حين يُقصى الدفاع وتنهار العدالة/ المهندس كميـل العيـد



 وجهة نظر في تعميم نقابة محامي اللاذقية المؤرخ في 4/8/2025


في البناء، لا تُطرح الأساسات اعتباطًا، ولا يُضاف طابق جديد قبل دراسة الحمولات أو توافق التصميم. الهندسة تُعلّمنا أن أي إقصاء غير مدروس قد يؤدي إلى انهيار جزئي أو كلي. كذلك هي العدالة، حين يُستبعَد المحامي من وظيفته، يُحدث ذلك شرخًا مؤسسيًا لا تُعالج آثاره بإجراءات شكلية، بل يتطلب ترميمًا عميقًا في فلسفة النظام القضائي.

هذا ما نلاحظه في نموذجين متباينين شكليًا، وهما المحاكم الميدانية، وتعميم نقابة المحامين في اللاذقية الصادر في 4/8/2025وهما مشتركين في نسف اهم اركان العدالة وهو حق الدفاع.

فالمحاكم الميدانية أُنشئت في بيئات أمنية مغلقة، حُرم فيها المحامون من الحضور والدفاع، وصدرَت فيها أحكام جائرة في مناخ متعجل، لا يحتمل الاستئناف أو النقاش، وكأن القانون تحوّل إلى طوارئ تنفيذية. بهذا الإقصاء، يصبح القضاء أداة لإرادة فوقية، لا منظومة قانونية متماسكة.

أما تعميم نقابة المحامين في اللاذقية، الذي منع الدفاع عن رموز النظام البائد المتهمين بجرائم حرب، فقد شكّل إقصاءً داخليًا للدور الدفاعي، بقرار إداري يفتقر إلى الشرعية المهنية، ويحمّل المحامي معيارًا سياسيًا لتحديد من يُسمح له بالدفاع عنه. بل يتجاوز ذلك إلى انتهاك واضح لحقوق الإنسان، ويصطدم مع قاعدة قانونية راسخة في النظام السوري، تُلزم قاضي محكمة الجنايات بتعيين محامٍ للمتهم إذا لم يكن لديه وكيل دفاع.

وما يزيد الموقف هشاشةً ما يتردد أن فرع نقابة المحامين في اللاذقية تراجع عن التعميم بعد ساعات من نشره، في سابقة تُبيّن ضبابية الصلاحيات وتضاربها، وتعكس الطابع الاعتباطي الذي اتسم به القرار أساسًا.

كنت أتمنى لو أن التعميم جاء بصيغة وجدانية غير ملزمة، مجرد دعوة أخلاقية لتذكير المحامين بتاريخ الضحايا والمتهمين، لكان أكثر احترامًا للدور المهني، وأقل ضررًا لوظيفة العدالة التي لا تقوم على التصنيفات الظرفية، بل على التوازن القانوني والكرامة المهنية.

من وجهة نظري الهندسية، فإن القرار يشبه بناءً عشوائيًا يُلقى في ضواحي المدينة دون دراسة أو توافق وظيفي، وهو ما يُنتج تشوّهًا بصريًا ومهنيًا، يصعب محو أثره فيما بعد ولو تمت ازالته.

الدفاع ليس تفصيلًا تجميليًا، بل هو عنصر إنشائي، من دونه تتداعى أعمدة العدالة، وتفقد المنظومة القضائية تماسكها وتوازنها.

إن العدالة لا تُدار بالفرز السياسي، ولا تُبنى بالانتقائية الأخلاقية، بل تُرسى على حرية الدفاع، وتُصان بكرامة المواطنة، ويُحمى جوهرها عبر قانون محايد متماسك. ومن أراد إصلاحًا حقيقيًا، فعليه أن يبدأ من الأساسات، لا أن يُضيف طوابق في فراغ مهني هشّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق