إستعرَاضٌ لقصَّة "غَادِي الصَّغير والشَّمس"- للأطفال - للكاتبة جاكلين حداد/ الدكتور حاتم جوعيه

 



مُقدِّمةٌ :   قصةُ "غادي الصَّغير والشمس" للأطفال بقلم : الكاتبة والشاعرة جاكلين حداد من قرية الجش - الجليل الأعلى- تقع في 24 صفحة من الحجم الكبير، إصدار: دارالهدى للطباعةِ والنشر كريم، رسومات: الفنان التشكيلي لؤي دوخي .   وتهدي الكاتبة هذه القصّةَ إلى كلَّ طفلٍ ينبشُ الدنيا حوله لإكتشافها على طريقتهِ..إلى الأهالي كنقطة استدلال على طريق التربية .


مدخل :   تتحدّّثُ القصَّةُ عن طفلٍ إسمه غادي، وهوالطفل الصغير المُدَلَّلُ في العائلةِ، والجميعُ يهتمُّ ويعتني بهِ من أفراد العائلة. وهو دائما مُجتهدٌ جدا بدروسِهِ، وعنده كلبٌ في البيت ويُحبُّ ملاعبة كلبِهِ.

    ومن هواياتِهِ المُحبَّذةِ مُراقبة الشَّمس ساعات الأصيل ( أوقات الغروب ) وبالرغمِ من معرفتهِ وإدراكهِ وكما يُشاهد ويرى دائما انَّ الشمسَ ثابتة في مكانِها لا تتحرَّكُ، ولكن كان دائما يتساءَلُ باستغراب : كيف أنَّ الشَّمسَ تذهبُ وتختفي وراءَ التلّةِ كلَّ مساء.  وغادي كان يشعرُ دائما أنه وحيدٌ .

    وفي أحدِ الأيامِ ذهبَ إلى الكروم كي يقطف ويجلبَ ثمارَ التين الناضجة، وفي الطريقِ إلى الكرم يلتقي ببعضِ الأصدقاءِ وهم يلعبون، ويدعونوهُ بدورهم لمشاركتهم في اللعبِ، فيُلبَّى طلبَهم ويكون سعيدا جدا مع أصدقائِهِ. وبعد قليل يتركُهُم ويتابعُ مشوارَهُ وسيرَهُ نحو الكرم لكي يقطفَ ثمارَ التينِ للعائلةِ ، وهنالك يملأ السَّلةَ  بثمارِ التينِ الناضجةِ والشهيّة .  ويخرجُ بعدها ليرى الشَّمسَ ويراقبَها أثناءَ الغروب، ولكن يُحسُّ برغبةٍ جامحةٍ وبدافع قويٍّ مجهول يحُثُّهُ للِّحاقِ بها. وكان يُحسُّ ويشعرُ بحسِهِ وببراءتهِِ الطفوليَّةِ أنه سوفَ  يُمسكُ بها في كلِّ لحظةٍ لأنها ثابةٌ في مكانِها . ولكن عندما ينظرُ إليها يراها أنها ما زالت بعيدةَ المنال... ثمَّ تبدأ الشمسُ بالإختفاءِ بعيدا بعيدا وراءَ التلال .


تحليلُ القصَّةِ :   هذه القصّةُ كُتِبَت بأسلوب سرديٍّ بحت ولا يوجدُ فيها عنصرُ الحوار( ديالوج ) بين الأبطالِ والشَّخصيَّات في القصَّة، والطفل غادي هنا هو بطلُ القصَّةِ ومحورُهَا الأساسي، ولا يوجدُ أسماءٌ لشحصيّاتٍ أخرى غيره في هذه القصَّة، مع انَّ الكاتبةَ ذكرتْ أصدقاءَهُ الذين كانوا يلعبون وطلبوا منه مشاركتهم في اللعب، ولم تذكرْ إسمَ أحدٍ من هؤلاء الأصدقاء. وذكرت عائلته أيضا في بدايةِ القصّة وأنهم يحبُّونه كثيرا ومن دون ذكر إسمٍ لأيِّ شخصٍ من أفرادِ العائلة ( الأخوة والاخوات ) ولم يرد ذكرُ أبيهِ وأمِّهِ، وأنه مجتهدٌ في دروسه كثيرا .

   وبالطبع  هذه القصَّةُ جميلةٌ  وسلسة ومفهومةٌ وواضحة وتُعتبرُ مزيحا بين العنصر الفنتازي الخيالي والعنصر والجانب الواقعي.

   ومما يُميِّزُ هذه القصَّة أنها قصيرةٌ جدا وَجُمَلُهَا قصيرة . ففي كلِّ صفحةٍ  نجدُ جملة واحدةً فقط مكوَّنة من عدَّةِ كلمات ومع  رسمةٍ ولوحةٍ جميلة تُعبِّرُ عن موضوع وفحوى هذه الجملة أو العبارة .لأن معظم قصص الأطفال إن لم يكن جميعها نجدُ كلَّ صفحةٍ فيها تحتوي على عدةِ جملٍ وتتحدَّثُ عن  موضوع ومشهدٍ مُعيَّن أو أكثر مع لوحة ورَسمةٍ مُعبِّرة للموضوع والمشهد  ، وليست الصفحةُ مكونةً من كلمتين أو ثلاثة فقط  وتغطي الصَّفحةَ  بأكملِهَا لوحةٌ تعكسُ وتُجسِّدُ الموضوعَ أوالمشهدَ كما في هذه القصة.  والجديرُ بالذكر أن مفادَ وموضوع هذه القصة والرسالة والهدف الهام المُوَجَّه من خلال تأليفِهَا  هو : ( الرسومات في أدب الأطفال). فالقصَّةُ هي وظيفةٌ وأطروحةٌ جامعية  تتحدَّثُ عن الرسوماتِ في أدبِ الاطفالِ وتعتمدُ على الرسومات وليسَ على النصّ، وتقرأ من خلال الرسومات أكثر من الكلمات. 


    ولهذهِ  القصةِ القصيرةِ والعريضةِ عدّةُ أهدافٍ وأبعادٍ  جوهريّة، وهي :

1 – البعدُ الفلسفي: 

2 – البعد الاجتماعي 

3 – الجانب النفسي 

4– الطابعُ الترفيهي 

5 - العنصرُ الفانتازي الخيالي .

6 - البعدُ الإنسانيِّ وغيرها .

    والشمسُ هنا في القصَّة قد تشيرُ وترمزُ إلى عدَّةِ أشياءٍ وأمور، ومنها : الأملُ والهدف السامي المنشود الذي يريد إخفاءَهُ ولا يبوحُ به الشخصُ الطموحُ والمثابرُ الذي لا يعرفُ اليأسَ أو الملل . والوصول إلى هذا الهدفِ المنشودِ يكونُ صعبًا وبعيدَ المنال كانَّهُ يركضُ وراء خيطٍ من سراب .

  والشمسُ أيضا ترمزُ إلى الإيمان والطهارةِ والنقاء وإلى الشموخ والكبرياء وإلى الحُرّيّةِ والإستقلالِ والتحرُّرمن التبعيَّة، وإلى كلِّ شيءٍ إيجابي وجميل في الحياة .

  وتُدخلُ الكاتبةُ شخصيّة الكلب ( حيوان)  الذي يُحبُّهُ الطفلُ غادي كثيرا وَيُحبُّ أن يلعبَ معهُ دائما. والكلبُ صديقٌ وفيٌّ  للإنسانِ، والاطفالُ الصغار بطبيعتِهم يحبُّون الحيوانات الأليفة وبالذات الكلب . ووجود هذا العُنصرِ في القصَّة ( الحيوان الأليف - الكلب) يُحَفِّزٌ ويجذبُ الطفلَ للإستماَع إلى القصَّةِ أو قراءتها بشكلٍ متواصلٍ دونما انقطاع.

  والقصَّةُ يُترِعُهَا جوُّ الوداعةِ والمحبَّةِ والجمالِ والتفاؤُلِ من بدايتها إلى النهايةِ.   تبداُ القصَّةُ بالطفلِ غادي ومحبة أهلِهِ لهُ والجو العائلي الوديع والسليم  والجميل، وحب غادي لكلبهِ وعلاقته الحميمة مع أصدقائِهِ الذين يحبُّونهُ ويحترمونهُ كثيرا ويطلبون منهُ أن يُرافقهم ويشاركَهم في اللعبِ معهم .ونجد في القصَّة ذكرَ الطبيعة والكروم وقطف ثمار التين، والتين يرمزُ إلى الكثيرِمن الأشياءِ والأمور الهامَّةِ ، وهو من الأشجارِالأصيلةِ والمُباركةِ الموجودةِ في بلادنا منذ القدم كأشجارالزيتون . وقد وردَ  ذكرُهُما في القرآن الكريم ( والتينِ والزيتونِ وطور سنين). وقريةُ "الجِش" - مسقطُ رأسِ الكاتبة جاكلين حداد - والتي تقع  شمال البلاد وفي منظقةِ الجليل الأعلى مشهورةُ بكرومِ التين منذ زمنٍ طول .

       وتنتهي القصّةُ بمراقبةِ الطفلِ غادي للشَّمسِ وهي تغربُ، ويحاولُ          ، بدورِهِ، وبفكرِهِ البريءِ والساذج أن يُمسِكَ بها، ولكن هيهات هيهات .  وتنتهي القصَّة هذه النهاية شبه المفتوحة والتي تحملُ بُعدا نفسيًّا وفلسفيًّا .


الخاتمةُ :  القصَّةُ جميلةٌ ومُوفّقةٌ  كقصِّةٍ مُخصَّصَةٍ وَمُوَجَّهةٍ للأطفال  ولجميع مراحل الطفولةِ، ومفادُهَا وفحواها إيجابيٌّ هادفُ وبنَّاء، وَتُعلِّمُ الطفلَ أشياءً وأمورًا عديدة إيجابيَّة : كالمَحبّةِ بمفهومِهَا الإنساني الشامل، مَحَبّة الأهل والعائلة والأصدقاء والناس. وَتُعلّمُ الطفلَ  حُبَّ العملِ والحيويّة والنشاط ( ذهاب الطفل غادي للكروم والحقول ومشاركة أصدقائهِ في اللعب، وقطف ثمارالتين وجمعها في السلَّة وإيصالِها لأهلِهِ ). وَتُعلمّ الطفلَ أيضا حُبَّ الأرضِ والطبيعة ومناظر ومفاتن الطبيعة الخلَّابة . وهذه القصَّةُ بالإضافةِ إلى العنصرِالتعليمي والإنساني والفانتازي هي تحوي الجانبَ الترفيهي المُسلّي والهام جدا للطفل، لأن كلَّ قصَّة تُكتب للطفلِ إذا لم يكُن فيها الجانبُ الترفيهي والطابع المُسلِّي الذي يُدخلُ البهجةَ والسَّعادةَ والسرور للطفل الصَّغير تُعتبرُ قصَّةً مبتورة وناقصة وغير ناجحة، لأنَّ أهم شيىء يجب أن نقدّمَهُ أوَّلا للطفلِ الصغير هو ترفيهه وإسعاده، وبعدها تعليمه وتثقيفه .

       وأريدُ الإشارةَ هنا أنَّ الكاتبةَ جاكلين حداد درستْ موضوعَ علم النفس وحاصلة على اللقب الثاني ( M.A ) في هذا الموضوع، وتعرفُ نفسيَّةَ الطفلِ جيدا وما هي أفكاره وتطلّعاتهُ، والأشياء التي تنفعُهُ وتُفيدُهُ أو التي  تُسيءُ إليهِ وتضرُّهُ، وما هي الأشياء التي  تنقُصُهُ وهو بحاجةٍ إليها في حياتِهِ .

وأخيرا:     نُهَنِّئُ الشاعرةَ والكاتبةَ القديرةَ الزميلة جاكلين حداد على هذه القصَّةِ الجميلةِ والمُمَيَّزةِ للأطفالِ، ونتمنَّى لها النَّجاحَ والتَّألُّقَ الكبير في عالم الكتابةِ، وأن تُتحِفَنا دائما بالمزيدِ من الإصدارات الأدبية والشعرية الإبداعيّة الجديدة.      وأضيفُ أيضا : إنَّ هذه القصة من أجمل وأحسنِ القصصِ التي كُتبَِتْ للأطفالِ محليًّا وتستحقُّ أن تُتَرجمَ للعديدِ من اللغات العالميّة، وأن يُكتَبَ عنها العديدُ من المقالاتِ والدراساتِ النقديةِ، وتدُرَّسَ وتُعَلَّمَ للأطفالِ ، وتكون موجودةً  في كلِّ مكتبةٍ وفي كلِّ بيتٍ لأهميَّتِها ولمستواها وقيمتها: الأدبيَّة والفنية والتربويّة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق