رسائل خاصّة جدّاً: إهداء: إلى أميرة الوجد (ش. ح)/ فراس حج محمد



[وَلِي وَلَهَا فِي النَّاس قَوْلٌ وَسُمْعَةٌ/ وَلِـــي وَلَــــهَا فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مَثَلْ... امرؤ القيس]


استهلال:

أتصوّر نفسي أكتب هذه الرسائل للمرة الأخيرة. لتشاركني فيها نفسي ونفسها مرسلاً ومرسلاً إليها في ذات اللحظة، لأفتح جعبتي على آخر ما تبقّى من ألم اللحظة الناشئة عن "حبّ لا يعرف الرحمة". 

سأقول لحبّ كنت أرجو له أن يكون محصوراً في لقاء سريع على ناصية مقهى في مدينة ما، فنتناول فنجان قهوة مرّة، ونحن نعتقد أنّ في العمر بقيّة من لقاءات أخر، لكنّه فرّ كما تفرّ اليمامة تاركاً كلّ شيء نيّئاً حتّى اللغة التي لم تكن لتنضج إلّا بتلك النار التي أخذت تتمدّد في أحشائي؛ فتجعلني سديماً غير ملموم بين جوانب النفس التي لم تتعلّم من الضربة الأولى، وظلّت كالفراشة حائمة لتصلى بنارها في كلّ معترك من طقوس الاشتعال التي لم تنتهِ. لذا، فأنا الآن وإلى كلّ غَدِكِ البعيد حزين جدّاً.

1

مَنْفضتي بحجمِ مسافةٍ بيني وبينكْ

وقامتيَ النّحيلةُ بعضُ دخانْ

رأسي المقطوعُ زهرةُ تبغٍ رماديّةُ الشَّعرْ

يدايَ متيبِّستانِ كغصنٍ فارغٍ مكسورْ

ليس لي شكلٌ 

ولا صوتٌ

ولا معنى 

لغتي وظيفيّةٌ فقطْ

كلّما اقتربتُ من حَنْجَرتي 

لم أجدْ متّسعاً للكلامْ

وقلبي قطعة كرتونٍ

ذو رائحة فاسدةٍ تشبهُ جملتينِ على المائدةْ

آكلُ أوّلَ السَّطر واحدةً

وأدّخرُ الأُخرى لجوعِ البائسينَ مِنَ النُّدَماءْ

2

مُــرّي عــليّ، فقلبي موجع قلق

يحتاج دفئك هذا الوالهُ الخفقُ

مرّي قليلاً فقد أظمئت ِكأس هوىً

والليل يعصف مجنونُ اللظى حُرَقُ

3

هِيَ وردتكِ المشتهاةُ 

حلمُ هذا الليل 

ما يعيد ترتيب الفراغ الداخليّ

لأكتب سطراً واحداً لا غير!

4

واستعدّي لانطلاقي 

كي نكون المفرَد المزدوَجا

جماليّونْ

تحملنا المعاني حيث يكون معنىً 

لا يكونْ

كلّ ما فينا سمائيٌّ 

وأزرقُ مثل البحر

من قشرة الجلد 

حتّى الفكرةِ المُستلهَمةْ

5

ما بيننا عشرون عامْ

ما زلتُ وسيما والقلب صلبْ

وكلّ شَيْءٍ فيّ صلبْ

وقصيدتي مع أنّها ورديّةٌ 

مثل ذاك "الشّيء" صلبةْ

عشرون عاماً لم تغيّرني كثيراً

إنّما جعلتِك شاعرةً من ياسمين

تحتضنّي كي أسيل كما يسيل الحريرُ 

على ضفافك أُصْلَبْ

ما بيننا عشرون عامْ

لكنّنا في الشِّعر أقربُ، أقربُ، أقربْ

6

هــي الـمـرأة الـنشوى حـنيناً وشـهوةً

هـي الـفجر فـي إشـراقة الروح تشرقُ

هــي الـلـيل عـند الـحلم تـعطيك رؤيـة

وتــســكـب أنـــــواراً لـــهــا وتــحــلّق

وتـخـلق مـنـك الـعـيد والـصـفو والـمنى

وتـكـتـب عــنـك الــحـظّ والـحـظّ يـبـرقُ

هي الرؤية المثلى هي النشوة الهوى

هــي الـكـلّ فــي سـرّ الـمحبّة تـخفقُ

7

سألقاك غداً عند آخر جادّة متعرّجة 

لأقول ما لم أقل من قبل

وأكشف كلّ أوراق النساءِ

وأعلن أنّني كنت أخونُ أفكار السماءْ

سألقاكِ هناكَ

ومعي دفاتر العشق 

وألبوم صورْ

وأغانٍ جمعتها كهديّة لكل عاشقةٍ 

تشقّق جلد رأسي 

وتجعل من وريد القلب خيط حذاءْ

8

ألا يكفي يا سيدة الليلْ 

ما تمنحينه للمجنون من عقل؟

ومن رؤيا تتفتح في الآفاق 

أبعد من فكرة متدلية في بقايا الوقتْ

ألا يكفي حوارٌ يجمع بين اثنين كلّ ما بينهما 

اتفاق في العبارة؟

أقرب من ضوء ومعنىً

أبعد من شوق لشوقْ

ألا تكفي المحبّة كي أكون صديق فكرةْ

لا تنتهي عند حدود عجز في اللغة؟

أستكمل ما ينقصني من حنينٍ 

للحنين إليكِ

كلما ارتوت المحاني بالحضور اللّا نهائيّ!

9

هنّ النساءُ من حولي كثيراتٌ جميلاتٌ 

وبيضاواتْ

سمراواتُ كشجرةِ حور 

ناعماتٌ مثل غيمةْ

دافئاتٌ مثل ريش الطيرْ

متدفّقات مثل عذب النهرْ

متقوِّساتٌ دون علةْ

متصلِّبات مثل نخلةْ

متحلِّبات مثل نديِّ وردةْ

متناغمات مثل نحلةْ

إنّما وحدك أغنيتي وواحدتي وجميلتي 

وجملتي المكتملةْ

فهل يحتاج الكمال لفجر غيرك؟

فكلّ النساء العالقات على شفاهي

تتلاشى دفعة واحدةً مثل ضبابْ  

ووحدكِ تبقينَ

حبّاً مستحيلاً أبديّاَ 

واشتياقاً واحتداماً واضطرابْ

ياسميناً

قهوةَ عشقٍ 

وعطرَ صباحٍ 

ووحياً لا يموت

تسرين في دمي الجاهز 

للورد تحية مبتكرة

في لغة الماء المقدّس

10

ليس بوسعي أن ألمّ صورتها وأمضي

ناعمة الخدّيْن

كأنّه الندى المسروق من لؤلؤ وشذى

طافح الحمرة راوٍ بالفرح

تضحكُ مثل أغنية جريئة

أستعمل معها الكناية كي أواريَ ما تعرّق من شفاهي السائلةْ

أكتبُ شيئاً سريعاً كي أوثّق ضوءها المنساب في ذاكرتي

ولا أمضي لشيء غيرها

هل أهاتفها؟

وهل ستأتي مثل موج الصوت كركرة العذوبة في غدير الماء؟

11

يا أيّها الوقت الّذي يجتاحني

طــعم الزّمان بدونها متعلقمُ

والـــوقت فيّ كأنّه متأرجحٌ 

متأبّــط شرّين يــهذي يسأمُ

12

هي إذ تمرّ فلا تمرّ 

عليّا

وتصدّني في هجر مدّ 

يديّا

وتعيدني قلقاً على 

أشباحها

فتمرّ بين الريح فيّْ 

حَرْفَيّا

وتلمّني في كلّ معنىً هاربٍ

متواطئ في اللثمِ من 

شفتيّا

وتنامُ في متنِ الدقائقِ مثلما

نامت نتوء الصوتِ في 

عيْنيّا

خرفت بها لغتي المترجَم 

سطرها

بأنين ما يأتي من الطيوفِ 

لديّا

هي إذ تكونُ كما أكونُ 

كآهةٍ

سيّالة الشريان وهماً حيّا

13

الكون يبكي عليها غادرت شجني

حارَ القصيد فحنّ الجذع والورقُ

قنــاعةُ الــريح أنَّ الـــريح راحـــلة

تهذي اشتياقاً بعصــفٍ كلُّـه أرقُ

والحبـــرُ يسألُ عنها لم يجدْ خبَراً

فاهتــــاجَ يكتبهــــا والليل محترقُ

واللحــنُ منكسرٌ في عـــزفه خرفٌ

شــابتْ ربـــابتُــه وانتابــه الـرهقُ

الكلُّ فـي تعْــــبٍ يا بنتَ قــافيتي

الــوقتُ والقلْــبُ والآهاتُ والحبقُ

14

ما بين كلّ شبيهتينِ، صريعتينِ

وبكلّ ذات شهقة من موجتينِ

خفيفتينِ، ثقيلتينِ، سليمتينِ

جريحتينِ، عدوّتين، شقيقتين

تحيا المعاني إذ تموتُ 

ما بين كلّ نقيضتين جميلتينِ

ما بين كلّ مسافتينِ

ما عند عندي رؤية قامت شهيدة كلّ أمرٍ مرّتينْ

والفكرة الحيرى سطوعٌ فائرٌ

متمرّد، متشعّب في سرّ ذاتٍ فكرتينِ

(يا امرأة كونيّة)

تربو على حدٍّ تقاسم جملتينِ

وتفرّدت بمعارج ترجو الجلال بمقعدينِ

(يا امرأةً كونية التركيبِ)

حلّت بخافقين مناضلينِ 

أعقد عقدتينْ

صوفيّة كانت وكانت مرة أخرى صراع الفرقدينْ

في ليلها من نجمتين شريدتينِ

كيف اتقيتِ المشيَ فوق مسارحٍ من ناتئينِ بصخرتينْ

وجرحت ذاك الكبرياء لوردتين جريحتينِ

وشرحتِ للنور المعمم كيف إن يغر الضياءُ نسيج فكرٍ

حلةً من حلّتينِ

ألّفت ما يصدا فلا يهدا

وبرهنتِ النقانضُ شبهتينِ

15

وأنا أقول لها بهمستينِ

وقُبلةْ

وأعدّل اللغة الخؤونة في سطور صباحها

لتقوم قبلَهْ

وتضوّع الشعر الجميل على غصون الوردِ

تفوحُ مثلَهْ

هي كلّ شوق في الحنايا 

ساكنٌ

يهدي الغرام سبيله 

فيصير حِلّهْ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق