قيل "الحقيقة الموجعة ، خيرٌ ألف مرة من الوهم مهما بلغ جماله".
ترى ما هي الحقيقة في عصر التفاهة الذي تعيشه البشرية من ظلم الأبعدين والأقربين؟ فالحقيقة الوحيدة والثابتة هي الموت، أما غير ذلك فهي نسبية وتختلف بمفهومها من شخص لآخر، فمثلا نجد أن كل من يكتب وينشر ما يكتبه فهو يعتقد أنه ينشر الحقيقة من وجهة نظره، بينما الواقع يختلف فمن يكتب وهو مرتاح مادياً ونفسياً ويعيش في دولة لا تنقطع فيها الكهرباء ولا ماء الشرب، وفيها مستشفيات تستقبل المرضى في حالات الطوارىء وتعالجهم، وتؤمن فيها العمل دون تفرقة ودون واسطة من نائب أو وزير أو متنفذ، بينما الذي يكتب في بلدان المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي فالحقيقة يختلف مفهومها لديه فهو يكتب عن واقع فاسد وقوى مرئية وغير مرئية تسيطر على واقع البلاد والعباد، وإذا نظرنا إلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي في لبنان والعراق وسوريا وفلسطين والسودان وبقية بلدان المنطقة نجد أن الشعوب فيها ترى الحقيقة مختلفة عمن يعيش في أوروبا وأميركا وكندا وأستراليا مع قاسم مشترك بينهم وهو البكاء على المآسي التي تعاني منها شعوب المنطقة، مع أن الذين يعيشون في الخارج يطلقون نظريات وتشبيهات وتمنيات بعيدة سنوات ضوئية عن واقع الذين يعيشون داخل بلدان أمة النكبات الذين لا يريدون سوى العيش بكرامة وتأمين أساسيات العيش.
ففي عصر التفاهة لم يعد هناك حقيقة سوى واقع أجمله علقم مفروض على البشرية تشربه وتتعايش فيه ومعه. وفي ديار الغربة نعيش اغترابين الأول الوحدة الذاتية والثاني البعد عن العلاقات الاجتماعية والأسرية، يضاف لها البعد عن ربى وطن كنا نتسلق فيه الأشجار ونقطف الزهور من وديانه ونخوض في وحول الشتاء متهللين، ونهرول هرباً من الناطور ، ورغم ذلك فأننا نهرب للحظات من واقعنا الاغترابي على صفحات نكتب فيها خواطر، أو إلى الاستماع موسيقى وأغاني مرت في حياتنا كرمح مارق، لنعيش ماض تركناه خلفنا استولى اللصوص عليه وهدموا الهيكل من الداخل، مع ازدياد عدد المهمشين والفقراء والمحرومين، لذلك أقول أننا نعيش في وهم نخلقه بأفكارنا بسبب البعد الاجتماعي والأسري والأهم البعد عن القيم والأخلاق الإنسانية في عصر التوحش، فأين تكمن الحقيقة!
لحظة تأمل
جميل أن يتعلم المرء متى يجعل من سكوته كلاماً وعبر. ومتى يجعل من كلامه صمت في أي مجلس حضر، حينها فقط تصير الحروف من ذهب.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق