أشرقت الشمس دافئة لطيفة من بين الغيوم، فارتاحت نفسية هواش، قل توتره، وقف يتلقى أشعة الشمس بشاربيه المنحدرين بدرجة انحدار لا تتجاوز أل 20% لتعطيه مظهرا يقربه من شخصيات اشتهرت بشواربها وعلى رأسها الرفيق ستالين العظيم.
كان هواش يطمح ان يتوج كاتبا عظيما لذا قرر ان يبدأ مشواره نحو التتويج.
ذكاء هواش الذي نسيه كتاب جينيس للأرقام القياسية، كان محط إكبار، وهو الأمر الأهم لكاتب يطمح بالجلوس على أعلى قمة الثقافة في زمنه ولو على خازوق.
بعد تفكير وتخطيط استراتيجي قرر هواش ان يبدأ مسيرة حياته نحو قمة مكانته الثقافية.
قرر ان يغير أسلوب حياته .. سيبدأ بتغيير حياته وشكله من البداية إلى النهاية...
اولا، بدا بتغيير برامج حياته اليومي، متبعا خطة تخفيض الوزن الجسدي والعقلي على حد سواء.
ثانيا، قص شعر رأسه قصة شبابية حديثة، عبأ الفراغات وشعرات الشيب ببعض الأصباغ وخصل الشعر.
ثالثا، استأجر حراثا خبيرا لنكش حقل شاربيه وتعشيب النباتات الضارة من وسطهما.
رابعا، ذهب سرا إلى مونيكور نظفت له ما تحت الأظافر من قذارة مترسبة طال عهدها.
خامسا، وصل لطبيب أسنان وطلب ان ينظف له القذارة الصفراء التي تراكمت فوق أسنانه بفعل التراكم الجرثومي.
سادسا، فكر بتفصيل بدلة جديدة يتمختر بها مثل الطاووس بين المثقفين والمثقفات، خاصة وان البدلة جزء لا يتجزأ من المكانة الثقافية الرسمية. سأل عن خياط جيد، قالوا له ما لك إلا خياطي دمشق، هم ألأفضل بين العرب... سافر فورا الى دمشق، بعد الاستفسار أرسلوه لشارع يسمى "شارع الخياطين"، كان هناك أربعة خياطين. نظر للمخيطة الأولى ووجد نصا يقول: "أحسن خياط في دمشق"، حين قرر الدخول انتبه إلى ان الخياط الثاني كتب على زجاج مخيطته نصا يقول: "أحسن خياط في سوريا "، حمد ربه لأنه لم يدخل لأحسن خياط في دمشق فأحسن خياط في سوريا هو المراد.. وضع رجله على عتبة المدخل.. حين قرأ ما فاجأه على مدخل مخيطة الخياط الثالث كتب على باب مخيطته: "أحسن خياط في العالم". أمسكته الحيرة .. واستغفر الله وتمنى لو كان معه من يستشيره بهذا الأمر. كان في حيرة من أمره: أي خياط هو أفضل؟ سار نحو مخيطة الخياط الرابع، ويا هول ما قرأ، كانت تلمع فوق واجهة محله جملة مثيرة تقول: "أحسن خياط في هذا الشارع".
الله أكبر .. الشطارة والذكاء بارزان من الواجهة، فاندفع إلى مخيطته مسرورا بأنه اختار الأفضل، انفرجت أساريره سعادة، ولولا ما يتميز به الخياط من ذكاء موروث لما استطاع ان يفهم مطلب هواش من شدة ما أمسك الفرح بتلابيبه.
أخذ الخياط المقاييس المطلوبة، قال له ان يرجع بعد يومين ليخرج من المخيطة هواشا جديدا لامعا.
جاء اليوم الموعود، كان هواش متوتر الأعصاب ينتظر بدلته الجديدة على أحر من الجمر. كان واثقا ان البدلة الحديدة ستجعله سوبر ستار بين المثقفين والمثقفات وستجلب له النور والبخور وترفع من قيمته الثقافية!!
لبس البدلة، تأمل نفسه أمام المرآة.. وجد ان أكمام البدلة أطول من اللازم بخمسة سنتيمترات على الأقل .
- أيها الخياط الغالي، ألا ترى ان الأكمام أطول من اللازم ؟
- إطلاقا لا... قال الخياط بثقة ، وأضاف :
- عندما تثني مرفقي يديك يا هواش، سترى ان الكمين يصبحان بالمقاس الصحيح. لأن ثني المرفق يسحب الكم إلى الخلف.
ثنى هواش مرفقه الأول فقصر الكم فعلا.. أصبح بالمقاس، فثنى الثاني.. لكن عندها تحركت القبة نحو الخلف بشكل يسيء لشكل البدلة.
- انظر أيها الخياط العظيم.. القبة بهذه الحالة تنسحب نحو الخلف بشكل سيئ؟
- ما الغرابة عزيزي هواش .. ارفع رأسك جيدا وشده إلى الخلف .. يجب ان تفخر أنك تلبس بدلة جديدة.. بالضبط.. الآن أنت رائع، تستحق الدعوة لتكريمك، حضر قصيدة لهذه المناسبة العظيمة.
تأمل نفسه بالمرآة .. وامتعض :
- يا أمير الخياطين .. بهذا الوضع كتفي الأيسر منخفض عن كتفي الأيمن بعدة سنتيمترات؟
- عزيزي هواش ، أنت بين يدي أحسن خياطي العالم .. لا تقلق .. هذه مشكلة سهلة .. انحني من وسطك بشدة نحو الجهة اليمنى ، وسيبدو كل شيء رائعا. هكذا بالضبط، الآن الكتفان بنفس المستوى ... رأيت ؟
بمرفقين مثنيين بزاوية 90 درجة ورأس مرفوعة بشدة إلى الخلف، وخصر منحن بقوة نحو اليمين، خرج هواش مرتديا بدلته الجديدة مستصعبا السير، شاعرا أنه يقلد البطة العرجاء في مشيتها وكل ذلك حتى تبدو البدلة مطابقة تماما لمقاسه.
مر على شخصين يشربان فنجاني قهوة في احد المقاهي ، لفت هواش انتباههما ببدلته الجديدة ومشيته الغريبة، وجسمه المعوج بشدة وغرابة.
قال الأول : أنظر إلى هذا المشوه المسكين .. يؤلمني قلبي لحالته الصعبة.
قال الثاني : هذا صحيح مؤلم، لكن خياطه الذي فصل له بدلته عبقري، أنظر كيف فصل البدلة ملائمة تماما لجسمه المشوه !!
كان سعيدا بالتغيير الكبير وكأنه ولد من جديد. ها هو يخطو بسعادة وثقة في الشارع، لولا الضيق الذي اجبره عليه الخياط ليبدو كامل الأوصاف بالبدلة الجديدة.
كان سعيدا بما انجزه ينتظر ان يصل الى البيت لينشر صورته الجديدة في الفيسبوك، فجأة وقع حادث .. صدمة قوية رمته أرضا وآلام شديدة عنيفة اخترقت جسده وأحالته إلى كومة دامية أمام عجلات سيارة لم تنتبه إليه وهو يقطع الشارع ..
قبل ان يقفل عينيه للمرة الأخيرة سمع همسا في أذنيه:
- ظننتك إنسانا مشوها فقررت تخليصك من عذابك، لماذا لم تحمل لوحة عليها اسمك؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق