حل الدولتين الأساس الوحيد للسلام العادل والدائم/ سري القدوة



تلك التصريحات والمواقف الايجابية والتي تعد كأول تصريحات رسمية تصدر عن مسؤولين كبار في ادارة الرئيس جو بايدن ومن قلب الامم المتحدة تعد بمثابة توضيح رسمي للإدارة الجديدة بشأن سياستها تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ تولى بايدن السلطة في 20 من يناير الجاري والتي تؤكد على الموقف الامريكي من حل الدوليتين وتحث من خلالها جميع الاطراف على تجنب الخطوات أحادية الجانب التي تجعل حل الدولتين أكثر صعوبة مثل ضم الأراضي والأنشطة الاستيطانية وهدم المنازل ووقف العدوان الاسرائيلي .

التأكيد الايجابي للقائم بأعمال المبعوث الأميركي لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز، إن سياسة الرئيس جو بايدن تدعم «حل الدولتين» الإسرائيلية والفلسطينية، «حيث تعيش إسرائيل في سلام وأمان إلى جانب دولة فلسطينية تنعم بمقومات البقاء»، هي خطوة ايجابية ومرحب بها وتعد في الاتجاه الصحيح ولا يسعنا كمتابعين لما مرت به القضية الفلسطينية من مراحل عصيبة في عهد ولاية ترام إلا وان نرحب بكلمة المندوب الأمريكي في مجلس الامن والتي تضمنت رؤية حل الدولتين وإدانة ورفض الإجراءات الأحادية كالاستيطان والضم وهدم البيوت وفتح مكتب المنظمة في واشنطن وعودة الدعم المالي وتعد تلك المؤشرات خطوات ايجابية ممكن ان يبنى عليها من قبل القيادة الفلسطينية حيث يجب عودة العلاقات مع الجانب الامريكي وان يتم العمل على تطويرها وضمان بناء الثقة بين الطرفين على طريق عودة العلاقات الى طبيعتها .

ويبدو ان تلك الخطوات الايجابية التي اتخذتها إدارة بايدن بإعادة الدعم للشعب الفلسطيني واتخاذ خطوات لإعادة فتح البعثات الدبلوماسية سوف تسهم في بلورة موقف ايجابي نحو دعم حل الدولتين الذي اهدره ترامب وإعادة التأكيد على الالتزام الدولي لدعم الحقوق الفلسطينية ومساندة الشعب الفلسطيني ووضع حد لاستمرار غول الاستيطان ووقف سرقة الاراضي الفلسطينية .

ومما لا شك فيه بان هذه الخطوات تعد مؤشرات ايجابية وبناءه من ادارة الرئيس بايدن ومؤشر ايجابي لدعم عملية السلام وإعادة التأكيد على اهمية اعتماد مبدأ حل الدولتين وإقامة المؤتمر الدولي للسلام تحت اشراف الامم المتحدة، وان اي خطوات جديدة او عودة للمفاوضات يجب ان تكون تحت رعاية وضمانة دولية بعيدة عن العلاقات الثنائية، وان تطوير العلاقات الثنائية مهم ولكن في اطار التكامل الدولي مع ضمان احترام حقوق الشعب العربي الفلسطيني وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تعتبر فلسطين اراضي محتلة.

ان تلك الخطوات الجديدة على الاقل من شئنها وقف هذا التمدد الاستيطاني مما يحمل نوع جديد من التفاؤل الايجابي وبشكل محدود كون ان ادارة بايدن لا تحمل مبادرة سلام جديدة بشأن القضية الفلسطينية بل من الواضح ان موقفها سيدعم حل الدوليتين وهذا بكل تأكيد يعد مؤشر ايجابي وربما يتم تكريس الجهود الدولية ومن خلال مؤتمر السلام الدولي لكي يرى هذا الحل النور ونشهد قيام الدولة الفلسطينية مع الجيل الحالي  وهذا العمل يتطلب ان تتخذ الادارة الامريكية والرئيس بايدن خطوات اكثر حسما من اي وقت مضى لدعم خيار الدولتين مع مراعاة حل كل اشكاليات الماضي التي خلفتها الحقبة الترامبية وبذل الجهود للحفاظ على رؤية حل الدولتين والعمل على استئناف المفاوضات المباشرة تحت رعاية دولية علي اساس منح الشعب الفلسطيني حقوقه وتقرير مصيره ووضع حد لهذا الاحتلال الغاشم ودعم قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وفقا لقرارات الشرعية الدولية .

إستشراف المستقبل..!/ يونس عاشور



أتراني واقفاً أنظر إليكم أيها الملاْ وأنتم لا تحرّكونَ سَاكنا..

كأنّما على رؤوسكم الطّير..

يا أيتها النُفوس الجاثِمة على حافةٍ  من التّصورات السّقيمة..

التي لم تعد مُجديةً ولا نافعةً لتحسين التصورات والتطلعات..

ألم يحن الوقت لكي تُراجعوا أنفسكم  وتمتثلوا لمفاهيم العقل والمنطق..!؟

العقل الذي يعمل على منطق التجديد..

والمنطق الذي يعمل على تجديد مفاهيم العقل..

فيبعثُ ببارقة أمل وتطلّع لنهايات مجيدة..

يحيى بها الإنسان حياةً طيبةً لا تشوبها العثرات المتردية

والقرارات الواهية التي تصدر من عقولٍ لا تعي معنى متطلبات واقع الحياة..

***

أما آنَ لكم أن تفتّشوا عن نقاط الضّعف التي أُبتليتم بها..

لكي تخرجوا من صمتكم..

وتسجلوا مواقفكم التي انتم لها تطمحون

بطموحٍ يجعل من الإنسان ذا مراتب سامية..

وغايات مترامية الأهداف لا تتوقف إلا عند تحقيق الهدف المنشود..

***

هيئوا أنفسكم لمستقبلٍ واعد..

يعدكم بمفاهيم التقدم وإرساء معالم الحضارة الإنسانية الحقيقية..

التي تكمن في جعل الإنسان متحرراً من ربقة الجهل والتخلّف وكل أشكال التقهقر..

المندثر وراء الوهم الأحادي..

والمتقوقع في أفق الظلمات العقلية..

***

ليكن الطريق سالكاً ..

ومتمحوراً حول أهداف العقل النبيلة..

التي ترمي بظلالها نحو الآفاق المستنيرة..

بنورِ العلم والمعرفة ..

وهنالك يتحقق صُنع التاريخ 

بتكوين المفاهيم الحقيقية لاستشراف المستقبل..


السكان القُدامى/ عبدالقادر رالة



   لم تكن مدينتنا الصغيرة تُعطي للمرء الشعور بالدفء والراحة ، الذّي ينبع من كون الإنسان يعيش سعيداً في موطنه ، في مسقط رأسه بين أهله وأحبائه !

  كانت مدينتنا الصغيرة بعيدة ومُنعزلة ، تبعدُ عن مدينة فرندة بعشرين كيلومترا ، وعن عاصمة الولاية بحوالي الستين كيلومترا ...

   كان سكانها لا يحبونها ، الكبار يقولون أنهم أخطئوا لما سكنوها ، والشباب ينظرون إليها طوال حياتهم  على أنها سجن أو مقبرة ، فلا عمل ، ولا ترفيه ، ولا ثقافة ، والشجعان منهم أو الطموحين رحلوا وهجروها الى وهران ، سيدي بلعباس أو الى تيارت ، لكنهم يحرصون على زيارتها كل صيف مع زوجاتهم وأولادهم وأحفادهم ...

  إني أندهش فالكثيرين منهم لا أعرفهم ، ولم يحدثني والدي عنهم ، لكن لما يتكلمون  أمامنا ألمس وأرى بعيني أن الحنين الى هذه المدينة البائسة يكاد يقتلهم!

  لا نعرفهم ولا نراهم إلا حينما يتوفى أحد سكان مدينتنا القدامى ، ففي الجنائز كنتُ أتعرف من بعيد أو قريب على أناس يُوصفون بأنهم ليزونسيا ، أي السكان الحقيقيون والقدامى لمدينتنا الصغيرة !

  لا أزال أدرس ، إني في الثانية ثانوي ، والعام القادم سأجتاز امتحان البكالوريا ، وقد أذهب الى مدينة بعيدة ، هل أعود أم تكون بداية أحلامي من تلك المدينة ؟ 

  هل سأنقطع عن مدينتي الصغيرة ؟ هل بإمكاني العيش بعيداً عنها ، عن أهلي ، عن جيراني وأصدقائي ؟...

  هل سيشيرون إلي يوماً :  ـــ لونيس من ليزونسيا لمدينتنا الصغيرة!    


ما خَصّني/ روميو عويس


شو خَصّني؟..

ما قدرْت إيدي هَـدِّيا

تا وصْلِت لتنورتك

مْفَتَّح عيوني بَس مش قاشِع فِيا

وصارت غباشه صورتك

ومن صورتك طار الحَيا

وورودك.. ومنتورتك..

راحت صابيعي تْعَرِّيا!!

وبَوِّس مطارح قونتك

إيدي انا.. الحَق علَيا..

شو خصّها بتنورتك

**


رسالة إلى كاتبة شابّة/ فراس حج محمد



لا تغترّي بما أنتِ عليه اليوم من حضور وصور، ربما وراءه الكارثة، أتريدين معرفة شيء من الحقيقة؟ اقرئي على مهل هذه الرسالة، ولا تكابري واعترفي أنك كنتِ أسوأ مما كتبتُ، ولكن قرري أن تكوني أفضل مما يتوقعون.

ما دمت "صبية حلوة"، وتمتلكين جسدا منحوتا كريستاليا وتخضعين بالقول أبشركِ فقد وصلتِ، لا يهمّ بعدها الموهبة والقدرة على الكتابة، ثقي بقدراتك الجنسية فقط، فهي كل ما يلزم في مجتمع "الذئاب الثقافي"، سيكون الكلّ في خدمتك؛ الوزيرُ، والمديرُ، والكاتب الكبيرُ، والمحرر النحريرُ، ولن يسلم من الحَوْم حولك الأمين العامّ السياسي الثقافيّ، فمن مهامه التي لن يتردد في إتقانها والترويج لها رعايتك والانتباه لموهبتك الجنسية الباذخة.

عندما يتقدم بك العمر ويكون كل تاريخك الأدبي مبنياً على لحم جسمك، سيذهب هذا التاريخ إذ يفقد هذا الجسم قدرته على الإغواء والإرضاء والإرضاع والإشباع، وستكون مخلفاتك الورقية، المسمّاة "كتباً"، أسوأ من فضلات هذا الجسم الذي تلقين بها على عجل في بيتك الخارجي الداخلي. ستجدين نفسك وحيدة بليدة عارية باردة لا تشفع لك الصور ولا تحضنك طيوف الشامتين الذي كانوا يلوكون لحمك في السرير، ويأكلون سمعتك على رنين كاساتهم في المقاهي، ويمسحون مؤخراتهم بصفحات كتبك البائسة. حتى هذا الجسم ستكتشفين أنه أصبح قطعة من الخشب المنخور بالسوس، ملوثاً بلعاب الذباب والبعوض والعناكب واليعاسيب.

لن تسمعي من هؤلاء الذئاب إلا المدح الذي سيفضي بفخذيك ألعوبة بين أفخاذهم، وبنهديك أرجوحة بين أيديهم وأفواههم، سيغررون بك باسم الحرية والحداثة والثورة والتمرد، وسيطلقون عليك ألقابا جوفاء، لا معنى لها ولا هم يؤمنون بها إلا بقدر ما تكشفين به عن جسمك الماسيّ المشبع شهوة ونشوة ودفئاً. سيرضون عنك ما دمت تدغدغين فحولتهم العمياء الوحشية التي لا تعرف الحضارة ولا احترام إنسانية الإنسان، سيكونون نسويين أكثر من أيّ نسوية عالمية ما دمت على مرمى هدف، صباحا ومساء، ومتاحة، وممنوحة في كل وقت، ستصبحين ليس لك من حياتك وعمرك نصيب، ستكونين لهم وحدهم، ليس لك منكِ شيء، كلك للريح ومع الريح.

فكري بالابتعاد قليلا، ولاحظي المأتم الذي سيصنعونه، ستكونين معجماً لرداءة الأفكار والألفاظ وتكرارها، واعوجاج الأساليب وابتذالها، فليس معك شيء، ضحلة، سافلة، هكذا مرة واحدة سيكتشفون حقيقتك التي أخفوها عنك زمنا طويلا من أجل أن يتمتعوا بك المتعة العابرة.

لا تحاولي أن تشني عليهم حربا، لأنك لا تستطيعين فعل ذلك، فقد جردوك من أسلحتك كلها، حتّى اللغة سلبوها منكِ، وجردوك قبل ذلك وبعده من ملابسك وألبسوك أجسادهم وأشبعوك على موائدهم وأرْوُوك بكؤوس نبيذهم وعرقهم وماء ظهورهم. فماذا معك أنت أيتها المسكينة بعد أن أصبحت كومة من رماد لتحاربيهم؟

عليك لمواجهتهم أمران أن تنتحري أو أن تقتليهم جميعا حتى لا تقع الأخريات بالشرك الذي وقعت فيه، أو عليك أن ترضَيْ بهذه النتيجة التي وصلت إليها بعد عمر طويل حافل بالكذب ونفاق الجمال الجسدي العابر بسرعة نحو صحرائك الذابلة.

ليس لديك الآن أي قدرة على إحداث ثورة عارمة، ولن تكوني قادرة على اجتراح البطولة والشهادة والتطهر من أجل هذا الانتقام المحمود النوايا. بائس وضعك بلا شك، ولكنّ الأبأس هو أن تراك الأخريات ملقاة على الرصيف عارية باكية باردة ويشتمنك وهن ذاهبات إلى ممارسة "الرذيلة الثقافية" مع آخرين يشبهون أولئك الذين ازدردوا لحمك وكسروا عظمك وجردوك من ملابسك. اعتقدن كما اعتقدت أنهن سيصبحن أديبات كبيرات لو مارسن "العهر الثقافي" مع كبار الكتّاب.

قد لا أكتبُ لك رسالة أخرى، آملا أن تقرئي رسالتي هذه، ربما أعدتِ التفكير في حياتك كلها. فثمة ما هو أهم من الوهم؛ إنها الحقيقة، ابحثي عن الحقيقة أو اصنعيها بعيدا عنهم جميعا، فهم ليسوا مصدرا موثوقا للكاتبات الناشئات لأنْ يكُنّ على قيد الحياة والكتابة الجيدة. بل ربما قتلوهنّ لو شعروا أنهنّ سينافسنهم على تصدّر المشهد واستحواذهن على الصورة وسرقة الضوء والأضواء والشهرة، عندها ستعرفين من هو العدوّ الأول والحقيقي للمرأة الكاتبة.


الوطنُ الضائعُ/ دكتور عدنان الظاهر



1 ـ ضاعَ القُرْطُ الذهَبيُّ ولاحتْ أطواقُ 

تتبَعُها أعناقٌ صفّاً صفّا

في الجوِّ الطلْقِ مطارقُ آهاتِ العُشّاقِ

والدربُ يضيقُ رويداً 

رافقني وتمتّعَ بالشُرفةِ والكأسِ الساقي

 بالعُزّى والمِعزى وبناتِ الإبليسِ وآوى

والنارُ تؤجّجُ آفاقَ الرؤيا

تقرعُ أجراسَ الشَغَفِ المُستثنى

تجأرُ بالشكوى مِن عَدوى الحُمّى الصفراءِ

2 ـ قالتْ صَوتٌ يأتيكَ فجَهِّزْ

أقواتَ بنيكَ وضجّةَ أسيافِ الحُرّاسِ

قُرّاءُ صحائفَ أهليكَ سَواءُ

نَخلُتكَ الحُبلى تَئدُ السَعْفةَ في مهدِ البنتِ الأولى

تنحرُ للطاغي إبناً بِكْرا

وتروّي الأرضَ دموعا

هذا تفسيرُ الرؤيا

لا تجزعْ خَطُّكَ مرسومٌ قَبْلا

يتضايقُ طَوقاً طَوقا

فتكّلمْ إنْ شئتَ لُغاتِ أُخرى

لا يفهمُ أمواتُكَ منها حَرْفاً مُنحلاّ 

تجسيداً لقوالبَ من طينٍ مفخورِ

  لا تأملْ بعدَ الهجرةِ خيرا

ميزانُكَ ميقاتٌ قيدَ التنظيرِ

لا تصنعْ من سَعْفٍ خَمرا.

3 ـ داريني إنْ سقطَ البردُ قرابةَ من بيتي شبرينِ

وتَحَمّلْ أوجاعَ الصدِّ ولا ترفعْ صوتا

طوبى للجرحى والنافقِ حُبّا

والساكنِ في أرَضٍ أُخرى يتخفّى

دَلّيني كيفَ أُواصِلُ هذا المشوارِ

وأعودُ لسالفِ أزمانِ الحُريّةِ حُرّا

الوطءُ ثقيلٌ فوقَ الصدرِ العالي

 يتفاوتُ بينَ الشِدّةِ واللينِ

وسكونِ مفازةِ زهرةِ عبّادِ الشمسِ

هذا دربُ الواشي والفاشي للسرِّ

والماشي جنبَ الحيطانِ الخُرْسِ

خوفاً من بطشِ التوقيتِ السرّي

وشذوذِ مِزاجِ الساعةِ في بُرْجِ التوقيتِ

تتخبطُ في طينِ طبيعتها ضرباً بالرأسِ

هذا ما قالَ الأشقى في عُرْفِ الأبقى.


في مناهضة الرأسمالية/ ترجمة د زهير الخويلدي



"الرأسمالية، التي تسمى أيضًا اقتصاد السوق الحر أو اقتصاد المؤسسة الحرة، النظام الاقتصادي، هي السائدة في العالم الغربي منذ تفكك الإقطاع، حيث تكون معظم وسائل الإنتاج مملوكة للقطاع الخاص ويتم توجيه الإنتاج وتوزيع الدخل إلى حد كبير من خلال تشغيل الأسواق.


أهم الأسئلة:

ما هي الرأسمالية؟

من اخترع الرأسمالية؟

ما هي بعض الانتقادات للرأسمالية؟

ما هي الدول الرأسمالية؟

هل النيوليبرالية رأسمالية؟

فيما يلي معالجة موجزة للرأسمالية. للحصول على المعالجة الكاملة، انظر الأنظمة الاقتصادية: أنظمة السوق. على الرغم من أن التطور المستمر للرأسمالية كنظام يعود إلى القرن السادس عشر فقط، إلا أن سوابق المؤسسات الرأسمالية كانت موجودة في العالم القديم، وكانت جيوب الرأسمالية المزدهرة موجودة خلال العصور الوسطى الأوروبية المتأخرة. كان تطور الرأسمالية يقودها نمو صناعة القماش الإنجليزية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر. كانت سمة هذا التطور التي ميزت الرأسمالية عن الأنظمة السابقة هي استخدام رأس المال المتراكم لتوسيع القدرة الإنتاجية بدلاً من الاستثمار في المشاريع غير المنتجة اقتصاديًا، مثل الأهرامات والكاتدرائيات. تم تشجيع هذه الخاصية من خلال العديد من الأحداث التاريخية.

في الأخلاق التي رعاها الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر، تضاءل الازدراء التقليدي لجهود الاستحواذ، في حين تم منح العمل الجاد والاقتصاد عقوبة دينية أقوى. تم تبرير عدم المساواة الاقتصادية على أساس أن الأثرياء كانوا أكثر فضيلة من الفقراء. ومن العوامل الأخرى المساهمة زيادة المعروض من المعادن النفيسة في أوروبا والتضخم الناتج عن ذلك في الأسعار. لم ترتفع الأجور بالسرعة نفسها التي ارتفعت بها الأسعار في هذه الفترة، وكان المستفيدون الرئيسيون من التضخم هم الرأسماليون. كما تمتع الرأسماليون الأوائل (1500-1750) بفوائد صعود الدول القومية القوية خلال الحقبة التجارية. نجحت سياسات القوة الوطنية التي اتبعتها هذه الدول في توفير الشروط الاجتماعية الأساسية، مثل الأنظمة النقدية الموحدة والقوانين القانونية اللازمة للتنمية الاقتصادية، وفي النهاية جعلت من الممكن التحول من المبادرة العامة إلى المبادرة الخاصة. ابتداءً من القرن الثامن عشر في إنجلترا، تحول تركيز التطور الرأسمالي من التجارة إلى الصناعة. تم استثمار التراكم المستمر لرأس المال في القرون السابقة في التطبيق العملي للمعرفة التقنية خلال الثورة الصناعية. تم التعبير عن أيديولوجية الرأسمالية الكلاسيكية في تحقيق في طبيعة وأسباب ثروة الأمم (1776) ، من قبل الاقتصادي والفيلسوف الاسكتلندي آدم سميث ، الذي أوصى بترك القرارات الاقتصادية للعب الحر لقوى السوق ذاتية التنظيم. بعد أن اجتاحت الثورة الفرنسية والحروب النابليونية بقايا الإقطاع في طي النسيان، تم وضع سياسات سميث موضع التنفيذ بشكل متزايد. تضمنت سياسات الليبرالية السياسية في القرن التاسع عشر التجارة الحرة، والمال السليم (المعيار الذهبي)، والميزانيات المتوازنة، ومستويات الحد الأدنى من الإغاثة السيئة. أدى نمو الرأسمالية الصناعية وتطور نظام المصانع في القرن التاسع عشر أيضًا إلى ظهور طبقة جديدة واسعة من العمال الصناعيين الذين ألهمت ظروفهم البائسة عمومًا الفلسفة الثورية لكارل ماركس (انظر أيضًا الماركسية). ومع ذلك، فإن تنبؤ ماركس بالإطاحة الحتمية للرأسمالية في حرب طبقية بقيادة البروليتاريا كان قصير النظر. لقد شكلت الحرب العالمية الأولى نقطة تحول في تطور الرأسمالية.

 بعد الحرب، انكمشت الأسواق الدولية، وتم التخلي عن معيار الذهب لصالح العملات الوطنية المدارة، وانتقلت الهيمنة المصرفية من أوروبا إلى الولايات المتحدة، وتضاعفت الحواجز التجارية. أدى الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن الماضي إلى إنهاء سياسة عدم التدخل (عدم تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية) في معظم البلدان ولفترة من الزمن إلى التعاطف مع الاشتراكية بين العديد من المثقفين والكتاب والفنانين، وخاصة في أوروبا الغربية. والعمال والمهنيين من الطبقة المتوسطة. في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مباشرة، كان أداء اقتصادات البلدان الرأسمالية الكبرى، والتي تبنت جميعها نسخة من دولة الرفاهية، جيدًا، مما أعاد بعض الثقة في النظام الرأسمالي الذي كان قد فقد في الثلاثينيات. لكن ابتداءً من السبعينيات، أدت الزيادات السريعة في عدم المساواة الاقتصادية، على المستوى الدولي وداخل البلدان الفردية، إلى إحياء الشكوك بين بعض الناس حول جدوى النظام على المدى الطويل. في أعقاب الأزمة المالية في 2007-2009 والركود الكبير الذي صاحبها، تجدد الاهتمام بالاشتراكية بين العديد من الناس في الولايات المتحدة، وخاصة جيل الألفية (الأشخاص الذين ولدوا في الثمانينيات أو التسعينيات من القرن الماضي)، وهي مجموعة كانت صعبة بشكل خاص. - ضرب من الركود. وجدت استطلاعات الرأي التي أجريت خلال 2010-2018 أن أغلبية طفيفة من جيل الألفية لديهم وجهة نظر إيجابية عن الاشتراكية وأن دعم الاشتراكية قد زاد في كل فئة عمرية باستثناء أولئك الذين يبلغون 65 عامًا أو أكبر. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن السياسات التي تفضلها هذه المجموعات في الواقع تختلف قليلاً في نطاقها وغرضها عن برامج الرعاية الاجتماعية والتنظيمية للصفقة الجديدة في الثلاثينيات، وبالكاد ترقى إلى مستوى الاشتراكية الأرثوذكسية."

 راجعه بريان دوينان، المصدر: الموسوعة البريطانية

الرابط: 

https://www.britannica.com/topic/capitalism


استراليا.. الحقيقة اولاً/ عباس علي مراد



إن قلب الأمة كان "جيداً ولكنه يحتاج إلى أن يتعافى"

The heart of the nation was “good but it needs healing”

النائب الفيدرالي رسل برودبانت من ولاية فكتوريا من حزب الأحرار 


في السادس والعشرين من  كانون الثاني من كل عام الذي يصادف اليوم الوطني الأسترالي والذي يعتبره السكان الأصليين ( الأبوريجنال) يوم الغزو يتصدر الحدث المشهد السياسي في استراليا.

هذا اليوم الذي رفع فيه الكابتن ارثر فيليب العلم البريطاني في خليج مدينة سدني، وذلك بعد يومين فقط من وصوله إلى البر الأسترالي، وأعلن أن المنطقة أصبحت تابعة للعرش البريطاني، يعتبر يوماً مثيراً للجدل من عدة جوانب أبرزها التهرب من مواجهة الحقيقة التاريخية لمعاناة سكان البلاد الأصليين.

منذ أكثر من مئتي عام  بدأت معاناة السكان الأصليين المتواجدين في هذه البلاد منذ ستين ألف عام مع المستوطنين الجدد الذين عملوا على إبادتهم بشتى الوسائل والتي شملت ايضاً نقل الأمراض المعدية لهم.

رغم إعلان الفيدرالية الأسترالية عام 1901 إلا أن السكان الأصليين لم يُعْتَبروا جزءاً من السكان حتى العام 1967 حيث شملهم الإحصاء أول مرة. ومع ذلك بقيت الحكومات الأسترالية الفيدرالية المتعاقبة وحكومات الولايات تتجاهل حقوق هؤلاء السكان وترفض الإعتراف بمعاناتهم والإعتذار منهم رغم بعض عمليات التجميل السياسية الآنية.

الخطوة الأبرز في مسيرة المصالحة والمصارحة  كانت عام 2008 حيث قدم رئيس الوزراء العمالي كيفن راد الإعتذار عن ممارسات الحكومات الأسترالية بحق الأجيال المسروقة، والتي اعُتبرت نوع من الإبادة الثقافية حيث كان يتم انتزاع أطفال السكان الأصليين من ذويهم بعد الولادة ونقلهم إلى المؤسسات الدينية والحكومية والعائلات من خلفيات انكلوسكسونية لتنشئتهم. 

رئيس الوزراء سكوت موريسن كان له موقف ملفت ومثير للجدل بهذه المناسبة قائلاً: "ان هذا اليوم لم يكن يوم سعيداً" لأولئك الذين وصلوا إلى هنا على متن الأسطول الأول، مشيرا إلى معاناتهم خلال الرحلة، وكأن رئيس الوزراء يريد المقارنة بين معاناة السكان الأصليين على يد المستوطنين الجدد!

رئيسة ولاية نيو سوث ويلز غلاديس بيرجكليان والتي لا تؤيد تغيير تاريخ يوم استراليا، قالت أن يوم 26 كانون الثاني يسبب الألم للسكان الأصليين وأضافت انه لديها أمل في ان استراليا اقرب إلى ان "تكون شعباً واحداً حقاً" وأن البلاد لا تزال تتطور لكن لا ينبغي إنكار أي جانب من تاريخنا، أو المعالم الرئيسية التي جعلتنا الأمة التي نحن اليوم، وأضافت " لكن ما زال لدينا الكثير لإنجازه".

واتخذ وزير شؤون السكان الأصليين في نيو ساوث ويلز دون هاروين موقفاً مماثلاً لموقف بيرجكليان مضيفا انه يمكننا أن نعمل معاً نحو مستقبل أكثر توحيداً.

لكن النائب في مجلس الشيوخ في الولاية من حزب الخضر ديفيد شوبريدج انتقد تصريحات بيرجكليان قائلاً: "إنها تفتقر إلى البصيرة وانعدام القيادة" وقال: " ان الإصرار على الإحتفال بيوم استراليا في اليوم الذي يصادف بداية الغزو أو السلب أو العنف المستمر ضد السكان الأصليين يزيد من انقساماتنا.

السيدة اونتي كاثرين دودد فيرول من قبيلة وانجو باري من السكان الأصليين قالت: ان السيدة بيرجكليان لم تأتِ بجديد وانها تردد نفس المعزوفة القديمة، وأضافت اننا لن نكون شعباً واحداً حقاً حتى يتم الإعتراف بنا في الدستور وفي مناهج التعليم. 

المتحدث باسم المعارضة العمالية في الولاية لشؤون السكان الأصليين ديفيد هاريس قال ان التغيير يأتي من خلال قول الحقيقة، وبحث مسالة المعاهدة مع السكان الأصليين والخطاب العام حول تاريخ استراليا وهذا لا يتعلق بيوم واحد، إنما يتعلق بما حدث على مدار 250 عامًا الماضية من الشواذات، وكيف تسبب ذلك في ألم الأجيال ، والذي سنظل نراه من خلال النتائج السيئة على السكان الأصليين.

الموقف الأبرز الذي كان ملفتاً للنظر جاء من النائب الفيدرالي رسل برودبانت من ولاية فكتوريا من حزب الأحرار، حيث حث حزبه لإعادة النظر بموقفه من بيان اولوروو للسكان الأصلين المعروف ببيان من القلب والذي أصدره السكان الأصليون بعد  المؤتمر الدستوري الوطني الأول للسكان الأصليين الذي استمر أربعة أيام وعُقد في اولوروو عام 2017 وحضرته أغلبية قيادات مجموعات  السكان الأصليين.

  وأضاف النائب برودبانت : لقد حان الوقت للإعتراف رسميًا بالماضي والسعي للمغفرة والتسامح وقبول الدعوة السخية للسير معًا كما جاء في بيان من القلب. 

ويدعو البيان إلى تمثيل السكان الأصليين في الدولة من خلال الإعتراف بهم في الدستور، ورفض المشاركون في المؤتمر أي تمييع وإلتفاف على البيان من خلال اللجوء إلى مشاريع القوانين لتمثيل السكان الأصليين.

زعيم المعارضة الفيدرالية انتوني البانيزي قال إن حزب العمال سيظل ملتزماً ببيان أولوروو وإن استراليا بحاجة إلى العمل على كيفية تجنب الجدل المثير للإنقسام الذي يحدث في كانون الثاني/ يناير من كل عام، وتابع إن 26 كانون الثاني قد يكون موعدًا مستقبليًا للتصويت الناجح للإعتراف الدستوري بالأستراليين الأوائل.

 أما الأكثر غرابة فكان موقف وزير السكان الأصليين الأسترالي الفيدرالي كين وايت من حزب الأحرار (وهو من السكان الأصليين)  الذي جادل بأن تغيير الدستور عملية محفوفة بالمخاطر، حيث لم ينجح الا ثمانية استفتاءات للرأي فقط من أصل 44 استفتاءاً في تاريخ استراليا الحديثة. وقال وايت انه بدلاً من إجراء استفتاء يجب أن يتم تشريع نموذج  تمثيل السكان الاصليين المقترح قبل الانتخابات القادمة.

استراليا والتي تعتبر دولة رائدة على أكثر الصعد، لا يمكن لها إن تستمر في دفن رأسها في الرمال والهروب إلى الأمام من مواجهة الحقيقة والإعتراف بماضيها وبما فعله المستوطنون البيض بحق السكان الأصليين  وذلك من أجل مصالحة حقيقية تعزز ازدهار البلاد، لأن التجاهل سيبقي الجرح مفتوحاً مع ما يكلف ذلك البلاد من النواحي الثقافية،الإنسانية، الإجتماعية وحتى الإقتصادية.

إذن، المطلوب خطوات شجاعة لدفع المصالحة إلى أبعد من مجرد زيادة الوعي على أهميته، ولا نبقي الإعتماد على إستطلاعات الرأي لأن الأمر لا يمكن النظر إليه من خلال  تلك الإستطلاعات  التي قد يكون لها بعض المصداقية حول نتائج الإنتخابات، لكن مسألة تقرير مستقبل أفضل تتطلب قيادة وطنية تضع خطة طريق وطنية مستقبلية لملاقاة طروحات السكان الأصليين وتمتين أسس البناء الوطني الذي يرتكز إلى القوائم الديمغرافية الثلاث (السكان الأصليين، المستوطنين والمهاجرين). 

عباس علي مراد

سدني 

     Email:abbasmorad@hotmail.com  


ما كانت الحركة الاسلامية لتُقدم، لو كان في سائر الأحزاب حياة/ جواد بولس



لم ينجح اقطاب القائمة المشتركة في تذليل الخلافات التي برزت مؤخرًا بينهم، خاصة تلك التي أثارتها مواقف وممارسات الحركة الاسلامية، التي  اتخذها وعبّر عنها النائب منصور عباس، وألحقها موجزًا ، قبل أيام، بمنشور ألصقه على صفحته، قال فيه بوضوح : "إنّ القائمة العربية الموحدة مستعدة لقبول الشرط الذي وضعه شركاؤها أن نتنياهو خط أحمر ولا يمكن التعامل معه.." واضعًا في نفس الوقت، مقابل هذا "التنازل" شرطين، بدون الاستجابة لهما لن تستمر القائمة بمركباتها الأربعة: تسمية المرشح لرئاسة الحكومة الذي ستدعمه المشتركة، خلاف نتنياهو، والتعهد بعدم التصويت الى جانب قوانين تخالف تقاليد مجتمعنا المحافظ !

لقد رافقت عملية تشكيل القائمة المشتركة عدة تصورات وتوقعات تنبأ بعضها منذ البدايات المبكرة بوصولها الى طريق مسدود وعليه الى تفككها الحتمي، الا اذا اهتم مقيموها بتحييد تلك العوامل والعثرات التي كان وجودها واضحًا وتأثيرها السلبي مؤكدًا، خاصة وأن السحر المفترض في مقولة "الشعب يريد الوحدة" لم يشكل ضمانًا واقعيًا وحقيقيًا لاستمراريتها، وذلك لكونه وهمًا تجرّعه، منذ البداية، هذا الشعب بارادة مغلوب على أمرها ونتيجة لشيوع حالة من البلبة الصارخة.

 لا نعرف كيف ستنتهي تداعيات هذه الأزمة في الايام المقبلة، ولا كيف سيقرر مجلس شورى الحركة الاسلامية الذي ستوكل اليه مهمة اتخاذ القرار والاعلان عن الانفصال النهائي وخوض المعركة من خارج اطار معسكر الوحدة ، أو، رغم فشل المفاوضات الأخيرة ، تكرار محاولة جسر الهوات وتذليل الصعوبات والعودة الى حضن المشتركة ؛ فهي، هكذا صرح جميع القادة حتى في آخر اللحظات، التعبير الأصدق عن إرادة الشعب!

 وبعيدًا عما ستفرزه عمليات التفاوض من تحالفات وأطر سياسية ستخوض الانتخابات في آذار القادم، لا بد لنا اليوم، قبل الغد، من ادراك رزمة التعقيدات السياسية والاجتماعية التي  عكستها هذه الازمة، والبدء، بالتالي، في تشخيص معالمها الحقيقية ومسبباتها التي كانت واضحة وأصبحت مستفزة وبارزة ؛ وذلك على أمل أن تكون بيننا "عناوين" معنية بالقيام بهذه المهمة وقادرة على التوصل الى خلاصات حاسمة، وفي طليعتها الاقرار بأن المشهد الذي نواجهه هو آخر البراهين على انتهاء حقبة سياسية اجتماعية بدأت بناها تتداعى أمام أعيننا منذ سنوات، حتى أفضت بعد مخاضات، كما نشاهد في هذه الأيام، الى تشكّل حالة سياسية اجتماعية جديدة مليئة بالتحديات وبالاسئلة الوجودية، لا سيّما حول هوية مجتمعنا السياسية المتغيّرة، وقيَمِه الاجتماعية المرغوبة والحقيقية، وركائزه الثقافية المتهالكة وتلك الجديدة والمتوالدة.

لا أقول ذلك عن حدس مجرد، أو نتيجة لتحليل أكاديمي مجازف؛ فمن يقرأ شرطي الحركة الاسلامية كما أعلنا للناس، يعرف اننا ازاء واقع سياسي جديد قررت فيه المرجعيات الدينية في الحركة الاسلامية تغيير أصول العمل السياسي التي كانت القوى السياسية الوطنية، على اختلاف مشاربها، منذ قيام الدولة، مجمعة عليها؛ وتبديلها بانماط عمل تثير القلق وتستوجب المناقشة والمعارضة.

لقد طالبت الحركة الاسلامية، في اشتراطها الاول، سائر شركائها بضرورة اعلان اسماء رؤساء الاحزاب اليهودية التي سيكونون مستعدين للتعامل معهم كبديل عن نتنياهو؛ ولم يخفَ باعتقادي على اعضاء مجلس الشورى المعنى الحقيقي لهذا المطلب، وتسببه الفعلي بتقويض واحد من التابوهات واركان الاشتباك السياسي المتبع منذ أجيال في نضالاتنا مع القائمين على رسم السياسات الاسرائيلية العنصرية بحقنا، نحن المواطنين العرب.

لقد كان بديهيًا ألا تتأثر مبدئيات وقواعد النضال الأساسية ضد سياسات القمع بشخص الحاكم أو بهوية حزبه، لانها كانت وما زالت، سياسات تبنتها ومارستها جميع تيارات الحركة الصهيونية سواء كانوا في الحكومة او في المعارضة. 

وان كان ذلك المطلب تعجيزيًا، فاستعداد الحركة الاسلامية لاتّباع سياسة مقايضة المواقف بالمنافع، ومن موقع لا نحن مع اليمين ولا نحن مع اليسار، يعتبر انحرافًا سياسيًا لا قاع له؛ فحقوقنا الاساسية لن تعطى لنا كمنّة من سيّد، لضيوف على طاولته، وتحصيل الميزانيات التي نستحقها كمواطنين لن تكون مجرد مكرمات سلطانية.

قد يعتبر البعض هذا المطلب شرعيًا أو ذا اهمية هامشية، لكننا اذا تعمقنا بكنهه وبما يعكسه من مسلمات سياسية وشرعية سنجده مرتبطًا بموقف الحركات الاسلامية السياسية من مفهوم الدولة المدنية وعلاقتهم مع حاكمها، وتفسيرهم لمعنى المواطنة وحدودها، ومتعلقًا ايضًا بشروط المقاومة وقواعد التقية في ظروف الاستحالة، مقابل تأمين سلطة الشريعة ونفاذها كمحرك وحيد ومهيمن على علاقات وسلوكيات الافراد داخل المجتمع الضيق.

فعلى هذه الخلفية وبسببها سنجد ان الاشتراط الثاني الذي طالبت به الحركة الاسلامية شركاءها يقضي بضرورة اعلانهم وبشكل واضح انهم لن يصوتوا الى جانب قوانين تخالف عقيدة مجتمعنا المحافظ؛ أي بضرورة تقديم ما يعتبرونه الثوابت العقائدية كما يعرفونها واعلائها كمساطر ملزمة تحدد حقوق جميع ابناء المجتمع وواجباتهم، وترسم لهم مساحات المسموح والمحظور حتى لو أدت هذه الهيمنة الى صراعات داخل المجتمع والى انقسامات عرفت مجتمعاتنا كيف تتجنبها طيلة عقود من العمل على بناء هويتها الجامعة.            

لا اعرف اذا كان هناك من توقع ان تتصرف الحركة الاسلامية في اسرائيل بشكل مختلف عن تصرفاتها في كل المواقع والمجتمعات التي  تنشط في داخلها؛ ولا اعرف اذا راهن قادة الاحزاب والحركات السياسية والمؤسسات المدنية الموجودة بيننا على امكانية اكتفاء وقناعة الحركة الاسلامية بما لديها من قوة ودعم بين الجماهير، وعلى قبولها بالا تسعى لإحكام سيطرتها على جميع مرافق المجتمع وإخضاع سلوك أفراده الى أحكام قوانينها؛ فلجميع هؤلاء تقول اليوم الحركة الاسلامية كلمتها الواضحة، وتعلن بأنها لن تتنازل عن أهدافها وبانها ستعمل لاتمام رسالتها كما تؤمن بها، خاصة بعد أن  استوعبت ضعف غرمائها السياسيين واستشعرت عجزهم عن لملمة بقايا أنفاسهم.

انها بداية حقبة سياسية اجتماعية جديدة تدخلها الحركة الاسلامية وهي بكامل استعدادها وعتادها وتأهبها، ولها في الستر حلفاء، بينما تقف ازاءها سائر الاحزاب والحركات السياسية وهي ضعيفة وغير مستعدة للمواجهة، لا بأجسادها المتهالكة ولا بامكانياتها المتواضعه ولا بطروحاتها المتآكله والبعيدة عن المستجدات التي طرأت على اسرائيل وعلى مواطنيها اليهود والعرب على حد سواء.

كم كتبتُ عن ازمة الهوية التي تعصف بلحمة ابناء مجتمعنا وتساءلتُ من يصنع في مواقعنا هويات الاجيال الشابة؟ غضب من غضب من القادة المتنفذين وبقيتْ الحقيقة عارية في عظام ما قلته  قبل سنوات واصررت على "أن ما كان مسلّمًا به قد تصدّع، فاليوم قد تراجع "الفلسطيني" عن مكانته، كمركب محسوم بارز في هويتنا الباهتة، أمام الإسلامي الداهم الطاغي، وأمام الإسرائيلي الملتبس المدفوع بكل خبائثه بيننا"؛ ومن سيمعن بالتمحيص في واقعنا سيجد، كما قلت: "إن أقوى عاملين يؤثران في تكوين هوية أفراد مجتمعاتنا هما: الحركات الإسلامية على تفرعاتها وتشكيلاتها المعلنة والسرية ووعاظها المتزمتين والعصريين من جهة، والمفاعيل الإسرائيلية الموجَّهة علينا ومن بيننا، المباشرة منها والمخفية، من جهة اخرى".  ومرت السنوات وكبرت الحقيقة حتى صارت ماردًا لا يهادن ولا يساوم ولا يصالح...

ما يجري هو بمثابة الصفعة الاخيرة أو قل نداء الليل الأخير؛ فلقد كشفت هذه المواجهة مع الحركة الاسلامية وما سبقها من تهجمات على مركبات القائمة المشتركة، بعض معالم الواقع وتفاعلاته الحقيقية؛ وكشفت أيضًا بشكل سافر ومؤلم حقيقة انحسار قوة الاحزاب والحركات السياسية التقليدية، وأكدت على عدم وجود قيادة علمانية وطنية حاسمة وقادرة على استباق ومنع حدوث الازمات، ومواجهتها، بحكمة وبصلابة، اذا وقعت؛ وعرّت أيضًا كذبة وجود مجتمع مدني أصيل تؤدي مؤسساته دورها في ساعات المحنة وتذود عن حقوق المواطنين وتحمي، بقوة وبتفانٍ، حيّزاتهم وحرياتهم الاساسية؛ وكشفت، مرة اخرى، عن ضعف لجنة المتابعة واللجنة القطرية للرؤساء، اللتين خسرتا كثيرًا من رصيديهما ومكانتيهما الأصليتين. سيدّعي البعض ان نتنياهو نجح بتفتيت القائمة المشتركة وذلك بعد نجاحه بتفسيخ معظم معسكرات اعدائه؛ لكنه لم يكن لينجح لولا استقرائه لجميع بواطن الضعف المستشرية بيننا ؛ وسيدّعي اخرون أن الحركة الاسلامية هي من فكك المشتركة وضرب وحدتها؛ لكنني اجزم، وفي بعض الادّعاء صحة، انهم ما كانوا لينجحوا لو وقف أمامهم خصم يحسب له الحساب، ولو لم تكتس المنابت، خلال السنين الماضية، في الشوارع وفي الحارات، بالأخضر، بعد أن بهتت سائر ألوان قوس قزح.


الولادة والوهم - جولة في معرض المستقبل الجديد/ نزار حنا الديراني



بعد جائحة كورونا تسنى لي حضور معرض الفن التشكيلي الذي أفتتح صباح يوم الاثنين المصادف 25/1/2021 في مدينة ملبورن – مركز whittiesea شارك فيه العديد من فناني مدينة ملبورن ومن جنسيات مختلفة . 

حين تتجول في ردهات المعرض العامرة باللوحات الجميلة تجد فيض من الألوان تتماوج وتتراقص أمام شبكية العين لتتحدث عن نفسها كلغة تعبيرية لتكشف لنا ما خزنته الأنا لكل فنان كاشفة في كل لوحة قصة وحكاية تحمل بين طياتها رؤية إنسانية وأحيانا تجدها تتجاوز حدود الزمان والمكان وتختزل مسيرة وطن وشعب في لوحة واحدة ، من خلال خلق وبناء فضاء متخيل تعكسه لنا الألوان والخطوط؛ فالعمل التشكيلي - بأساليبه المختلفة، وما يمثله كنوع من أنواع الصور - يحاصرنا في كل مكان، مخاطباً أحاسيسنا وعقولنا، وهو محملا بأبعاد جمالية، فكان المعرض بمثابة ملتقى لجميع المدارس التشكيلية الفنية العالمية مثل الكلاسيكية , الواقعية , الرومانسية و... بعض اللوحات كانت بقلم الرصاص وأخرى بالألوان ، بعضها كانت من عدسة الكاميرة وأخرى بريش الفنان ، بعضها كانت صور طبيعية وأخرى من نسيج الخيال ... ورغم كثرة اللوحات إلا أني اخترت أربع منها تلك التي دغدغت مشاعري أكثر وجعلتني أتوقف عندها لأصنفها الى رؤيتين المجموعة الأولى منها تبحث  عن الولادة الأولى والمجموعة الثانية تجسد متاهات الانسان بسبب فيض طموحاته .

المجموعة الأولى تضم لوحتين إحداهما للفنانة الكسندرا ليتي وهي بعنوان (- tree of life شجرة الحياة )) والثانية هي للفنانة نباهيد الهيسى بعنوان (- water goddessإلهة الماء ) .

في اللوحة الأولى تحاول الفنانة الكساندرا أن تزاوج بين الكرة الأرضية التي تحضن البشرية والشجرة التي تعبر عن الولادة والحياة ، وبنفس الطريقة حاولت الفنانة المزج بين الألوان (الآزرق – الذي يعبر عن الهدوء والامتداد اللامحدود من جهة ، ومن جهة أخرى يدل على الثقة والإستقرار . والأخضر – الذي يعبر عن الولادة والتجديد والأستمرارية  ، أما البني فهو يرمز في الصورة الى القوة والثبات كونه الجذع الذي يحمل الشجرة (الحياة) لتكون قادرة على التصدي لكل أشكال الرياح  ) .

من خلال هذه اللوحة تكشف لنا الفنانة عن العمق التاريخي  للولادة على هذه الأرض من خلال اللون الأزرق الذي يجسد بعد السماء عن الأرض والمساحة التي يحتلها الماء على كوكبنا أي ولادة الحياة ، وهذا يكون موازي لوجود النباتات على هذه الأرض والتي ترتبط (الشجرة) كرمز لا للخطيئة بل ترمز الى الولادة الناتجة من هذا التزاوج والذي لولا القوة والأصرار (اللون البني) لما استمرت الحياة ، من هنا يأتي أهمية اللون كرمز يعكس أثره على النفس البشرية ، فمن خلال انعكاس اللون وسطوعه يكشف لنا قوة نفوذه على الشخص وكذلك مدى انسجامه مع الألوان التي حوله . 

 


وفي اللوحة الثانية تنطلق  الفنانة نباهيد الهيسه من الميثلوجيا التي تستند على فكرة وجود الآلهة والتي هي مصدر النظام في الكون ، ولكل إلاهة وظيفة لجعل الحياة تستمر ، ولأن الماء هو شريان الحياة لذا اختارت الفنانة إلاهة الماء ... في لوحتها هذه تستند الفنانة الى مجموعة من الألوان ( الأبيض – الأزرق – الأحمر بتدرجاته (الوردي) – والبني بتدرجاته – وبنسبة أقل من البنفسجي) كي تجسد رؤيتها الى المشاهد ، فمن خلال اللون الأبيض والذي يرمز الى النقاء والبراءة جسدت الفنانة عطاء وطهارة هذه الإلهة والتي هي مصدر الحياة ، فالماء هو سر الوجود وهو الذي يحتل مساحة كبيرة من كرتنا الأرضية وهذا ما جسده اللون الأزرق المستخدم في خلفية اللوحة كما هي السماء والمحيطات والذي يرمز الى الثقة والأمان والهدوء وهذا ينسجم مع ما يحمله هذين الطفلين الجميلين واللذان يتطلبان وجود الحب وسفك الدماء للاستمر بالنمو والعطاء والذي جسده اللون الأحمر بتدرجاته الى الوردي الذي يشير الى جمال الأزهار والقوة والإثارة والعاطفة فهو طاقة مملوءة بالحب وإلا كيف سيصبحان هذان الطفلان (الملاكين ) المحملان بسلسة من الازهار  وهما يجسدان مع الماء المتدفق من السلة التي تحملها هذه الإلهة مدى قدرتها على العطاء .. كل هذا لا يأتي ما لم يكن هناك قوة وعزم في العطاء الذي جسده شعرها الطويل والذي يجسد هذه المسيرة الطويلة في الحياة وبعض الخطوط البنية في الفضاء الخلفي والتي تعبر عن بعض محطات القساوة والصلابة وحيث اللون البنفسجي يرمز الى الروحانيات كونه اللون المفضل لرجال الدين في المعابد القديمة وعمق الخيال  يكمل صورة مسيرة هذه الإلهة والذي يمتد لالاف السنين .

   


 

وتكون لوحة الفنانة نباهيد قد تمازجت وفكرة لوحة الفنانة كرستين وحيث كلاهما تحاكيان ولادة الحياة ببعدها وعمقها التاريخي ، إلا أن الفنانة كرستين جعلت من الشجرة كمصدر للحياة أما الفنانة نباهيد فجعلت من الإلاهة (الماء) كمصدر للحياة ... وكلاهما صورة لعملة واحدة فمن دون الماء لا تجد النبات وحين تجد الماء ستجد النبات لذا كلاهما يجسدان فكرة الوجود أو الولادة .

 إلا أن فكرة الصراع من أجل البقاء ظاهرة في لوحة الفنانة نباهيد أكثر مما هو في لوحة الفنانة كريستين . في كلا اللوحتين ( وكما في الأخرى) هناك وجود للمكان ولكن عملية حمله بالأبعاد القيمية الجمالية هي التي نستهدفها من خلال هذه الدراسة؛ لأن اللوحة ليس بالضرورة أن تقدم نفسها بكونها استحضارا لواقع معين بل وضعها خيالا تعيشه الذات وخصوصا حينما تكون للصورة القدرة على تمثيل الحركة للزمان والمكان كي تعيد إنتاج الفضاء المادي والواقعي بطريقة واقعية وعلي مستوي التشكيل الفني . 

كلا اللوحتين تحملان بين طياتهما الصمت ، والذي يجعل كل منهما أن تعبر عن نفسها من خلال المحددات المتمثلة في الضوء واللون كي يحددا البعد المكاني ولغة الأشياء . لذا فجمالية الصورة تكمن في الكشف من وجهة نظر خاصة ما هو مألوف في الصورة للمتفرج.

وتعتبر الألوان ذات أهمية بالغة في جذب انتباه المشاهد وخلق جو وجداني وانفعالي، وتكمن جمالية الألوان في حسن استخدامها؛ فيمكن خلق الجمالية عن طريق شاعرية التوافق أو التضاد بين الألوان حيث هي عبارة عن اتحاد موفق للألوان ينشأ عن طريق خاصية المصاهرة والتقارب الموجود بين الألوان و اتحاداتها البصرية .

أما اللوحتان الآخرتان إختزلتا فكرة وجود الحياة من خلال وجود الشخص الذي يكون في دوامة التفكير والصراع مع الوجود ، ففي لوحة الفنان بيسنويل ( الهروب – escape  ) وهي تخطيط بقلم الرصاص ، نجد هناك محاولة للهروب من حلبة الصراع إلا أن قوة الوحش (قساوة الحياة) جعلته فريسة مخالبه فالأنسان في دوامة الصراع مع نفسه ، يريد أن يحصل على كل شئ فهو يحمل هذه القساوة وشدة الصراع على ظهره ، فمن شدة التفكير ورغبته الشديدة للوصول الى مبتغاه نجده قد تقمط مخالب الطير (النسر) كعلامة القوة والتحليق والسرعة في الوصول الى مبتغاه ، وهو بهذا يحاكي الأساطير .

إن الإشتغال على هذه المفاهيم وتفكيكها من الداخل يُمكننا من توليد أفكار جديدة وربما مختلفة عنها، وهذه التعبيرات المعقدة في اللوحة والتي تمثل في عمقها ردة فعل قوية وعنيفة عن شيء ما يمكن أن نجد فيها فضاءات ومحاور إهتمام أخرى .

 


إلا أن الفنان غسان فتوحي إختزل فكرة الصراع وطموح الانسان في لوحته ( - Some dreams is not true - بعض الأحلام ليست حقيقية ) بصورة أوضح بعيدة عن التعقيد والاسطورة ، حيث جعل الانسان يلفه فضاء من الدخان أو الضباب كتعبير عن ضبابية أفكار الانسان الذي يكون في دوامة التفكير والصراع مع نفسه كونه لا يمل من التفكير في الحصول على كل شئ ... وهذا ما جسدته وجه تلك المرأة بنظرتها الثاقبة وملامح وجهها التي تمتاز بالهدوء والثقة بالنفس وهذا ما تمتاز به أغلب شخوص لوحات الفنان غسان الذي يجعل الوجه ناطقا من خلال نظرة العين وهدوء الوجه ... الفنان غسان جسد هذه الفكرة في لوحته بأسلوب مبسط عكس ما فعله الفنان بيسنويل حيث تعبر لوحته عن عمق صراعه الذي يمتد الى حيث أساطيره . الفنان غسان استند في لوحته هذه على الحياة اليومية ولكون هذا الصراع يحتل مساحة أكبر لدى المرأة التي تحلم كثيرا بالاناقة وجمال الحياة والعطاء لذا اختار المرأة بدلا من الرجل لتكون مصدر الصراع في لوحته والتي تتطلب القوة والخيال .

فكلاهما ( غسان وبيسنويل ) يحاولان إخبارنا بالجرائم التي نرتكبها يوميا حيث أصبحنا نعيش في وسط عدمية معممة وجمعية ، فهما يخاطبان عمقنا وجوهرنا ليقولا لنا هذا هو الإنسان الذي يكمن فينا وهذه خطايانا، فكل منهما ومن خلال اللوحة يطرح علينا سؤالا مفصليا وهو هل نحن هذا ؟ وبالتالي فإن اللوحة تتجاوز بعدها الرمزي والدلالي وحيزها الجغرافي الضيق لتطرح علينا أسئلة كونية ووجودية وفلسفية فهي تدعونا بشكل ما إلى إعادة التفكير في ذواتنا وجوهرها. فهل نحن أخيار وأفاضل أم أشرار وأراذل ؟ 

 


في لوحة الفنانة نباهيد الهيسى والفنان بيسنويل والفنان غسان هناك تركيز على الشحوص حيث يرتبط جمالية الشخصيات ارتباطا وثيقا بكل ما يمد بصلة إليها فجمالية الشخصيات تنبع من طريقة استعمال المحاكاة ، وطريقة استخدام الوجه والملامح وجمالية اللباس و...  وكلما كانت اللوحة أكثر بساطة كلما جذبت المشاهد . 

وفي الختام أقول :

القيمة الجمالية التي تسندها كل لوحة من هذه اللوحات تجعل منها والمفاهيم في تفاعل دائم، فكل منهما يعيد إنتاج الأخر بطريقة جديدة وشعرية . فاللوحة الفنية التشكيلية لدى كل منهم هي عبارة عن مساحة رسمها أو صورها عواطف وروح الفنان وضمّنها أفكاراً وأهدافاً لتحاكي المتذوّق، فهي في النهاية عمل اِستخدم فيه مخيلته وعاطفته معاً مستندا على رؤييته للعالم بشكل عام مغاير لما يراه المشاهد العادي لتميز الذاكرة الصورية لديه الوفرة والخصوبة ، وھي إمكانيات يمتاز بها الفنان بمشاعره الفياضة وحساسيته المفرطة التي تتفوق على الإنسان العادي .

كالملدوغ/ بن يونس ماجن



كالملدوغ

بحثت في جحر افعى

ولم اجد سما يشفيني


لا اريد الخوض في نفايات

دساتير الانظمة العربية

ولست خبيرا 

في الطقس البريطاني 

المتقلب دوما


ولست مؤهلا

لتشريح رائحة سمكة ميتة

تباع في سوق المزاد العلني


بدون موعد مسبق

امتطي غيمة

وأرى الظل يموت اختناقا

وراء شمس الخريف


العواء المفرط

أوجع الكلاب الضالة

فتبولت على

المسلسلات الامريكية


الانسان الالي

الذي خرج عن بيت الطاعة

كان يتابط رمح محارب روماني


كيف يمكنني ان أتسلق عمود الانارة

وقد نفذ صبري

كأعقاب الشموع

في ليلة عاصفة


خارج عن المألوف

أتلصص على جارتي

وهي تنشر الغسيل

فضيحة علنية     


الا بامر الشعب

نصيغ القرارات

والتوصيات والبيانات

وحدها صناديق القمامة

تكشف النقاب عن مضمونها


أصبح التطبيع

موضة هذا العصر النتن

وأخر صيحة

تتناسل عبر مسامات نفطية



ماذا وراء إعلان حالة الطواريء في ماليزيا؟/ د. عبدالله المدني




وافق ملك ماليزيا "السلطان عبدالله ابن السلطان أحمد شاه" (61 عاما) في الثاني عشر من يناير الجاري، بعد تشاوره مع سلاطين ماليزيا التسعة، على اقتراح من رئيس وزائه محيي الدين ياسين بإعلان حالة الطواريء في البلاد بهدف السيطرة على جائحة كورونا المستجد التي وصل عدد إصاباتها إلى مستويات قياسية، وبما شكل تهديدا لنظام الرعاية الصحية. 

وبموجب هذا الإعلان تم تعليق أعمال البرلمان، وتأجيل فكرة إجراء انتخابات عامة مبكرة إلى أجل غير مسمى، وحظر التنقل بين الأقاليم بما فيها العاصمة كوالمبور. وقام ياسين بتفويض الجيش كامل صلاحيات تطبيق حالة الطواريء في جميع سلطنات وأقاليم البلاد. وفي محاولة منه لطمأنة الماليزيين ظهر على شاشة التلفزيون ليقول أن الإجراءات المتخذة، والتي قد تستمر حتى أغسطس المقبل، ليست انقلابا على الدستور كما أشاع البعض المغرض ولن يرافقها منع التجول ولن تستبدل الحكومة المدنية بأخرى عسكرية، علما بأن ماليزيا لم تشهد إعلانا لحالة الطواريء منذ عام 1969 حينما اضطرت الحكومة لتطبيقها لقطع دابر أعمال الشغب واحتواء الإضطرابات والتظاهرات الشعبية آنذاك.

ومما لا شك فيه أن هذه الإجراءات تعطي ياسين فرصة لإلتقاط الأنفاس، وتمنحه وقتا كافيا لتوحيد صفوف حزبه (حزب بريكاتان ناسيونال)، وتعزيز قبضته على السلطة، وتهيئة أنصاره جيدا لخوض الانتخابات العامة المقبلة التي وعد بها، وذلك في مواجهة خصومه المتربصين به، وعلى رأسهم رئيس الحكومة السابق مهاتير محمد والسياسي الطموح أنور إبراهيم. والأخيران كانا يوما ما من حلفائه قبل أن ينقلب عليهم من خلال موافقته على طلب عاهل البلاد باستلام السلطة تخلصا من مناورات مهاتير المعروفة وجشعه وطموحاته السياسية اللامحدودة. والمعروف في هذا السياق أن ياسين قضى شهورا يعاني من تحديات كبيرة واجهت زعامته، في ظل تحالفات ومؤامرات المعارضة لإسقاط حكومته الهشة وإجراء انتخابات مبكرة، بدليل أن نواب المعارضة قدموا في العام الماضي أكثر من عشرين طلبا لسحب الثقة منه. غير أنه استند إلى أحكام إجرائية لمنع انعقاد جلسات طرح الثقة البرلمانية.

وعلى حين يرى خصوم ياسين أن حالة الطواريء ليست سوى خديعة يطيل بها الرجل بقاءه في السلطة، بعدما خسرت حكومته الإئتلافية غير المنتخبة مؤخرا دعم نائبين منتميين إلى حزب "أومنو" (أكبر وأقدم أحزاب ماليزيا حيث تأسس عام 1946 وقاد البلاد إلى الإستقلال والوحدة وحكمها دون انقطاع من عام 1957 وحتى 2018)، فصارت حكومة أقلية يدعمها 109 نواب من أصل 222 نائبا، فإن آخرين يرون أن ما تمر به ماليزيا من ظروف صحية يستدعي فعلا تطبيق حالة الطواريء، بدليل ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا إلى أكثر من 33 ألف إصابة بعد أن كان عددها في أواخر سبتمبر المنصرم عشرة آلاف إصابة. فإذا ما علمنا أن البلاد استهلكت تقريبا كامل طاقاتها من الأسرة بوحدات العناية المركزة في المستشفيات العامة، فإن اللجوء إلى إعلان الطواري كان ضروريا من أجل الإستيلاء المؤقت على خدمات المرافق الصحية الخاصة لتوظفيها في سد النقص.

غير أن هذا لا ينفي أن نجاح ياسين في الحصول على موافقة عاهل البلاد على إعلان حالة الطواريء، بعد أن كان قد رفض طلبا مماثلا في أكتوبر الماضي بحجة أن الأمور لا تستدعي ذلك (وقتها رأت أحزاب المعارضة أن رفض الملك هو بمثابة توبيخ لياسين وعدم ثقة في سياساته، وطالبوا الملك بإقالته بالطريقة التي عينه بها في مارس 2020، أي بمرسوم) له تداعيات سلبية على أحزاب المعارضة المتقاتلة على السلطة والمنقسمة على نفسها والمتعددة في توجهاتها وولاءاتها بشكل غير مسبوق في تاريخ ماليزيا السياسي. ذلك أن سريان حالة الطواري لعدة أشهر يعيق عمل هذه الأحزاب لجهة عقد الندوات والتجمعات الجماهيرية لشحذ الأنصار، كما أنه يحد من الإجتماعات الخاصة بعقد التحالفات السياسية الجديدة والمساومة على المناصب والحقائب الوزارية في حال الوصول إلى السلطة بديلا عن حكومة ياسين.

وأخيرا لا بد من الإشارة أنه بموجب الصلاحيات الدستورية والسلطات التقديرية التي يتمتع بها الملك، يمكن للأخير إنهاء مدة سريان حالة الطواريء متى ما رأى أن ظروف البلاد الصحية لم تعد مقلقة، علما بأن الملك الحالي السلطان عبدالله قد يفعلها قبل أغسطس المقبل، فهو بحق مختلف تماما عن كل أسلافه من ملوك ماليزيا، لأنه أسس لشيء جديد هو لعب دور سياسي، رغم أن الدستور يحصر دوره في تمثيل الأمة ككل والقيام بالواجبات السيادية والبروتوكولية فقط. وهذا الدور لئن تجلى العام الماضي في تعيينه حكومة غير منتخبة (حكومة محيي الدين ياسين)، فإنه تجلى أيضا في الضغط على عدد من الساسة، طالبا منهم وقف مناوراتهم السياسية العقيمة المستندة إلى أجندات وطموحات شخصية، والإلتفات بدلا من ذلك إلى توحيد الأمة وتجسير الخلافات الإثنية وحل مشاكل البلاد الإقتصادية، وهو مالم يلق آذانا صاغية.

د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

تاريخ المادة: يناير 2021م



في تأمّل تجربة الكتابة: الحريّة وسؤالها الظاهريّ الأسهل/ فراس حج محمد



هل سيساعد كتاب "نسوة في المدينة" على أن تتحرر حبيبتي أيضا كما تحررت أنا؟ يبدو أن هذا السؤال إشكاليّ، وربما ارتقى ليكون معضلة تستدعي التفكيك، فليس سهلا على امرأة محبّة أن تتفاجأ بهذا الكم الهائل من النساء اللواتي كنّ على علاقة جنسية مع حبيبها بأوضاع مختلفة، سيكون هذا الكتاب عاملا منطقيا لإنهاء أي علاقة مهما كانت قوية ومتوغلة في الروح والقلب. التفسير جاهز ويترعرع بقوة، فهذا العمل خيانة وغدر وتلاعب وعدم تقدير، ويعطي مجالا للتشكيك بصدق تلك العلاقة التي كانت.

أتفهّمُ ذلك جيداً، وأقدّر ردة الفعل الطبيعية، ربما كانت مغامرة خطرة نشر مثل هذا الكتاب، وما يصاحبه من نشر الغسيل على العام، ليكون "السارد" الذي هو أنا متاحا ومباحا وعاريا لكل قارئ. أيضا أتفهّم جيدا ذلك الكم من الغضب العارم، وموجة البكاء الهستيري الذي عبّرت به حبيبتي بعد أن قرأت الكتاب، وناقشتني فيه. فكيف كنت في الوقت ذاته أنسج تلك العلاقات "المقرفة" وأنا على علاقة عاطفية معها. إنها مصدومة صدمة شديدة، وتكاد لا تصدق. هذا ما قالته لي بمرارة. إنها كانت تبكي بحرقة، اختلط النحيب بالبكاء، بالصراخ، بالتهديد، وماتت الكلمات وتلاشت ولم أعد أتبين ما هي. "أيعقل أن أكون ضحية وغبية إلى هذا الحدّ؟"، هذاما استنتجته، فكأن الكتاب خيّب أملها خيبة كبيرة وهائلة.

كل محاولاتي ذابت في الأثير، وأنا أحاول هادئا أن أشرح لها الهدف من الكتاب والفلسفة التي يقوم عليها، وأنني كنت أتحدى فيه نفسي وكل ما مرّ بي من قيود، أردت أن أتحرر من كل فكرة وكل شخص، حتى أنني أردت أن أتحرر منها هي ذاتها، لذلك كتبت الكتاب لنفسي تمرينا صعبا على الحرية، حتى لو خسرتها. هكذا كنت أفكر بيني وبين نفسي. لو خسرتها ولم تفهمني أكون على الأقل قد ربحت حريتي، ولكن هل يكفي كتاب واحد أن يمنح مؤلفه الحرية المطلقة؟

مالت بعد ذلك إلى القبول على مضض بالكتاب، مجبرة ربما على ذلك، مع أخذها قرارا شجاعا ألا تتركني، وتقطع العلاقة، فهي لا تتصور كما قالت: "أن تخلو حياتها مني". إنه موقف شجاع بالتأكيد، ممتن لها على أن اتخذته، لكنني أشعر بالعمق أنني قد شوهت صورتي أمامها، فهي إلى الآن لا تستطيع أن تزحزح صور النساء بأجسادهن وأنا أحدق فيهن ككائن أبله مجنون أستنزف شهوتي على صور أعضائهن الحميمة. كلما تذكرتْ ذلك ارتفع السور بيني وبينها، ولم تعد تثق بما أرسله لها من قصائد أو نصوص. تفكر دائما أن تلك النصوص ليست لها، وربما كتبت لامرأة أخرى موجودة في كتاب "نسوة في المدينة"، أو ربما لامرأة أخرى، وببساطة شديدة لم تعد على يقين أن تلك النصوص قد كتبت لها. لقد اتخذت قرارا عنيفا بألا تقرأ لي شيئا مما  أكتبه، لم تعد تبصرني ولا تبصر ذاتها في تلك النصوص. كأنّ الكتاب أعماها، بل إنها صارت أكثر إبصارا للحقيقة، متمنية لو بقيت عمياء، وتصدقني فيما أدعيه من حبّ وشهوة في تلك الكتابات.

أعترف أنني خسرت كثيرا هنا، فإن لم تقرأ لي "حبيبتي" ما أكتبه، فما هو مبرر الكتابة أساساً؟ عندما أبلغتني بهذا الموقف، فإنّ شيئاً من داخلي انقبض، وتراجع دفق الدم في شراييني، وشعرت بالبرد والعري الأكثر ألماً، على الرغم من أنني لم أسئ لها شخصيا لا في الكتابة ولا في الكتاب، بل كنت "أسيء" لنفسي، إن سلمنا أن هذا النوع من الكتابة هو شكل من أشكال الإساءة للذات الفردية في نظرتها لنفسها، أو في نظرة المجتمع لها، كون الذات الإنسانية لا تتحرك في محيط مقفل خالٍ من البشر.

من خلال تلك الحوارات النافرة التي جرت بيننا بعد نشر الكتاب توصلتُ إلى قناعة أن "حبيبتي" تريد لي أن أكون "منافقاً" و"مقيداً"، ولا تحبّ لي أن أكون حرّا. وعندما أخبرتها أنني لم أكن أنوي كتابة تلك القصص في الأساس، بمعنى أن العلاقة مع هؤلاء "النسوة" لم تكن من أجل بناء مشروع سردي مستند إلى تجربة حقيقة، كما قد يفعل بعض الكتّاب، بل قررت ذلك بعد أن غادرت تلك النساء عالمي، ونسيت أسماء الكثيرات منهن. لم يعجبها ذلك، بل رأت أنه لو كان من أجل تجربة الكتابة لكان أهون، ولفهمتني أكثر وأعطتني العذر، كما أنها رأت أنني قد انفتحت كثيرا وهذا ليس صواباً، ورأت أنه من الأجمل لها ألا تراني بهذه الصورة، "فيا ليتك لم تخبرني وتخبر العالم بحقيقتك "السافلة".

شعرت بالامتعاض من موقفها هذا، لأنها أولا تريد أن تجعل "تجربة الكتابة" تقليدا خاويا من المعنى الفردي الخاص المرتبط بكاتبه، دون أن يكون لي أسلوبي الخاص في البناء الكلي للكتاب ومصدر مادته، وتصر على أن تدخل تجربتي الكتابية لتصبح شبيهة بطريقة الكتّاب في اقتناص القصص وصناعتها عن عمد من أجل الكتابة فقط، وثانيا لأنها تريدني انتهازيا مستغلاً، فالعلاقات البشرية-من وجهة نظري- لا تخضع للتجربة من أجل أن يبني أحدنا مشاريع كتابية. لا أومن بهذا الهدف بتاتا، فأنا مثلا لم أحبها لأكتب فيها شعرا، وإنما أكتب فيها شعرا لأنني أحبها. حاولت أن أبين لها أن هذا هو كل ما في الأمر؛ لقد تجمعت لديّ قصص تلك "التجربة"، فأحببت أن أكتبها، معتمدا على الذاكرة وليس على تحرير المحادثات الأصلية التي جرت بيني وبين أولئك النساء. في الحقيقة لقد مضى زمن طويل بين آخر قصة في الكتاب وبين الزمن الذي شرعت فيه بكتابة تلك القصص.

ثمة جوانب إيجابية كثيرة في كتاب "نسوة في المدينة" على الصعيد الشخصي العاطفي، وأشارت إليها القراءات النقديّة المنجزة حول الكتاب. لماذا لا تريد "حبيبتي" أن تراه، وتصر فقط على أن تجعل بيني وبينها مجموعة أجساد عارية تحوّلت إلى مجرد "قصص وسرد"، انتهت عمليا ولم تعد موجودة. آمل أن تعيد التفكير مليّا بهذا، من أجل أن يكون لتلك التجربة أهميتها العاطفية والكتابية، ولنكون أقدر على الكتابة في المرات القادمة بحرية شاسعة الحدّ دون خوف من أنفسنا، قبل الخوف من الرقباء والجلادين، فأول درجات الحرية التحرر من أوهام الذات وحصارها، وعلى رأي (إيتيان دو لا بويسي): "الحرية خالصةً لا يتمناها الناس البتة، لا لسبب آخر على ما يبدو إلا لأنهم إن يتمنوها ينالوها، فكأنهم يرفضون الحصول على هذا المكسب الثمين، لا لشيء سوى أن الحصول عليه يسير جدّاً". (مقالة العبودية الطوعية، ص152-153). فهل سنستهلك الكثير من الوقت لنعيد ترميم العلاقة من جديد؟ وهل يمكن لهذه المرأة التي تحصنت وراء الجدار أكثر من قبل أن تفهمني وتستوعب ما تمّ وتكون أكثر حرية مما هي عليه الآن؟


عِراقُ "الدَّمِ قْراطِيَّةِ"/ الاب يوسف جزراوي



 في عَامِ ٢٠١٩  تَلَقَّيتُ دَعْوَةً  لِزِيارَةِ عِراقِ  الدَّمَ قْرَاطِيَّةِ؛ إِذْ أَقْنَعَوُني مَعشَر الأدباء بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ:

إِنَّ عِراقَ الأخْيَارِ لَيسَ كَعِراقِ الأَخْبَارِ. فَلَبَّيّتُ  الدَّعْوَةَ إِلَى مَسقطِ رَأْسي وَمَرَابِعِ صِبَاي بِلَهْفَةٍ مَحْفُوفةٍ بِالوَجدِ وَالذِّكَّرَياتِ!

بَعْدَ جَوْلةٍ سَرِيعَةٍ وُخَاطِفةٍ للأنفاسِ فِي شارِعيّ المتنبّي والحيدر خَانَة؛ تَناوَلَتُ طَعَامَ الغَدَاءِ مَعَ أصدِقاءِ الْكَلِمَةِ فِي أحَدِ المَطَاعِمِ الْبَغْدَاديّةِبالكرّادةِ الشرّقيّة.

  كَانَت الوجبةُ هِيَ  " المقلوبة ُ" العِراقيّةُ الشَّهيَّةُ؛ لَكِنَّها كَانَت تَكَوَّنت مِنْ:

البَطاطا تُّرْكيّةً

والباذِنجانِ سُعوديًّا

والطَّماطمِ إِيرَانيّةً

والرّزِّ أَمريكيًّا

والْبَصَلُ والفُلْفُلُ قَطَريّين

والشَّوْكَةُ والْمِلْعَقَةُ وَحْدهما صِينِيّان

َالنَّادِلُ بنغلادشيٌّ

فَقَطْ طَبَقُ الطَّعَامِ كَانَ عِراقيَّ الْمَنْشَأِ!!!.

أَكَلَ رُفقائي مَا رَغُبَوا بِهِ مَنْ " المقلوبةِ"؛ أمّا أَنَا فَقَدْ اِكتَفَيتُ بِعُلْبَةِ لَبَنٍ  مُسْتَوْرِدةٍ، تألَّفَت مَعَ أجواءِ الْحَدِيثِ.

خَرَجَنا إِلى سَيْرٍ فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ وَأَزِقَّتِهَا الْخرِّبةِ.

كَانَ  الطّقْسُ مُمْطِرًا وأَبْرَدُ مَنْ الْمُعْتَادِ؛ 

فقُلتُ لمنْ  مَعِي:

لعْنَ اللهُ ساستَنا إِنَّهُمْ عمِيانٌ

فأَصْبَحَ العِراقُ بِسَبَبِهم مُعمًى كَالضَّرِيرِ  

فوقَعَ فِي الضَّرَرِ

وَهَكَذَا يَدْفَعُ الْعِمْيانُ فاتورةَ الْكَهْرَباءِ!!.

كوفيد/ روميو عويس



غـدّار.. مادد ألـف إيـد وإيـد

تخطف صحابي

واهلي واحبابي

لابس شَبَح حامل لقب كوفيد

بيشِدّ عا رقابي

بيخنـق التـنهيد

وخـايِـف انـا اللي بعـيـد!!

يكون عامل حسابي

يـدِق عـا بـابـي!

ويـنطـوي كتابي

**


إستعراض لقصَّة الحلزونة سناء - للأطفال - للشاعرة والأديبة آمال أبو فارس/ حاتم جوعيه

 



مقدمة  :       تقعُ هذه القصَّةُ في  22 صفحة من الحجم الكبير - تأليف : الكاتبة  آمال أبو فارس ، رسومات مروة مقلدة  -  إصدار مكتبة كل  شيىء  حيفا  .   تهدي الكاتبةُ القصة إلى أحفادها  الغاليين  وإلى كل أطفال العالم  - حسب ما جاء في تقديمها  للكتاب .

مدخل: تتحدَّثُ هذه القصَّةُ عن حلزونةٍ أطلقت عليها الكاتبةُ إسم ( سناء ) وتفتتحُ  وتستهلُ الكاتبةُ القصَّة بشكل مباشر وبدون مقدمة تمهيديَّة  وتقول : إنه في إحدى أيام الصيف الحارة جدا أخرجت الحلزونةُ سناء ( بطلة القصَّة ومحورها الأساسي) رأسَها من قوقعتها ( بيتها) وكان الطقسُ خارج القوقعة  حارًّا جدا لا  يطاق ، وجسم الحلزونة  اللين غير مكيف وملائم  لهذا الطقس فخافت على نفسها من شدَّةِ الحر فرجعت هذه الحلزونة للوراء وأختبأت  في قوقعتها التي هي بيتها ومأمنها  الذي تحمله على ظهرها .  

     وهذه الحلزونة من طبيعتها انها تحبُّ النوم كثيرا فنامت الحلزونةُ  سناء  في بيتها ( داخل قوقعتها) شهرا، شهرين ، ثلاثة شهور- كما جاء في القصة ...( تعطي الكاتبة هنا في هذه الجملة وهذا التعبير صورة  واضحة للأطفال الصغار الذين  يقرأون أو يستمعون لهذه القصَّة  لفترة السباتِ  التي تقضيها الحلزونةُ داخل القوقعة..ولم تذكر فترة السبات والنوم بكلمة واحدة بل كتبتها ومدتهاعلى مراحل ..شهر..شهران.. ثلاثة  شهور..ووضعت فاصلة بعد كل فترة زمنيَّة  لتُشعرَ الطفلَ وتحسِّسَهُ بطول المدة  )  .      فاقت الحلزونةُ من نومها بعد هذه المدة وأخرجت رأسَها من جديد من القوقعة وشعرت مباشرة برعشة في جسمها  وسقطت قطرة من ماء على رأسها (صفحة 10 )  فدبَّ الإنتعاشُ والنشاطُ  فيها  وفرحت كثيرا لأنه جاء  فصلُ الخريف وقريبا يليه فصلُ الشتاء البارد والماطر، وتستطيعُ ، بدورها ، في هذا الطقس أن تعيش وتمشي على بطنها  وهي خارج القوقعة  بكل ارتياح وحريّة .. فزحفت هذه الحلزونة  بعد خروجها من قوقعتها على  بطنها   لتجمعَ  المؤونة  والغذاء ، وقد كانت جائعة كثيرا وجسمها كان  ضعيفا بعد فترة السبات  الطويلة  التي قضتها داخل القوقعة ولها مدة طويلة لم تأكل شيئا. بحثت في الحديقةِ القريبةِ  عن أوراق  خضراء وبدأت  تأكل  الأوراق الخضراء الطريَّة ، وأصبحَ في الأوراق فتحة بيضاء..أي فراغ في المكان المأكول من ورق العشب..( وإنه لتعبير وتشبيه ذكي جميل - صفحة 16 ) . ونظرت الحلزونة سناء من فتحة الأرواق  فرأت حلزونة  أخرى  قريبة  منها ونادت عليها : ((  يا  صديقتي تعالي  لنلعب  معا ! )) ...فلبت الحلزوزنة  الأخرى  دعوتها  بمحبّة وشوق ورحابة صدر..فلعبتا معا بمرح وسرور وتمتعتا معا بين الأوراق الخضراء وجمعتا الطعامَ والغذاء .

     وتتابعُ الكاتبةُ القصة وأحداثها فتنتقلُ إلى مشهدٍ آخر وصورة أخرى من القصَّة فتقول:

              بعد مرورالأيام انقطع المطرُ وصفت السماءُ واشتدَّ الحرُّ فعرفت  وأدركت الحلزونةُ  سناء إنَّ فصلَ الصيف  قد جاء  والذي لا  يلائمُ   بناءَها وتكوينها الجسمي البيولوجي فهو لا يحتملُ الحرَّ الشديد، بل  يذوبُ من شدة الحر..فخافت الحلزونةُ سناء جدا أن تذوب وتموت، فدخلت قوقعتها ( بيتها) باطمئنان وارتياح ، وكانت قد أكلت ولعبت  كثيرا قبل فترةِ السبات  الجديدة  التي ستقضيها ، وحان الآن وقت النوم والسبات الطويل..وتنتهي القصةُ هنا هذه النهاية المفتوحة وبهذه الجملة والعبارة(( فقد أكلتْ ولعبت كثيرا، وحان الآن وقت النوم ! ))  .

تحليلُ القصَّة  :  هذه القصةُ جميلة  وناجحة وراقية بأسلوبها  وفحواها   وأهادفها وأبعادها الأدبيّة والفنيَّة والجماليَّة والتعليميَّة ..إلخ .

     لقد كتبتْ ونسجت الكاتبةُ القصَّة بلغةٍ أدبيَّة منمَّقة وأسلوبٍ جميل وسلس ومفهوم حتى للطفل الصغير .. ولا يوجدُ في القصَّة  تعقيداتٌ وجملٌ  مبهمة وكلمات صعبة وغير مفهومة . والقصّةُ من ناحية الكم  والمسافة  الجغرافيَّة هي قصيرة نسبيا  إذا  قُورنت مع  الكثير من  القصص الأخرى التي  كُتِبَت للأطفال ، وهي ملائمة جدا لمرحلة الطفولة المبكرة ، وللطفل الصغير الذي يحبُّ  ويريدُ  الإختصارَ والإيجاز بطبيعته  وفطرته  ولا يوجدُ  عنده النفس    والصبرالطويل للإستماع للقصص الطويلة جدا والتي قد تدخلُ الملل  .

    تحوي هذه القصَّةُ في داخلها أبعادا وأهدافا هامّة ، وهي :

1 ) البعد الأدبي  والفني

2) العنصر  الترفيهي  والتشويق.

3 ) العنصر والجانب التعليمي 

4) الجانب الإجتماعي  والذي يهدف إلى التعاون والتعايش المشترك . 

5 ) العنصر الفانتازي الخيالي  .

        إذا نظرنا إلى أسلوب وطابع القصة من الخارج  كشكل وبناء فالقصة سردية  لا يوجدُ  فيها عنصر الحوار (ديالوج  )  بين  الأبطال والشخصيات فالكاتبةُ هي فقط  التي تتحدثُ عن البطلةِ ( الحلزونة سناء) في جميع أحداث ومشاهد القصة ..سوى في جملة واحدة فقط (صفحة 16 ) وذلك عندما ترى الحلزونة  سناء  حلزونة  أخرى  بجانبها  من  فتحة  الأوراق  فتنادي عليها وتخاطبها: 

( يا صديقتي  ! تعالي لنلعب معا !- صفحة  16  ).

  وموضوع القصة إذا يرتكزُعلى الحلزونةِ سناء فقط  سوى في حيز وجزء صغير بسيط  عندما  تتحدَّث مع  زميلتها  الحلزونة  الأخرى التي  تشاركها اللعب... ولا تطلقُ الكاتبةُ في هذه القصّة إسما أو لقبا  لهذه الحلزونة  زميلة سناء  ... ولا تدخل الكاتبةُ  شخصيات أخرى في القصة  ليتّسعَ  الموضوع  والفحوى ومجال  مجرى الأحداث والمشاهد .. وهذه القصة  بالتأكيد تصلحُ  للتمثيل الفردي - مونودراما - إذا أدخلَ إليها عنصرُ الحوار( ديالوج ) .

   والقصَّة ترفيهيّة ومسليَّة من الدرجة الأولى ..ويقرأها ويستمعُ إليها الطفل  بشغف واستمتاع وانسجام . ونجدُ فيها عنصرالتشويق والإثارة، وخاصة في  بعض المشاهد  وعندما نخرج الحلزونة  من  قوقعتها  وتشعرُ بالحر الشديد الذي يشكل تهديدا وخطرا على حياتها، فهذا المشهد يُدخلُ إلى الطفلِ الإثارة  والقلق والتفكير بمصير الحلزونة ، وبالتأكيد سيشعرُ معها بالتعاطف..ويثيرُ في نفسيته هذا المشهدُ الشفقة  والأريحيَّة  وحب المساعدة ...  وتنتقلُ الكاتبةُ بسرعة إلى جملة  أخرى  ومشهد آخر يخرجُ فيه من جو الإرتباك  والحيرة والقلق..وتقولُ الكاتبةُ فيه :إن الحلزونة  سناء دخلت قوقعتها من شدة الحر.. والقوقعةُ هي  جزء  من  جسمها  وتكوينها البيولوجي ، وهي  بيتها  ومكان  الأمان ..وتقضي الحلزونةُ عدة أشهر في بيتها حتى انقضاء فصل الصيف .

   وأما الجانب التعليمي والعلمي في القصَّة  فيظهر هنا من ناحية  بيولوجيَّة  حيث تعطي الكاتبةُ ( آمال أبو فارس) للأطفال وحتى للكبارالذين لا يعرفون كيف تعيشُ الحلزوناتُ  وظروفها  وأوضاعها  البيئيَّة  فكرةً وصورة  كاملة  لهذا الموضوع، فتوضِّحُ الكاتبةُ وبشكل غيرمباشرومن خلال مجرى أحداث القصّة انّ الحلزونات  تقضي فترة  الصيف  والحرالشديد في  سبات  طويل حتى اقتراب  فصل  الشتاء  فيتبدل الطقس وتشعر بالبرد  فتخرج  من بيتها وقوقعتها وتبدأ في التفتيش والبحث عن الغذاء  والطعام ، وأن طعام  وغذاء الحلزونات هو الأعشاب ( أي أن الحلزونات نباتية ولا تأكل اللحوم إطلاقا) ..وهي على عكس الدببة  القطبية التي  تنام  نوما  طويلا  في  فصل  الشتاء   وتستيقظ من سباتها عند اقتراب  فصل الصيف .      وتذكر الكاتبةُ أنَّ جسمَ الحلزونة ليِّنٌ  جدا وشبه هُلامي لا يحتملُ  حرَّ الصيف ، وهو  مَبنيٌّ وملائم فقط  لفصل الشتاء والبرد .

   وأما الجانب الإجتماعي والإنساني في القصَّة فيظهرُ جليًّا في هذا  المشهد عندما ترى الحلزونة سناء حلزونة أخرى وتطلب منها أن تلعبا سويا.. وهذا   ما حدث بالفعل .. وتستمتعان في اللعب وتأكلان العشب مع بعض... ( تشيرُ الكاتبةُ إلى المحبَّةِ والرابط  الإجتماعي الإنساني المتين  والتقارب والتعايش المشترك - ومن خلال التحدث عن الحيوان-، وأنه لا يستطيعُ أيُّ  كائنٍ حيٍّ على الأرض مهما كان نوعهُ أن يعيشَ ويحيا لوحده طوال الوقت،بل يحتاج إلى صديق  أو لمجموعة أصدقاء  يشاركونه  ويشاطرونه  حياته  دائما  في حلوها ومُرِّها وفي جميع  ظروفها وتموُّجاتِها .  

   وأما الجانب الفانتازي الخيالي في القصَّة  فهذه القصَّة بحدِّ ذاتها  فانتازية  خياليَّة لأنها كُتبت على لسان الحيوان(الحلزونة سناء) والحيوان فيها يتحدث ويتكلم .  والجديرُ بالذكر ان الأطفالَ بشكل عام يحبُّون ويعشقون  كلَّ  قصّةٍ  فيها  العنصر الفانتازي الخيالي ، وخاصة  إذا  كانت على ألسن  الحيوانات الاليفة والمسالمة لأن الطفل يحبُّ الحيوانات .

الخاتمة :  أودُّ القول في النهاية : إن هذه القصَّة ناجحة  بكل معنى الكلمة وتحققُ الهدفَ وتعطي الرسالة  الكاملة  للطفل  وما يحتاجهُ  من غذاء نفسي وفكري  وعاطفي  حيث أنَّ القصة تُسَلّيه وتمتعهُ  وتدخلهُ الأجواءَ  الترفيهيَّة والفرحَ والسعادة  المنشودة ، وَتُدخلُ  إلى نفسِه  ووجدانهِ  السكينة  والراحة لانَّ القصَّة لا يوجدُ  فيها مشاهد ولقطات مخيفة ومحزنة .. فمرتعُ  ومسرحُ  أحاداثها هو الطبيعة  والحدائق  والأعشاب... وتعلمُ الطفلَ  في  نفس الوقت  المحبة  وَتُحَفزِّهُ  كثيرا على التعاون المشترك  وحب  اللعب  مع  الأصدقاء والأتراب الآخرين  .   وتعطي للطفل فكرة ومعلومات جيدة عن الحلزونات  وبيئتها  وعيشها وكيف تحيا  وتتكيف مع الطبيعة على مرِّ  فصول السنة  .    وهذه المعلومات البسيطة جدا(بيولوجيا) ربما العديد من البالغين والكبار في السن لا يعرفونها وليس فقط الأطفال الصغار .  

        وبالإضافة إلى هذا فالقصَّةُ كُتبت ونُسجت وصيغت بلغة  أدبيَّةٍ جميلةٍ  منمَّقةٍ  سهلة ومفهومة وشائقة .  والجديرُ بالذكر أن الأديبة القديرة  آمال أبو فارس هي أيضا في نفس الوقت شاعرة كبيرة  ومميزة من الدرجة الاولى ، وعبقريتها الشعريّة  وطاقاتها  الفنية  تضيفُ للقصة جمالا  ورونقا  وطابعا جذابا  وساحرا  .       إنَّ المشاهد  والأحداث في القصَّة  متسلسلة  ومتتالية  ومتناغمة مع بعض  وفي كل مشهد ومشهد ، وملائمة ومناسبة لنفسية وفكر  الطفل  وعواطغه ومشاعره  وأحاسيسة  وحاجاته  الترفيهيَّة ... وهي  لجيل الطفولة المبكر... بيد انها  تصلح  لجميع  مراحل الطفولة  وحتى للكبار في السن .    وهذه القصة  تذكرنا بروائع القصص للكتاب العالميين التي  كتبت  للأطفال  لما  فيها  من  مشاهد   جميلة  وأهداف وأبعاد  إنسانيَّة  وإجتماعية  وتعليمية و ترفيهية، بالإضافة إلى الجو الفانتازي الخيالي الذي يكتنفها.


محمد رسول الله في الأدب العربي الحديث/ عبدالقادر رالة



      في البدايات الأولى للنهضة الأدبية  في الوطن العربي كان لسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم نصيب وافر لدى الأدباء العرب فكتبوا عن الرسول الكريم  كرجل عظيم ينتمي الى  العرب ، الى الإسلام و الى الإنسانية  ، وهم لم يكونوا متخصصين في التاريخ الإسلامي أو الحديث أو السيرة النبوية ، ولا هم كانوا ينتمون الى الأحزاب الإسلامية ، ولا من رواد الأدب الإسلامي ، وهم في الغالب اختاروا الكتابة بالأسلوب الحديث أسلوباً ولغة ً ... 

   وأشهر من أهتم بالسيرة النبوية من الأدباء الكبار..

    طه حسين في العديد من كتبه ، كتبَ عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأشهر كتبه  في السيرة على هامش السيرة ، مرآة الإسلام و الوعد الحق ..

   العقاد في  كتابه المهم عبقرية محمد ..

   توفيق الحكيم في كتابه محمد صلى الله عليه وسلم ..

  محمد حسين هيكل وكتابه حياة محمد ..

  عبد الرحمان الشرقاوي في كتابه محمد رسول الحرية ..

  أحمد باكثير  في كتبه ؛ الشيماء وذكرى محمد صلى الله عليه وسلم ...  

  عائشة بنت الشاطئ ؛  في كتبها تراجم سيدات بيت النبوة ، وكتاب بنات النبي ..

 محمد فريد وجدي في كتابه الفلسفي السيرة النبوية تحت ضوء العلم والفلسفة ..

 عبد الحميد جودة السحار ، في كتابه القيم والضخم محمد رسول الله والذّين معه في عشرين جزءا ..

وقصائد أحمد شوقي في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ..

وملحمة النبي صلى الله عليه وسلم للشاعر عمر أبو ريشة ..

   لكن  للأسف هذا التقليد توقف مع الجيل الذّي تلي جيل النهضة الأدبية ، وصارت الكتابة في السيرة النبوية حكرا ً على المتخصصين في السيرة أو التاريخ الإسلامي ..

  غير أن حناجر الشعراء لا تزال تصدح بحب محمد وعظمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام..

   


كورونا المتحوّر: هل اللقاح فعّال ضد الطفرة الجديدة؟/ أحمد سليمان العمري



يُعتبر عيد الميلاد هذا العام في بريطانيا هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. قبل أيام من نهاية الفترة الانتقالية لخروج الأخيرة من الإتحاد الأوروبي اندلعت الفوضى في بريطانيا بسبب انتشار السلالة الجديدة من كورونا والتي تحمل 17 طفرة تحت اسم «B.1.1.7» أو «VUI-2020/12/01» «كورونا المتحوّرة»، سريعة العدوى بنسبة تصل إلى ٧٠ ٪ من الفيروس المعروف لغاية الآن، وهي التي تجتاح بريطانيا وخارجة عن السيطرة.


أراء متضاربة بين جهات تعزو العترة الأخيرة من الفيروس أنّها السبب وراء تفشّيه في ألمانيا كون الطفرة منتشر في بريطانيا منذ ثلاثة أشهر مع استمرار البريطانيين آنذاك بالتنقل بحريّة داخل الدولة الفدرالية دون أي قيد، حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2020م حين أتخذت ألمانيا قرار الإغلاق الثاني وما كان الأخير سوى سيناريو رعب بعيد المنال. استمرت الحياة طبيعية نسبياً، يرتدي الناس الكمامات، وبخلاف ذلك لم يتغيّر الكثير، المطاعم والمقاهي والمتاجر تعجّ بالزوار وتجوال في المدن وبينها ومشاركات في المناسبات، بالإضافة إلى السفر كون الحدود مفتوحة بين دول أوروبا ومعها بريطانيا طبعاَ والعالم.


ترخيص الإتحاد الأوروبي


في هذه الأثناء كانت الطفرة B.1.1.7 منتشرة بالفعل في بريطانيا ومع ذلك لم يُفرض الحجر الصحي على المسافرين القادمين من المملكة المتحدة إلّا بعد 24 أكتوبر/تشرين الأول، لذلك كان أمام الفيروس عدّة أسابيع للوصول إلى القارة الأوروبية دون أي عائق.


وهذا ما أكدّه رئيس معهد «روبرت كوخ» «لوثار فيلر» الثلاثاء 22 ديسمبر/كانون الأول بأنّ الفيروس موجود بالفعل في أوروبا، حيث هناك أدّلة على وجود إصابات في الدول المجاورة مثل هولندا والدنمارك. وفي ألمانيا ثبتت لغاية 31 ديسمبر/كانون الأول حالتين واحدة قدمت من بريطانيا في 20 ديسمبر/كانون الثاني، والحالة الثانية تم العثور عليها في نوفمبر/تشرين الثاني من خلال فحص لاحق لعينات أسرة من ثلاثة أفراد توفي الوالد منهم، ومع ذلك فإنّ احتمالية وجوده في ألمانيا حسب «فيلر» عالية جداً.


 بينما خبراء آخرون ينفون ذلك استناداً إلى الفحوصات التي تُجرى لغاية الآن على المصابين، وهي منحة هذه المحنة أنّه ليس هناك أي دليل واضح  قد يجعل اللقاح عديم الفعالية، غير أنّ التحليلات الأولية التي أجراها علماء بريطانيون تُظهر أنّ الطفرة الجديد تحتوي على عدد كبير وغير عادي من التغيّرات الجينية في «بروتين السنبلة»، وهو الأمر الذي قد يثير مخاوف، حيث أنّ لقاح «بيونتك» مع شريكه الأمريكي «فايزر» يولّد استجابة مناعية ضد هذا البروتين على وجه التحديد، لذلك يخشى بعض الباحثين أن يؤثّر ذلك على فعالية اللقاح.


ولقد استبقت بريطانيا الدول الأخرى وأعلنت الأربعاء 2 ديسمبر/كانون الأول عن استخدام اللقاح بترخيص طارئ قبل السماح من الإتحاد الأوروبي الذي صدر 21 ديسمبر/كانون الأول.


تسبّبت هذه السلالة الجديدة من الفيروس في ألمانيا في الأيام الأولى بتوقيف جزءاً كبيراً من الرحلات الجوية من وإلى بريطانيا، فقد أوقف مطار  «هانوفر» في 19 ديسمبر/كانون الأول دخول 63 راكباً على متن رحلة من لندن بسبب الخوف من إصابتهم بكورونا المتحوّرة، حيث أُجبر الركاب على البقاء في مبنى المطار لحين ظهور نتيجة فحص كورونا. ووفقاً للمعلومات الواردة من مطار هانوفر، تم حجر أحد مسافري الطائرة البريطانية بعدما تبيّن أصابته بالفيروس مع أسرتة وتحويله إلى شقة للحجر الصحي، وأعيد جميع المسافرين بعد مضيّ يومين إلى بريطانيا.


وقالت نائبة رئيس قسم الصحة العامّة في مدينة هانوفر «مارلين جراف» أنّه لا يمكن معرفة الفرق بين كورونا التقليدي والطفرة الجديدة إلّا من خلال المركز المرجعي في برلين، حيث سيتلقّى عالم الفيروسات ومدير معهد «شاريتيه» البروفيسور «كرستيان دروستن» العينة، وهو من سيجيب على السؤال. ولقد سبق وصرّح الأخير في مناسبة أخرى أنّه لا يتوقع أنّ سلالة الفيروس الجديدة ستجعل اللقاح أقل فعالية. ومع ذلك لم يتم توضيح هذه النقطة بشكل دقيق، فهناك حاجة لمزيد من الإختبارات للوصول إلى جواب يقين. ولكن بدا وزير الصحة الألماني «ينس شبان» ورئيس شركة بيونتك «أوغور شاهين» واثقين من أنّ اللقاح سيكون فعّالاً ضد الطفرة الجديدة واحتمالات تأثيره عالية جداً. حيث أُختبر اللقاح ضد حوالي 20 نوعاً مختلفاً من الفيروسات مع طفرات أخرى، وثبت أنّ الإستجابة المناعية التي أثارها اللقاح قد عطّلت في جميع المحاولات كلّ أشكال الفيروس.


جنوب إفريقيا


أغلقت ألمانيا بدءاً من منتصف ليلة 20 ديسمبر/كانون الأول جميع الحدود الجوية والبرية والبحرية مع بريطانيا، بالإضافة إلى العديد من الدول الأوروبية التي حذت حذو ألمانيا مثل فرنسا وبلجيكا، فقد أُغلق «نفق المانش» ويسمّى أيضاً «النفق الأوروبي»، وهو نفق سكة حديدية يربط من خلال القطار السريع «يوروستار» بريطانيا بفرنسا مروراً ببلجيكا لينتهي في هولندا، ويعتبر النفق أطول نفق مائي في العالم، بالإضافة إلى إغلاق «ميناء دوفر»، ويعد واحد من أكبر موانئ الركاب في أوروبا.


على الرغم من خطورة الطفرة إلّا أنّ مفوضية الإتحاد الأوروبي تعارض الحظر الشامل للرحلات الجوية من وإلى المملكة، رغم أهمية اتخاذ تدابير وقائية مؤقتة وبسرعة، ولكن المفوضية أوصت في نفس الوقت ضرورة السفر وإتاحة حركة البضائع.


‏في الوقت الذي وقّعت فيه رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي «أورسولا فون دير لاين» ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي «تشارلز ميشيل» الإتفاقية التجارية التي تضمّنت 1250 صفحة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بسبب انسحاب الأخيرة من الإتحاد في 1 يناير/كانون الأول، يرى البريطانيون بفعل الأمر الواقع الذي فُرض عليهم جرّاء الطفرة الجديدة أنّهم معزولين لإنسحاب المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي، حيث أتت هذه الإجراءات في وقت يعتري الرأي العام الإنجليزي حالة عدم اليقين بشأن نتيجة مفاوضات خروج بريطانيا من الإتحاد. فقد بدأت القارة الأوروبية بإغلاق نفسها أمامهم وفرض العديد من دول الإتحاد قيوداً على الحركة الجوية والبرية والبحرية بشكل متزايد نظراً للمتغيرات الأخيرة، بالإضافة إلى تشديد إجراءات كورونا الإحترازية في لندن ممّا أدّى من خلال هذه العوامل مجتمعة لإنخفاض الجنيه الإسترليني بنسبة 0.8٪.


مساء الجمعة 18 ديسمبر/كانون الأول أعلن وزير الصحة في جنوب إفريقيا «زويلي مخيزي» أنّ باحثين اكتشفوا سلالة جديدة من كورونا مماثلة كالتي في بريطانيا، تحمل إسم «501. VS»، ولقد صرّح خبير علم الفيروسات البروفيسور الألماني المقيم في جنوب إفريقيا «فولفغانغ برايزر» أنّ الفيروس الموجود في جنوب إفريقيا ليس ذاته كالمنتشر في بريطانيا، ومن الواضح أنهم نشأوا بشكل مستقلّ عن بعضهم البعض، وأنّه لا يُعرف حتى الآن مدى فعالية اللقاح ضد هذه الطفرة الجديدة.


أسئلة كثيرة تفتح المرتاج على مصراعيه لأصحاب نظرية المؤامرة بظهور 17 طفرة جديدة تزامنت مع تداول اللقاح في السوق والسماح بإستخدامه عالمياً. فهل هناك قوة تعمل في الخفاء وتسيطر على أصحاب القرار في العالم؟ أم أنّ التبعة الطبيعية لتطوّر الفيروس هي السبب وراء إرباك العالم دول ومؤسّسات وأفراد؟


علّ الأعوام القادمة - ولا اظنّها أشهر - كفيلة بولادة أجوبة كافية شافية للوضع الحالي، الذي يمثّل تحدّياً للعالم غير مسبوق. الأكثر بعداً عن الشّك وأقرب إلى اليقين هو بقاء كورونا حديث العامة والخاصّة في الأعوام القادمة، بين حديث مجالس وأخرى عمل دؤوب في البحوث العلمية لفيروس حقيقي يجتاح العالم أو مؤامرة سياسية وحرب بيولوجية مبكّرة خرجت عن السيطرة! أم علّه عقاب الله في الأرض كما يتبناه هذا أو ذاك. وبين هذا وذاك للحكيم أن يستثمر اللُّحمة في الأسرة ويبني ما ضعضعته الجائحة وتسبّبت به كثير قرارات الحكومات؛ بعضها بدأت بمهنية وضمير فأقالت أصحابها مؤسّسات هشّة وسخّرها جلّ المتنفّذين لنفسه وحاشيته فأذعن الإملاق والعوز بين الأسر.