هذا ما قاله لي زياد/ عباس علي مراد

 


في المرات العديدة التي التقيت بها زياد، لم يبخل عليّ بأي نصيحة، وبصراحته المعهودة، وسخريته المالوفة، وقفشاته العادية غير المتصنعة، وبلغته المبسطة، وصمته المعبر، وانصاته البليغ، وأسلوبه المحبب المعروف الذي دخل من خلاله الى عقول وقلوب الناس، الذين لم يبخلوا برد الجميل، وتصبح أقواله وأغانيه تتردد على ألسنة محبيه ومريديه.

هذا قبل ان تسطو الولايات المتحدة على الشعار، ليصبح كسب عقول وقلوب الشعوب شعار الولايات المتحدة الاثير في حروبها على الدول التي اجتاحتها، بحجة نشر الديمقراطية والمساوة والرفاهيه والازدهار وقربة الى الله تعالى، وليس طمعاً بثروات تلك الدول واستغلال شعوبها.

وكما نعلم، فكانت مساوتها في القتل للجميع، ورفاهية في التهجير في الصحارى، وأعالي البحار، وازدهار الفتن الطائفية والمذهبية والجهوية والقومية والاثنية...

ما كان زياد يترك شيئاً ينغص عليه صراحته، رغم كثرة المنغصات في الحياة، والتي كان يتغلب عليها بقفشة او تعليقة او قصيدة او مقطوعة موسيقية او بشكل جامع في مسرحية الخ..

بعد ان إطمئن الى علاقتنا، كانت صراحته كحد السيف، قال لي: يا صاحبي نحن شعب نتصنع الرقي والحضارة والحرص على بعضنا، ولكن ما نخفيه عن بعضنا رغم ما نعرفه عن بعضنا أشد وأدهى!

إننا لا نثق ببعضنا الا بقدر ما تقتضي مصلحتنا الآنية الضيقة، وعندما تنتفي المصلحة لا أعرفك ولا تعرفني.

نحن، يا صاحبي شعب يحب الكنفشة، وحب المظاهر والرفعة ولو على تلاعة، وفي بعض المناطق يقال لها تكلة (كتلة من التراب غير متكسرة بعد فلاحة الارض).

نحن، يا صاحبي نحب الألقاب التي منى علينا بها العثماني منذ مئات السنين، حتى أننا نتوارثها ونورثها لابنائنا واحفادنا، حرصنا على الفوارق المتخيلة. 

نحن، ندعي ان العقل زينة، ولكن الغريزة والعصبية عندنا، حتى ربنا يستعيذ من الشيطان الرجيم خوفاً ورهبة من تلك الغريزة والعصبية، يا أخي عقول مثل الجِرَابُ المثقوب لا يحفظ ماءً ولا زاداً.


نحن، نحب القيل والقال، والناس لا تتركك حتى لو كنت مسكر الباب على حالك، مخيلتهم واسعة، فيؤلفون القصص القصيرة والروايات، ويؤكدون انها تستحق النشر ويجب وضعها في أقرب مطبعة.

نحن، نمارس التقية، ونقول من أخذ أمي نقول له يا عمي، واليد التي لا تقدر عليها بوسها وادعي عليها بالكسر، ما مت ما شفت مين مات وقس على ذلك وصولاً الى مقولة من بعد حماري ما ينبت حشيش.

نحن، نوزع على العالم النصائح، ونستجدي العالم ان يمن علينا بالفتات وعلى حساب الكرامة والوطن ..

نحن، خلطة غير شكل...

نحن، نتباهى بسرقة بعضنا، ونكرس كل ما اتينا من بلاغة، وقدرات مادية لتبرير السرقة، حتى لا يمس شرف الطائفة او المذهب...

هنا، لم أعد اتمالك نفسي عن طرح السؤال، طيب شو الحل الا يوجد ضوء في نهاية النفق.؟

اجاب زياد، روح خيط بغير هالمسلة، وين بعدك، ما شايف كل الهم والغم والقرف والشرشحة وأكل الهوى حتى لا نقول شيء آخر على مد عينك والنظر...

اسمع جيداً، جيداً جداً،وجداً جداً، وما تفوت لا حرف، لا فاصلة، او نقطة صالحة أو عاطلة، مرضي عنها أو مغضوب عليها...

النفق، النفاق، النق، التزلف، الإنحراف، الفجور، قلة الإيمان... أنفاق ما زلنا نحفرها، ونغلق ابوابها ومن وين بدك يجي الضو...

ومد يده واخذ العود وصدح بصوته 

قوم فوت نام، وصير حلام، إنو بلدنا صارت بلد

قوم فوت نام، بهالأيام، الحارة بيسكّرها ولد

هاي بلد، لأ مش بلد، هاي قرطة عالم مجموعين

مجموعين …لأ

مطروحين… لأ

مضروبين لأ... مقسومين

قوم فوت نام وصير حلام

قوم فوت نام .. كْدوش الفرشة يللا قوام

وتغطّى وسمّك الحرام وتمسّى بنفس الكلام

تابع البرامج بالسكام كلهاّ أغاني عن الوحدة الوطنيّة

وكلها أماني بالمسيرات الأمنية وكلهاّ تهاني بصيغتنا اللبنانية

قوم فوت نام مهو تلات ملاين عالتخمين

هودي اللي جوا البلد

والباقين مفروطين كل شويّة في بلد

هاي بلد...

  وكان ردي فينا نقول "كل شي فاشل"

فيك تقول واكثر...

أخيراً، هذا الحوار افتراضي، ولم التق بزياد اي مرة وجهاً لوجه.

 وقد ثبت بعد رحيل زياد ما قاله وما لم يقله، ولو انه شاهد ما حصل لكان ألف عشرات البرامج والمسرحيات، وقال، ما خاب الظن بكم، هكذا عهدتكم ولم ولن تبدلوا تبديلاً.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق