قراءة عباس علي مراد لكتاب جرائم بالذاكرة للدكتور أنس الراهب



ما أشبه اليوم بالبارحة، الكتاب الصادر في العام 2018 عن دار الفرابي في بيروت لبنان يقدم عرض تاريخي للمنطقة العربية وخصوصاً لمنطقة الهلال الخصيب من نهاية الحرب العالمية الأولى وصولاً الى أوائل سبعينيات القرن الماضي، ويتألف الكتاب من تسعة فصول.

التاريخ قد لا يعيد نفسه، لكن من يقرأ الكتاب يدرك أن الجغرافيا تحكم التطورات التاريخية ومع لاعبين جدد، فبعد الهيمنة البريطانية الفرنسية والتي تحكمت بمفاصل العمل السياسية تحت شعار تأهيل السكان لحكم انفسهم بعد ان التفويض بالانتداب من عصبة الامم والتي اسست لخدمة المنتصرين في الحرب.

 كما هو معروف عملت قوى الانتداب على تفكيك الجغرافيا في ما عُرف باتفاقية سايكس بيكو، لفرض أرادتها على شعوب تلك المنطقة بعد أن خدعت قادتها  (الشريف حسين) ووعدتهم بالأستقلال في حال الانقلاب على العثمانيين، وأصح معروفاً كيف انقلب البريطانيزن والفرنسيون ونكثوا بوعودهم.

بعد الحرب العالمية الثانية برز دور الولايات المتحدة الاميركية كلاعب أساسي ووريث للقوتين الأوربيتين, لم يكن الحال أفضل مع الأميركيين الذين كانوا يعدون بتحرير الشعوب ولكنهم عملوا على تمكين أسرائيل الكيان ألذي أسسه الانتداب البريطاني مخالفاً كل المبادئ التي أقيم عليها الانتداب بعد أقتطاع أو تسليم البلاد لغير أهلها.

يقول الكاتب في الصفحة 193: لقد كان الشغل الشاغل للولايات المتحدة الأميركية هو تمكين أسرائيل من السيطرة على المناطقالمحيطة بها، ومساندتها لتحقيق مشاريعها، وكانت تسعى دائماً، وفي كل مناسبة على توطين اللجئين الفلسطينين في مناطق وجودهم خارج فلسطين، وإقناع حوكوات الدول العربية بذلك وتقديم مئات الملايين من الدولارات من أجل إقرار التوطين".



في كل فصل من فصول الكتاب يعرض الكاتب حقائق من خارج سرديات المنتدبين وكيف كانت الحكومات الغربية تروج لسرديتها ففي الفصل الثاني المخصص لسوريا الطبيعية بعد الحرب العالمية الأولى يحدث الكاتب عن جرائم التآمر على سوريا وتقسيمها والثورات التي قامت ضد المنتدبين والتعاون والتأمر الصهيوني الفرنسي في المنطقة، والمؤامرات العربية على فلسطين ويذكر الكاتب في 74و75 دور الدول العربية في أجهاض ثورة 1936 ويقول:" وبالفعل لم يخذل الحكام العرب مطالب بريطانيا لهم وتآمرها على فلسطين، إذ سارعت الهيئة العربية العليا إلى إعلان إنهاء الاضطرابات  دون قيد أو شرط إبتداء من 12/10/1936، بناء على نداء الرؤساء العرب الموقع من الملك "عبد العزيز آل سعود" ملك السعودية،  والملك "غازي" ملك العراق، والإمام "يحي حميدالدين" ملك اليمن، والامير "عبدالله " أمير شرق الأردن ، وذلك إمتثالاً لإرادة أصحاب الجلالة والسمو... والنزول على إرادته واعتبار هذه الإرادة من التقاليد الموروثة متذرعين بأن ذلك من مصلحة الشعب وصون لحقوقه..."

وفي سوريا لم يكن الوضع اضل مع الانتداب الفرنسي حيث تم إقتطاع لواء الإسكندرون ومنحه لتركيا بتواطؤ من جماعة الأخوان المسلمين والمسؤولين السوريين ذوي الاصول التركية ، يصفها الكاتب الإقطاع بالجريمة الكبرى (ص 76).

الفصل الثالث مخصص للوعود التي قدمها المنتصرون بالحوب وامانبي الشعوب وتشكيل الجامعة العربية بديلاً عن الوحدة العربية.

الفصل الرابع، يتصدى للوضع في سوريا خلال الاستقلال والحرب في فلسطين وانتهاء الانتداب البريطاني وتوجه القوات العربية الى فلسطين واتفاقيات الهدنة سنة 1949.

وفي هذا الفصل يعرض الكاتب للقاءات قادة الحركة الصيهيونية مع الزعماء اللبنانيين ويسمي منهم "خير الدين الأحدب، وحسين حمادة، وجورج مشحور، ونور الدين الرفاعي، وبشارة الخورينن والياس حرفوش، وفريد الخازن، واميل إدة، ومحمد الحاج عبدالله الذي أقترح شراء اليهود أراضي جبل عامل وتعهده بإفراغها من سكانها.

ويذكر الكاتب ان لقاءان تما بين وايزمن مع البطريرك الماروني أنطوان عريضة سنة 1937 وأكد ويزمان في اللقاء انه إذا قامت دولة يهودية في فلسطين فيجب ألا يكون أي حاجز بينهما، وبين لبنان كأن تبقى مناطق إسلامية تفصل بينهما. ( ص131)

الفصل الخامس، يعرض لمرحلة الانقلابات في سوريا والثورة المصرية التي أطاحت بالملكية. وفي هذا الفصل يورد الكاتب كيف تىمر حسني الزعيم على زعيم الحزب السوري القومي الإجتماعي أنطون سعادة الذي كان تحت حمايته والغدر به وتسليمه للسلطات اللبنانية التي حكمت يإعدامه لقاء صفقة سياسية إقتصادية بينه وبين رياض الصلح رئيس وزراء لبنان وكان نتاجها اتفاقية إقتصادية في 6/7/1949 كرشوة مقابل تسليم سعادة (ص171-172)

الفصل السادس، عودة الحكم المدني الى سوريا وحلف بغداد والعدوان الثلاثي على مصر والمؤامرات التي أحاطت بسوريا.

الفصل السابع يتكلم الكاتب عن الوحدة بين مصر وسوريا 1958-1961 ويتابع في الفصل الثامن يتحدث عن الانفصال وانفراط عقد الوحدة.

الفصل التاسع مخصص لحركة 8 آذار 1963 التحضير واحداث الحركة وبعد قيام الحركة ومحاولات التقارب مع العراق.

الكتاب وثيقة تاريخية مهمة وتشرح بالتفصيل لجوانب مطمورة من تاريخ سوريا الطبيعية لا تريد القوى الغربية والقوى المتواطئة معها من ال"لاطلاع عليها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق