من المهم التوقف عند خمس محطات رئيسية خلال الفترة الواقعة بين عامي 1945 ذكرى تأسيس الأمم المتحدة و 1948، ذكرى نكبة فلسطين والتي لا تزال تداعياتها مستمرة حتى يومنا هذا إمتداداً لحقبة تاريخية سوداء تزامنت مع إحتلال بريطانيا لدولة فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى وإطلاق وعد بلفور..!
المحطة الأولى تمثلت بموافقة الدول الأعضاء على ضم وعد بلفور لتشريعات الأمم المتحدة، والثانية موافقة الدول على القرار 181 لتاريخ 29/11/1947 الذي يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة عربية (42.88% من مساحة فلسطين)، ويهودية (56.47%) وبقاء القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية بنسبة (0.65%)، والثالثة عدم إلتزام دولة الإنتداب البريطاني بتهيئة الشعب الفلسطيني لتقرير مصيره قبل مغادرة فلسطين لا بل تم تسليمها للعصابات الصهيونية، المحطة الرابعة إعلان قيام دولة الكيان الصهيوني في 15/5/1948، والمحطة الخامسة إطلاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10/12/1948.
جميعها محطات تشكل وصمة عار في جبين المجتمع الدولي الذي أيَّد وساند وسهل انتشار السرطان الإسرائيلي في المنطقة ولم يكن هذا ليحدث لولا اللوبي الصهيوني المؤثر في المؤسسة الدولية؛ كيف لمنظمة دولية تنشأ من جديد لإحلال السلام الدولي أن تضم لتشريعاتها وعد بلفور؛ وعد من لا يملك لمن لا يستحق، وهذه مفارقة عملية تُبرز حجم التواطؤ الدولي والدور الذي لعبته الدول الكبرى في صناعة الكيان الإسرائيلي، من جهة أخرى فإن قرار تقسيم فلسطين عدا عن كون الكيان الإسرائيلي لم يلتزم به، فهو كذلك باطل من الناحية القانونية لأنه صادر عن المنظمة الدولية دون رأي واستشارة وموافقة الفلسطينيون أنفسهم أصحاب الأرض الأصلييين الذين تصدوا له وسقط دونه الشهداء والجرحى وزج بالكثيرين في السجون البريطانية، ومن جهة أخرى وفي تحدٍ وإنتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة، تتجاوز بريطانيا الدور المنوط بها بتهيئة الشعب الفلسطيني لتقرير مصيره لتنسحب من فلسطين ولتورِّث إستعماراً أقل ما يقال عنه بأنه بغيض تزامن مع إعلان دولة الكيان الإسرائيلي، ليتعمق الشرخ وتتسع الهوة بين الشعب الفلسطيني والأمم المتحدة مع إطلاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الوقت الذي كانت فيه تُداس حقوق الانسان بالأقدام في فلسطين أمام مرآى وسمع العالم المتحضر؛ بقيام دولة الكيان المغتصب وما سبقه وتبعه من ارتكاب للمجازر وسرقة للأراضي والممتلكات.. وطرد حوالي 935 ألف فلسطين تحولوا إلى لاجئين في مناطق عمليات "الأونروا" والشتات..!
تحيي الأمم المتحدة في كل عام ذكرى تأسيسها وتتطرق بالبيان التقليدي على التأكيد على ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ودعوة الدول الأعضاء بالإلتزام بتطبيق البنود الثلاثين للإعلان. مع إحياء الذكرى في 24/10/2015 يكون قد مر على التأسيس سبعين سنة، وهو الذي جاء بعد مخاض عسير عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية في أيار 1945، ليعكف الدول الأعضاء الواحد والخمسين على إعداد دستور خاص بالمنظمة الدولية الجديدة "يضبط إيقاع ممارسات الدول"..!
أن تمر 70 سنة دون تغيير في منهجية عمل الأمم المتحدة تجاه القضية الفلسطينية أمر بطبيعة الحال يرفع من وتيرة إنعدام الثقة بين الشعب الفلسطيني والمنظومة الدولية، ويبدو بأن من سيفرض ويصنع التغيير هو الشعب الفلسطيني نفسه فقط، ومعه القوى الحية من الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم؛ بالمقاومة المشروعة في فلسطين الإنتدابية وبكل أشكالها، وبوسائل الضغط المتعدد والمتنوع الذي يُمارس من سلاح المقاطعة، إلى الحراك القانوني والدبلوماسي والأهلي بمجالاته المختلفة الثقافية والفكرية والأدبية والفنية والإجتماعية وغيرها.. فقد آن الأوان أن تستحضر الأمم المتحدة قوى الشعوب وقدرتها على التغيير لا سيما الشعب الفلسطيني الذي يمارس عليه الظلم منذ ما يقارب المائة عام..!
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق