ذلك العائم نحو الغرب/ صبحة بغورة



أنهى الجيش الأمريكي أعمال إنشاء رصيف بحري عائم في شاطئ قطاع غزة بدعوى تسهيل وتسريع تدفق المساعدات الإغاثية والغذائية والدوائية لسكان القطاع وإنقاذهم من خطر انتشار المجاعة وتفشي الأمراض الفتاكة. وتسابق الشباب الفلسطينيون نحو عشرات الشاحنات الحاملة لشحنات المساعدات التي تم إنزالها.


تكون الولايات المتحدة بهذه المبادرة قد أرادت أن تبدي قدرا من التضامن الملموس مع الشعب الفلسطيني بقطاع غزة ، وحرصت على أن لا تطأ أقدام الجنود الأمريكيين أرض غزة فلا يساء بها الظن،وستجد كثيرا ممن سيمتنون لها بهذا الصنيع. 

جاء إنشاء هذا الرصيف البحري الأمريكي العائم في وقت أوغل الكيان المحتل خنجره ـ الأمريكي ـ عميقا في الجسد الفلسطيني إلى حد الموت قتلا بالرصاص وبالجوع والعطش وفتكا بالمرض، جاء بعد أن أفشلت أمريكا كل الجهود الدولية الساعية لوقف اطلاق النار ولوضع حد لعمليات الإبادة الجماعية وتدمير البنية التحتية في كامل قطاع غزة وبعد قنبلة المنازل على رؤوس سكانها وتشريد مئات الآلاف من المواطنين وتهجيرهم إلى العراء وإخراج العشرات من المستشفيات والعيادات الطبية من الخدمة ، جاء بعدمااعترضت على كل المشاريع الأممية لإدانة ممارسات الكيان المحتل واعتبرت سلوك هذا الكيان حقا مشروعا ودفاعا عن النفس!! 

هذا التقديم الذي يعلمه كل سكان الأرض يضعنا أمام مفارقة غريبة، هل كان على أمريكا أن تنتظر كل هذا الوقت ، أكثر من 7  أشهر من إغلاق المعابر والحصار الظالم لتتفطن في الأخير إلى حيلة الرصيف العائم لولا أن في الأمر شيئا آخرا غير الادعاء بانفطار قلب الإنسانية في أمريكا على مواجع الشعب الفلسطيني. إنها تعلم تعسف سلطات الجانب الآخر من معبر رفح في منع مرور قوافل المساعدات إلى داخل القطاع وتعمد إطالة أمد اجراءات الموافقة على دخولها للقطاع، إنها تعلم جيدا أن الجانب المصري يقدم كل التسهيلات والخدمات لمرور قوافل الشاحنات ويتكلف من أجل هذا الكثير والكثير جدا، وبرغم هذا كذبت أمام قضاة محكمة العدل الدولية وقد رأت أمريكا وشهد العالم عمليات إنزال المساعدات العربية جوا . لقد أصيبت شعوب العالم بنوبة قاسية من تأنيب الضميرفلم تتحمل السكوت عن الجرائم البشعة وهبت في مظاهرات عارمة تطالب بأعلى صوتها بتحرير فلسطين "free Palestine now  " هناك مسؤولية دولية ، إنسانية وأخلاقية تطبق على صدور المتخاذلين من دعاة السلام والديمقراطية، لقد حصحص الحق .

الإدارة الأمريكية ترى أن الوقت مناسب للإسراع في تطبيق مخطط بديل عن فشل مخطط تهجير الفلسطينيين قهرا وقسرا أو طوعا هو أقرب إلى الجبر من قطاع غزة إلى سيناء المصرية ، سيكون تهجير الشباب الفلسطيني هذه المرة بأسلوب مغاير وإلى وجهة أخرى، نحو الدول الغربية ليشكلوا هناك قوة عمل هامة في قطاعات الانتاج والخدمات خاصة في المجتمعات الغربية التي أصابتها الشيخوخة، ستجري وفق المخطط الذي يرتسم في مخيلة المحتل وحلفائه تصفية القضية بإخلاء قطاع غزة من سكانه وبرغبة فلسطينية بحتة بل وبتنافس محموم بين الشباب على اقتناص فرصة العمر المغرية وهي الهجرة الشرعية نحو بلاد الأمن والسلام والعيش الرغيد ، إنها فرصة نادرة سيحسدهم عليها الكثيرون من شباب دول إفريقيا وبعض الدول العربية والأسيوية الأخرى، إنه حل جذري لقضية عانى منها الكيان المحتل وطال أمد كابوسها عليه !وسيكون الرصيف العائم بقطاع غزة هو سبيل النجاة المتاح والآمن لسكانه ومنفذ الفرار من الجحيم والهروب السريع والمباشر نحو جنة الغرب.

الرصيف العائم سيكون جسرا يعبر بأحلام بعض الشباب والعائلات الفلسطينية أمواج بحر الغضب نحو الأمان لكن في أحضان بر آخر. هذا المخطط الجهنمي يراه الكيان المحتل وجيها وممكنا لو أن أمريكا بسطت كفها "بإكراميات إضافية " وبالمزيد من السلاح والقنابل الذكية والغبية لجعل حياة الفلسطينيين  جحيما لا يطاق وتحويل القطاع إلى منطقة غير قابلة للعيش فيها تماما ،من هنا يمكننا أن ندرك ما معنى أن توافق الإدارة الأمريكية على تسريح شحنات القنابل التي وصل الكثير منها هذه الأيام بحرا إلى رصيف الكوابيس العائم للكيان المختل عقليا والشاذ سلوكيا .  إن قوة تماسك الشعب الفلسطيني تنبع من إيمانه بعدالة قضيته ومن شدة تمسكه بأرضه التي روتها دماء أبائه وأجداده ، وأودعتها قوافل شهدائه أمانة منذ نكبة 1948 لدى الأبناء والأحفاد ، ولاشك لدى كامل الشعوب العربية والإسلامية في أن المؤامرات الغربية ستتكسر تباعا على صخرة الصمود الفلسطيني.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق