الحاجة إلى المواطنة ضمن المنظور الفلسفي العالمي/ د زهير الخويلدي

" ان المواطنة بالمعنى القانوني هي مبدأ المشروعية، وان المواطن هو محور الحق"1[1]

صدر مؤخرا عن المكتبة الفلسفية بلوفان ضمن سلسلة عددها 93 مؤرخة بسنة 2015  وتحت إشراف  J.-M. Counet,  كتابا جماعيا يحتوي على 913 صفحة ويضم تغطية شاملة أشغال المؤتمر الفلسفي العالمي للجمعيات الفلسفية الناطقة باللغة الفرنسية رقمXXIV  الذي احتضنته مينتي بروكسال ولوفان من 21 إلى 25 أوت سنة 2012 حول مسألة المواطنة la citoyenneté  من زاوية فلسفية متنوعة2[2] . 

لقد نقل لنا الكتاب متابعات عن كلمات و محاضرات وورشات تفكير وحلقات نقاش ومداخلات وورقات ومتابعات لشخصيات وآثار وحوارات جرت بين مشتغلين بالفكر الفلسفي ومهتمين بالعلوم الإنسانية. ولقد انقسم الكتاب إلى جملة من المحاور. لقد تم تسليط الضوء من طرف المحاضرين في القسم الأول على "الأديان في الفضاء الأوروبي"(Jean-Marc Ferry) وتناولوا بالنقاش قضايا "المواطنة في إفريقيا"(Jean Onaotsho Kawende) وإشكالية وجود "المواطن بلا مواطنة"(Pierre Pellegrin) و"التعدد الثقافي والمواطنة"(Catherine Audard) وتساءلوا عن التلاؤم بين "الله والديمقراطية"(Paolo Flores d’Arcais).

لقد اشتغل الأساتذة في المائدة المستديرة الأولى على إشكالية المواطنة عند جون جاك روسو وتدخل (Simone Goyard-Fabre) حول ميثاق واجبات المواطنة ودرس (Paolo Quintili) علاقة المدينة بالريف في مكان آخر. في حين وقع التطرق من طرف (Géraldine Lepan) الى الرابط الاجتماعي والرابط السياسي وبحث (Christophe Miqueu) في قضية المواطنة الجمهورية الحديثة.

بعد ذلك تناول الباحثون في المائدة المستديرة الثانية مسألة المواطنة وفلسفة الدين وكانت المداخلة الأولى بعنوان فضائل المواطن وأشكال التهذيب في الأفلاطونية المحدثة (José Maria Zamora Calvo) ، ثم  اهتم (Makoto Sekimura) بالألوهية والتهذيب في المدينة الإغريقية أو الجمهورية الأفلاطونية.

جاء القسم الرابع تحت عنوان المواطنة والحقوق الأساسية واشتغل (Thierry Berlanda) على الحق على الرغم من الدولة ، وحاضرت (Caroline Milhau) حول المواطنة وحقوق الانسان وبعد ذلك قام (Stéphane Courtois)  بالتمييز بين نماذج ثلاث من المواطنة ، ودرس (Boukhari Hammana) شعار الربيع العربي: "مواطنين لا رعايا"، بينما خاض (Patrick Henrart) في مسألة حرية الضمير وحرية التعبير عند كل من هوبز وروسو أو سبينوزا، ثم حاول (Émile Kenmogne) التحقق من المواطنة في سياق الدولة التي تشهد تعددية إثنية.

على أثر ذلك عرف القسم الخامس اهتماما بالمواطنة والتربية، اذ بحث (Marie- Jeanne Coutagne) في مسار الاعتراف بين السينما والمواطنة، وأثار (Thomas Michiels) قضية المواطنة والتطور الأخلاقي، وتناول (Haranguş Cornel) المواطنة بين التكيف والتربية، وجعلت(Claudia Marian) من اجتماعية العدوانية شرط المواطنة الجيدة ، في الأخير دعت (Joanna Gornicka-Kalinowska) إلى التربية على المواطنة بإدراج ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان والديمقراطية ضمن المناهج التربوية.

أما القسم السادس فقد نقل لنا فعاليات ورشة خدمة المواطن وجاءت الفعالية الأولى بعنوان المواطنة على الهامش وفي حراك ، من أجل مشروع خدمة المواطن ورهاناتها الفلسفية عند (François Geradin)، بعد ذلك تطرقت (Céline Tignol) الى نقائض المواطنة أثناء خدمة المواطن حسب أفكار أتيان باليبار، في النهاية انتقل  (François Ronveaux) بخدمة المواطن من اعتراف نظري إلى سياسة الاعتراف.

هذا ما عمقه القسم السابع حينما استحضر المسألة السياسية ، واستهل (France Giroux) هذا القسم بالدعوة إلى احترام الطلبة الذين تم توقيفهم ، وخاضت (Acílio da Silva Estanqueiro Rocha) في قضية المواطنة الأوروبية بين الدائرة الوطنية والدائرة الدولية وتناول (Evgeny Blinov) المدلول الوطني والثورة: المواطنة والوحدة اللغوية والتعليم، بعد ذلك انتقل (Jean-Paul Leroux) من التمثيل إلى الاستقلالية ، واشتغل (John Pitseys) على منزلة المعيار والمرئية السياسية بين كلسن وشميت.

القسم الثامن ضم مداخلات حول تاريخ الفلسفة القديمة والحديثة ودشنها بمداخلة عن الفرد وعلاقته بالمدينة عند المؤرخ الاغريقي توسيديد ، ثم تناول (Danielle Lories) النزعة الكسموبوليتية الرواقية، وطرح(Rodica Croitoru) للنقاش قضية المواطن الفيلسوف والفيلسوف المواطن، أفلاطون ضد كانط، لينهي (Marius Dumitrescu) المقالات ببحث حول الحرية السلبية ووضع المواطن في بداية الحداثة.

القسم التاسع شهد تقديم مقالات معاصرة من تاريخ الفلسفة بدأها (Constança Marcondes Cesar) ببحث في الديمقراطية والمواطنة عند جاكلين دي روميلي، وفكر (Frédéric Seyler) في معضلة السياسي في فنومينولوجيا ميشيل هنري وانتقاله من الحي إلى المواطن، ثم اشتغل (Jozef Sivak) على هوسرل وبالتحديد قضية المواطن والإنسان الثقافي ، ونظر (Masumi Nagasaka) الى المواطنة بوصفها حساب ما لا يقبل الحساب ودرس التقاطع الفكري بين مساري ليفيناس ودريدا، وبعد ذلك اهتم (Ioan Biriş) الوضع النطولوجي للمواطنة من منظور جان سورل، وقدم (Shoji Ishitsuka) عرضا تاريخيا مقارنا عن مفهوم الانسان والمواطن عند كل من هيجل وماركس ولوكاتش ودهوندت، ومسك الختام  آل إلى (Andrei Alexandru Achim) الذي تناول مفهوم المواطنة من وجهة نظر فنغنشتاين.

اللافت للنظر هو القسم العاشر الذي ركز على الفلسفة العملية وافتتحه زهير الخويلدي بورقة عن الحاجة الأكيدة إلى المواطنة في الاسلام بوصفها أحد تمظهرات مطالب الحركات الاحتجاجية في تونس خاصة والربيع العربي عامة ، وكتب (Simon Wolfs) عن فضائل الفنون الجميلة بالنسبة إلى الديمقراطية، ودرس(Hamid Mokkadem) قضية المواطنة في كالودينيا الجديدة ضمن كونية الخصوصية بأن يكون مواطنا في زمن ما بعد كلياني. زد على ذلك خاض (Luca M. Possati) في التأسيس الريكوري للمواطنة بين المشاكل والمنظورات، وكتب (José Antonio Errázuriz) عن قضية المواطن غير المكترث وكرهه للمختلفين عنه، في حين اهتم (Daniela Dunca) بديناميكية القيم الأخلاقية للمواطنة في رومانيا مابعد الشيوعية، واختتم (Gheorghe Clitan) بمقاربة نقدية للتأثيرات البلاغية للخطاب الاشهاري على المواطن.

على اثر ذلك وجدت قضايا العلوم والتقنية والمجتمع في القسم الحادي عشر حيث تناول (Adeline Barbin) مشكل المواطنة في مواجهة العقلانية العلمية والتقنية، واهتم (Laurence Perbal) بانقطاع الرابط الاجتماعي ودعا إلى الفحص المبكر عن المخاطر والكوارث التي تهدد البشرية والحياة على الكوكب في المستقبل، وعرجت (Ana Bazac) على المواطنة والفوائد المشتركة من العلم ، وتناول (Ioan-Claudiu Farcas)  قضية الذكاء الصناعي وتأثيرها على مشكل المواطنة.

القسم الثاني عشر احتوى على المواطنة والنوع والهويات الثقافية ودشنه (Ciprian Valcan) بورقة عن نقد سيوران للنموذج الثقافي الفرنسي، وتكلم (Jean Paul Niyigena) عن المواطنة على محك الهويات الأخلاقية، ثم حاول (Frédérick Armstrong) ايجاد نظرية غير ليبرالية لحقوق الأقليات من خلال نقد الزوايا الميتة لليبرالية كما قدمها ايل كامليشكا Will Kymlicka ، بعد ذلك وقع التطرق من طرف       (Lajos András Kiss) إلى الأنتليجنسيا في أوروبا الوسطى والمواطنة الغامضة عند باتوشكا وبيبلو، وأنهت (Irma Julienne Angue Meydoux) بالخوض في المساواة المواطنية بين الأنواع  كملكة حكم موزعة L’égalité citoyenne des genres comme faculté de jugement partagée.

القسم الثالث عشر ضم مقالين حول الأنثربولوجيا ، الأول ذكر فيه (Dominique Bouillon) أشياء عن الولادة الثقافية للإنسان من خلال حصوله على حقوق المواطنة في كتاب العقد الاجتماعي لروسو، والثاني اجتهد فيه  (Jean-François Petit) لكي يبرز طبيعة العلاقة القائمة بين المواطنة والاجتماعية.

الكسموبوليتية هو عنوان القسم الرابع عشر ، ولقد تضمن دراسة عن الكسموبولوتية من حيث هي نقد للايديولوجيات أثثها (Peter Kemp)، وقام (Gilbert Zuè-Nguéma) بالاجابة عن سؤال: أي قيمة راهنة لمفهوم المواطن العالمي؟ ، ثم خاض (Jacob Dahl Rendtorff) في مسألة المواطن الجيد والمشروع ونحن مفهوم المسؤولية المؤسساتية والكوسموبوليتية.

في حين نقل القسم الخامس عشر ورشة حول الدين والعنف والمواطنة شاركت فيها في المداخلة الأولى  (Fleur Courtois- l’Heureux) بورقة عن ميشيل دي سارتو حول الجسد الضائع والاحتراق المؤسساتي والأنطولوجي للأوهام، وبعد ذلك طرح (Evanghélos Mout- sopoulos) اشكالية الوحي وتحيين القيم المدنية، ثم عرّج (Anaïs Sironval) على قضية المواطنة والفلسفة عند les Bantous.

لقد خصص القسم السادس عشر بحوثا حول المواطنة والأديان والعلمانية ( اللاّئكية أو العلمنة) ولقد جاءت في البداية مداخلة  (Louis Perron) حول العقل العمومي والتعالي المدنس أو الدنيوي ، ثم تحدثت (Juan Carlos Moreno Romo) عن المواطن وإنسان الإيمان أو الإنسان الديني عند Miguel de Unamuno، بعد ذلك اهتم (Lutz Baumann) بالدين المدني عند روسو وكانط وفيخته.

أما القسم السابع عشر فقد تم تخصيصه لنقل فعاليات ورشة المواطنة بين الانفعالية والفاعلية التي أثثها مركز فلسفة القانون UCL، في البداية مداخلة (Délia Popa) كانت في الجماعة والاجتماعية والغيرية، ثم استخدم (Gábor Tverdota) عناصر في التحليل الفنومينولوجي من اجل وصف المواطن السلبي، بعد ذلك قدم (Oleg Bernaz) ورقة حول سلطات المراقبة والأشكال الجديدة من التدخل الفكري، ونقطة النهاية كانت مع (Fabio Bruschi) في الحق الاجتماعي في حقبة أزمة الدولة الديمقراطية-الاجتماعية.

مقتضى القول في القسم الثامن عشر حيث أثيرت جملة من المشكلات المتفرقة، في البداية انصب التفكير في العقل الايكولوجي للمواطنة الكوكبية من طرف(Georgeta Marghescu, Ion Marghescu)  ، بعد ذلك تم التطرق من قبل (Fatié Ouattara) إلى علاقة المواطن والجمهورية، ومسك الختام أعاد (Louis Carré)   التفكير في المواطنة الاجتماعية بين التبعية والاستقلالية.

لقد تضمن الكتاب مادة ثرية وعالج إشكالية المواطنة من زوايا نظر متنوعة وطرح قضايا ساخنة على غرار العلمانية ومكانة القناعات الدينية في الفضاء العمومي والتعدد الثقافي والتربية والتمثيل السياسي والحقوق الأساسية والتفاعل بين العلوم والتقنيات في المجتمع وركز بالخصوص على جون جاك روسو.

" إن المواطنة يجب أن تكون في نفس الوقت ظاهرة واقعية ومنزلة شرعية وسياسة تعطى إلى الأفراد في الدول وكذلك هي نمط مثالي للحياة يحقق الانسجام والتكامل بين الفضيلة الشخصية والروح المجتمعية"3[3]. فمتى تترسخ قيم المواطنة في المؤسسات السياسية وتنتقل من مجال المؤتمرات الفلسفية إلى مدار الفضاءات العامة؟

الهوامش والإحالات:

[1]  د زهير الخويلدي، الثورة العربية وإرادة الحياة، مقاربة فلسفية، الدار التونسية للكتاب، تونس،طبعة أولى، 2011 .ص176.

[2] La citoyenneté, Actes du XXIVème Congrès de l'Association des Sociétés de Philosophie de langue française (ASPLF),Louvain-la-Neuve/Bruxelles, 21-25 août 2012,Series:Bibliothèque Philosophique de Louvain,93; Editors:  Counet J.-M.

[3]  د زهير الخويلدي، الثورة العربية وإرادة الحياة، مقاربة فلسفية، مرجع مذكور، ص177.

المصدر:

La citoyenneté, Actes du XXIVème Congrès de l'Association des Sociétés de Philosophie de langue française (ASPLF),Louvain-la-Neuve/Bruxelles, 21-25 août 2012,Series:Bibliothèque Philosophique de Louvain,93; Editors:  Counet J.-M.

الرابط:

http://www.peeters-leuven.be/toc/9789042931695.pdf

المرجع:

د زهير الخويلدي، الثورة العربية وإرادة الحياة، مقاربة فلسفية، الدار التونسية للكتاب، تونس،طبعة أولى، 2011

  [1]  د زهير الخويلدي، الثورة العربية وإرادة الحياة، مقاربة فلسفية، الدار التونسية للكتاب، تونس،طبعة أولى، 2011 .ص176.

[2] La citoyenneté, Actes du XXIVème Congrès de l'Association des Sociétés de Philosophie de langue française (ASPLF),Louvain-la-Neuve/Bruxelles, 21-25 août 2012,Series:Bibliothèque Philosophique de Louvain,93; Editors:  Counet J.-M.

[3]  د زهير الخويلدي، الثورة العربية وإرادة الحياة، مقاربة فلسفية، مرجع مذكور، ص177.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق