الى راعي الكنيسة وحاميها - سيدنا وأبينا المطران بولس صليبا/ د. بهية ابو حمد

افتقدتك  يا سيدنا بولس ولَم أجدكَ - فذهبتُ الى مثواكَ الأخيرْ

حانَ وقتُ ألبتّ بالأمور الصعبة والقرارات الحكيمة والنافذة . اين انت يا سيدنا بولس ? ......متى سنبداء بالنقاش؟   والجدال؟  وطرح الأفكار ؟ والاستماع الى الاّراء لأنتقاء الصائب منها ؟ ......ما العمل؟ ومتى سنكمل المسيرة؟ ..... 

اقتربت من مذبح كنيستكَ - انحنيتُ خاشعة  - ومن ثم ركعت وصليت . 

ربي والهي !.... كم انا بحاجة لنوركَ الأزلي  !..... كم تمنيتُ لو كانت هناك وسيلة اتصال معك يا سيدنا وأبينا  بولس لأكمال المسيرة ...والعمل الكنسي..... والخيري .... تمنيات  دون جدوى وخالية من الأمل .....لا تجدي الا الهم والحزن. 

كم نحن بحاجة إليكَ يا سيدنا. 

كم نحن بحاجة الى ارشاداتكَ الثمينة؟ 

النفسُ حزينة - والقلبُ يدمي على موتكَ يا أنبل الخلق - الصلاةُ مستمرة  والبخور يقدم  لخالق الأكوان لأن يرحمكَ ويغفر لكَ خطاياك . 

 كم انتِ انانية ايتها الدنيا  ؟ ......تبغين كل شيء - وتأخذين كل شيء-  ولا تعطي الا القليلْ القليلْ.......

ايتها الدنيا!..يأتيكِ أعظمَ الناس بقلب نبيل وكفٍ معطاء فتاخذين منهم كل ما تبغين من أفكارٍ وأعمالٍ وانجازات،  وعطاء، ومال ، وعلم ، وثقافةً،  وابداع - وعندما تحصلين على كل أمنياتكِ - وعندما تنالينَ مرادكِ - تبدأين بالتعجرف.... فتظهرين أنانيتك العمياء رافضةَ بقوة انْ يستمر هؤلاء الناس بالعيش على ارضكِ  .... فتفرضين الرحيل الأبدي . 

كم انتِ قاسية ايتها الدنيا....  

اقتربتُ منَ القبرْ وقلبي يقطرُ دماً - ندَهْتٌ إليكَ فلم تجبْ - ندَهْتُ مراراً وتكراراً ولَم اجدي الا صمتَ القبورْ.....ارفضُ ان اصدقْ -   هذا اللحدُ ليسَ لكَ.....مكانٌكَ ليسَ هنا -مكانُكَ داخلَ الكنيسة لترنم  للرب  -  مكانُكَ وراء الهيكل لتقدمُ العظاتَ الغنية بمرادفاتها -  مكانُكَ في مكتبك لتتتابع وتراقب اعمالَ الأبرشية والكنائس التابعة لها .... لتناصرُ المظلومْ  ... لتأوي اللاجئين....ولتساعد الفقير عندما  يطرقُ بابكَ   . 

آه يا سيدنا !.... كم  آلمتَنِي برحيلكَ.... 

الهواءُ باردْ .... المقابرُ من حولي عديدة . قبور ضمت في كنفها اشخاصا كثيرين ..... لكلِ واحدٍ قصة .... ولكلِ واحدٍ هدف جاء به الى هذا العالم الفاني ليحققهُ ......ثم يرحل بسلامْ شئنا ام ابَيناَ  - والدنيا لا تسألًْ  او يرفُ لها جفنًٌ....تاويه في كنفها بأنانية مُطْلَقَةْ  وتعجرفٍ حاقدْ ..لا مجال للنقاشْ...حدث ولا حرج.

نم قريرَ العينِ يا سيدنا - ليكنْ ذكركَ مؤبداً.

انظر إلينا من السماء يا سيدنا - يا راعيَ الكنيسة وحاميها وصلي لأجلنا. 

رحمكَ الله يا سيدنا، يا كاهنَنَا الطاهرْ، ويا والدناَ الحنونْ.

المسيح قام 
‎خادمة الكنيسة
بهية ابو حمد 
31 July 2017

هذا كعبٌ ببردته، والحطيئة بجريرته، والفرزدق بصرخته/ كريم مرزة الأسدي

1 - هذا كعب بن زهير، وقصيدة البردة ( بانت سعادُ ...) ، وقصّتها وقصّته ، وقد خلدته .
 2 - الخليفة عمر بن الخطاب بين الحطيئة والزبرقان ، ومَن بينهما .
 3 - الفرزدق بين يدي هشام ، وصرخته بالولاء للإمام (هذا الذي تعرف البطحاء وطأته) ...!

تمتعوا بأروع قصص تاريخ الأدب العربي والإسلامي

 1 - كعب بن زهير بحضرة الرسول الكريم    (ص) ، و(بانت سعاد ) التي خلدته.
  المقدمة : كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني ، وأمه كبشة السحيمية ، كنيته أبو المضرَّب شاعر مخضرم عاش في نجد عصرين مختلفين ،هما العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام  ، ولادته لم يحددها مؤرخو الأدب ، ولكن وفاته دوّنها الزركلي في (أعلامه) سنة (26 هـ / 645 م) ، وهو سليل عائلة موهوبة بالشعر والحكمة ، فأبوه زهير بن أبي سلمى ، وأخوه بجير وابنه عقبة وحفيده العوّام كلهم شعراء ، درّب الزهير ولديه على نظم الشعر وإجادته تماماً ، خالياً من كلً عيب وضعف  حتى فاق كعبٌ الحطيئة في الشهرة ، فالرجل من الطبقة الرفيعة ، اشتهر في الجاهلية ، وهجا النبى ( ص) ، وشبّب بالنساء المسلمات ، فهدر الرسول دمه ، ومن ثمّ جاء مستأمناً  ، فأمنه ، وأسلم على يديه ، فأنشد الشاعر لاميته الشهيرة (بانت سعاد) (21) ، التي طارت شهرتها عبر الآفاق والأزمان حتى يومنا التعبان ، خمسها الشعراء الكبار ، وشطروها ، وعارضوها  ، وترجمها المترجمون الأكفاء في غربة الديار ، فتـُرجمت إلى الإيطالية ،  ونشرها مترجمة إلى الفرنسية المستشرق ، (رينيه باسيه ) ، وعني بها ، وشرحها شرحا جيدا، صدره بترجمة كعب ، وهنالك ترجمات إلى الأنكليزية ، واللاتينية ، والألمانية .
 
وللامام أبي سعيد السكري " شرح ديوان كعب ابن زهير" ،  ولفؤاد البستاني " كعب ابن زهير " ، وكلاهما مطبوعان  (22) ، وشرحها كثيرون من غيرالسكري ، منهم ابن دريد (933 م) ،والتبريزي (1109 م) ، وابن هشام (1360 م) ، والباجوري (1860م) ، وطبعت مراراً في أوربا  والشرق ، منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي في ليدن ، وفي القرن التاسع عشر  في هال وليبسيك وبرلين وباريس ، وفي مطلع القرن العشرين طبعته قسنطينة ، ثم بيروت سنة (1931 م) (23).

كعب وأخوه بجيرابنا زهير ، وموقفهما من النبي (ص) :

يذكر ثعلب  في (مجالسه) خرج كعب وبجير ابنا زهيرٍبن أبي سلمى " إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى بلغا أبرق العزاف فقال لبجير: الق هذا الرجل وأنا مقيم لك ها هنا فانظر ما يقول. قال: فقدم بجير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع منه فاسلم، وبلغ ذلك كعباً فقال :
ألا أبلغا عني بجيراً رسالة  *** على أي شيء ويب غيرك دلكا
على خلقٍ لم تلق أماً ولا أبا ****  عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
قال فبلغت أبياته رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدر دمه، وقال : " من لقى منكم كعب بن زهيرٍ فليقتله " . فكتب إليه بجير أخوه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمك. ويقول له : انج وما أرى أن تنفلت. ثم كتب إليه بعد ذلك يأمره أن يسلم ويقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول له : إنه من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ،  قبل منه رسول الله وأسقط ما كان قبل ذلك. فأسلم كعبٌ وقال القصيدة التي اعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها : " بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ " ، ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وكان مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه مكان المائدة من القوم ، حلقةً ثم حلقة ثم حلقة ، وهو في وسطهم، فيقبل على هؤلاء فيحدثهم، ثم على هؤلاء ثم هؤلاء ، فأقبل كعبٌ حتى دخل المسجد، فتخطى حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، الأمان. قال: ومن أنت؟ قال : كعب بن زهير. قال : أنت الذي تقول ، كيف قال يا أبا بكر؟ فأنشده حتى بلغ :
سقاك أبو بكر بكأسٍ روية *** وأنهلك المأمور منها وعلكا
فقال : ليس هكذا قلت يا رسول الله ، إنما قلت :
سقاك أبو بكرٍ بكاسٍ روية *** وأنهلك المأمون منها وعلـكا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مأمونٌ والله " ، وأنشده :
" بانت سعاد فقلبي اليوم متبول " ، حتى أتى على آخرها . " (24)
   ويذكر ابن كثير في (بدايته ونهايته ) رواية أخرى ، وعلى العموم الروايات عن سيرة الرسول (ص) ، وأحاديثه ، تـُمحّص كثيرا ، ويُبحث عن سندها ، وثقة رجالها ، فهي أقرب لواقع حالها، وإن اختلف بعض مضامينها، إليك ملخص ابن الكثير، وقارن : في موسم حج سنة ثمان هـ ، بقى أهل الطائف على شركهم من ذي القعدة حتى رمضان سنة تسع هـ ،   ولمّا قدم رسول الله (ص) من منصرفه عن الطائف ، كتب بجير بن زهير ابن أبي سلمى إلى أخيه لابويه كعب بن زهير يخبره أن الرسول لا يقتل أحدا جاءه تائبا ، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الارض .
وكان كعب قد قال :
ألا بلغا عني بجيرا رسالة ***فويحك  فيما قلت ويحك هل لكا
 فبين لنا إن كنت لست بفاعل ٍ**** على أي شئٍ غير ذلك دلكا
 على خلق لم ألف يوماًاً أباً له  ***عليه وما تلقى عليه أبا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ٍ**** ولا قائل إما عثرت لعالكا
سقاك بها المأمون كأسا روية ** فأنهلك المأمون منها وعلكا
قال ابن إسحاق: وبعث بها إلى بجير، فلما أتت بجير أكره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشده إياها، فقال رسول الله (ص) لما سمع (سقاك بها المأمون) : " صدق وإنه لكذوب أنا المأمون ، ولما سمع (على خلق لم تلف أما ولا أبا ... عليه)  - كذا - قال : " أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه " .
قال ثم كتب بجير إلى كعب يقول له :
من مبلغ كعبا فهل لك في التي***** تلوم عليا باطلا وهي أحزم
 إلى الله لا العزى ولا اللات وحده***فتنجو إذا كان النجاء وتسلم
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت** من الناس إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شئ دينه * **** ودين أبي سلمى علي محرم
قال فلما بلغ كعب الكتاب ضاقت به الارض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره من عدوه ، وقالوا هو مقتول ، فلما لم يجد من شئ بدا قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله (ص) ، وذكر فيها خوفه وإرجاف الوشاة به من عدوه، ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة ، فغدا به إلى الرسول  (ص) في صلاة الصبح فصلى معه ، ثم أشار له إلى الرسول ، فقال هذا رسول الله ، فقم إليه فاستأمنه ، فقام ، وجلس إليه ،  ووضع يده في يده ، وكان الرسول لا يعرفه ،  فقال : يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن جئتك به ؟ فقال الرسول " نعم " ، فقال إذا أنا يا رسول الله كعب بن زهير ، وثب عليه رجل من الانصار فقال : يا رسول الله، دعني وعدو الله أضرب عنقه ؟ فقال: دعه عنك فإنه جاء تائبا نازعا " قال : فغضب كعب بن زهير على هذا الحي من الانصار لما صنع به صاحبهم، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير. (25)
وفي ( مجالس ثعلب ) عن موسى بن عقبة ، أنه  قال : أنشد كعب رسول الله (ص) في مسجده بالمدينة (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول)
فلما بلغ :
إن الرسول لسيفٌ يستضاء به*****مهنَّذ من سيوف الله مسلول
في صحبةٍ من قريشٍ قال قائلهم  ***ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاسٌ ولا كشف ***** لدى اللقاء ولا ميلٌ معازيل
أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحلق أن يسمعوا شعر كعب بن زهير (26)
، وورد في بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه بردته حين أنشده القصيدة ، وقد نظم ذلك الصرصرى في بعض مدائحه ، وهكذا ذكر ذلك الحافظ أبو الحسن بن الاثير في الغابة، قال : وهى البردة التى عند الخلفاء . (27) ، وأن البردة النبوية بيعت في أيام المنصور الخليفة العباسي بأربعين ألف درهم ، وبقيت في خزائن بني العباس إلى أن وصل المغول . (28) ،
أمّا القصيدة البردة ، فهي لامية من البحر (البسيط)  ،لا تتجاوز ( 58 ) بيتاً ، تقسم إلى ثلاثة أقسام : ما بين أبياتها (1 - 12) ، يطلّ بإطلالتها الغزلية المألوفة في عصره ، ويواصل مسيرته ، من خلال أبياته العشرين التالية (13 - 33) ،  لوصف ناقته ، محبوبته الثانية ، ورفيقة صحرائه ، وليله ، وما تبقى منها ( 34 - 58)، يخصصها للاعتذار من النبي (ص) ، ومدحه ، ومدع المهاجرين ، وإليك منها ، ومنهلها :
بـانَتْ سُـعادُ فَـقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ *****مُـتَـيَّمٌ إثْـرَها لـم يُـفَدْ مَـكْبولُ
وَمَـا سُـعَادُ غَـداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا **إِلاّ أَغَـنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
هَـيْـفاءُ مُـقْبِلَةً عَـجْزاءُ مُـدْبِرَةً *** لا يُـشْتَكى قِـصَـــرٌ مِـنها ولا طُولُ
تَجْلُو عَوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابْتَسَمَتْ ****كـأنَّـهُ مُـنْـهَلٌ بـالرَّاحِ مَـعْلُولُ
أكْـرِمْ بِـها خُـلَّةً لـوْ أنَّهاصَدَقَتْ ***مَـوْعودَها أَو ْلَوَ أَنَِّ النُّصْحَ مَقْبولُ
ولا تَـمَسَّكُ بـالعَهْدِ الـذي زَعَمْتْ ***** إلاَّ كَـما يُـمْسِكُ الـمـاءَ الـغَرابِيلُ
كـانَتْ مَـواعيدُ عُـرْقوبٍ لَها مَثَلا ****** ومـــا مَـواعِـيدُها إلاَّ الأبــاطيلُ
تَـمُرُّ مِـثْلَ عَسيبِ النَّخْلِ ذا خُصَلٍ ******  فـي غـارِزٍ لَـمْ تُـخَوِّنْهُ الأحاليلُ
تَـسْعَى الـوُشاةُ جَـنابَيْها وقَـوْلُهُمُ *****    إنَّـك يـا ابْـنَ أبـي سُلْمَى لَمَقْتولُ
فَـقُـلْتُ خَـلُّوا سَـبيلِي لاَ أبـالَكُمُ ******  فَـكُلُّ مـا قَـــــــدَّرَ الـرَّحْمنُ مَفْعولُ
كُـلُّ ابْـنِ أُنْثَى وإنْ طالَتْ سَلامَتُهُ ****** يَـوْماً عـلى آلَـةٍ حَـدْباءَ مَحْمولُ
أُنْـبِـئْتُ أنَّ رَسُـولَ اللهِ أَوْعَـدَني* ****** والـعَفْوُ عَـنْدَ رَسُـولِ اللهِ مَأْمُولُ
لا تَـأْخُذَنِّي بِـأَقْوالِ الـوُشاة ولَـمْ ***** أُذْنِـبْ وقَـدْ كَـثُرَتْ فِــــــيَّ الأقاويلُ
حَـتَّى وَضَـعْتُ يَـميني لا أُنازِعُهُ *******  فـي كَـفِّ ذِي نَـغَماتٍ قِيلُهُ القِيلُ
إنَّ الـرَّسُولَ لَـسَيْفٌ يُـسْتَضاءُ بِهِ ******* مُـهَنَّدٌ مِـنْ سُـيوفِ اللهِ مَـسْلُولُ (29)
ومما يستجاد لكعب :
و كنت أعجب من شيء لأعجبني***سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها  ******  فالنفس واحدة والهم منتشر
والمرء ما عاش ممدود له أمل  ****لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر(30)
أدعك بعد مقطع من القصيدة الخالدة ، وأبيات القدر المحتوم ما بين غمضة عين وانتباهمها ، لأدخل إلى عالم الحطيئة ، وقاعدهُ الكاسي ، ووقوفه بين أيدي الخليفة الفاروق ، الرادع للسانه ، وحامي الناس من بذاءة هجائه  !!
2 - الخليفة عمر بن الخطاب بين الحطيئة والزبرقان ، ومَن بينهما :
أزمعتُ يأساً مبيناً من نَوالكمُ  ****ولا تَرى طارداً للحرِ كالياس ِ
دع المكارمَ لا ترْحلْ لبغيتها  *** واْقعد فإنك أنتَ الطاعمُ الكاسي
من يفعلِ الخيرَ لا يعدم جوازيهُ** لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ
هذه الأبيات قالها السيد الحطيئة في حق منكود الحظ (الزبرقان) ، ولكن السيد لم يعد سيداً ،عندما وضعه الخليفة الراشدي الثاني في (قعر مكرمة) لبذاءة لسانه ، فاستعطفه الشاعر (لأفراخ بذي مرخ) ، فاشترى منه الخليفة ذمة المسلمين ، على أن لا يعرض لأعراضهم من بعد ، فماذا حصل من بعد ؟!!
يروي الحصري القيرواني في (جمع جواهره ، وملح نوادره ) : " إن الزبرقان بن بدر استعدى على الحطيئة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال : هجاني بقوله :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها  *** واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي
فقال عمر: ما أرى هذا هجاءً؛ وكان أعلم بذلك من كل أحد، ولكنه أراد درء الحدود بالشبهات. فقال الزبرقان: هذا حسان بن ثابت. فقال : علي بحسان، فأنشده الشعر. فقال: ما هجاه يا أمير المؤمنين ولكن سلح عليه ! فأحضر الحطيئة، وقال: هات الشفرة أقطع لسانه ؟ فاستشفع فيه فحبسه، فكتب إليه من الحبس :
ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخ **** زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجر
غادرت كاسبهم في قعر مظلمةٍ***فاغفر هداك مليك الناس يا عمر
..............
فبكى عمر وأحضره. فقال: قد والله يا أمير المؤمنين هجوت أبي وامرأتي وأمي. قال: وكيف ذلك ؟ قال قلت لأبي :
ولقد رأيتك في المنام فسؤتني *** وأبا بنيك فساءني في المجلس
وقلت لأمي :
تنحّي فاجلسي مني بعيداً *** أراح اللّه منك العالمينا
أغربالاً إذا استودعت سرّاً***وكانوناً على المتحدّثينا " (31)
وقد مرّ عليك (بذي مرخ) ، وهو اسم لمكان ، و ( زغب الحواصل) ، كناية عن الجوع ، و (قعر مظلمة) ، مفهوم هو السجن ، و (أبا بنيكِ) يعني زوج أمه ! والحقيقة ، هجا أباه وعمه وخاله بالجملة ،بل يقذف نفسه كما يروي شعره البهيقي في ( محاسنه ومساوئه) ، وغيره  :
لحاك الله ثم لحاك حقـّــاً ** * * أبــــاً ، ولحاك مــن عــم وخــالِ
فنعم الشيخ أنت لدى المخازي**  وبئس الشيخ أنت لدى المعالي
جمعت اللؤم؛ لا حياك ربي  ****** وأبواب الســــفاهة والضلالِ (32)
وأراد هذا الهجّاء العجيب يوماً أن يهجو لمجرد الهجاء ، فحارت شفتاه مَن يختار؟!  فولول ، وقال :
أبت شفتاي اليوم إلا تكلما *** بسوءٍ فما ادري لمن أنا قائله
ولم يصبر طويلاً حتى يرى إنساناً ليصب سخطه عليه ، فأردف البيت الأول ببيت شنيع ، ردّه على نفسه ، قائلاً :
أرى ليَ وجهاً قبّحَ اللّه خلقهُ *** ** فقبّحَ من وجهٍ وقبحَ حامله
 ؤيقول ابن قتيبة في (شعره وشعرائه) : " ودخل على عتيبة بن النهاس العجلي في عباءةٍ، فلم يعرفه عتيبة، ولم يسلم عليه، فقال: أعطني فقال له عتيبة: ما أنا في عملٍ فأعطيك من غدده، وما في مالي فضلٌ عن قومي، فانصرف الحطيئة ، فقال له رجل من قومه : عرضتنا للشر، هذا الحطيئة ! قال: ردوه، فردوه، فقال له عتيبة : إنك لم تسلم تسليم أهل الإسلام، ولا استأنست استئناس الجار، ولا رحبت ترحيب ابن العم، وكتمتنا نفسك كأنك كنت معتلاًّ!  قال: هو ذاك ، قال: اجلس فلك عندنا ما تحب، فجلس، ثم سأله، من أشعر الناس؟ فقال: الذي يقول :
 ومَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرضِهِ *** يَفِرْهُ ومَنْ لا يَتَّق الشَّتْمَ يُشْتَمِ
يعني زهيراً ، قال : ثم من؟ قال : الذي يقول :
مَنْ يَسْأَلِ الناسَ يَحْرمُوهُ *** وسَائِلُ اللهِ لا يَخِيبُ
يعني عبيداً ، قال : ثم من؟ قال : أنا، قال عتيبة لغلامه: اذهب به إلى السوق فلا يشيرن إلى شيءٍ ولا يسومن به إلا اشتريته له، فانطلق به الغلام، فعرض عليه اليمنة والخز وبياض مصر والمروي، فلم يرد ذلك، وأشار إلى الأكيسة والكرابيس الغلاظ والعباء، فاشترى له منها بمائتي درهم ، واشترى له قطفاً، وأوقر له راحلةً من تمرٍ وراحلةً من بر، ثم قال له : حسبك، فقال له الغلام: إنه قد أمرني أن أبسط ، يدي لك بالنفقة ولا أجعل لك علةً، فقال: لا حاجة لقومي في أن تكون لهذا عليهم يدٌ أعظم من هذه ، فانصرف الغلام إلى عتيبة فأخبره بذلك، وقال الحطيئة:
سُئِلْتَ فلم تَبْخَلْ ولم تُعْطِ طائلاً  *******   فَسِيَّانِ لا ذَمٌّ عليكَ ولا حَمْدُ
وأَنْتَ امْرُؤٌ لا الجُودُ منك سَجيَّةٌ *** فتُعْطِى وقد يُعْدِى على النَّائِل الوَجْدُ " (33)
ومرّ عليك زهير بن أبي سلمى ، وكان الحطيئة راويته , وطرق سمعك عبيد بن  الأبرص ، لا أدري ، وربما أنت معي لا تدري ، أيّ هجاء أقسى من هذه الأهاجي ؟! وأي قابلية على النقد والسخرية عند هذا الرجل الحطيئة ؟! ...إنه مطبوع عليهما ، إضافة إلى موهبته الشعرية ، ولا يمكن أن تجتمع هذه الخصائل من شعر ٍ رائع ، ونقد لاذع ، إلاّ لدى االشعراء الكبار متعددي المواهب ، ولو وُظـِّفتْ هذه للصالح العام ، لتحوّلت صور الطغاة الكبار إلى صعاليك صغار ، ولكن الشاعر المقدام ! هجا نفسه ، وله الحق أن ينعتها بما يشاء ، بل سخر من أمه وأبيه ، وهذا أعق العقوق  ، ولو من باب المزاح ، ورفع العتاب عن السابق والمسبوق ، وروى بعضهم ، سأل أمه : من أبوه؟ فخلطت عليه ، فغضب عليها وهجاها، ولحق بإخوته . من بني الأفقم ونزل عليهم في القرّية التي يسكنها بنو ذهل  ، ويروي صاحب (الأغاني) عن الأصمعي  خبر الحطيئة ، ومدحه لبني ذهل ليسترد ميراثه من الأفقم بقوله :
إن اليمامة خيرُ ساكنها *** أهل القريّة من بني ذهل
الضامنون لمال جارهم *****حتى يتم نواهض البقل
قومٌ إذا انتسبوا ففرعهمُ**  فرعي وأثبت أصلهم أصلي
 ويستطرد الأصمعي خبره قائلاً :  فلم يعطوه شيئا فقال يهجوهم:
 إن اليمامة شر ساكنها *** أهل القرية من بني ذهل (34)
أتيت بالمديح تعمداً ، لكي لا تتخيل أنّ الشاعر المسكين له وجه واحد ! ، وسأزيد منه ، المهم نتابع المتبوع ، أمّا ابن بدر الزبرقان ، فحاله حال المغدور بالبهتان ، من الحطيئة البطران ، معه ومع صاحب الإحسان ، الذي قوبل بالنكران ، ومن هنا يتجلـّى الفرق المبين بين دعبل الوجه الآخر للشعر العربي ، وهجائه لرموز السلطة والسلطان  - كما دوّنـّا في بحوثنا عنه ، وسنكمّل المشوار- وبين الحطيئة  وهجائه المقذع لأهله والخلان ، ويجب علينا أن نتفهم الزمان غير الزمان ! .
ولا أتركك عند هذا الحدّ المحدود ، بل  - ربّما أزيدك - قد نعته عبد القادر البغدادي في (خزانة أدبه) ، أنه كان سفيهاً شريراً. ينتسب إلى القبائل، وكان إذا غضب على قبيلة انتمى إلى أخرى ، و قال عنه ابن الكلبي : كان الحطيئة مغموز النسب، وكان من أولاد الزنى الذين شرفوا (35) ، وهكذا ترى مَن يقذف الناس يُقذف حتى لو كان شاعراً ، ولك أنْ تعلم أيضاً ، كما أعلمنا أبو هلال العسكري في (ديوان معانيه ) العسكري ، لمّا  " خلى سبيله عمر، وأخذ عليه ألا يهجو أحداً، وجعل له ثلاثة آلاف درهم اشترى بها من أعراض المسلمين، فقال يذكر نهيه إياه عن الهجاء ويتأسف :
وأخذتَ اطرار الكلامِ فلم تدع ***** شتماً يضرُّ ولا مديحــاً ينفعُ
ومنعتني عِرضَ البخيل فَلم يخفْ ***شتمي وأصبح آمناً لا يجزعُ (36)
بقى علينا التعريف به ، فاسمه: جرول بن أوس بن مالك بن جؤية بن مخزوم من بني عبس من مضر ، فهو عدناني النسب  ، كنيته أبو مليكة  بالتصغير، وُلد من أمة اسمها الضراء  ، مغموز النسب ، واختلف في تلقيبه بالحطيئة ، فذهب بعضهم  لقصره وقربه من الأرض ، أو  لدمامته ، وهذا هو الأصح على أغلب ظني ، ورماه الآخرون بالأتعس ، ربما للنيل منه لقباحة قوله ، وهو أحد فحول الشعراء ، متصرف في فنون الشعر : من مديح وهجاء للتكسب بين ترغيب وترهيب، وفخر، ونسيب ، للزهو واللهو  ، ومن مديحه لآل شماس ، الذين كرّموه ، فقابلهم بالجميل لقوله الرائع الجميل  ، الذي يستشهد به أبو العباس ثعلب في (قواعد شعره) - باب الأمر- أقلوا عليهم لا أبـــــــــــا لأبيكم ****  من اللوم أو سُدوا المكان الذي سلوا
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ****  وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا (37)
قال ابن قتيبة : " وكان الحطيئة راوية زهير ، وكان جاهلياً إسلامياً ، ولا أراه أسلم إلا بعد وفاة رسول الله (ص) ؛ لأني لم أجد له ذكراً فيمن وفد عليه من وفود العرب؛ غير أني وجدته في خلافة أبي بكر رضي الله عنه يقول :
أطعنا رسول الله إذ كان حاضراً**فيا لهفتي ما بال دين أبي بكر
أيورثها بكراً إذا مات بعده  ****  فتلك وبيت الله قاصمة الظهر
وقال ابن حجر في " الإصابة " : كان أسلم في عهد النبي (ص) ثم ارتد ثم أسر، وعاد إلى الإسلام . (38)
توفي سنة ( 59 هـ /  679 م )  ، عام ولادته في الجاهلية غير معروف ، وعند وفاته أوصى أنْ يحمل على أتان تذهب وتجيء به ، وهو يقول :
لا أحدٌ ألأمُ من حُطيّهْ *** هجا بنيه وهجا المُريّهْ
من لؤمه مات على فـُريّهْ
المُريّهْ تصغير المرأة ، والفريّهْ هي الأتان : أنثى الحمار ، ومع الإجلال للأستاذ الفاخوري ، يذكر هذا الشعر ، ووصية الشاعر دون ذكر المصدر ، وبلا تعليق ، الشعر من الرجز ، يوجد في (التذكرة الحمدونية ) ، لابن حمدون ، و(الأغاني ) للأصفهاني ، إذ  يذكران الوصية وينسبان الشعرإليه (40) ، بينما البهيقي في (محاسنه ومساوئه ) ، يذكر وصيته ، ويقول بعد وفاته قال الشاعر فيه ، ولم يدوّن لنا اسمه (41) ... ،  أمّا أنا لا أميل لصحة الوصية المروية ، وأرى أنّ الشعر منتحل ، رمي به ، وليس له !! هذا ما يقوله عقلي ، ولا أدري ! والله الأعلم بما خفي وأعظم .
3 - الفرزدق بين يدي هشام ، وصرخته بالولاء للإمام :
أ - الشاعر الفرزدق :
لم يُقرن شاعران في تاريخ الأدب العربي ، كما قُرن جرير بالفرزدق ، فما ذُكر أحدهما إلا و رفرف الآخر بظلاله على الذاكرين المتذكرين  ، ليقول : أنا هنا، أمّا لماذا سنلحق جرير بالفرزدق ، لأن الأخير أكبر سنّا ، وأطول عمراً في هذه الحياة ، فالفرزدق هو همام ( وقيل : غمّام)  بن غالب بن صعصعة ، ولد بالبصرة ، وتوفي فيها بعد عمر مديد (20 هـ - 114 هـ / 641 م - 732م) - وستأتيك ترجمة جرير في الحلقة القادمة - ، كنية فرزدقنا أبو فراس  ، ولقبه الفرزدق، ولقب به، لغلظة في وجهه ، كان أبوه من أشراف البصرة ووجهائها ، وكرمائها ، سليل أجداد من ذوي المآثر الحميدة بين العرب ، فهو ينتمي إلى مجاشع بن دارم من تميم  (42)، فقد جمع بين زهوي النسب العريق ، والشعر الرقيق ،  لذلك نراه يفخر على غريمه جرير قائلاً :
مِنّا الّذِي اخْتِيرَ الرّجالَ سَماحَةً ***  وَخَيراً إذا هَبّ الرّياحُ الزّعَازِعُ
وَمِنّا الّذي أعْطَى الرّسُولُ عَطِيّةً *** *أُسارَى تَمِيمٍ، وَالعُيُونُ دَوَامِعُ
وَمِنّا خَطِيبٌ لا يُعابُ، وَحامِلٌ  ****  أغَرُّ إذا التَفّتْ عَلَيهِ المَــــجَامِعُ
وَمِنّا الّذي أحْيَا الوَئِيدَ وَغالِبٌ ***** وَعَمْروٌ وَمِنّــا حاجِبٌ وَالأقارِعُ
وَمِنّا الّذي قادَ الجِيادَ عَلى الوَجَا**** لنَجْرَانَ حَتى صَبّحَتها النّــزَائِعُ
أُولَئِكَ آبَائي، فَجِئْني بمِثْلِهِمْ *****  إذا جَمَعَتْنا يـــــــا جَرِيرُ المَجَامِعُ
ليس هذا فقط ، بل لمّا يروم هجاء جرير ، يذكّره بنسبه التميمي الوضيع ، ويلحق نفسه بنسبهم الرفيع ، وكان الأمر مألوفاً محقّاً في ذلك العصر ، رغم أن الإسلام نادى بالسواسية ، وعدم التفرقة ، ولكن الخلفاء قربوا الأقرباء ، والعرب الأصحاء ، والتنابز بين القبائل والشعراء ، اقرأ كيف يقذف الفرزدق جريراً بعد فخره في الأبيات السابقة :
يا ابن المراغة كيف تطلب دارما *** وأبوك بين حمارة وحمــــــار
وإذا كلاب بني المراغة ربّضت *** خطرت ورائي دارمي وجماري
دارم قوم الفرزدق ، باذخة المجد والشرف والعزّة ، وما جرير إلا بدوي من أعراب بني كليب  التميميين الفقراء الرعاة ، ويتمادى في قسوته ،إذ يتعرض في البيت التالي إلى قريبات جرير اللواتي رعين ماشيته   :
كم خالة لك يا جرير وعمة ***  فدعاء قد حلبت عليّ عشاري
ولكن هل كان الرجل الفرزدق الشاعر على شاكلة أبائه وأجداده ؟ كلا - يا قارئي الكريم - فقد اتهم بالفسق والفجور ، مزواجا مطلاقاً ، بعيداً عن أخلاق باديته وأهله - سوى الخشونة والفظاظة - ، متقلباً في مواقفه  صباح مساء ، نشبت بينه وبين جرير - شاركهما الأخطل التغلبي - معارك شعرية ، اتسمت بالهجاء والسخرية  حتى قذف محصنات الطرف الآخر ، وبالمقابل الفخر بالنفس والقبيلة ،سميت بالنقائض ، وكانت معروفة بشكل أخف منذ العصر الجاهلي ، وخمدت جذواتها في صدر الإسلام ، لمحاربة الإسلام النزعة القبلية الجاهلية ، وأججت بشكل أعنف وأشد في العصر الأموي ، بدوافع تحريضية من قبل الخلفاء ، والأسباب سياسية وقبلية ، وتلاقفها الشعراء لإبراز مواهبهم ، ورفعة شأنهم ، وقوة نفوذهم السياسي والاجتماعي ، وتحصيل أرزاقهم ، وتنمية أموالهم ، وكان الفرزدق ينحت شعره بالصخر فخراً ، إذ  يوظف فخامة اللفظ  ، وصلابة النظم ، وعراقة الأصل  ، وسعة الخيال ، وتوليد المعاني المبتكرة ، وترك لجرير أن يغرف من بحر ما يشاء من شعر مطبوع ، لين الإسلوب ، رقيق العبارة ، متعدد الأغراض ، ومال كثيرً للغزل والنسيب والتشبيب ، فطغى شعره  سيرورة ، أمّا الأخطل ، فإضافة لمشاركتهما المدح والهجاء والنقائض ، أجاد في وصف الخمر والدن ، والندمان .
لقد مدح الفرزدق خلفاء بني أمية أمثال  عبد الملك بن مروان ، وولديه الوليد وسليمان ، وعلى أعلب الظن لتقية تحميه ، وارتزاق يكفيه  ، ولدفع شبهة لصقت فيه ، إذ كان أبوه من أصحاب الإمام علي (ع) المقربين ، ثم أنّ القصيدة  الميمية في مدح الإمام السجاد ، والتي سنأتي عليها ، وهي محور بحثنا ،كان يجب أن يدفع ثمنها ، والرجل رجل دنيا ، لولا ميميته العليا  ، مهما يكن  ، قد غالى في مدحهم ، اقرأ كيف يخاطب سليمانهم  :
أنت الذي نعت الكتاب لنا**في ناطق التوراة والزبرِ
كم كان من قسٍّ يخبرنا ****بخلافة المهدي أو حَبْرِ
إنا لنرجو أن تعيد لنا ***سنن الخلائف من بني فهر
عثمان إذ ظلموه وانتهكوا ***دمه صبيحة ليلة النحر
لم يمدحهم لكرم ، أو شجاعة ، أو سماحة ...، بل جعلهم أحقّ الخلق  بالخلافة ، وهم سيوف الله ، والقمر الذي يهتدى به ...
ب - القصيدة الميمية الخالدة :
 ولكن - والحق يقال - غسل كلّ أثامه ، وارتزاقه ، وتقلباته ، بقصيدته الخالدة الرائعة ، الجريئة  التي صرخ فيها بوجه هشام  بن عبد الملك  ، عندما تجاهل الإمام  زين العابدين السّجّاد علي بن الحسين (ع)  ، ولكي نكون  عادلين معتدلين في حكمنا  حتى تطمئن القلوب،إليك مقتطفات من ثلاث روايات لتشكيل الصورة ،أولها  رواية  ابن خلكان في(وفياته) :  " وتنسب إليه مكرمة يرجى له بها الجنة، وهي أنه لما حج هشام بن عبد الملك في أيام أبيه، فطاف وجهد أن يصل إلى الحجر ليستلمه، فلم يقدر عليه لكثرة الزحام، فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس، ومعه جماعة من أعيان أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وقد تقدم ذكره - وكان من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً، فطاف بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فقال هشام: لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، وكان الفرزدق حاضراً فقال: أنا أعرفه، فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس فقال :
هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ، **وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّــهِمُ *****هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ
هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ *****بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَــدْ خُتِمُوا
وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه **العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ
كِلْتا يَدَيْهِ غِيَـــــــاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا ***يُسْتَوْكَفانِ، وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ
سَهْلُ الخَلِيقَةِ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ،*يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ
حَمّالُ أثقالِ أقوَامٍ ، إذا افتُدِحُـوا * حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ
ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَـهُّدِهِ ***لَوْلا التّشَـــهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
عَمَّ البَرِيّةَ بالإحسانِ، فانْقَشَعَــتْ ***الغَياهِبُ والإمْــلاقُ والعَـدَمُ
إذ رَأتْهُ قُرَيْـشٌ قال قائِلُهـا ****إلى مَكَــــارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَـــرَمُ
يُغْضِي حَياءً، وَيُغضَى مـن مَهابَتِه ****فَمَا يُكَلَّمُ إلاّ حِيـــنَ يَبْتَسِمُ
بِكَفّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُــــهُ عَبِــقٌ ***من كَفّ أرْوَعَ، في عِرْنِينِهِ شــمَمُ
يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ رَاحَتِــهِ ******رُكْنُ الحَطِيمِ إذا ما جَــاءَ يَستَلِمُ
الله شَرّفَهُ قِدْمـاً، وَعَظّمَــهُ ******جَرَى بِذاكَ لَهُ فـــــي لَوْحِهِ القَلَــمُ
أيُّ الخَلائِقِ لَيْسَـــتْ في رِقَابِهِمُ ******لأوّلِيّةِ هَـــــذا ، أوْ لَــــهُ نِعـمُ
مَن يَشكُرِ الله يَشكُرْ أوّلِيّــــــةَ ذا ****فالدِّينُ مِــــن بَيتِ هذا نَالَهُ الأُمَـمُ
يُنمى إلى ذُرْوَةِ الدّينِ التي قَصُرَتْ*** عَنها الأكـفُّ، وعن إدراكِها القَدَمُ
مَنْ جَدُّهُ دان فَضْلُ الأنْبِياءِ لَـــهُ *******وَفَضْلُ أُمّتِهِ دانَـــتْ لَهُ الأُمَـمُ
مُشْتَقّةٌ مِنْ رَسُـــــــولِ الله نَبْعَتُهُ *****طَابَتْ مَغارِسُــهُ والخِيـمُ وَالشّيَمُ
يَنْشَقّ ثَوْبُ الدّجَى عن نورِ غرّتِهِ  **كالشمس تَنجابُ عن إشرَاقِها الظُّلَمُ
من مَعشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وَبُغْضُهُـــمُ  ****كُفْـــــرٌ، وَقُرْبُهُمُ مَنجىً وَمُعتَصَمُ
مُقَدَّمٌ بعــد ذِكْــــرِ الله ذِكْــــرُهُمُ ****فـــي كلّ بَدْءٍ، وَمَختــــومٌ بــه الكَلِمُ
إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ *أوْ قيل: «من خيرُ أهل الأرْض؟» قيل: هم
لا يَستَطيعُ جَوَادٌ بَعدَ جُودِهِــــــمُ  ****وَلا يُدانِيهِمُ قَـــــوْمٌ، وَإنْ كَرُمُــــوا
هُمُ الغُيُوثُ، إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ *****وَالأُسدُ أُسدُ الشّرَى، وَالبأسُ محتدمُ
لا يُنقِصُ العُسرُ بَسطاً من أكُفّهِمُ*****سِيّانِ ذلك : إن أثَرَوْا  وَإنْ عَدِمُــوا
يُستدْفَعُ الشرُّ وَالبَلْوَى بحُبّهِـــــمُ *****وَيُسْتَرَبّ بِهِ الإحْسَــــانُ وَالنِّــــعَمُ
فلما سمع هشام هذه القصيدة غضب وحبس الفرزدق، وأنفذ له زين العابدين اثني عشر ألف درهم، فردها وقال : مدحته لله تعالى لا للعطاء، فقال : إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده  ،  فقبلها . " (43).
أورد ابن خلكان قسماً  من أبيات القصيدة، وأكملتها بحركاتها ، وصاحب (الأغاني) ، يواصل الخبر بقوله "  " فحبسه هشام فقال الفرزدق - طويل :
  أيحبسني بين المدينة والتي *** إليها قلوب الناس يهوي منيبها
يقلب رأسا لم يكن رأس سيد  ***** وعينا له حولاء باد عيوبها
فبعث إليه هشام فأخرجه ، ووجه إليه علي بن الحسين عشرة آلاف درهم  ،وقال : اعذر يا أبا فراس فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به ، فردها وقال : ما قلت ما كان إلا لله وما كنت لأرزأ عليه شيئا ، فقال له علي قد رأى الله مكانك فشكرك ولكنا أهل بيت إذا أنفذنا شيئا ما نرجع فيه  ، فأقسم عليه فقبلها  " (44) ، أمّا المجلسي في (بحار أنواره) ، يضيف بعد الغضب الهشامي  " فغضب هشام ومنع جائزته وقال: ألا قلت فينا مثلها؟ قال: هات جدا كجده وأبا كأبيه واما كأمه حتى أقول فيكم مثلها، فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينة فبلغ ذلك علي بن الحسين عليه السلام فبعث إليه باثني عشرألف درهم ..." (45) ، ويكمل رواية صاحب (الأغاني) 
 تساهل هشام مع الفرزدق ، وغض الطرف عن هيبة ، ومنزلة الإمام السجاد (ع) ، لم يكن عبثاً ، فمن يتتبع التاريخ العربي في العصرين الأموي والعباسي ، ويتأمل في حيثياته، ودقائق أموره ، يجد أنّ الأمويين بعد الطامة الكبرى في التاريخ الإسلامي- كما نعتها ابن الطقطقي في (فخريّه) -  غداة عاشوراء على أرض كربلاء ، حسّوا بالخطيئة الكبرى التي اقترفوها بعد مقتل الإمام الحسين(ع) ، وحاولوا جاهدين تصحيح المسار ، فتنازل أو قتل غيلة معاوية الثاني ، فانتقلت الخلافة من معاوية وأصلابه إلى مروان بن الحكم وأولاده وأحفاده ، وظهر الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز ، ولكن الجريمة الكبرى ، كانت أكبر بكثيرمن أنْ تنسى ، فزلزلت ثورات التوابين ، والمختار ، وابن الأشعث ، وزيد بن علي ...الأرض من تحت أقدامهم حتى دكّت دولتهم ، ولكن حين طلّت الدولة العباسية ، لم تكن أرحم على العلويين من سالفتها الأموية ، لذلك ذهب الشعراء إلى قولهم :
والله ما فعلت أمية فيهمُ *** معشار ما فعلوا بنوا العباسِ
أرى أمية معذورين إنْ غدروا ***  ولا أرى لبني العباسِ من عذرِ
يا ليت جور بني مروان دام لنا*** وليت عدل بني العباس في النار
والأهم من أبيات الشعر بكثير ، ما ذكره الجاحظ في ( النزاع والتخاصم) : إنّ المنصور أحضر محمد بن إبراهيم بن حسن ، وأقامه ، ثمّ بنى عليه إسطوانة ، وهو حي ، وتركه حتى مات جوعاً وعطشاً ، ثمّ قتل أكثر من معه من بني حسن . (46) ، ويؤكد هذا البطش الأصفهاني في (مقاتله) ، ويروي في (أغانيه) : لما جزع محمد النفس الزكية على وضعية أهله ، وأخذ يبكي ، فقال له عمه الحسن بن الحسن بن علي : أتبكي على بني أمية ، وأنت تريد ببني العباس ؟ ما تريد؟ فقال : والله يا عم ، لقد كنا نقمنا على بني أمية ما نقمنا ، فما بنو العباس إلاّ أقل خوفاً لله منهم ، إنّ الحجة على بني العباس لأوجب منها عليهم ، ولقد كانت للقوم أخلاق ومكارم ، وفواضل ليست لأبي جعفر ..." (47) أنا لا أفضل ، ما دام العرش  هو المفضل ، وإنَّ الملك لعقيم !!
ج - نبذة عن الإمام وهشام لتكملة موجز البحث بالتمام :
 1 - الإمام السجاد ، زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)  وكان يلقب بذي الثفنات ، لكثرة السجود ، يقول دعبل 
ديارعليٍّ والحسين وجعفر *** وحمزة والسجاد ذي الثفنات
كان معروفاً بالزهد والورع والعبادة والكرم والبلاغة ، والتأسيس لبناء شخصية المسلم المؤمن كأساس متين للدولة الإسلامية الحقيقية، فرض نفسه على الخلفاء الأمويين،ونال حفاوة رفيعة اجتماعية روحية غير مادية  ، لأن الإمام كان يرفض هذه الحظوة المادية  زهداً وترفعاً وعزة وعقيدة ، عند الخليفة عبد الملك بن مروان ، لمعرفة الأخير بمكانة وهيبة ومنزلة الإمام في نفوس المسلمين ، فقصيدة الفرزدق لم تولد من فراغ ، وموالاة فقط ، وإنما شخصية الإمام الروحية العظيمة هي التي أوحت للشاعر من لا وعيه ووعيه أن ينطق بهذه القصيدة التي خلدها التاريخ .
 ولد الإمام في المدينة في الخامس من شعبان سنة   37 أو 38 هـ / 658 م ، عاش في عهد جده الإمام علي ثلاث سنوات  ، إذ قتل سنة 40 هـ 661م ، وعند وفاة الإمام الحسن 50 هـ ، كان عمره ثلاث عشرة سنة ، وفي واقعة الطف (61 هـ / 681م) ثلاث وعشرين سنة ,و توفي  في 25 محرم سنة (95 هـ / 714 م)عن سبع  وخمسين سنة هجرية  .
   2 -  هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ، عاشر الخلفاء الأمويين ، ولد في دمشق ، في عهد خلافة أبيه عبد الملك ، وذلك سنة (71 هـ / 691م) ، وتوفي سنة (125 هـ / 743 م)  ، تولّى الخلافة سنة (105 هـ - 125 هـ / 724 - 743 م) ، يعتبر من الخلفاء الأمويين الكبار ، لحزمه ، وسطوته ، ودهائه، حدثت في عهده ثورات عديدة للشيعة والخوارج والعلويين ، وآخرها ثورة زيد بن علي  122 هـ 740 م) ، واتسعت الدولة في عهده إلى أقصى خدود لدولة إسلامية في التاريخ ...من حدود بواتيه الفرنسية حيث معركة بلاط الشهداء ، مرورا بناربونه البيزنطينية وحتى بلاد الهند والسند ،  وتأججت في عهده نزعة العصبية القبلية المقيتة التي جرّت أذيالها حتى بدايات القرن الرابع الهجري بين المضريين واليمانيين ،  وهذه القصيدة الفرزدقية الميمية ، ألقيت بوجه الهشام عندما كان ولياً للعهد ، قبل 95 هـ / 717م حيث وفاة الإمام السجاد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) (الأعلام ) :  الزركلي -  -  الأنترنيت - موافق للمطبوع - الموسوعة الشاملة .
(22) م . ن .
(23) (تاريخ الأدب العربي ) : حنا فاخوري - المطبعة البولسية - بيروت .
(24) (مجالس  ثعلب) : أبو العباس ثعلب النحوي الكوفي  - - الوراق - الموسوعة الشاملة .
(25) (البداية والنهاية ) : الامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي - تح  علي شيري - الطبعة الاولى 1408 هـ 1988 م  - دار احياء التراث العربي .
(26) (مجالس  ثعلب)  م. س .
(27) ( البداية والنهاية ) : ابن كثير - موقع اليعسوب - الموسوعة الشاملة.
(28)(خزانة الأدب  )   : عبد القادر البغدادي -  - تح عبد السلام محمد هارون - مكتبة
الخانجي بالقاهرة .
(29) (ثلاثية البردة بردة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) : حسن حسين  - ط1  1400 هـ - دار الكتب القطرية - الدوحة .
(30) (خزانة الأدب ) : - م . س .
(31) (جمع الجواهر في الملح والنوادر) : الحُصري القيرواني إبراهيم بن علي - ( -  موقع الوراق - الموسوعة  الشاملة .
(32) ( المحاسن والمساوئ ) :إبراهيم البيهقي -  - الوراق - موقع الموسوعة الشاملة .
(33) (الشعر والشعراء) : ابن قتيبة الدينوري - 1 / 64 - الوراق - الموسوعة الشاملة .
(34) (الأغاني) : أبو الفرج الأصفهاني - تح سمير جابر - ج - دار الفكر - بيروت . ) (خزانة الأدب) : - 408 - م . س .
(36) ( ديوان المعاني) : أبو هلال العسكري  - - الوراق -  الموسوعة الشاملة .
(37) ( قواعد الشعر ) : ثعلب  -  - الوراق - الموسوعة الشاملة .
(38) (خزانة الأدب) : م . س . والصفحات التي تليها لترجمة الحطيئة .
(39) (تاريخ الأدب العربي ) :  - م . س .
(40) (التذكرة الحمدونية) : ابن حمدون - - الوراق - الموسوعة الشاملة. (الأغاني ) : ج - م . س .
(41) (المحاسن والمساوئ ) : م . س .
(42) (تاريخ الأدب العربي ) : حنا فافخوري - ص 283 - م . س .
(43) ( وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان) : أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان - تح إحسان عباس - ج6 - ص 95 - 97  - ط 0 - 1900 م - دار صادر - بيروت .
(44) (الأغاني ) : أبو فرج الأصفهاني - تح - سمير جابر - ج 15 - ص 317 - ط 2 - دار الفكر - بيروت .
(45) ( بحار الأنوار) : محمد باقر المجلسي - ج 46 - ص 127 - موقع مكتبة الشيعة.
(46) (النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم ) : الجاحظ- ص 74 ، وراجع (مقاتل الطالبيين ) : الأصفهاني  - ص 178 - دار الأحياء - 1949م - القاهرة - تح السيد أحمر صفر .
(47) (الأغاني ) أبو الفرج الأصفهاني - ج11 ص 300 - دار الكتب .

هايكوات نثرية/ بن يونس ماجن

1
ذات يوم  اصاب الشعر البوار
صار تجارة كاسدة
عم النثر البر والبحر
2
منهم من اوقد نارا
ومنهم من أشعل فتيلا
قراصنة القواقي
3
في قمامة دور النشر
دواوين  خرساء
خربشات
4
الغيوم تلبد الورقة
حبر دامس
ذيل الغراب

5
رماد الحروف
تحتظر القصيدة
طوق نجاة
6
باهتة تلك الومضة
حشرجة عود
الهام الد يناصورات
7
ولد الجنين مقتولا
ودفن في بحر فراهيدي
صلاة الغروب

8
تجاعيد شاعر
هموم أبيات
سحابات دخان
9
فراشة
تتخلى عن ألوانها
حزن الوردة
10
ما تلك بيمينك يا شاعرنا
انها كلمات مبعثرة
قصيدة لفظها البحر
11

تسوماني
يزاحم فقاعات الصابون
على صفحة الماء
12
هذيان
غثيان
ماء المجرات
13
الشعر فقد قدرته
على الانجاب
لهاث كلب منبوذ
14
عند مغيب الشمس
تستحم الغربان
نزيف سراب
15
في تجاعيد الوحل
تشيخ الصخور
ديدان الارض

مذاق الكرز في فمي: إلى ابنتي بمناسبة نجاحها في شهادة البكالوريا/ ابراهيم مشارة

ابنتي العزيزة:
أعترف لك بأني كنت قلقا بعض الشيئ قبل الإعلان عن نتيجتك في الامتحان ومبعث قلقي لم يكن الشك في نجاحك وإنما في معدل الانتقال إلى الجامعة فلما أعلنت النتيجة تنفست الصعداء. مبارك لك التوفيق والنجاح بمعدل جيد 
،هكذا تلتحقين بإحدى الكليات العلمية كأختك التي سبقتك إلى كلية الطب منذ سنتين وتحققين رغبة جامحة في نفسي مزيدا من الريادة والنجاح في حقل العلم والثقافة وخدمة الناس كما خدمهم جدك طيلة عمره معلما وداعيا إلى الفضيلة والتقى على وعي وبصيرة.
إنني ماهزني غنى غني ولا زعامة ملك مثلما هز وجداني وانتزع إعجابي جلال العلم وعظمة الثقافة وبهاء الإبداع فسبحان الذي له الملك والملكوت وله الأسماء الحسنى والنعوت أن عصمنا من الوقوع في أوحال دنيا يتكالب فيها الناس على ثرائها ورياشها وطنافسها بغير السؤال عن مصدر الثراء والنعمة ولو بذلت النفوس رخيصة وانتهكت الأعراض غير نفيسة .
أذكر أنني في مثل سنك وفي عام كعامك هذا أخذت الورقة وكتبت للتو هذا البيت من تأليفي:
مرادي عظيم وعزمي شديد** مراد السريرة مجد تليد
كان ذلك تحت تاثير كبرياء العقاد وجبروته الفكري والفلسفي والأدبي قرأت له فأعجبت به وبشخصيته العيوف للرداءة وللابتذال ونفسه المزهوة بأخلاقها وعفتها وعقله الذي يهضم جرانيت الفلسفة والفكر سألته أين تسكن؟ قهقه وقال: قمة إفرست.
إذا أردت أن ترى العالم من فوق فلسفيا وفكريا ،بانوراميا دثر نفسك واحمل قارورات الأكسجين واستعد لدوار الجبال إنك ستمكث قليلا فأنت لا تحتمل هذا العلو الشاهق ولكن سيكون لك الشرف أن رأيت العالم من خلال إفرست العقاد.
وما انتفاعي وقد شاب الفؤاد سدى ** أن لم تشب أبدا كفي ولا قدمي
وليس ما يخدع الفتيـــان يخدعني ** كلا ولا شيم الفتيان من شيمي
وحين تنزل لن تحترم إنسانا لا يحترم نفسه ولو كان حسيبا نسيبا أو صاحب سلطان وصولجان ولا صاحب شهادة عليا مالم يزكها بالبينة والبرهان من إنتاجه العلمي والأدبي وغيرذ لك رغاء، رغاء ،رغاء.........
من أجل ذلك أحب العلم والثقافة وأتيه حبا في جمال وجلال العربية وأتعبد في محاريب الفن والأدب إنني مثل بجماليون ذلك الفتى الذي نحت تمثالا لامرأة ثم أغرم بها فراح يسأل الألهة أن تبعث فيها الروح لأنه أحبها فلما تحققت بغيته وعاشر تلك المرأة التي نحتها بإزميله مل منها وسئم وعاد يسأل الألهة أن تعيدها تمثالا. إنه يحب أن يعيش بحلمه بوجدانه وخياله لا بمسامات جلده.كذلك أنا مللت دنيا الناس وحديثهم الفارغ وصخبهم وجلبتهم لأجل مزايدات ومفاخرات وملاسنات وزهو وغطرسة بعيدا عن الجوهر السامي للوجود الإنساني والحقيقة البشرية التي وسمتها يد الله بميسم الكرامة فابتذلها الإنسان ولطخها بأوحال الغريزة وعفن الشهوات وقتامة الحمأ المسنون.
ما أكثر الأطباء وما أكثر المحامين وما أكثر السياسيين ورجال المال وما أكثر أساتذة الجامعة وما أكثر حملة الشهادة العليا - إلا في القليل النادر- وما أقل إنسانيتهم ورفعة عقولهم وما أكثر لجاجة أنفسهم الجشعة الطامعة في الربح على حساب معاناة الناس! يفكرون في الحق ولا يفكرون في الواجب ويعملون لأجل الشهرة ولا يعملون لأجل الإتقان وينتظرون من الناس أكثر مما يحق للناس أن ينتظروه منهم .
لأجل ذلك أريدك أن تجتهدي أكثر و تعملي أكثر بدافع البحث والتعمق في دنيا العلم واجعلي غايتك خدمة الإنسان قبل كل شيئ فمن خلال تلك الخدمة تخدمين نفسك وضعي شعارك قول الشاعر العربي:
إن الشباب إذا سما بطموحه** جعل النجوم مواطئ الأقدام
شدي عربتك إلى نجم كما قال إمرسون فخير الحياة حياة العلم وخير الغنى غناه ورفيع الدرجات درجة العلماء فما قصر الله خشيته على ثري ولا على ملك ولا على حسيب نسيب ولا على وسيم أنيق بل على أهل العلم 
فاسعي أن تكوني منهم.
يا لها من دنيا سريعة كأن عقارب الساعة تخادعنا توهمنا أنها تسير بالقسطاس المستقيم وفي ذات الوقت تغبننا السنة كأنها شهر والشهر كأنه أسبوع والأسبوع يوم! ما زلت أذكر يوم ميلاك وقد اختار لك جدك اسم خولة وكيف كنت تدرجين،تعبثين تمرحين.
عجبا ثمانية عشرة عاما مرت تباعا سراعا كلمح بالبصر!
لا أيتها العقارب إنك تغبنين وتغشين هذا أمر دبر بليل في الليل تسيرين بسرعة الخوف في قلب الجبان فإذا جاء النهار تظاهرت بالنزاهة والدقة والحياد.
على كل هذه دنيانا وليست علينا بالجديدة ظاهرها الفرح وجواها الحزن وسطحها الغنى وعمقها الإملاق كل واحد فينا يحمل قدره على ظهره ويمشي على جمر الحاجة وحصباء الصراع من أجل البقاء بيمناه كفنه وبشماله ورقة الإجابة عن امتحان الدنيا - والممتحن يطلب وقتا إضافيا- لا شيئ فيها غير حلاوة الكفاح وزينة الفضيلة وأثر العقل والقلم.
دعينا من كل هذا ولأعد إلى نجاحك الكرزي فلونه في لون الشفق الأرجواني وطعمه بطعم الكرز في موسم القطاف وملمسه في نعومة الحرير إنه أجمل من تمثال بجماليون.
هنيئا لك النجاح الذي أنت قاطفة جناه ، أنا أتلذذ وأنت تأكلين وهنيئا لكل الناجحين في هذا الوطن الذي لا يصلح شأنه ولا يرمم بنيانه ولا يعالج عواره إلا أهل العلم. طاب لك طبق الكرز وطاب لكل الناجحين.

وأليـــــق بـــي/ رجاء محمد زروقي

(   بالحب عليك أعتدي ..
ليس مهما أن تكون صحرائي 
وبك عودي ندِي .. )
***
..يا آدم وإن كنت ...نارا...
يحتدمها ..الهوى ..
فحواء كِـرْفئة غيْث تغمرك 
وياااا أكذوبة إمتعاض  النار..
في حضرة إستشاطة ..الماء ..
....................................
هُزّ بجذع ....نوني ....
يسّاقط ....الإيحاء....
فريقي مازال ....بِكرا....
وأدمعي مازلت ....عذراء....
......................................
مازلت أكرع من نبوءة "عروة" الأموي 
وأنهل من تعاويذ ...."العفراء"....
وكِراض ثوبي اللّيلكي..يقطر ..
بكظيظ ..وثجيج ..الكستناء ..
فاُنظر ....نحوِي ....
فأنا والشّمس ....والقمر ....
والفردقان سواء....
وإنّني الوريثة .... للمعري .... 
ومنابي وافر من مدامع الخنساء ..
......................................
بي فيْض من أقحوان البوح يؤججني 
يُصيّر محابري إحتدام ..ضياء ..
وفوْع سلسال جموح لغتي
يُثخن شجر القصيد فاكهة ..من تاء..
.........................................
ترمّ أنين القلب....ترتق حنين الوصل....
تُجير..نسق.. النبض.... ترقع ..شِق.. البحر....
تلك "عاتكة" .... تلك "الملائكة"
تلك  "سافو"....وتلك "عشتار"....
وتلك .... أنـــــــا ....
أنا ....القَطبُ ....والقِطبُ 
والقُطبُ عليه أفلاك الحاءات الباءات
..كواكب النحن  تدور..
أنا من علّم أرجوان الشعر .. بيلسان النثر 
براكين القرض كيف تثور....
أنا من جدّل ضفائر الكلمات 
نسج خيوط شمس القصيد 
..حمّى ..حرّى تتور
........................................
أنا من اُمطر الأنداء والشذى المثير
أهطل بأخلاطٍ من طيب كرز اللّغة
الزعفران ونضح ..العبير..
أنا من أنفض الزمن الرديء 
من على سطح أقبية القصيد القرير..
 وأتّخذك الخادم المذعن
 العوان الأسير
 ببلاط حرفي القداس الأمير 
........................
الشاعرة التونسية رجاء محمد زروقي 
** اليوم والشهر والسنة :  
ذات رجـــــــــــــاء 

مهاتير يسعى للعودة الى السلطة مجددا/ د. عبدالله المدني

خوف السياسي من أن تنحسر عنه الأضواء أو أن تنسى الأجيال الجديدة إسمه وإنجازاته قد يدفعه إلى اتخاذ قرارات عبثية تسيء إلى مجمل تاريخه. 
هذا ما ينطبق اليوم على رئيس حكومة ماليزيا الأسبق طبيب العيون د. مهاتير محمد. فالرجل الذي ساهم في تحديث ماليزيا وتحويلها من بلد زراعي إلى بلد صناعي، وقاد حزب الجبهة الوطنية المتحدة للملايو (يـُعرف اختصارا باسم "أومنو") الحاكم من فوز انتخابي إلى آخر، وتزعم بلاده على مدى 22 سنة متواصلة، وضرب خلفاءه الذين اختارهم بنفسه الواحد تلو الآخر، قبل أن يسلم السلطة طواعية إلى رئيس الوزراء السابق عبدالله أحمد بدوي الذي خلفه في عام 2009 رئيس الحكومة الحالي "محمد نجيب تون عبد الرزاق"، وهو من عائلة ارستقراطية وسياسية معروفة حيث أن والده هو تون عبدالرزاق وعمه هو تون حسين عون، وهما ثاني وثالث رؤساء حكومات ماليزيا على التوالي. 
مهاتير لم يرق له، على مايبدو، أن يلحق إسمه صفة "السابق"، لذا حاول دائما أن يطلق تصريحات وشعارات مثيرة للجدل واللغط من تلك التي تجري وراءها وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. بل أنه حاول العودة إلى ذاكرة الشباب الذين لم يعاصروه من خلال لعب دور في فيلم من أفلام الخيال العلمي حمل إسم "الكبسولة"، مجسدا فيه شخصيته الحقيقية حيث يسافر داخل كبسولة زمنية ليشاهد مستقبل ماليزيا طبقا لخطته التنموية المعروفة باسم "رؤية 2020"، لكن بطل الفيلم يسرق الكبسولة ويعود بها إلى مطلع الأربعينات أي إلى حقبة مقاومة الغزو الياباني حينما كانت الملايو والسلطنات المجاورة شيئا لا يذكر.  والهدف من المشاركة في هكذا فيلم وقصة معروف ولا داعي للتفصيل. 
مهاتير محمد هذا، يسعى اليوم إلى العودة مجددا للسلطة وقد تجاوز التسعين من العمر، ضاربا بعرض الحائط مبدأ "أن لكل مرحلة رجالها"، و"أن مصلحة الوطن تقتضي ضخ دماء شابة جديدة في هياكل الدولة وإداراتها العليا"، منعا للترهل والتقهقر.
وهذا تحديدا ما تفيد به الأنباء الواردة من كوالالمبور، والتي تقول أن الرجل أبدى موافقته على العودة إلى المشهد السياسي من خلال الانضمام إلى تحالف معارض لحزب "أومنو" الحاكم منذ استقلال البلاد عن بريطانيا في عام 1957 وهو الحزب الذي تربى في كواليسه وتدرج في أطره نائبا فوزيرا فنائبا لرئيس الحكومة فرئيسا للحكومة من عام 1981 وحتى عام 2003.  بل ان الأنباء نفسها أفادت بأن مهاتير لايمانع من تزعم الحكومة إذا ما حقق التحالف الجديد فوزا في الانتخابات العامة المقبلة المقرر إجراؤها في منتصف العام المقبل.
لكن ما هو هذا التحالف الجديد؟ وممن يتكون؟ وما مدى حظوظ فوزه؟ وما هي دواعي ظهوره؟
لنبدأ الإجابة من السؤال الأخير. سعت أحزاب وتنظيمات سياسية ماليزية عدة منذ سنوات إلى التحالف والتكتل بهدف إنهاء احتكار حزب "أومنو" للسلطة في البلاد، مستخدمة شتى السبل والوسائل المشروعة وغير المشروعة. وكانت البداية في عام 2011 بالتزامن مع أحداث ما سمي بـ "الربيع العربي" حينما خرجت مظاهرات شارعية غير مسبوقة تصدت لها قوات الأمن بضراوة.
وهذه الجماعات والتنظيمات لئن نجحت في انتخابات عام 2008 في جعل الحزب الحاكم يخسر تمتعه بالأغلبية البرلمانية لأول مرة منذ استقلال البلاد، ثم نجحت في تحقيق الأمر ذاته في انتخابات 2013 أيضا، فإن تحالف المعارضة لا يزال هشا ومفتقدا للرؤية السياسية الموحدة حول كيفية إدارة البلاد في ظل تباين التوجهات الايديولوجية للجماعات المنخرطة فيه. في المقابل يبدو التحالف الحاكم بقيادة "أومنو" موحدا ويتمتع بالشرعية التاريخية، والدعم من قبل ملايين الناخبين الذين يفضلون الإستمرارية والإستقرار بدلا من منح أصواتهم لأحزاب لم يختبروها في السلطة، وبالتالي المراهنة على المجهول. هذا ناهيك عن وقوف وسائل الاعلام الرئيسية المؤثرة الى جانب الحكومة، وتحقيق حكومة نجيب رزاق لنسبة نمو اقتصادي معتبرة مدعومة بعملة وطنية قوية وسوق أسهم مرتفع. 
يحدث هذا في الوقت الذي يعاني فيه رئيس الحكومة الحالي من متاعب سياسية وقضائية متعلقة بمزاعم فساد محورها قيامه بتحويل جزء من أموال صندوق خاص بتعزيز الاقتصاد الماليزي إلى حساباته المصرفية الخاصة في الخارج. وعلى الرغم من أن المدعي العام الماليزي قرر أنه لم يثبت إرتكابه لأي مخالفة جنائية، فإن مهاتير وبعض الطامحين للسلطة لم يكفوا مذاك عن تشويه صورة الرجل والطعن في مصداقيته، بل ألبوا عليه سكان الأرياف من مزارعي المطاط المحافظين في الدوائر الانتخابية الخاضعة لهم عبر إستغلالهم لقضية فساد مزعومة أخرى خاصة بشركة "فيلدا" الزراعية المملوكة للدولة.
أما فيما خص تحالف المعارضة الحالي فهو هش وبائس، وإن إدعى كثرة أنصاره، وقيامه بافتتاح فروع في اكثر من 160 دائرة من الدوائر الانتخابية البالغ تعدادها 222 دائرة. والدليل على صحة ما نقول هو أن عماده الرئيسي مكون من حزب طاريء يحمل إسم "بيرساتو" (إتحدوا) أسسه مهاتير بالمشاركة مع محيي الدين ياسين، والأخير كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم في حكومة نجيب رزاق، لكنه طــُرد في يوليو 2015 من الحكومة بعد أن أثار قضية الفساد المذكورة آنفا. والمفارقة أن السياسي المثير للجدل أنور إبراهيم الذي لفق له مهاتير تهمة اللواط ، والموجود حاليا في المعتقل بارك هذا التحالف ودعا الجماهير لمساندته، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام!
د. عبدالله المدني
أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المقال: يوليو 2016 
الإيميل: Elmadani@batelco.com.bh

تجارة إسرائيل القذرة في إفريقيا الماس وأسلحة ومستوطنات/ حسن العاصي

تعتبر إسرائيل واحدة من أهم الدول التي تستورد الماس الخام  غير المصقول، ومن أبرز الدول أيضاً التي تصدر الماس المصقول، ويأتي معظم هذا الماس من دول إفريقية مثل جنوب إفريقيا، ليبيريا، الكونغو، ساحل العاج، وغيرها من الدول، وهذه الدول مرتبطة بشكل مباشر بقيام جماعات فيها  بارتكاب المجازر بحق المدنيين للحصول على الماس الذي تؤدي التجارة به إلى قتل عشرات الآلاف سنوياً في دول المصدر، وترتبط عمليات بيعه وتصديره  بصفقات كبيرة من الأسلحة، وصناعة الحروب الأهلية وتمويل المجموعات المتقاتلة، حتى أصبح يطلق على تجارة الماس في إفريقيا " التجارة القذرة " وسمي ماس الدم، لأنه من أجل  استخراجه وتسويقه تراق دماء آلاف من الأفارقة .
لقد كان اليهود من رواد صناعة الألماس ابتداء من العصور الوسطى، ففي الدول الأوروبية كان يحظر على اليهود العمل في مجالات عديدة، وكانت تجارة الذهب والألماس مستثناة من المنع، فتوجه للعمل بها أغلب اليهود في أوروبا، وتوسعت هذه التجارة كثيراً بعد المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في مدينة بازل في سويسرا العام 1897 بهدف توفير مصدر مالي يساعد الحركة الصهيونية على تنفيذ مخططاتها، لذلك قام الملياردير اليهودي " إدموند روتشيلد " بإنشاء أول مصنع للألماس في مستوطنة " بتاح تيكفا " في فلسطين العام 1937، أي قبل قيام دولة إسرائيل، اشتغل في هذا المصنع خبراء ألماس يهود قدموا من بلجيكا وهولاندا للاستيطان في فلسطين.
وبعد ازدياد أعداد المهاجرين اليهود إلى فلسطين، تم تأسيس مصانع أخرى للألماس في تل أبيب، ثم تم توحيد هذه المصانع لتتحول إلى " رابطة صناعة الألماس في إسرائيل "، وازدهر عمل الرابطة بعد أن احتلت ألمانيا النازية عدد من المدن الأوروبية التي كانت تمثل مراكز لصناعة وتجارة الألماس، فتوجه جزء كبير من الألماس وتجارته إلى الرابطة، وبعد قيام دولة إسرائيل ازدهرت هذه الصناعة وانتعشت، وتم تطوير الأجهزة والآلات المستعملة في هذه الصناعة، ثم تم تحويل الرابطة لتصبح بورصة الألماس في إسرائيل، حتى وصل الأمر إلى أن منصب رئيس الاتحاد العالمي لصناعة الألماس قد شغلته عدة شخصيات إسرائيلية.
يأتي الألماس إلى إسرائيل من جهات متعددة أهمها بعض الدول الإفريقية وروسيا وكندا، وكذلك من بعض الأماكن بطرق غير مشروعة عن طريق قيام إسرائيل بتزويد بعض دول القارة الإفريقية بالسلاح والعتاد الحربي مقابل حصولها على الألماس الخام.
وتمتلك إسرائيل بورصة للألماس في مدينة "رامات جان" الاسرائيلية قرب تل أبيب، وإسرائيل تستحوذ على مكانة هامة في صناعة وصقل الألماس وغيره من الأحجار النفيسة، وذلك يعود إلى أن صناعة الألماس الإسرائيلية تستخدم أجهزة متطورة جداً، تدخل فيها تقنيات حديثة، والقطع يتم بأشعة الليزر للأحجار وتلميعها آلياً، كما يوجد في إسرائيل مندوبين يمثلون كبرى الشركات العالمية التي تعمل في مجال الألماس، لذلك فإن صناعة الألماس وتصديره من أهم الصناعات الإسرائيلية، فقد وصل عائد هذه التجارة في العام 2011 إلى حوالي 30 في المائة من إجمالي الدخل القومي، وفي العام 2014 بلغ حجم تجارة الألماس الخام والمصقول في إسرائيل 9,2 مليار دولار، وتساهم هذه الصناعة سنوياً بمبلغ مليار دولار في ميزانية وزارة الدفاع الإسرائيلية، وابتداء من العام 2012 تجري إسرائيل اختبارات جيولوجية من أجل استخراج الألماس من مناطق بالقرب من مدينة حيفا، وبحسب البيانات التي يصدرها مجلس الألماس العالمي فإن إسرائيل تصدر سنوياً ما قيمته 50 مليار دولار.
ويذهب قسم من الماس الذي تستورده إسرائيل إلى المؤسسة العسكرية من أجل التصنيع الحربي، ويعاد تصدير القسم الآخر بعد أن يجري صقله وتلميعه في مراكز خاصة لتجارة هذا الحجر الذي يعنبر من السلع الأغلى في العالم .
ويعود تميز إسرائيل في هذه التجارة إلى عوامل عديدة أهمها علاقتها مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وقدم هذه الصناعة وتوارثها بشكل تقليدي لدي الجالية اليهودية في إفريقيا، وتجاهل إسرائيل للقوانين الدولية المتعلقة بتجارة السلاح وتصديره، وهو الأمر الذي فعلته إسرائيل مع عدة دول عنصرية وفاشية في إفريقيا كانت تنهشها النزاعات والحروب الأهلية والإثنية .
الاتهام واضح ويشير إلى أن إسرائيل تقوم بسرقة الماس الإفريقي مقابل توريد الأسلحة والعتاد الحربي للأفارقة كي تغذي الصراعات والحروب الداخلية والعرقية والأثنية والمناطقية في القارة الإفريقية، وبالرغم من الإدانات التي تصدرها كثير من الهيئات والمنظمات الدولية وتوجه أساساً إلى كبار التجار الإسرائيليين، فإنه ولغاية الآن لم يقدم أي من تجار الدم كما تسميهم هذه المنظمات غلى أية محاكمة.
الغالبية العظمى من هؤلاء التجار اليهود هم من جنرالات الجيش الإسرائيلي، وضباط من جهاز المخابرات الموساد السابقين، وهم تجار سلاح يقومون بتمويل بناء عشرات المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، ويشكل هؤلاء التجار المصدر الرئيسي للسلاح بالنسبة للعديد من الدول الإفريقية، وكذلك الأمر بالنسبة للكثير من المجموعات الإفريقية المسلحة.
وعادة ما تفضل هذه الدول وتلك الجماعات السلاح الإسرائيلي على سواه نظراً لكفاءته، وأيضاً نظراً لمرونة إسرائيل في تعاملها المالي مع المشترين، حيث لا تشترط إسرائيل الحصول على أموال مقابل السلاح، لكنها تقبل بمبدأ المقايضة أياً كانت، وعادة تمنح الشركات الإسرائيلية حقوقاً للتنقيب عن الثروات الباطنية والماد الخام في هذه الدول الإفريقية.
ولأن الأسلحة التي تحصل عليها الدول الإفريقية مقابل سرقة الماس منها تستخدم في الحروب الأهلية التي يذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الناس خاصة في سيراليون والكونغو وأنغولا، فقد أطلقت الأمم المتحدة على التجارة الصهيونية للماس "تجارة الماس الدموي"، وقد اتهمت إسرائيل في العام 2009 رسمياً من قبل لجنة خبراء في الأمم المتحدة، بالتورط في تصدير الماس بطريقة غير قانونية من إفريقيا، واتهم التقرير التجار الإسرائيليين بعلاقة مباشرة بتجارة الماس الدموي، خاصة في ساح العاج وسيراليون، وبالرغم من أن مجلس الأمن الدولي قد أصدر عدة قرارات في نهاية التسعينيات من القرن العشرين، تمنع وتقيّد استيراد الماس الخام من مناطق النزاعات في القارة الإفريقية، لمنع استخدام العائدات المالية في إطالة أمد الصراعات، إلا أن العمليات التي تقوم بها الصهيونية وإسرائيل لسرقة الماس الإفريقي مازالت متواصلة.
وليس أدل على خطورة الوضع من الفترة الممتدة من العام 1997 إلى غاية العام 2003، هذه الفترة التي شهدت تصاعداً خطيراً في مؤشر الحروب الأهلية في القارة الإفريقية، كان هدف هذه الحروب هو السيطرة على مناجم الماس، وكان من سمات هذه الحروب أن الأطراف المتحاربة قامت بتجنيد الأطفال وزجهم في الصراعات، وهذا ما كان ليتم لولا تواطئ تجار السلاح الإسرائيليين الذين زودوا الأطراف المتحاربة بالسلاح والعتاد المختلف عبر سنوات الحروب، وقد شهدت هذه الحروب تورط عدد من الرؤساء الأفارقة فيها، مثل رئيس ليبيريا السابق " تشارلز تايلور " الذي أدانته محكمة دولية بتهمة تجارة الماس الدموي في العام 2004.
نتيجة لما تقدم فقد أصبحت إسرائيل مركزاً كبيراً لتجارة الماس، وقد أعلن موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية على الإنترنت، أن مجموع صادرات إسرائيل من الماس قد وصل في العام 2006 إلى ما قيمته " 13 " مليار دولار، احتلت الولايات المتحدة الأمريكية مركز الصدارة في قائمة الدول المستوردة بما يشكل "63 " في المائة من قيمة الصادرات الإسرائيلية، تليها هونغ كونغ " 14 " في المائة في سويسرا " 11 " في المائة، وباتت إسرائيل تنتج معظم الماس المصقول في العالم بنسبة تصل إلى 40 في المائة، ومازالت إسرائيل تسعى للاستيلاء على الماس الخام في عدد من الدول الإفريقية، فقد وقعت مع ليبيريا اتفاقية في العام 2007 تقضي بقيام إسرائيل إرسال خبراء لمساعدة ليبيريا في البحث عن الماس، إضافة إلى تورطها في تجارة الماس الدموي في كل من ساحل العاج وغينيا زائير وسيراليون وأفريقيا الوسطى.
 اللافت في هذا الموضوع هو العلاقة ما بين تجارة الماس القذرة وشركات السلاح الإسرائيلية من جهة، وعمليات تمويل المشاريع الاستيطانية في مدينة القدس وفي بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، يدخل في هذه العلاقة الشائكة ضباط من المخابرات الإسرائيلية – الموساد – وأبرز مثال على ذلك الملياردير الإسرائيلي " ليف ليفايف " يهودي من أصل روسي، كان ضابطاً في الجيش الإسرائيلي يعمل في إفريقيا، وهو حالياً واحد من أهم أقطاب صناعة وتجارة الماس في العالم، وكذلك هو ممول مهم للمستوطنات الإسرائيلية، ويدير " صندوق استرداد الأرض " وهي هيئة يهودية تجمع متطرفون يهود هدفهم سرقة الأراضي الفلسطينية بوسائل عنيفة.
 وحسب بيانات دائرة الماس والأحجار الكريمة والمجوهرات في وزارة الاقتصاد والصناعة الاسرائيلية للعام 2016، فإن زيادة صادرات الماس الخام بنسبة 23.1% وزيادة الواردات بنسبة 16.7، وقد بلغ حجم تصدير الماس الخام خلال العام 2016، 2,702 مليار دولار، مقابل 2,195 مليار دولار خلال العام، ما يعني زيادة بنسبة 23.1%.
كما بلغ حجم تصدير الماس المصقول خلال العام 2016، 4,675 مليار دولار، مقابل 4,993 مليار دولار خلال العام 2015، ما يعني انخفاض بنسبة 6.4%. أمّا استيراد الماس الخام خلال العام 2016، فقد بلغ 3,246 مليار دولار، مقابل 2,781 مليار دولار خلال العام 2015، أي تمّ تسجيل زيادة بنسبة 16.7%.
وبلغ حجم استيراد الماس المصقول خلال العام 2016، 3,282 مليار دولار، مقابل ما يقارب 3,482 مليار دولار خلال العام 2015، أي كان هنالك انخفاض بنسبة 5.7%.
ولأن أجزاء من الأرباح التي تحققها إسرائيل من تجارة الماس تذهب إلى المؤسسة العسكرية لدعمها " حوالي مليار دولار سنوياً " وجزء منها أيضاً يذهب إلى المستوطنات لتعزيزها، فإن إسرائيل ماضية في الاستحواذ على هذه التجارة القذرة في إفريقيا لما تحققه من أرباح ضخمة .


الأستاذ كمال حسين اغبارية ، شاعراً ومفكراً/ شاكر فريد حسن

الشاعر والأديب واللغوي الأستاذ كمال حسين اغبارية ، ابن بلدتي الحبيبة مصمص، هو مربي صفي ، ومعلمي للغة العربية في مدرسة كفر قرع الثانوية، في أواخر السبعينات من القرن الماضي .
وقد تحرجت من معطفه اجيال عديدة رباها على حب الأدب وعشق لغة الضاد . وهو شقيق الشاعر الشهيد راشد حسين ، احد اعلام شعر المقاومة الفلسطينية، وشقيق الشاعر والقاص والمفكر والمتثاقف احمد حسين ،ولذلك ليس غريبا انه يتعاطى الشعر والأدب وحب القراءة والمعرفة الى حد الادمان . فقد عاش في بيئة وجو ثقافي ، وفي بيت يحب العلم والثقافة.
والأستاذ كمال هو شاعر وأديب متمكن من ادواته الفنية ولغته التي يصر على نقائها ، ومثقف نخبوي يعاني ازمة المثقف العربي، وله اراء مغايرة من مسائل الدين والسياسة والمجتمع والفكر السياسي الراهن والاحزاب الناشطه، وكذلك من مجمل القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية.
قد نتفق معه  ، وقد نختلف معه في مواقف عديدة، وربما نتحفظ من موقفه ازاء الاحراب السياسية ولكن ذلك يبقى في اطار حرية الرأي وحق الاختلاف.  وتبقى حقيقة لا جدال فيها انه انسان يتمتع بثقافة عميقة وواسعة ، ويحمل في صدره ووعيه وعقله فكراً تنويرياً وتقدمياً عصرياً وحضارياً وانسانياً ودينياً وسطياً منفتحاً على الثقافات والحضارات الانسانية والفلسفات المختلفة.
والشعر وتجربته لدى استاذي كمال حسين هو السعادة الحقيقية، والوطن المأمول ،وهو الروح والمطلب . بدأ حياته بالحب لرسالة العلم والتعليم ، وتوجها بالشعر ، وختمها بالفكر بماهو مختلف ومغاير .
يطغى على أدب الاستاذ كمال حسين المعاناة الوجودية والمكابدة الذاتية. انه من جيل ثقافي مقهور عاش الهزائم وعايش الانتكاسات العربية المتعددة.وهو يخوض معارك القلم وبنكهته الفريدة يبشرنا بألمه العميق ، ان في الوطن الجريح السليب صوتاً شعرياً آخر يطل تحت شهوة بوح مكبوت من سواد القلب .انه يشدنا بكلماته وارائه الى آفاقنا البعيدة مراهناً على تفتح أعمق للانسان المعاصر ، تفتح  في اتجاه الخصوصية التي تهذب الروح الانسانية في مكانها ، وتفتحه في اتجاه فكر جديد يؤصل لثقافة عربية مغايرة ومختلفة نحو التكوكب الثقافي او الفضاءالمعرفي المختلط.  
وفي المجمل الاستاذ كمال حسين اغباريةخرج على ذاته من سجن الوظيفة الى مضمار الانتاج الفكري والثقافي والشعري الابداعي ، متوهجاً بقلمه الأنيق الجريء، مكلاً بالعطاء الثر الغزير ، ومساهماً بالكلمة في تعميق وعي متنور وفكر خصب، والغوص في عمق المقدس والمحرم والممنوع ، وهو كالزهاوي مناصراً للمرأة ، مدافعاً عنها ، وناقماً على مجتمع الجهل والتخلف، متصدياً للفكر المتعصب التكفيري ، حالماً بعالم جميل تسوده الحرية الفكرية والعدل والمساواة والديمقراطية، فله خالص التحايا.

ظواهر سلبيّة في مسيرة الشّعراء (5) التّمركز حول الذّات وتضخيمها/ فراس حج محمد

لا شكّ في أنّ كلّ شاعر معجب بنفسه، متمحور حول ذاته، ولا يرى غيره جديرا بمكانته الّتى وصل إليها عن استحقاق وتمكّن، منذ أوّل شاعر نطق بالشّعر، وحتّى قيام السّاعة، فهذا الشّاعر الجاهليّ يقول:
وإنّي وكلّ شاعر من البشرْ
  شيطانه أنثى وشيطاني ذكرْ
  
إنّه التّميُّز والتّفرُّد إذن، وهذا ما دفع الشّاعر جرير أن يقول في معرض التّفاخر بالذّات:
أنا الموت الّذي آتي عليكم
  فليس لهارب منّي نجاء
  
وصولا إلى المتنبي الّذي تضخّمت ذاته أكثر وأكثر، فغدت نرجسيّته واضحة، انطلاقا من قناعة شخصيّة أنّه هو الأعلى ذاتا وشعرا وأخلاقا وسلوكا، فقد حضرت الأنا في شعره حضورا لافتا، ليس فقط في معرض الافتخار بشعره، كقوله:
أنا الّذي نظَرَ الأعمى إلى أدبي
  وأسْمَعَتْ كلماتي مَنْ به صَمَمُ
  
أَنامُ ملءَ جفوني عَنْ شوارِدِها
  ويسهرُ الخلقُ جَرّاها وَيَخْتصِمُ
  
بل تعدّى ذلك إلى التّفاخر بالذّات حدّ المرض النّرجسيّ القاتل واحتقار الآخرين، حيث يقول:
وَكُلّ مَا قَدْ خَلَقَ اللّـ
  ـهُ وَما لَمْ يُخْلَقِ
  
مُحْتَقَرٌ في هِمّتي
  كَشَعْرَةٍ في مَفْرِقي
  
لقد أفاض النّقّاد في الإشارة إلى ذلك وتحليل أسبابه عند المتنبي خصوصا، وأحيل القارئ إلى دراسة قامت بها الباحثة رولا غانم بعنوان "الآخر في شعر المتنبي" (رسالة ماجستير/ جامعة النّجاح الوطنيّة، 2010، مخطوطة)، حيث عقدت فصلا خاصّا ما بين صفحتي (17-48) تتبّعت هذا الموضوع بكلّ تجليّاته في شعر المتنبي، ومن قبل ذلك أشار دارسون كثيرون إلى هذه الظّاهرة، فلا داعي لذكر مزيد من الأمثلة، متجاوزا عن المتنبي إلى الشّعر الحديث، فقد أثر عن الشّاعر اللّبنانيّ سعيد عقل قوله: "أنا الشّعر"، وهذا النّفَس من الاعتداد بالذّات يلمحه المرء بصورة جليّة عند محمود سامي البارودي والشّاعر محمّد مهدي الجواهري، وكأنّ الأمر ليس مشكلة، ما دام الشّعراء، كل الشّعراء هكذا!
ومع التّسليم بهذه الحقيقة الواردة سابقا، من اعتداد الشّاعر بذاته، اعتدادا نابعا من أنّه متفرّد، متميّز، مختلف، ذو لغة خاصّة وصورة مدهشة ووحي علويّ، وما يصاحب ذلك من احتفال جماهريّ بالشّاعر والشّعر على حدّ سواء، بدءا من المتلقّي العاديّ، وانتهاء بالفلاسفة، ومرورا بالنّقّاد، وحتّى اللّاهوتيّون والفقهاء، كلّهم يحسد الشّاعر، وكلّهم يريد أن يكون شاعرا، إذن يحق للشّاعر الفخر بذاته والّتيه بشاعريّته: 
وَمَنْ تَكُنِ العَلْياءُ هِمَّةَ نَفْسِهِ
  فَكُلُّ الَّذِي يَلْقَاهُ فيها مُحَبَّبُ
  
إِذا أَنا لَم أُعْطِ الْمَكارِمَ حَقَّها
  فَلا عَزَّنِي خالٌ وَلا ضَمَّنِي أَبُ
  
وأيّ همّة أعلى من همّة الشّاعر؟
أقول، ومع التّسليم بهذه الحقيقة إلّا أنّ الشّعراء قد اختلفوا اختلافا بيّنا فيما بينهم في التّعبير عن هذه الذّات، وخاصّة خارج نطاق القصيدة الّتي كانت محلّ فخر بالذّات، فقليلون من عبّر عن هذه الأنا خارج النّصّ، ليبدو الشّاعر متواضعا، مطمئنّا، راضيا، عاديّا، كأيّ إنسان، لا يتعالى على ناقد، ولا على قارئ، إنّه خارج العمل الشّعريّ، إذن لا داعي لتتضخّم الذّات خارج الشّعر، ولعلّ هذا ما هو مطلوب من الشّاعر. 
شاعر عربيّ كبير كمحمود درويش مثلا، كان ممتلئا بذاته، لكنّه لم يكن مفتخرا بهذه الذّات خارج سياق القصيدة، حتّى داخلها، يتماهى ضمير الأنا مع النّصّ، فتكاد لا تشعر بوجوده، كان يكتفي بالعمل على الشّعر ليحوز إعحاب القارئ والناقد، لتدغدغ تلك الإعجابات أناه بكلّ تأكيد، ولا شكّ في أنّه كان مزهوّا في كلّ أمسية شعريّة يحتفل به جمهور الشّعر، إنّه شاعر ذكيّ أيضا يدفع بكلّ ثقة ذلك الجمهور من قرّاء ونقّاد وشعراء إلى التّسليم لشاعريّته، فيخلق له حسّادا كثيرين أيضا يعيشون في الظّلّ، لاسيّما من الشّعراء، وما يلاحظ على حوارات درويش أنّه يبدو متواضعا، سلسا، لا ينتقد أحدا، ولا يقلّل من شأن أحد، وربّما نظر إلى نفسه أحيانا بتواضع كبير، ولم يقل عن نفسه أكثر ممّا قاله النّقّاد، بتواضع يخجل منه المحاور، لأنّه يعرف قدره وعلوّ كعبه في الشّعر.
إنّ أكثر ما يريب هو وقوع الشّاعر في شرَك الذّات خارج نطاق النّصّ، فيتعمّق في الأنا تعمّقا مرضيّا عصيّا على الشّفاء، لعلّ هذا ما حدث مع الشّاعر سميح القاسم في ذلك الحوار الّذي أجراه معه النّاقد اللّبنانيّ جهاد فاضل، ونشرته مجلّة العربيّ في العدد (652)/ مارس/2013، وقد وصف فاضل هذا الحوار بأنّه "طريف"، فلماذا يا ترى كان هذا الوصف؟ ربّما ستبدو الإجابة واضحة بعد التوقّف مع الشّاعر وأناه.
يحتلّ الحوار من المجلّة ثماني صفحات تقريبا، بما فيها مقدّمة المحاور، وصورة له مع الشّاعر في البداية مع المقدّمة، وصورة ثانية في الصّفحة الثّالثة، ظهر فيها أديبان آخران مع القاسم. وفي الصّفحة قبل الأخيرة صورة ثالثة لغلاف كتاب سميح القاسم (مكالمة شخصيّة جدّا- مع محمود درويش)، وقد تطرّق الحوار، وهو حوار قصير غير سابر، إلى قضايا متعدّدة يلخّصها فاضل بقوله: "حديث في الخاصّ وفي العامّ معا، وفي الفكر وفي الشّعر على السّواء، وفي الشّعراء أيضا غابرهم وحاضرهم". (ص80)
لقد حضر الضّمير المنفصل "أنا" حضورا لافتا في هذا الحوار، فتكرّر في بداية الإجابات كثيرا، وخلال الإجابات، وفي مقارنة الشّاعر نفسه بغيره، أو خلال حديثه عن الآخرين، فقد تكرّر هذا الضّمير ما يزيد عن ثلاثين مرّة، عدا استخدامه الضّمير المتّصل (الياء)، وهو ضمير المتكلم، سواء بالاتّصال بالاسم، ليكون مضافا لياء المتكلّم أم بالفعل ليكون مفعولا به، وكذلك اجتماع الضّمير المتّصل (التّاء المضمومة) الّتي جاءت مسندا إليه (فاعلا)، وأحيانا تتكثّف الذّات في الجملة الواحدة لتحدّها الأنا من كلا جانبيها، وباستخدام الضّمير بأنواعه الثّلاثة، وسأورد فيما يأتي مثالا، شكّل جزءا من إجابة الشّاعر على سؤال محاوره المتعلّق بأنسنة العدو، فيجيب القاسم:
"أنا مؤسّس هذه الرّوح أو هذه المدرسة، أنا مؤسّس نظريّة أنسنة العدوّ في الشّعر وفي الأدب. من أربعين سنة كتبتُ عن جنديّ عربيّ يقول عن عدوّه: "بادلته تبغا بماء". أعطيته تبغا وأعطاني ماء. أنا مع أنسنة العدوّ، لأنّ تجريد العدو من الإنسانيّة يجرّدني أنا، عمليّا، من الإنسانيّة. أنا أقولها دائما إنّ إسرائيل تنتصر علينا نصرا مبينا حين تنجح في تجريدنا من إنسانيّتنا، إذا نجحت في تجريدنا من إنسانيّتنا، تكون قد انتصرت علينا. وأنا لا أسمح بهذا. أنا رائد أنسنة العدوّ في الشّعر العربيّ" (ص 86)، ثم يطلب بثقة أنْ "عودوا إلى المصادر".
في هذه الإجابة على ما فيها من تكرار اللّفظ والمعنى إلّا أنّها حافلة بالأنا من عدّة وجوه، فقد أبرز نفسه مؤسّسا وزعيما ورائدا، ما يعني أنّ الآخرين تبع له، عدا أنّ نبرة الثّقة المطلقة بالذّات بارزة جدّا، وخاصّة عندما يقول: "أنا لا أسمح بذلك"، إنّه نفَس دكتاتور أو زعيم قبيلة أو ملك مطلق الصّلاحيّة، وليس شاعرا. وهذا النّفَس يتكرّر كثيرا في هذا الحوار، ليتفرّد تفرّدا لافتا، يقول: "إذا كان هناك إصرار على شاعر عربيّ واحد من الجاهليّة إلى اليوم، فأنا جاهز!" (ص 86)، وكذلك: "عودوا إلى النّقّاد المحترمين، تجدون أنّه ما من شاعر عربيّ من الجاهليّة إلى اليوم، غامر بتجربته وجنّ وعمل ما عمل مثلي. وذلك بشهادة النّقّاد العرب الكبار". (ص86)
لم يكن سميح القاسم شاعرا فقط ويتحدث عن تجربته الشّعريّة، بل كان ناقدا أيضا ومقيّما، لتجربته ولتجارب الشّعراء الآخرين، ينتهي القاسم بعد إجابة طويلة يتوقّف فيها على مسيرة الشّعر العربيّ إلى إبراز دوره في تطور القصيدة العربيّة، ليكون صاحب الفضل الأوحد في هذا، وكأن الشّعراء كلّهم في كفّة وهو في الكفّة المقابلة، يقول: "أعتقد أنّني أضفت شيئا آخر: تعدّد الصّدر، تعدّد العجز، في القصيدة العموديّة. نشرت مجموعة من القصائد في البيت أكثر من صدر أحيانا، وأكثر من عجز أحيانا، وهذا اجتهاد جديد وجميل ومريح". (ص84)، أين النّقّاد؟ وكيف غابوا عن هذا الّذي أضافه القاسم الّذي يصفه بالجديد والجميل والمريح؟ 
وليس هذا وحسب، بل إنّ سميح القاسم يطلق الأحكام النّقديّة القاسية على الشّعراء، فيقسمهم إلى قسمين، شعراء حقيقيّين، وشعراء افتراضيّين، فعندما سأله جهاد فاضل عن أدونيس، الشّاعر السّوريّ، أجابه قائلا: "أنا لا أريد أن أدخل في لعبة الأسماء والأمثلة، كلّ الشّعراء أصدقائي"، إنّ استهلال الشّاعر بهذه الإجابة سيكتشف القارئ أنّه تمهيد لما هو أشدّ وأبلى. فيتابع الإجابة ليقول لامزا أدونيس وحداثيّته: "عندما نخرج أربعين أو خمسين شاعرا تعتبرونهم كبارا في العالم العربيّ، فأنا أشكّ في أنّهم شعراء أصلا. أنت تصف فلانا أو فلانا بأنّه شاعر كبير، أنا أشكّ في أنّه شاعر". (ص84). وحقيقة إجابة سميح القاسم أنّه يخرج أدونيس من الحداثة الشّعريّة، إذ إنّها غير "مستمدّة من التّراث العربيّ"، ومن غير أدونيس مقصود هنا، إذ ناصب، على ما هو معروف، التّراث العربيّ العداء، ودعا إلى القطيعة التّامّة معه؟ إذن ها هو أدونيس خارج الحداثة الشّعريّة، ليُدخل إلى هذا المصطلح الشّاعر الكلاسيكيّ محمّد مهدي الجواهري مدافعا عن حداثيّته بقوله: "أنا لا أناقش في حداثة أخي وصديقي ومعلمي – بمعنى ما- محمّد مهدي الجواهري...، روح الجواهري روح حداثيّة". (ص85)، أرأيتم كيف يدخل الشّعراء ويخرجون من الحداثة والشّعر، هكذا بأحكام نقديّة شخصيّة وتأثّريّة؟  
ويطلق سميح القاسم الشّاعر أيضا أحكاما نقديّة على شعراء آخرين، فـ "بدوي الجبل شاعر كبير، ولكنّه شاعر مقلّ"، أما الشّاعر سعيد عقل فعنده - في نظر القاسم- "بعض القصائد الجيّدة جدّا المشغولات بعناية، وما عدا ذلك لا تجد سوى التّبن، تعرف أنّ هناك حَبّا (بفتح الحاء) وأنّ هناك تبنا. السّنبلة فيها حَبّ وفيها تبن. تبن سعيد عقل أكثر من حَبّه. وأعتقد أنّ بدوي الجبل مثله" (ص 87)، فإذا كان بدوي الجبل شاعرا مقلّا، ومع هذا القليل، تبنه أكثر من حَبّه، فماذا بقي من شعره؟ وإذا كان هذا حال الشّعراء الكبار، فماذا سيقول القاسم لو شاهد غثاء الشّعراء المتطفلين هذه الأيام؟ لا ريب أنّهم يفتقرون إلى التّبن كذلك.
وأخيرا، يصل الشّاعر إلى تميّزه عن غيره من شعراء المقاومة، وخاصّة محمود درويش وتوفيق زيّاد، هؤلاء الشّعراء الّذين شكّلوا معه مثلّث الشّعر الفلسطينيّ المقاوم، مقدّما حكما نقديّا عامّا لمسيرته في شعر المقاومة، ليكون متفرّدا فيما أطلق عليه "البعد القوميّ"، أمّا درويش فبرز عنده "الجانب الوطنيّ الفلسطينيّ"، وتوفيق زيّاد "كان مناضلا طبقيا شيوعيا"، يقول: "لكن عندي كان الحسّ القوميّ أقوى، عند محمود الحسّ الوطنيّ، عند توفيق الحسّ الطّبقي." (ص87)
هذه هي صورة الشّاعر سميح القاسم الّذي رفض جائزة نوبل عندما عُرِضت عليه، كما قال في هذا الحوار (ص85)، الّذي وصفه الناقد جهاد فاضل كما أسلفت سابقا، بأنّه طريف، ولعلّ طرافته بادية دون أن أقرّر ذلك وأين، فالقارئ قادر على معرفة وجه الطّرافة، دون أن يقرّرها أحد عليه.

من بيت العيله لفيلا المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف/ أشرف حلمى

لا يمكن أحد إنكار دور المملكة العربية السعودية فى ثورة يونية والمتممة لثورة ٥٢ لضباط الاخوان الأحرار بهدف نشر الفكر الوهابى فى مصر فتعمدت تطوير الأزهر وإنشاء جامعته التى أقتصرت فيها الدراسة على المسلمين فقط بالتزامن مع فتح باب السعودية على مصرعيه للعمالة المصرية بعد ثورة ٥٢ بهدف نقل سياسة التخلف الثقافى الوهابية ما بين حجاب ونقاب وبين لحية وجلباب الى مصر .
أصبحت الدولة المصرية تسير بمباركة رجال الدين بعد ثورة يونية وعملت على محاربة ومقاومة الإرهاب المتأسلم دون جدوى بعد تعمد فشل القانون والشرطة ردعه وذلك للجوء الى وسيلة دينية بإنشاء ما يعرف بالمجلس القومى لمكافحة الارهاب والتطرف بعضوية رجال الدين والذى يضم قداسة البابا تواضروس الثانى ممثلاً عن الكنيسة وكأن الكنيسة طرفاً مسئولاً  عن الارهاب فى مصر وبين رعاياها إرهابيون متمسحون علماً بان دور الكنيسة فى المجتمع المصرى روحياً فقط قائم على تقويم رعاياها أخلاقياً طبقاً لتعاليم الكتاب المقدس واللإلتزام بقوانين الدولة وإحترامها ووجود الكنيسة ضمن هذا المجلس أنما يهدف الى الزج بأسمها فى مستنقع الارهاب المتأسلم والترويج الى القوانين والتوصيات التى ستصدر عن المجلس  المزعوم عالمياً والإشادة بها كما حدث مع قانون بناء الكنائس الذى أقرتة الدولة وشابه العوار بما يحمله من عبارات مطاطية ووقف حائلاً امام فتح العديد من الكنائس المغلقة وتعدى افراد الشرطة ومجالس المحليات على بعض الكنائس القائمة لإزالت بعض ملحقاتها بحجة عدم وجود تراخيص عوضاً عن قانون بناء دور العبادة الموحد , إضافة الى تجميل  صورة مصر امام العالم الغربى من خلال أساقفة المهجر نتيجة ما يعانيه اقباط مصر من عمليات أرهابية تستهدفهم بأسم الدين مما سيتسبب فى إحراج البابا لدى شعبه خاصة الجاليات القبطية المهاجرة .
كما يضم المجلس شيخ الأزهر أحمد الطيب الذى لا يستطيع تحسين الخطاب الدينى المتسلف والذى أستغرق بنائة أكثر من ستون عاماً كى ما يصل الى الخطاب الوهابى وذلك طبقاً لتوصيات الرئيس كما أن وجود الطيب ضمن المجلس يهدف الى السعى الى إصدار قانون الأزهر لمكافحة الكراهية والعنف باسم الدين المقتبس من دولة الأمارات العربية الذى تقدم به للسيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى وذلك لمنع التعرض لرجال الدين الإسلامى حال تعرضهم للنقد .
كما ان إدراج رجال الدين المتوهبون  ضمن مجالس الدولة سيؤدى الى تبرير الارهاب وتبرئة الإرهابيين بإعتبارهم أهل قبلة وليس للقضاء على الارهاب كما هو الحال فى بيت العيله الذى فشل فى ردع الفتن الطائفية والمسئول عنه نفس رجال الدين اضافة الى وجودهم ضمن المجلس يؤكد إيمان الدولة بمدى تأثيرهم على الشعب المصرى فكرياً وعقائدياً بل وتحديد مصير حياتهم ما أدى مؤخراً لفضيحة أكشاك الفتوى على محطات المترو هنيئاً للشعب المصرى فيلا المجلس القومى لمكافحة الارهاب والتطرف ومباركة قريبة لقانون الأزهر لمكافحة الكراهية والعنف الذى ستشرف عليه شرطة جماعة الامر بالمعروف والنهى عن المنكر لتحقيق الحلم السعودى لوهبنة مصر . 

لا يا لا يا (أفكارٌ من جمهوريةِ بلاتو)/ د. عدنان الظاهر

يُنبيكَ الربعُ بأنَّ السَمْتَ محكُّ السورِ المحفورِ عميقا
أنَّ الفردَ يصولُ كما شاءَ التنزيلُ
أنَّ الخدَّ المُحْمَرَّ أسيلُ
وشُجيراتِ النارنجِ تشبُّ سُعارَ الخمرةِ في كأسِ الثغرِ
لا تقلبْ في وجهِ الساقي أقداحا
الحانةُ ما زالتْ سَهْرى يقظى
ملأى برؤوسٍ مالتْ أو طاحتْ سُكْرا
مَنْ يغفو لا يصحو
الصاحي يحملُ في المقهى إبريقاً صدّاحا
لا يكتمُ أمراً أو سرّا
الجهرُ الإعلانُ الأقوى
( ولا تسقني سِرّاً إذا أمكنَ الجهرُ / أبو نؤاس )
يهوى أنْ يهوى أو يهوي مخمورا
أينَ المرآةُ أرى وجهي فيها مَجلوّا
جُدُراً وطقوساً تتفاوتُ تشكيلا
أينَ " اللمّةُ " في عصريةِ دارٍ صيفا
بقيتْ منها ذِكرى :
أحجارٌ شجّتْ رأسي شَجّا
بقيتْ حُمّى لا تقتلُ لا تشفى
جسدٌ يغرقُ في بئرِ الماءِ المُرِّ
لا يا لا يا ...
هل أشهُرُ سيفا
أو أهجرُ ماءَ النهرِ الجاري عَذْبا
أبحثُ في الظُلمةِ عن نورٍ في طاساتِ السُكْرِ
تتنفّسُ فيهِ الدُنيا زَفَراتٍ وشهيقا
الدُنيا مِعزى
تعفطُ إنْ شخّتْ أو شاختْ
تتبدّلُ ذُلاً أو دِلاّ
تبّتْ أيديها تَبّا
أينَ الحلُّ ومفتاحُ " الحِلّةِ " في حِلٍّ من أمري
هل أقبلُ حَلاّ
أوسطَ أو أعلى شِبْرا
بين المِكحلِ والمِرودِ في عينِ أميراتِ الكُحلِ
الحلُّ الأمثلُ قد يأتي .. يأتي سهوْا
بين الغَفْلةِ والعثرةِ في كفّةِ ميزانِ السُكْرِ
لا تكشفْ رأسا
لا تستسلمْ يأسا
لا تحملْ فأسا
لا يا لا يا .
الحربُ تحت خيمةِ أفلاطون
لا لا لا
دُقّوا الأوتادَ عميقا
في وجهِ الحربِ تُزمّجرُ ريحاً ميلاً ميلا
دقّوها في أرضٍ تتفجّرُ أُسّاً أُسّا رأساً رأسا
زيدوهاً أنوارا
ونذوراً للشمعةِ في عُرسِ " الخِضْرِ " الغائبِ في ياسِ النهرِ
دقّوها كي تصمدَ صَمْداً صَمْدا
أنْ تؤي أهلاً في المنفى الأقصى
يا حادي يا صادي
الجوُّ القاتمُ قتّالُ
مُغبّرٌ مُصفّرُ
ريحٌ تتفاوتُ إقبالاً إدبارا
وصفيرٌ يلعبُ في دورٍأدوارا
الحربةُ في رأسِ القائدِ إنذارُ
القاتلُ لا يغفو
لا يصفحُ لا يعفو
قتلوني حيّا
هدموا بيتاً آواني طفْلا
مسحوهُ مَسْحا
كسروا أضلاعَ الجسرِ أمامَ الرائحِ والغادي
ضِلْعاً ضِلْعا
لا يا لا يا
يا يا يا .

مع الكاتبة والصحفية الفلسطينية لطيفة اغباريه/ شاكر فريد حسن

لطيفة اغبارية السابحة على ضفاف نهر الصحافة ، والآتية من ام الفحم بصوت جديد ، صوت الحقيقة الذي لا يعلو عليه اي صوت ، وصوت الذين لا صوت لهم . هي كاتبة شديدة التنوع والوضوح والصدق في موضوعاتها ، التي تواكب الحدث وتتفاعل مع التطورات السياسية المتسارعة والمتلاحقة . انها مزيج فكري في روح  واحدة وعقل واحد . 
وهي الكادحة أبداً بحبر قلمها ومداد معاناتها وبياض أفكارها الناصعة.
لطيفة اغبارية التي عرفها القراء والمهتمين في بلادنا  من خلال تقاريرها الصحفية ومقابلاتها مع رجالات السياسة والفكر والصحافة والأدب محلياً وعربياً ، ومقالاتها المتنوعة وتحليلاتها السياسية المواكبة للحدث وللراهن ، عبر صحيفة"حديث الناس " التي تصدر في الناصرة ، ومن ثم في المنابر الصحفية العربية  في العالم العربي ، وفي مقدمتها " رأي العرب" التي يرأس تحريرها الصحفي المعروف عبد الباري عطوان ، التي تصدر في لندن ، وتنشر فيها عامودها الاسبوعي .
ان عناوين مقالات ومعالجات ومداخلات لطيفة اغبارية ترشدنا الى مفاتيح أفكارها وتوجهاتها ورؤاها وطروحاتها، وتدلنا على مدى رغبتها فيزالتاسيس لصحافة عربية موضوعية مبنية على تحري الحقيقة والصدق .
انها كاتبة وصحفية ملتزمة شعبياً ووطنياً، ومغامرة خارج الرسمي والتقليدي ، تكتب لأجل الاقتناع الذاتي ، ولا يهمها عدد المتفاعلين مع طروحاتها واجنداتها التي تغوص فيها بعقلها وفكرها ونظرتها الثاقبة.
لطيفة اغبارية سليلة الحبر العربي النقي، مبدعة في الكتابة الصحفية اليومية ، ولكلماتها نكهة النثر ، المعرفة والسياسة، الحدث والقضية الثابته الراسخة المقدسة. وهي لم تجمع حتى الأن مقالاتها لامتلأت الطريق من حديث الناس في الناصرة الى بيتها في ام الفحم ، ناهيك عن مساهماتها في نشر الفكر الديمقراطي المتنور، وثقافة التسامح، وتربية الاجيال الصاعدة بروح المحبة، وعلى اساس قيم الانسان الجمالية والروحية.
لطيفة اغبارية صحفية متمكنة ودائمة النشاط والعطاء،من وراء كل ستار تطرحه الشمس بين غيم الحلم بكتابة جديدة، وبين أشعة القراءة العربية المتراجعة الى رمال وصحاري، ولا يسكنها احد سوى الحقيقة والواقع. 
فدام قلم لطيفة السيال، وتمنياتي لها بدوام الكتابة اسهاماً في النهضة الثقافية والفكرية والصحفية، بحثاً عن وطن جميل، وعالم انساني حالم ، خال من القهر والحروب والعنف والكراهية.