من أشعار الزمن القديم: تحت الحمراء/ د. عدنان الظاهر



( رثاء الوالد )

ثبّتْ أقدامكَ في الرملِ 

ثبّتها فوق وتحتَ سطوحِ الماءِ

فلقد ذهبَ الوالدُ في أغربِ أنواعِ الأسفارِ

لم يأخذْ تذكاراً حتّى للأهلِ

فقطارُ الموتِ يسيرُ على عَجَلِ

هيّا نركبْ للسفرِ الأَزَلي

فلقد رَكِبَ الوالدُ قبلي.


ثبّتْ وجهكَ في المرآةِ طويلاً

ستشاهدْ وجهَ أبيكَ الغائبِ والمرتحلِ

سوّاكَ ومن ثمَّ تخلّى

عنكَ يتيماً زمنَ التوقيتِ الصفري

خاطبْهُ بأيِّ لسانٍ يفهمُهُ

وأعذرْ إنْ لم يفهمْ لغةً ينطقها إنسانُ العصرِ

ففي الدارِ الأخرى

يتكلّمُ أحياءُ الموتى كملائكةٍ بعيونٍ حورِ

لغةَ الأمواجِ الخرساءِ بذبذبةٍ تحتَ الحمراءِ.


 السَفَرُ


أغربُ أنواعِ الأسفارِ

حَفِظتُ طَرائِقَ بَلواها حَرْفاً حَرْفا ،

سافَرتُ وَلمْ أدرِ

أنَّ الأسفارَ سَتَقْتُلني حيّا

وَسَتَقتلُ بَعدي أولادي

سَأُشَّرَدُ فيها وَأَجوعُ وَقدْ أَعْرى

وَسَأُدركُ بَعدَ الصَدْمَةِ أنَّ دُرُوبَ العودَةِ مُقْفَلَةٌ

أضْرِبُ في أرضٍ لا يَعْرفني فيها أَحَدٌ

لا يَسأَلُ عَنّي

لا يَعْنيهِ شيءٌ مِنْ أمري

لا سَكَنٌ أَقْضي فيهِ ليلي

لا أَحْمِلُ في جَيبيَ نَقْداً أو صَكّا 

أَتَخفّى ما بينَ ظِلالِ الأشجارِ نَهاراً كالحِرباءِ

خَوْفاً منْ أَجْهِزةِ البوليسِ السريِّ تُطاردُ أمثالي

وأُقضّي شَطْراً مِنْ مَلَكوتِ الليلِ

 مَخموراً حيناً

مَلعوناً حيناً أخَرَ مُفْتَرِشاً إحدى قاعاتِ مَطارٍ دَولي .


ماذا ؟؟      


ماذا ؟؟

هل أسمعُ حقاً صوتاً مثلَ النجوى

قبلَ صلاةِ الفجرِ غريباً يأتيني

يحملُ أخباراً من أهلي

من فجٍ في الأرضِ عميقِ ألأغوارِ

فأغادرُ مملكةَ النومِ غريبَ ألأطوارِ

من ثمّ أعودُ أجرجرُ بالخيبةِ أذيالي.

ماذا ؟؟

لا أنطقُ بالفصحى حرفاً ذا مغزى

وأمدّ ذراعاً لا تقوى

أنْ ترفعَ إبهاماً للأعلى

وأخاطبُ مخلوقاتٍ غادرت الدنيا قبلي

لم تأخذْني معها حتى

في رحلتها لترابِ القبرِ .

ماذا ؟؟

هل أبحثُ في الدنيا حقاً عن مأوى

أو سقفٍ يحميني

من ظلمِ سقوطِ غريبِ ألأمطارِ

عن جرعةِ ماءِ

من نهرِ فراتٍ عذبٍ جارِ ؟؟

ماذا لو خنقتني كالذئبةِ في مهدي أمّي

ولماذا ولدتني رغماً عنّي حيّا

أفما كان ألأفضل أنْ يرتاحَ كلانا منّي ؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق