لطالما كان لمدينة حيفا أهمية كبيرة بسبب موقعها الاستراتيجي وإطلالتها الفريدة على ساحل البحر المتوسط، واستمر ذلك الأمر بعد الاحتلال كونها جزءًا من السهل الساحلي الذي تَجَمَعَ فيه معظم المهاجرين اليهود القادمين من الغرب، حتى بعد احتلال غزة والضفة الغربية.
إلى جانب أهميتها التاريخية كونها محطة على طريق التجارة بين الحجاز والشام، كسبت حيفا زخمًا كبيرًا لدى المستوطنين، ولعل أهم المراكز الحيوية فيها ميناء حيفا والمنطقة الممتدة التي تشمل خليج حيفا.
يعد ميناء حيفا من أكثر الموانئ حيوية بالشرق الأوسط، وأهم ميناء بالنسبة للاحتلال كونه يمدها بأهم الصادرات، وتخرج منه الواردات البتروكيماوية والتكنولوجية نحو أسواق التصدير.
بعد توقف ميناء عسقلان وخروج إيلات عن الخدمة، يعتبر ميناء حيفا الملاذ الأخير للكيان ليستقبل الصادرات من حلفائه الغربيين ويورد ما يمكن توريده وسط الأزمة الاقتصادية الخانقة جراء وجود أغلب موظفي الشركات التكنولوجية ضمن صفوف قوات الاحتياط منذ أكثر من 10 أشهر.
مع مرور الوقت أصبحت حيفا مركزًا حيويًا كبيرًا نشطت فيه الصناعات المتطورة مثل الصناعات التكنولوجية والبتروكيماوية، كما أنها تعد مركزًا لتكرير النفط وتخزينه إلى جانب مخازن الطاقة الأخرى، كل هذا عاد بالنفع الكبير على اقتصاد الكيان وجعل حيفا من أهم مدن المركز بتعداد سكاني وصل 300 ألف وقدرة عالية على جذب المستثمرين والسياح بناءً على ما ذكرناه من مواصفات.
كانت هذه المقدمة إيضاحية لإظهار حجم الضرر الذي سيتعرض له العدو لو تعرضت حيفا لأي هجوم مستقبلي بغض النظر عن حدة وطبيعة الهجوم.
لمحت المقاومة في لبنان عدة مرات عن قدرتها في استهداف حيفا، وتكرر ذكرها كثيرًا في التصريحات على مدار الأشهر العشرة الماضية، ولكن فيديوهات الهدهد التي ظهرت تباعًا أكدت النية الجادة بالاستهداف إذا انجرفت الأمور، وأظهرت دراية عالية بواقع المدينة وحساسيتها بالنسبة للعدو، ووصفت عمق المدينة بدقة، خصوصًا المواقع التي تحوي على مواد خطيرة ومخازن الصواريخ والطاقة.
جاعلة درة المتوسط والكيان نقمة عليها، فهي أيضًا ستكون مغناطيسًا للصواريخ ووجهة لها، كما كانت مصدر ثقل وأهمية كبيرة للعدو درت له أرباحًا طائلة على مدار العقود الماضية، فتَفَطُن المقاومة بمكامن الضعف للكيان سيجعلها أكثر إصرارًا على استهداف حيفا مستقبلاً بناءً على التمهيد السابق من خلال ما سمع ونشر، خصوصًا أن القوة اللازمة موجودة لمحاولة رسم خطوط ردع جديدة.
الكيان سارع إلى تقليل نسب الخطر في المدينة بعد سلسلة الاغتيالات، علمًا منه أن الرد قد يكون مختلفًا وأوسع هذه المرة، بعد أن حذر رئيس بلديتها أن المدينة لا تملك أي خطط دفاعية كافية في حال التعرض لهجوم مكثف، وأن أي هجوم على مخازن البتروكيماويات والأمونيا سينجم عنه كارثة ولو كان محدودًا.
ولا شك أن تأخر الرد جعل مدن المركز في حالة ارتباك، وبالأخص حيفا، فرغم تفريغ وإخلاء العديد من المواقع، لا تزال الخطورة قائمة، خصوصًا أن الاستخبارات الأمريكية حذرت الكيان بشدة من التهاون في التدابير هذه المرة، كون التأخر حسب تقدير الأميركي ناتج عن تجهيزات لهجوم ضخم وأسباب لوجستية.
ولكن بالمقابل، التوتر المرتقب مرتبط بشكل وثيق بما يحصل في غزة، فإذا أفضت المشاورات بالدوحة بمخرجات عقلانية حتى ولو أكدت المقاومة أنها تتمسك بمقترح الثاني من تموز، وأنها لن تشارك، قد يسهم ذلك في تقليص الرد وتخفيف الاحتقان، والكرة في ملعب الأمريكي الذي يجب أن يضغط على نتنياهو ليوافق على المقترحات كونه المعطل الأول لكل شيء بإعتراف وزير دفاعه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق