إن واقع الحال يقول أن لبنان لم يعد للبنانيين، فما العمل من أجل استعادة لبنان وإنقاذه من جلاديه؟ وما هو دور المغتربين في هذا المجال؟ كي لا أطيل أقول أن ذلك ممكن عن طريق إقامة تجمع للمغتربين اللبنانيين في أنحاء العالم دون أن يكون للسياسة دور في هذه التجمع مع علمي بصعوبة ذلك لأن إرادة اللبنانيين المقيمين مسلوبة ومنقسمين طائفياً ومذهبياً وكذلك هم في المغتربات، ولكن ليس من المستحيل أن يقوم بعض الحياديين المخلصين بالدعوة والعمل على تحقيق قيام تجمع للبنانيين في أماكن تواجدهم كما أعتقد، بدلاً من البكاء على الأطلال ونتغنى بعشق بلد الجمال ومناظره الطبيعية الخلابة، وبالميجانا والعتابا، وهيهات يا الزلف، وبحبك يا لبنان، وزينا لبنان، وإلى ما هنالك من منوعات ودبكات فولكلورية تحتل أفق عقل اللبناني المغترب. وإلى أن يتم تشكيل تجمع للبنانيين في المغتربات وأكرر رغم صعوبة ذلك لإنقاذ لبنان من براثن جلاديه المتحكمين براب البلاد والعباد، فأنني أرثي وطن الآباء والأجداد، ولكن قبل ذلك يجب أن نعرف أي وطن نرثي؟ لبنان الجريح الذي ضاعت جثث شهدائه عبر تاريخه وآخرها جثث انفجار مرفأ بيروت، حيث جعلوه عارياً وهجموا عليه هجوم الضواري وسلخوا عن جلده الرداء الذي استتر به منذ إعلانه جمهورية، وأضاعوا عزيمة أبنائه الذين انتفضوا مطالبين بوطن لكل أبنائه دون تمييز منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019، ثم شردوا أهله الذين تاه بعضهم على أرصفة الاغتراب، وبعضهم ابتلعته بحار الظلمات هرباً من حكم الطغاة.
أم نرثي عروبة لم تنحن لطاغية عبر الزمن إلى أن جاء الطغاة وتسلطوا على حكم البلاد وهم يلبسون مسوح النظام الدولي الجديد وإن اختلفت ألقابهم، فهذا أمير وذلك ملك وذاك رئيس، وآخر حامي المقدسات، وما إلى هنالك من ألقاب يقودون شعبنا والبلاد إلى مهاوي الخراب من أجل المحافظة على عروشهم التي باعها لهم بعض نماذج المثقفين وتجار الكلام الذين يندى لهم الجبين.
إننا نرثي لبنان كما نرثي العراق وسوريا وفلسطين واليمن والسودان وبلدان عربية أخرى، لأننا والحمد لله لا نملك سوى نعمة الثاء التي تجود بها قريحتنا، فسبحان من أكرم العبد وجعل موطن الآباء والأجداد مهبط الوحي ومرتع الرسل والأنبياء، ولعنة الله على كل كاتب جعل من هؤلاء الزعماء والحكام والقيادات آلهة تُعبد.
إننا نرثيك يا وطن الآباء والأجداد ونحن غارقون في مآسيك، نحمل على كواهلنا عبء فجيعتك في حكامك وقادتك ونوابك ووزرائك.
إننا نرثيك يا وطن بعد أن مزقوك وشردوا أبنائك وجعلوا من أرضك التي اجتاحوها كما التتار وهولاكو وجنكيزخان وتيمورلنك والفرس اجتاحوا عراق التاريخ والحضارات وفتكوا بأجساد أطفالك ورجالك واغتصبوا نساءك واستباحوا حرماتك، كما الصهاينة فعلوا في فلسطين.
ولا يسعني هنا إلا أن أردد قول الشاعر نزار قباني:
يحاول الطغاة أن لا يشربوا الخمر
وأن ولا يأكلوا الميتتة والخنزير
إلا أنهم..
لا يخجلون مطلقاً أن يأكلوا الإنسان!
إنك تستحق يا وطن الآباء والأجداد أبلغ الرثاء ونحن نشهد اليوم أنهار الدماء في غزة وقتل الأطفال والغضب يعترينا دون أن يحرك ذلك ساكن أي من الحكام والزعماء والقادة والرؤساء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق