدة أخرى تستعمل في نفس القصيدة وزني الهزج ومجزوء الوافر المتشابهين والقريبين من بعضهما كثيرا جدا .
تمتاز قصائدُ هذا الديوان بجازلة اللفظ ومتانة اللغة وبالسلاسة والانسياب الموسيقي وبالتكثيف من المعاني والصورالشعرية والتعابير والاستعارات البلاغيَّة الحديثة والمبتكرة. ويلتقي ويجتمع في شعرها الكلاسيكي والحديث جميع عناصر الجمال والإبداع والتّميُّز ... وحتى في شعرها الكلاسيكي المقيد بالوزن والقافية والروتين والرتابة لا نشعر بالرتابة والروتين .. بل بالحداثة والسحر والجمال والإبداع .. فقصائدها التقليديَّة في شكلها وبنائِها الخارجي فقط.. وأما في مضمونها وفحواها فهي مترعة بالحداثة والتجديد والإبتكار والتكثيف في المعاني العميقة والرائدة والاستعارات والتعابير والمصطلحات البلاغية الجديدة والصور الشعرية الجميلة والمبتكرة.
في بعض القصائد تستعملُ القوافي الصعبة في نهاية القصيدة - كقافية السين في القصيدة الأولى من الديوان بعنوان : ( سيدة الجمال) . وتُدخلُ أيضا بعضَ الكلمات الصعبة جدا المأخوذة من المعاجم ، وربما لا يفهم معانيها الأشخاصُ المتمكنون والضليعون في اللغة العربيَّة ، مثل كلمة "ديماس" ومعناها الحفرة أو الشيىء المطمور والمخفي أو الغرفة المظلمة ، وقد أدخلتها ووظفتها بشكل صحيح وتقني فتعطي للبيت وللجملة الشعرية بعدا جماليا ولفظيا وبلاغيا أسمى . تقول في القصيدة :
(حُسْنُ اَكتمالُ الوجهِ من أقباسِ يَا رقّةً جَذَّابَةَ اَلْإِحْسَاسِ
دَرْبُ اَلْمَخَاضِ بجَوْفِهَا مِتْرَاسٌ بَيْنَ اَلضُّلُوعِ طَرَائِق اَلدِّيمَاس ِ )
ولها في هذا الديوان العديد من القصائد الوطنية الرائعة ، مثل " قصيدة في رثاء الشهيدة "شيرين أبو عاقلة " ... وقصائد أخرى لمنطقة النقب المهددة بالمصادرة و لفريق كرة القدم المغربي الذي شارك في المونديال وغيرها من القصائد . وأمثلة على ذلك تقول في رئاء الشهيدة شيرين أبوعاقلة والقصيدة على وزن مجزوء الكامل :
( تلكَ الشرين العادية طرق النضالِ القاسية
في عينها نجم ْ علا حقُّ الشّهادةِ سارية ) .
وتقولُ في قصيدة نظمتها للنقب ونضال أهله ضدّ سياسة مصادرة الأراضي والتهجير :
عصي القهر يا نقبي بك الامجاد كاللهب
فذاك السلب مستعر فحدّ السيف كالشهب
وأقدم نموذجا أخرمن شعرها الوطني - قصيدة مهداة للمغرب العربي :
( يا أُسُودًا في الصّحاري نصرُكم مجدُ المَعالي
مَغربٌ عُرْبِيْ وشَعْبِيْ سيفُها والنَّصْلُ عالي
لا تُبالي مِن رياحٍ لا ولا عصفِ الأعادي
فوزُكم شمسُ الصّباحِ عانقتْ طُلْسَ الجِبال )
وقصائدُها الوطنية جميلة جدا وصداقة ومعظمها يشوبُها الطابعُ الحماسي ..والبعض من القصائد الوطنية هي كأناشيد وملائمة جدا أن تلحن وتغنّى وتنشد في المناسبات الشعبية والوطنية . وتذكرنا بقصيدة " "موطني" للشاعر الكبير ابراهيم طوقان التي ذاع صيتها في كلِّ مكان وتردد على ألسنة الجميع .
وأما قصائدها الغزلية ففيها سحرٌ ونكهة وأريج خاص ومميز، وفيها الجمال والسلاسة والإنسياب الموسيقي والرومانسية الحالمة ، وفيها أيضا المعاني العميقة والفلسفية والشطحات الصوفية ويترعها الجانب الإنساني ،ونستشفُّ منها الحبَّ العذري العفيف والبراءة والشفافية والمثالية وجمال وعذوبة الألفاظ وروعة المعاني وسحرها ..ونجد فيها الرموز والإيحاءات والاستعارات البلاغية الجديدة والمعاني العميقة والتوظيفات الدلالية .
وفي قصائدها الحديثة المتحررة من الطابع الكلاسيكي وروتين القوافي نجد أيضا كلَّ عناصر الإبداع مجتمعة ، بيد أن قصائدها الحديثة موغلة بالغموض والرموز والتوظيفات الدلالية أكثرمن القصائد الكلاسيكية والمعاني فيها أعمق وأشمل ..ربما لأن القصائد الحديثة لا يوجد فيها تقيد بوزن وقافية فتكتب الشاعرةُ بسهولة وتلقائيّة وانسياب أوسع ، وتركز أكثر على المعاني والفحوى والعمق في المواضيع .
وفي جميع كتاباتها الكلاسيكية والحديثة هي شاعرة مطبوعة ..أي خلقت شاعرة وعندها الموهبة الربانية المميزة من الفطرة ...ولهذا فهي مبدعة ومتألقة وتنطلقُ وتنبثقُ معظمُ كتاباتها بعفويَّة وبديهية وتلقائية كأشعة الشمس التي تتهادى وتنير كلَّ شيىء أمامها .
بعض الأمثلة من شعرها الغزلي :
( أنصف العدلَ و جافي في كؤوسٍ من حنين
كم نظمتُ الحبَّ طوعًا في بحورٍ من لَجين
وجرعت ُالصبر َكأسًا دافقا في كل ّحين )
وتقول أيضا :
( بَيْنَ أهْدَابِ اَلْحَبِيبِ كَوْكَبٌ ضَاءَ اَلْمَزَايَا
تِلْكَ أَعْرَاسُ اَلرَّبِيعِ داعبَ القنديلُ نَايا )
ونجد في شعرها ، وخاصة في قصائدها الحديثة بعض التوظيفات الدلاليَّة المستمدَّة من التاريخ والتراث والكتب المقدسة ، مثل:
( لَا مَحَال
رَائِحَةُ اَلزَّعْتَرِ
وَحِجَارَةُ اَلْأُمَوِيِّينَ
وَالْفَاطِمِيِّينَ
تَنْطِقُ بِعَبَقِ اَلزَّيْزَفُونِ …
فَهْم عَابِرُونَ فِي زَمَنِ اَلْغَائِبِينَ ….!!!
فلنا الماضي
ولنا الحاضر
عائدون عائدونَ عائدون
ما دامَ
التّاريخُ محفورًا
بنصرِ صلاح ِالدّين …..)
وتقول أيضا:
(وبلّلَ مَبسَمَها
العِشقُ
معَ الأفلاكِ
وتاهَ في نُورِ
الفَجرِ
فتنفَّسَ من
صَدرِ مَداهْ
الهُدهدُ تُحلّقُ
للوعدِ الأصدقِ
ومُلكُ سليمانَ
آزرَها
في الحُلْمِ
غَنّاهْ ) .
وأخيرا وليس آخرا : إن هذه المقالة هي مقدمة مختصرة لديوان شعر وليست دراسة نقدية مطولة ، ولهذا لا أريد الإطالة.. وأريد القول : إنَّ هذا الديوان على مستوى عال وراق وَيُعدُّ من الإصدارات الشعرية الراقية والمُميَّزة على الصعيد المحلي بعد أن غصت وامتلأت الساحةُ الأدبية والثقافية المحلية بالكثير من الإصدارات الشعرية والأدبية التي لا ترقى إلى المستوى المطلوب . فنهنىء الشاعرة والكاتبة القديرة والمبدعة سامية شاهين ياسين على هذا الإصدارالقيِّم والمميز ونحن دائما في انتظار أعمال واصدارات أخرى جديدة إبداعية لها في الوقت القريب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق