مِصرُ الّتي لها مِن اسمِها نصيبٌ في الأمصارِ
هي عَلمٌ فوق السّارياتِ يُرفرفُ
فإنّي أشتاقُ لزيارةِ أرِض الكنانةِ شوقُ الضِّرِيرِ للبَصرِ!
فآهٍ لَوْ تعلمينَ ...كَمْ اِستبدَّ بِي الشّوقُ
والشّوقُ للمُشتَاقِ ذابحٌ
فهُو أشوقُ مِنّي إِليْكِ!
لَكِنّّي أَدريّكِ لَا تدرينَ
كَمْ تاقتِ لرؤيتكِ المُقلُ
وكَمْ تصبو لمعالمكِ الحدقُ!.
****
لِيّ عراقٌ بِعراقتهِ يحبُّكِ يَا مِصرُ
ينامُ في عينيه بؤبؤ غرامكِ...
فكيفَ أخفيكِ سرًّا
إنَّ عينيكِ شمسُ الصّباحِ
وطلّتكِ بدرُ اللّيلِ...
أما ضفافُ نيلكِ نخلةٌ تعانقُ السّماءَ...
ووسادتكِ مهدُّ حضارةٍ
على اِمتدادِ القاهرة وبغدادَ!.
***
يَا كِنَانة الأمصار عندي بلدٌ محبٌّ
آليتُ إِلّا أن أحُبّهُ...
فهو مَن علّمني حُبّ مِصرَ وشعبها الطيّبُ المَعشَر والمُثقّفُ المُتسامِحُ...
أَوَليسَ"حسنُ للتَّلمِيذِ أن يكونَ مِثل معلمهِ" ( متّى 10: 25)
فإن شاعَ قولُ كاتبٍ:
"مِصْرُ تكتبُ ولبنانُ تطبعُ والعراقُ يقرأُ"
فكيفَ لكِ لَا تقرأينَ لابنَ العِراق
وَهُوَ حكايةُ ولِهٌ بوَجدكِ وغرامٌ بالإسكندريّة وولعُ بِصعيدِ أريافكِ..
حَيثُ البساطةُ والثَّقافة والفنُّ والإيمان ...
وعن مكتباتها والآثارُ راحَ يُسطّرُ؟!
فقط أجيبيني:
أما كَانَ نبضُ قلبكِ يتماشى مَع وقعِ خطوات شوقهُ العِراقي؟!.
***
مِصرُ يَا بِلاد الفراعنة
لقد دخلتِ قَلْبي مِن بابِ عقلي مُنذ نعومة أظافري
فكَيفَ لِيَّ أن أُقنّعَ وجداني وأحشِمَ نفسي بِالكَفِّ عن عشقكِ؟!
وعيناكِ بحرٌ...والحُسنُ في نيلكَ كحلٌ!
فَلِمَ لَا أسالنَّ ربّي تضرعًا أنْ يزيحَ عَنّكِ كُلَّ همٍّ وكربٍ
ويبعدُ عَن أرِضكِ أَيِّ طامعٍٍٍ وعدوٍ غَاشمٍ!
لقد صلّيتُ لله لينسجَ لكِ بيدِ محبتهِ ثوبَ سلامٍ وآمان لَا يبلى!.
وَلَئِن العِراقَ يَا كنانتي أبا الوجود وأنتِ أمُّ الدُّنيا..
وقد سطعت منكما شمس الحضارة وبزغ نجم المعرفة على الوجودِ
أجدُّني كُلّمَا أقبلَ اللّيلُ أمتشقُ ريشة قلمٍ سومري...
فأرسمُكِ بِالكلمةِ للشّرقِ وجدانًا
وأنحتُ لكِ مِن طينِ الرَّافدين تمثالاً!.
***
يَا مِصْرُ يَا رمانة المِيزانِ
يَا مَن حَبَاها الله بِالجمالِ وَالعَطاءِ...
إن كانتِ الحَياةُ مبتدأً وخبرًا
فَالعِراقُ جنائنٌ مُعلقةٌ وزقوراتٌ وملويةٌ... وهو أبو الحضارةِ
وأنتِ أمُّها .. ومَا الأهراماتُ وأبي الهول؟ سوى ناطقاتٍ عن عراقتكِ...
فهلّا دَعْينِي اِسْتَحْضَرْ للقاهرةِ وأذّكرها
بِقِدِّيسةِ الْعَواصِمِ بَغْدَادَ الّتي تُحبينَ وتُجلّينَ...
فهي لطَالَمَا تغنت بكِ وصلّت لأجلكِ...
لتُلقي عَلَيْكِ السَّلاَمَ والتّحية بِالمحبّةِ:
أُخْتاه؛
إنّـا تَقاسَمَنا بزوغ الحرف والإبداع...
فلكِ مِنّي الثُّنى مِنَ الشُّكرِ
لأنّكِ غدوتِ وطنًا ومأوئ للعراقيّينَ
يومَ تاهَ مِنّا بلدنا وأضاع هويته في دجى الاِحتلال...
****
تعجُ الحياةُ بشَوَارِعِ القاهرةَ يَا بَغْدَادَ
وَفرحةٌ في كُلِّ الأفئدةِ حَولَ الْعَالَمِ
لِما حلَّ بِالكنانةِ مِن أزدهارٍ وعمرانٍ وأمانٍ...
وِبِما لحق بِها مِن تطورٍ وريادةٍ...
ومَا العجبُ؟!
فالطَّيْورُ لَا تُحلِّقُ ولا تُغني إلّا بقربِ الورودِ.
هكذا مِصرُ ستَظَلُّ مَنَارَةً للأممِ.....
كُلّمَا تردد على مسامعِنا طاريها
نشعرُ بِعظمةِ الاسمِ!.
وَكَيفَ لا؟!
والقيامةُ فيها وشمُّ النَّسيم فولٌ وياسمين!.
****
يَا أرض الفراعنة....يَا غزالتي وغزلي
يَا هزجَ الخُلخالُ والحَليّ
ألاّ تدرينَ فؤاد قلمي يتمرغُ بكتاباتٍ عنكِ
لمْ تُعدَ تألفها حكاياتُ ألفِ ليلةٍ وليلة....؟!
فلا بُّد لذلكَ النورسُ المُغتربُ أنْ يرصفَ خرزُ الكلماتِ
حَبّة... حَبّة... ويُعلّقها مِسبحة صلاة على عنقِ نيلكِ!
ويعزفُ على كمنجةٍ بغداديّة ألحانُها منذورة لكِ!.
دونَ أن يفوتهُ أن ينسجَ الغزلَ مِن حروفِه نصًا عنكِ
ويكتبُ الكلماتَ لكِ فعل حُبٍّ وقصيدة صلاة ...
ويُخيّطُ المدرجَ بِالمدرجِ ويلصقُ الغيمة بِالغيمةِ..
عسى الأجواء تسعفهُ للتّحلّيقِ صوبكِ!.
كَما لا بُدّ للكاهنِ البغدادي
أن يهزَّ جذع النخلة العراقيّة في غُربتِه
عسى السَّعف يغدو بساط سندباد إلى موقعِ اللقاءِ....
هُناكَ سوف يُراقصُ الشّموسَ مَعكِ حَتّى آخرِ ومضةٍ
ويقيمُ لأجل عينيكِ الأماسي الأدبيّة حَتّى أول غسقٍ...
ويُصلي لكِ قداسًا بلغةٍ حنين ولِدت معه...
حيثُ قببُ الكنائس والمأئذن ونواقيس الأديرة...
ويمرّنَ صوته على أنغام أمواج كورنيش النيل وأغاني الصَّيادينّ في الاسكندريّةِ ومزامير المُرتّلينَ.
****
مِصرُ يَا حبيبتي وغاليتي...
أنتِ للمجدِ عنوانُ حضارةٍ وريادةٍ...
أنتِ شوقٌ قديمٌ... جمرهُ القاهرةُ
ففيكِ ملامحُ بغداد وجوانحي وجوارحي...
يكويني اللظى فيكِ والشوق إليّكِ جمرُ
بيدَ أنَّ الرحالَ لا يخشى الأسفارُ...
وَهَلْ يخشى جُرعةُ انتظارٍ الصابرُ!.
لذا لن أرميَّ عليكِ قَسَم النِّسيانِ
ولن أبيعَ قلبي العِراقي في مزادِ البُلدان لِسواكِ...
بل سأُبقي يَا مِصرَ شوقي شاطئ لقاءٍ معكِ على امتداد نهر عمري
حيثُ الفرحُ وطيبة النّاس وعبق الحرف...
أنَا الّذي أتعطرُ بِعطركِ كُلّمَا وقعَ على مسامعي اسمكِ...
أغازلُكِ بِالعراقي الفصيح:
أما زلتِ تُسرّحينَ شعركِ
قُبالة موج غُربتي؟
حسنًا....فقط دعيه سرحًا... طليقًا.. مسدولاً على كتفيكِ
عسى كُلّما حركتهُ الرّيح...أعرفُ الدرب إليكِ!.
إذا ما زالتْ في نفسي غُصّةٌ أو أمنيةٌ لأنّني لم أزركِ...
فأنتِ عشقي يَا مصرُ
والعاشقُ عراقي... في هواكِ مصليٌ...
فكيفَ سيكون بيننا التّلاقي؟!
وأنتِ مدينةٌ تتباهى بينَ الأممِ بِحُسنها
ووردةٌ فاحَ مِنها شذى عطرها...!.
فإنّني كُلّمَا اقداتني المُخيلةُ صوبكِ ليلاً
أجِدني أتجولُ في طُرقاتكِ وأعاينُ أهراماتكِ ...
أتفقدُ عاصمتكِ وتمضي بي الدروب إلى حي المطريّة ...
حَيثُ مرور العائلة المُقدّسة ومعقلُ الأزهر الحنيف...
فأتطلعُ إلى السّماءِ مُصليًّا:
هبِّ الكِنَانةُ نوم الهنا والعوافي يا ربّي. آمين.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق