حديثو النعمة والمسؤولية/ كميل العيد

كان يوجد في إسبرطة القديمة لجنة مهمتها فحص المواليد الجدد لتحديد فيما اذا كانت تبدو عليهم علائم تخلف جسدي أو عقلي حيث يلقون بمن تظهر عليهم هذه العلائم  من قمة الجبل إلى الوادي، ولم يكونوا يحولونهم إلى مسؤولين كمسؤولي الغفلة في هذه الأيام الذين أصبحوا في ظل الأزمة التي تعصف بسورية كُثراً ولهم مقاماتهم ودرجاتهم، فتراهم منتشرين في كل مكان وزاوية من زوايا الوطن تراهم في دوائر الدولة ومؤسساتها، على الحواجز والبسطات، في الأكشاك ووسائط النقل، في المحاكم ودور العبادة، في الجامعات والمدارس، في أسواق الهال وأسواق اللحم، تراهم كيفما سرت وتحركت. على الفيس بوك تراهم وعلى التويتر في المؤتمرات والندوات، في الحفلات والحافلات. موجودين في كل مكان وفي كل زاوية وركن تخلط بين بعضهم وبين مرافقيهم وان تعرضت لغضب أحدهم فعليك أن تتحمل عنترياته ونزاقته فهو ديك بين جماعته وصوص عندما يكون بعيداً عنهم، سيد المراجل في حارته ومكتبه ومؤسسته الافتراضية، ومطأطئ الرأس خارجها. ينطبق عليه المثل القائل ديك على مزبلته. تعرفهم من عقلهم الصغير وثقافتهم المعدومة وبنية أجسام مرافقيهم القوية الذين يرهبون من خلالها ناسهم. ما دفعني لهذا الكلام كثرة الحكاية والاستفزازات التي يتسبب بها البعض والتي تقوض الجهود التي تبذلها الدولة السورية من أجل التخفيف من معاناة المواطن في هذه الظروف الصعبة. فالدولة تقترض المال وتساير الكثيرين وتعض على الجرح في سبيل التخفيف عن الناس، فيأتي بعض مسؤولي آخر زمان حديثي العهد والنعمة ليهدموا كل ما يبنى وليلحقوا الضرر بالنظام السياسي الوطني ويصبحوا عقبة في طريقه وعالة عليه بدل أن يكونوا عوناً له. والمؤسف أن الكثير من مسؤولي الغفلة أصبحوا في مفاصل مهمة من مؤسسات الدولة أو المؤسسات التي تشكلت في ظروف الأزمة وهم عن قصد أو دون قصد يلحقون الأذى بالمجتمع ويستفزونه ويدفعون الناس للابتعاد عن الدولة ومؤسساتها. 
إن الحوادث الأخيرة التي تترامى على مسامع الجمهور من خلال شهود العيان وصفحات التواصل الاجتماعي الوطنية والتي توثق حوادث قتل وفساد وحجز حريات وتعفيش وعنتريات تدق المضاجع وتثير الهلع بالمجتمع، والأكثر إيذاءً للخط الوطني هو عدم إنزال العقاب القاسي بمرتكبي هذه الممارسات وفضحهم وكشف عوراتهم. مسؤول من الصفوف الأخيرة قام مؤخراً وبحسب أحد الإعلاميين بالاعتداء على إعلاميين أمام ضيوف عرب وأجانب وهذه ليست المرة الوحيدة الذي يستفز فيها هذا المسؤول البشر ولو تم توقيفه عند حده سابقاً لما تمادى وتجرأ على حجز حرية إعلامي. صحيح أن هذا التصرف يعبر عن سذاجة فاعله وضعف بصيرته وعدم تقديره للموقف إن كان قد حصل فعلاً والصحيح أيضاً أنه مثير للاشمئزاز والقيء. 
هذه الحادثة وبغض النظر عن دقتها تتكرر عندما يقترب مواطن من محيط أحد مسؤولي الغفلة التي صنعتهم الأزمة وكبرتهم حتى أصبحوا جزءاً منها. فمنذ فترة كنت أسير أمام أحد حواجز الدرجة العاشرة ليلاً عندما وجدت ثلاثة شبان يتعرضون للضرب والركل من عناصر الحاجز وكان السبب أن أحدهم قام بالتبول على قارعة الطريق فشاهده أحد الأشخاص وأبلغ عناصر الحاجز، فقاموا بمعاقبته مع أصدقائه على طريقتهم. لقد نسي هؤلاء أنه لا يمكنهم أن يجمعوا بين الخط الوطني ومحاربة القانون والنظام في آن واحد، كما أن المجتمع لا يقبل أي تبريرات لمرتكبي مثل هذه الحوادث من قبيل أنهم وطنيون وأنهم قدموا خدمات للوطن فهذه ليست صفقة تجارية تخضع للتقاص، بحيث تمحو السلبيات الاإيجابيات، فمن يصنع الخير لا بد من مكافأته على حسن عمله، وعندما يسيء يجب محاسبته على سوء فعلته. ومن لا يحترم القانون لا يحترم بلده ووطنه وغير جدير بأن يكون ذا سلطة وهو يقوض بأفعاله السيئة سلطة الدولة ومؤسساتها. 
إن أسوأ قانون إن طبق أفضل من أحسن قانون إن لم يطبق، لقد آن الأوان لوضع حد لمثل هذه الممارسات وفرز مرتكبيها وطردهم إلى خارج الخط الوطني، وكفى خلط العقاب بالمكافأة وخبص شعبان برمضان، فالذي يسيء يجب محاسبته على إساءته، والذي يمارس الفعل المتفاني يجب مكافأته والفيصل في كل شيء هو القانون. لم نعد مخيرين بل أصبح من مصلحة البلد والنظام والدولة وضع حد لممارسات بعض مسؤولي الغفلة لأن ذلك يسهم في الحد من نزيف الطاقات البشرية التي نخسرها يومياً والتي يصعب تعويضها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق