مع بداية العام الدراسي في مناطق عمليات "الأونروا" الخمسة، ومع الإستقرار النسبي للتعليم في مدارس الوكالة في أربعة أقاليم هي الضفة والقطاع وسوريا والأردن، برز إلى الواجهة مشكلة إكتظاظ الغرف الصفية في مدارس "الأونروا" في لبنان بحيث وصل عدد التلاميذ في غرف بعض المدارس – بخلاف السنوات السابقة - إلى حوالي الخمسين طالب وطالبة بدل 40 في الحد الأقصى، الأمر الذي حتماً سيكون له تداعيات سلبية تربوية ونفسية وصحية وإجتماعية على الطلاب والمعلمين والإدارة والأهالي والمجتمع المحلي..!
وصلت نسبة التسرب المدرسي في مدارس الوكالة في لبنان للعام الدراسي الماضي إلى 18% تراكمي، وهي النسبة الأعلى بين الأقاليم الخمسة، فعلى الرغم مما يعانيه الطالب الفلسطيني في سوريا نتيجة الصراع الحاصل منذ أربعة سنوات، إلا أن نسبة التسرب المدرسي لم تتعدى 10%، وكذلك الطالب في قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان صهيوني حاقد منذ سنوات، إلا أن نسبة التسرب المدرسي لم تتجاوز 9%..!
لم تفلح اللقاءات المتكررة التي أجرتها الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية والأهلية مع المدير للعام للوكالة ماثياس سيكمالي عن العودة عن القرار حتى الآن على الرغم من الوعود بإيجاد حلول، إذ أن السبب يعود للعجز في ميزانية الوكالة حسب ماثياس الذي يدعو "الأونروا" لخفض التكلفة مع الحفاظ على الجودة..! وهذا بالطبع غير منطقي في هذه الحالة؛ فالقرار سيسبب المزيد من الفوضى والمعاناة للطلاب والأهالي والمعلمين والمجتمع المحلي، وهذا يحتاج إلى حراك إضافي لا يقتصر فقط على المستوى السياسي واللجان الشعبية.. وإنما أيضاً يضم الطلاب أنفسهم مع أولياء أمورهم من الآباء والأمهات.. ولقاء المدير العام وشرح تداعيات هذا الإكتظاظ بشكل علمي وموضوعي، فلا الغرف الصفية مجهزة بوسائل لاستيعاب هذا العدد الكبير من الطلاب، ولا المعلم/ة قادر/ة على التعاطي والتفاعل وضبط المنهاج الصفي مع هذا العدد ضمن وقت الحصة التعليمية، خاصة مع دمج الطلاب الفلسطينيين المهجرين من سوريا مع بقية الطلاب، عدا عن أن الساحات المخصصة للإستراحة بين الحصص هي الأخرى غير مجهزة لاستيعاب الكم الكبير من الطلاب... صحيح ان هناك قاعدة تربوية نموذجية بأن العمر يساوي العدد أي إن كان عمر التلميذ 15 سنة إذاً من المفترض أن يكون عدد التلاميذ في الصف الواحد لا يتجاوز 15 تلميذ، لكن في معظم دول العالم جرى تجاوز هذه النسبة لأسباب موضوعية غير مخلة في أصل الفكرة، أي الحفاظ على استيعاب الطالب وتوفير حقوقه فما بالك بتدكيس خمسين طالب في صف واحد واعمارهم أحياناً لا تتجاوز ثمانية سنوات..!
إن لم يجر تجاوز هذه المشكلة وبشكل سريع فنحن أمام كارثة إنسانية مضامينها مُعقَّدة ومتشعبة إبتداءً من التراجع في العملية التعليمية والتربوية للطالب، مروراً بتعرض الطلاب والمعلمين إلى أمراض معدية نتيجة الإزدحام، وحالات توتر وقلق للطالب والمعلم وللإدارة، وانعكاس لهذه الحالة على أهل الطالب والمعلم والمجتمع المحلي، وإنتهاءً بارتفاع نسبة حالات التسرب للوصول الى المزيد من الإنحراف وعمالة الأطفال والاستغلال وبالتالي المزيد من المشاكل الإجتماعية والأمنية..!
فإذا كان عدد موظفي التعليم في "الأونروا" في لبنان 2049 موظف وعدد الطلاب 32350 طالب وطالبة، يضاف إليهم حوالي 6 آلاف طالب من فلسطينيي سوريا المهجرين، بعملية حسابية بسيطة فان نصيب كل موظف حوالي 19 طالب..! وإذا افترضنا بأن هناك نسبة 25% من الموظفين بين مدير ومشرف وموجه وموظف خدمات..، بقي 1536 موظف، هذا يعني بأن نصيب كل معلم 25 طالب، إذاً على أي أساس يصل عدد الطلاب إلى 45 أو 50 طالب في الصف الواحد..؟!
واضح بأن هناك مشكلة إدارية يجب معالجتها وبسرعة وإعادة تدوير الزوايا بما يخدم الطالب والمعلم والادارة والمجتمع المحلي.. خاصة بأننا لا زلنا في بداية العام الدراسي..!
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق