حياةُ آدمَ الأوّلِ ووفاته/ ترجمة ب. حسيب شحادة



 First Adam’s Life

By Kāmil Ifrāyim Salāma Alṭīf (1899-1983)


جامعة هلسنكي



בנימים צדקה (כתב וערך), אוצר הסיפורים העממיים של הישראלים השומרונים. מכון א. ב. ללימודי השומרונות, הרגרזים–חולון, 2021, כרך א’ עמ’ 33–36. كامل إفرايم سلامة ألْطيف: جمع المادّة وكتبها بالعربيّة والأمين صدقة ترجمها إلى العبريّة.

سبعة أيّام آدمَ وحوّاء في جنّة عَدَن

في البداية خلق الله السماواتِ والأرضَ، ثمّ خلق الأيّام، الشمس والقمر وكلّ الكواكب، الأشجار، الحيوانات، الطيور والدبيب. أخيرًا، أراد أن يخلُق الإنسان ليُدير كلَّ هذه المخلوقات. لهذا، بنى هيكلًا من التراب ونفخ في أنفه نسمة الحياة فصار آدمُ جسمًا حيّا [تكوين  2: 7؛ اُنظر حسيب شحادة، الترجمة العربيّة لتوراة السامريّين، المجلّد الأوّل: سفر التكوين وسفر الخروج. القدس: الأكاديمية الوطنيّة الإسرائيليّة للعلوم والآداب، 1989، ص. 9]. زوّده بعقل ليراقبَ كلّ أعمال الباري. كان آدم ابنَ عشرين سنة عندما خُلق [على ما يبدو وفق التقليد السامريّ]. وحينما فتح عينيه، فهم العالَم وخالقه، ونطق بالكلمات الأولى: الله إلهنا، الله واحد.

صورة آدمَ كانت شبيهةً بصورة الملائكة، لأنّه ميّز صورته عن شكل كلّ الحيوانات. وقد كان آدمُ يخاف دائمًا  من هذه الحيوانات، للانقضاض عليه. ذات يوم، وقع آدمُ في سُبات، أخذ اللله ضِلعًا من أضلاعه وصنع منها امرأة جميلة المنظر.

عندما رآها قال: عظْم من عظامي ولحم من لحمي لذلك تسمّى امرأة [تكوين 2: 23؛ اُنظر حسيب شحادة، ص. 11]. وضعهما الله في جنّة عدن ليتمتّعا بفاكهة أشجارها. الله نهاهما عنِ الاقترابَ من شجرة المعرفة، ما داما موجوديْن في الجنّة. كما نهاهما عن تناول فاكهة تلك الشجرة، وإلّا فسيُميتهما.

لقد فسّر حكماءُ الطائفة السامريّة شجرةَ المعرفة هذه، بتفسيرات مختلفة، وكلّ مفسِّر قدّم تفسيرًا مختلفا. كان من قال إنّ الشجرةَ شجرةُ تفّاح، لذلك يقال إنّ العظمة في عُنْق الرجُل والمرأة هي تفّاحة أبينا آدم. والدي، المرحوم  المغفور له، إفرايم سلامة الدنفيّ، ذهب إلى أنّ المقصودَ ”كرْمة العنب“، كما ورد في كتابه الموسوم ”قطف الأزهار“ [قرابة الألف صفحة، كما أبلغني الصديق الأمين صدقة،  7 كانون ثان 2023] وهو شرح لكلّ التوراة؛ ويقول إنّ  اللهَ حظر على آدم مسّ الكرمة قبل أن ينضج العنب.

عوقب أبونا آدمُ مرّتين في حياته. المرّة الأولى، عندما أغرى الثعبان، أخبثُ من كلّ وحشيّة الصحراء، زوجتَه وسألها  حقًّا قال الله لا تأكلا من كلّ شجر الجنان؟ فأجابتِ الزوجة: من ثمر الجنان نأكل ومن ثمر الشجرة هذه التي في وسط الجنان قال الله لا تأكلا منها ولا تدنيا بها كيلا تموتا  [تكوين 3: 1-3؛ اُنظر حسيب شحادة، ص. 11-13].

أجابها الثعبان: ”لا موتًا تموتان …انّ  في يوم أكلكما منها تنجلي بصيرتكا وتصيران كالملائكة عارفي الخير والشرّ“ [تكوين 3: 4-5؛  اُنظر حسيب شحادة، ص. 13]. عندها رغبت المرأة في الأكل من الشجرة، ذهبت وأكلت وأعطت زوجها آدمَ أيضًا فأكلا، في تلك الساعة، نزع الله عنهما رداءَ الجلْد الذي ألبسهما به، حين دخلا جنّة عدن فأصبحا عُريانيْن، فرأى كلّ منهما عَوْرةَ الآخر، فأخذا أوراقَ تين وصنعا منها أحْزِمة.

المرّة الثانية كانت عندما كان آدمُ داخلَ الجنّة، سمِع صوتًا عاليًا صارخًا من داخل جنّة عدن. اِرتعب آدم جدًّا لأنّّه علِم أنّ هذا كان صوت الله، راح  واختبأ. إلهه أخرجه من جنّة عدن لفلاحة الأرض، وطرده مع زوجته، ”واسكن شرقيّ جنان النعيم الأشباح“ [تكوين 3: 24؛ حسيب شحادة، ص. 15].

النقطة التي ينبغي التوقّف عندها هي: ما هي شجرة المعرفة؟ لا أستطيع أن أُنكر بأنّ شجرة المعرفة هي سفر التوراة، الذي خُلق يومَ خلق العالَم. وقد أكّد ذلك مَرْقِه، كبير الحكماء، بقوله: مشيئة الله هي الألواح، مشيئته التي نفّذها في ستّة أيّام [الخليقة]، وأقتبس ما كتبه الربّان إلعزر بن فينحس أيضًا ”خطّ يد وقارك، قبله بعظمة، الكتاب العظيم من أيّام الخليقة“.

عندما طُرِد أبونا آدمُ من جنّة عدن، أخذ معه ثلاثة كتب عظيمة وهي: كتاب الأعاجيب، كتاب النجوم وكتاب الحروب. وعندما أسكن الله الأشباح/الكروبيم شرقيّ جنّة عدن، ثمّة في المدخل لميع السيوف المتقلّبة، ولم يكن مثيلًا لها سوى شخصِ ملاكٍ واقف لمنع كلّ متحدّر من نسْل آدمَ، منَ الاقتراب من مدخل جنّة عدن. لذلك قيل: ”لحفظ طريق شجرة الحيوة“ [تكوين 3: 24؛ حسيب شحادة، ص. 15]. 

سكن آدمُ في جبل جريزيم، جبل البرَكة، مائةَ عام. قضى كلَّ أوقاته هناك بالتوْبة، بالصلاة وبعبادة خالقه. وفي النهاية، نزَل من هناك إلى نابلس، وسكن فيها مع زوجته. عاشا وحدَهما، وكانا يشاهدان معاشرة  الحيواناتِ. كان آدم يرى زوجته عاريةً، بلا ملابس. أُثيرت شهوتُه فجامعها، ولدت ابنًا سمّاه قايين. حملت ثانية فولدت ابنًا وسمّته هابيل. هما أولدا بنات أيضا.

آدم يبحث عن نورَ موسى في أبنائه

آدمُ لم يكن سعيدًا في داخله، عندما نظر إلى وجهَي قايين وهابيل؛ لأنّه لم يرَ علامة الصورة الملائكيّة، صورة سيّدنا موسى. قرأ آدم في الكتب الثلاثة التي كانت معه، بأنّ واحدًا من نسله سيحمل الاسم موسى، وسيكون ذا صورة نور جنّة عدن. لذلك، بدأ آدمُ بالصلاة ملتمسًا من إله كلّ الخليقة أن يُريه نور سيّدنا موسى. بعث الله لآدمَ ملاكًا ليعلّمَه الاسم يهوه (الاسم الصريح)، وهو عندنا ”شمه“، وهذا الاسم مكتوب بالترتيب العكسي ”هشم“ الذي كان ينطق به الكاهن الأكبر في أيّام الربّانين [المقصود: عهد الكهنة الكبار من سلالة فنحاس التي انتهت في أواخر القرن التاسع عشر ومجيء كهنة من ذريّة إيتامار شقيق فنحاس نجل هارون. أشكر صديقي الكاهن عزيز يعقوب النابلسيّ على إيفائي بهذه المعلومة، إلكترونيًّا في الثامن من كانون ثان العام 2023، وصديقي الأمين صدقة أجابني: الرببساه، الرباربس، في الثامن عشر من كانون ثان 2023 ] في سبوت الأعياد، الأعياد ورؤوس الشهور. حظر الله على آدمَ  أن يعلّم ذلك لنسله إلّا بإذن خاصّ.

كبُر الفتيان وقدّما قرابين لإلههما: ”… فعطف الله الى هابيل والى هديته والى قايين والى هديته لم يعطف“ [تكوين 4: 4-5؛ حسيب شحادة، ص. 17]، وسكن كلّ منهما بعيدًا عن أبيه وأمّه. ذات يوم، خرج آدم من محلّه ونظر نحوَ السماء، وإذ يرى أنّ العالَمَ مظلمٌ، كسوف الشمس وخسوف القمر، برق ورعد من كلّ الجهات. قال: الله أعلمُ ماذا حدث، قد يكون أحدُ ابنيّ عمل شرًّا بشقيقه؟ خرج يستفسر من ملاكه ما مدلول الأمر. عندها علم آدم أن قايين قتل أخاه هابيل. 

غادر آدمُ نابلس وانتقل للسكن في وادي بادان [البادان/ الباذان يقع 5 كم شمال شرقيّ نابلس، منطقة خلّابة، كثيرة الينابيع، جنوب شرقيّ طلّوزه]، وعند مرور قرن من الزمان على توبته، حبلت زوجته وولدت ابنا. نظر آدم إلى جبينه ورأى صورة النور الذي تمنّاه. 

دعا اسمه شث  ”اذ جعل لي الله خلفًا آخر عوض هابيل اذ قتله قايين“  [تكوين 4: 25؛ حسيب شحادة، ص. 19]. ولشث وُلد انوش وانوش أولد قينن الذي أولد مهلّليل وهذا أولد يرذ الذي أولد حنوك الذي أولد مثوشلح الذي أولد لمك. وولد للمك ابن في أيّام أبيه آدم أبينا. عندها قال آدم عن هذا الابن: ”هذا يسلّينا من أعمالنا ومن شقاء أيدينا من الارض التي لعنها الله“  [تكوين 5: 29؛ حسيب شحادة، ص. 23، 25] ودعا اسمَه نوحًا. 

عرف آدمُ من قراءته، صلاتِه وتعلّمه اسمَ الله، بأنّ طوفانًا سيحدث زمن نوح ويُفسد كلّ الأرض. 

حينما آن أوان آدمُ للموت، اِستدعى كلّ أفراد ذُرّيّته ومنها نوح، إلى مكان سُكناه في وادي البادان، وطلب منهم نقل جُثمانه إلى مكان اسمه عيول مطه،  في سهل الخليل/حبرون، إذ هناك مغارة مخصّصة لدفن الصدّيقين. أطاع أبناؤه أباهم وفعلوا ما أمرهم به. وحتّى يوم وفاته، علّم آدم نوحًا الاسمَ الصريح أي يهوه، بعد أن أذِن له ملك العالمين بتعليمه هذا الأمر العزيز.

بعد موت آدم، مات مثوشلح ولمك ونوح، ودُفنوا في المغارة ذاتها، ولذلك تدعى باسم ”قرية أربع“. نعرف ذلك من كتاب الأساطير. قُسِّمتِ التوراةُ إلى ثلاثة أقسام: القسم الأوّل للخارجين من جنّة عدن، الثاني للخارجين من سفينة/فُلْك نوح، والثالث للمختونين. دُفِنت في هذه المغارة نساءُ الصدّيقين الثلاث - سارة زوجة إبراهيم، رفقة زوجة إسحاق، ليئة زوجة يعقوب. في حين أنّ رحيل زوجة يعقوب، ماتت بحيضها، ولذلك دُفنت عند مدخل بيت لحم أَفْراتة. 

هكذا تعلّمتُ من قِصص الأوائل، عن أبينا آدمَ عليه السلام، ولم يبقَ لي إلّا الصلاة للخالق ليَهديَني لكلّ خير، ويرحمني برحماته الوفيرة، ويدلّني على فِعل الإحسان والخير، ويحميني من كلّ عدوّ شِرّير، ويضمن السلام العائلي.

سلامُ الله على سيّد الأنبياء والمرسَلين، موسى الأمين صاحب التوراة. دعونا نتمنّى كلُّنا أن يعلّمَنا صلاتَه يومَ العِقاب والثَّواب. 

**

وفاة آدمَ الأوّلِ

 First Adam’s Death

جمع وكتب بالعربيّة الكاهن  الأكبر عبد المعين صدقة (1927-2010)


בנימים צדקה (כתב וערך), אוצר הסיפורים העממיים של הישראלים השומרונים. מכון א. ב. ללימודי השומרונות, הרגרזים–חולון, 2021, כרך א’ עמ’ 37–40. بنيميم ترجم إلى العبريّة. 


آدمُ يستدعي ذُرّيّته قبل وفاته

قضى الله بنهاية آدمَ بالموت، لأنّه أكل من شجرة المعرفة: هكذا قال له: لا تأكل منها ان في يوم اكلك منها عقوبة تعاقب/موتًا تموت [تكوين 2: 17، اُنظر حسيب شحادة، الترجمة العربيّة لتوراة السامريّين، المجلّد الأوّل: سفر التكوين وسفر الخروج. القدس: الأكاديمية الوطنيّة الإسرائيليّة للعلوم والآداب، 1989، ص. 8–9]. لو أنّ آدمَ لم يأكلْ من شجرة المعرفة، أو شجرة الحياة، لكان أحدَ الملائكة، التسابيحُ غذاوه، ولا سيطرة للموت عليه. ولكن، كما هو معروف، لم تكن هكذا الحال.

عندما دنا يوم وفاته، استدعى آدمُ جميعَ أبنائه، ونوح على رأسهم، كلّ نسله، من صلبه، فجاؤوا إليه إلى مدينة البادان بجوار نابلس وجلسوا أمامَه.


مَغارة المضعّفة

أمرهم آدمُ أن يحملوه بعد موته إلى عيول مطه، في سهل الخليل/حبرون، ودفنه هناك. طالع آدمُ في الكتب التي جلبها معه من جنّة عدن: كتاب الحروب، كتاب النجوم، كتاب الأعاجيب - بأنّ سهل الخليل، قد خُلق ليُدفنَ فيه أبرار العالم الصدّيقون،  ثمّة يرقدون كلّهم في مَغارة المضعّفة. وقد خُلقت هذه المَغارة يومَ خُلقت شجرة المعرفة.

بحسب سفر الأساطير، خُصّصت المغارة لثلاثة أنواع من الصدّيقين:

1) خارجو جنّة عدن.

2) خارجو سفينة/فُلْك نوح.

3) المختونون.

نفّذ نسلُ آدم وصيّةَ أبيهم، ودفنوه هناك، ثمّ عاد الجميع مع نوح إلى أماكنهم. 

اِختلف موت ونهاية آدمَ عن موت ونهاية صدّيقين آخرين. لقد جرّبه الله مرّتيْن. أوجد الله تجربة الصدّيقين علامة وشهادة لاستقامتهم وورعهم، محبّتهم لله ومدى محبّة الله لهم. كما قال: ”لإشقائك ولامتحانك حتى يحسن اليك في آخرتك“  [تثنية 8: 16، اُنظر حسيب شحادة، الترجمة العربيّة لتوراة السامريّين، المجلّد الثاني: سفر اللاويّين سفر العدد وسفر تثنية الاشتراع.  القدس: الأكاديمية الوطنيّة الإسرائيليّة للعلوم والآداب، 2001، ص. 458–459]. كما قال الله في مكان آخرَ : ”… اذ ممتحن الله الّهكم اياكم ليعلم هل كنتم محبّين لله الهكم بكل قلوبكم وبكل نفوسكم“ [تثنية 13: 4؛ اُنظر حسيب شحادة، المجلّد الثاني، ص. 486–487].


تجارب آدم

أحدُ حكمائنا الكِبار، إبراهيم مفرج صدقة الصباحيّ، كان يقول: تجربة الأخيار، من الله قريبون. لذلك، فإنّ كلَّ التجارب التي مرّ بها آدم الأوّل، لم تُعَدّ إلا لإثبات بِرّه وورعه، وعلاوة على ذلك، لتبرير لقبه برئيس الأبرار الصالحين.

التجربة الأولى تمثّلت بإخراج آدمَ من جنّة عدن. تلك الساعة، كانت جدّ قاسية، حيث فيها أصبح آدم قلقًا وغير آمن. أخذتِ الحيوانات تهابه وهو يخاف منها أيضا. في حين أنّه في جنّة عدن، كانت لديه سيطرة كاملة على جميع المخلوقات، التي بجّلته كثيرا.

صبّ آدمُ جامَ غضبه على زوجته حوّاء، لكونها سببَ كلّ ما جرى له. أجرى آدمُ محادثة مفعمة بالغيظ مع زوجته:

آدم: ماذا فعلتِ؟ ما الفعلُ الذي فعلتِه؟

حوّاء: أنا لم أفعل ذلك.الثعبان أغواني فأكلتُ.

آدم: لماذا أطعتِ الثعبانَ الخبيث، وخالفتِ قولَ الله؟

حوّاء: الثعبان حضّني قائلًا: لا موتًا تموتان.

آدم: هل عرفتِ الموتَ الذي ينتظرُنا؟

حوّاء: كلّا، لا أعرف.

آدم: أوّلًا، خروجُنا من جنّة عدن، علامة على عذابنا في الحياة، ووقوعنا في أعمال شرّيرة، لأنّنا لن نستطيعَ أن نكون طاهرين لمدّة طويلة، ثانيًا، الويل لنا، فقدنا شرفَنا الأوّل، غذاؤنا كان الأمجاد والمدائح؛ شربنا من المياه المقدّسة، سلكنا سلوك الملائكة الذين لبّوا جميعَ طلباتِنا.

غرِق آدم وحوّاءُ في حزنهما وقتًا طويلا، إلى أن تسنّى لهما رؤية أحدهما الأُخرى بأنّهما عُريانان. اِستَحْيَيا جدًا؛ عندها عرف/جامع آدمُ حوّاء زوجته فولدت له قايين وهابيل.

التجربة الثانية كانت قتل قايين لهابيل، أظلمتِ الأرضُ في ذلك اليوم بوجه آدم، وعلم أنه مخطىء جدًا اتجاهَ خالقه. عندها وقف بين يدي ربّه وقال:

يا إلهي، أعرف أنّي أخطأتُ أمامَك، بجسدي، بأوتاري، بأعضائي وبعظامي. الخطيئة تلفّني. ناقضتْ أفكاري وشلّت حركتي، رمتني في يمّ الخطايا وجازتني شرّا. ها فقدتُ ابنيّ، الأوّل قَتل وأغضب ربَّه، والثاني قُتِل وولّى إلى الهلاك. هل خطيئتي عظيمة إلى هذا المدى في نظرك، لدرجة استحالة الرأفة؟

يا ربَّ العالمين، أنت إله رحيم حنون. أنت بشّرت العالَم بمجيء موسى. لا تنقض أقوالَك: ”ليس القادر انسانا فيكذب ولا ابن آدم فيندم“ [العدد 23: 19؛ اُنظر حسيب شحادة، المجلّد الثاني، ص. 313]. سامحني واغفر لي كلَّ خطاياي، ها أنا أُقدِّم نفسي وأكرّسها لاسمك العظيم الرهيب ، وأتوسّل إلى رحماتك الجمّة.

نتيجة لفعل قايين، شعر آدم أنه لم يَعُد بارًّا، وعليه أعلن عن تنسّكه. تنسّك مائة عام في عبادة الله، بالصلاة والصوم. واظب بصلاته ولم يعرف/يضاجع زوجته، ولم يلتفت إلى أباطيل/تُرَّهات الدنيا. 

ذات يوم، رأى علامة قبول مغفرة الله وعندها عرف/جامع زوجته، وأولد ابنا بصورته وشبهه، وسمّاه شث. فرح آدم جدًّا وشكر ربَّه وقدّم له قربان الشكر.

سافر آدم إلى البادان (آدم المدينة) ليكون قريبًا من جبل جريزيم المقدّس. عرف آدم أنّ اللهَ قبِل توبته وأعاد له منزلته صدّيقًا، كما حدّد الله عمر آدم، كما هي الحالة بالنسبة لجميع الصدّيقين.


يوم وفاة آدمَ

اهتزّتِ الأرض يومَ وفاة آدم، وظهرت علامات على الأرض وعلى السماء أدهشتِ المخلوقات، فسأل الواحد الآخر ما معنى هذا؟ لا أحدَ علم كنهَ هذا الأمر، إلى أن كشفت الملائكة أنّ آدم الأوّل، أبا البشر، رئيس الأبرار وأبو الصدّيقين، رئيس الأمناء وخير الأخيار، قد رحل عن هذا الدنيا.

سُرعان ما حلّ الحِداد في قلوب بني آدمَ واِكتنف البكاءُ الجميع.

آدم الأوّل كان ملجأ كلِّ من يسأل ويطالب، دليلَ كلّ ضالّ. اِجتمع كلّ أفراد ذُرّيّته، ابتداءً من ابنه شث وانتهاءً بنوح وبنيه، آخر نسله، فدفنوه. كلّ واحد من نسله، جاء من جهة أخرى في الأرض، وجلب معه حشدًا غفيرًا من أبنائه ورجاله. لا يمكن إحصاء عدد الأشخاص المرافقين لآدم عند وفاته، وقد دُفن باحتفال ضخم جدًا. كل ابن من أبنائه الصدّيقين ألقى كلمة عظيمة ثمينة وراء نعش آدم،  وصف فيها أخلاقه الحميدة، والتمس له الصفح والمغفرة من ربّه.

هنا برهان قبول توبة آدم، كما ورد في سفر الأساطير: لمّا خرج آدمُ من جنّة عدن، حمل معه حجرًا ووضعه في مكان اسمه ”ادرمس“، لعبادة ربّه. كما ورد: كما هو مدعوّ ادرمس وهو ربط آدم قبل خروجه من جنّة عدن. 

في هذا المكان، عبد آدمُ ربَّه طوالَ مائة عام تنسّكه، وفيه ظهرت علامة قبول توبة آدم. وثمّة إثبات آخرُ على موت آدمَ صدّيقًا. لأنّ اللهَ خلقه/جبله من تراب جنّة عدن.  هكذا تكلّم الله: ”وخلق القديم الله آدم ترابًا من الأرض“ [تكوين  2: 7؛ حسيب شحادة، مج. 2، ص. 9]، وإن خلقه في جنّة عدن فالتراب من هناك، من جنّة عدن أو من تراب جبل جريزيم - بوّابة جنّة عدن. لذلك قال  الفقيه الشيخ إسماعيل بدر رميح [أواخر القرن السادس عشر وبدايات السابع عشر، تلميذ إبراهيم يوسف القبّصي؛ نظم الشعر، قاضي إسرائيل؛  مؤلّف مولد موسى وكتاب شرح الاثنتين والسبعين توروت. يبدو أنّه أوّل من ذكر بصراحة كتاب الأساطير، اُنظر مخطوط SAM 25 في المكتبة الوطنيّة والجامعيّة في القدس، ص.  171ب، 175أ]

 في قصيدة ليوم الغفران في البيت شين: 

تجمّعتِ المياه كالبحار

وخلق من الحوض آدم

أساس الموجودات

الذي خُلق من تراب سفره- أي جبل جريزيم.

برهانٌ آخرُ: كان آدمُ الأوّل أحدَ اختيارات الله السبعة: آدم، السبت، النور، جبل جريزيم، ألواح العهد، إسرائيل، موسى. وقد ذكرها العالِم الكاهن خضر إسحق في قصيدته الثالثة ليوم الغفران - أُعطي العظمة لمن هو - لذي العظمة (تحرير: راضي صدقة، ص. 378–399، في الأبيات ز-ف، وقال هناك إنّ من يعدّ ”دمعة“/اختيار) مثل سيّدنا موسى عليه السلام، نهايته في جنّة عدن. كان ”صالحًا“ ومات ”صالحًا“ وأعلن خبرَ وفاته الملائكة الأبرار. والله عالم الغيب. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق